مستقبل الصراع اللغوي في السودان و تحديات الهوية بين المكون العربي والإفريقي
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
زهير عثمان
يُعَدُّ السودان واحدًا من أكثر الدول تنوعًا من حيث اللغات والثقافات. هذا التنوع اللغوي يعكس تعقيدات الهوية والانتماء في البلاد، حيث يتداخل المكون العربي مع المكون الإفريقي في شكل من أشكال الصراع الثقافي الذي يمتد إلى الفضاء السياسي والاقتصادي. الصراع بين الهوية العربية والإفريقية هو جزء لا يتجزأ من المشهد السوداني الحالي، ولا سيما في ظل ثورة دعت إلى الحرية والتغيير لكنها واجهت تحديات معقدة تتعلق بإدارة هذا التنوع اللغوي والثقافي.
أولاً الواقع اللغوي في السودان
السودان يضم أكثر من 100 لغة ولهجة محلية تُتداول في مختلف الأقاليم. اللغات الرئيسية تشمل العربية (اللغة الرسمية)، بجانب لغات مثل النوبية، البجاوية، والعديد من اللغات الإفريقية الأخرى. هذا التعدد اللغوي يعكس بشكل مباشر التعدد الثقافي والإثني، مما يخلق ديناميكية خاصة تربط الهوية اللغوية بالانتماء السياسي والاجتماعي. وعلى الرغم من أن اللغة العربية تُعتبر اللغة الرسمية واللغة المشتركة بين معظم السكان، إلا أن الكثير من المجموعات اللغوية تعاني من التهميش اللغوي والسياسي، مما يعزز شعور التباعد الثقافي والانفصال بين هذه المجموعات والمركز.
ثانياً و الصراع هنا بين المكون العربي والإفريقي
الصراع بين المكون العربي والإفريقي في السودان ليس جديدًا، بل هو قديم قدم الدولة السودانية نفسها. المكون العربي يميل إلى فرض اللغة العربية كأداة للسيطرة الثقافية والسياسية، مما يجعله في مواجهة مع المكون الإفريقي الذي يشعر بالإقصاء والتهميش. تُعبّر اللغة في هذا السياق عن الهوية والانتماء؛ حيث ترى المجموعات الإفريقية في السودان أن فرض اللغة العربية هو جزء من مشروع هيمنة ثقافية تمارسه النخبة المركزية.
في هذا السياق، يُستخدم الترويج للغة العربية كلغة وطنية شاملة كأداة لتوحيد البلاد، ولكن في الوقت نفسه، يُعتبر من قِبَل المجموعات الإفريقية وسيلة لمحو هويتها الثقافية. النتيجة هي تعقيد إضافي للصراع السياسي والاجتماعي في السودان، حيث تتشابك الهوية اللغوية مع المسألة الإثنية والسياسية.
ثالثاً الشعارات السياسية والثورية ودورها في الصراع
خلال الثورة السودانية التي اندلعت في ديسمبر 2018، لعبت الشعارات دورًا محوريًا في توحيد الجماهير وإيصال مطالبها بالحرية، السلام، والعدالة. كانت هذه الشعارات باللغة العربية، وهي اللغة التي تجمع معظم السكان. لكن مع تصاعد المطالب بحقوق الجماعات المهمشة، برزت تساؤلات حول مكانة اللغات المحلية في هذا السياق.
لم تكن اللغات الإفريقية ممثلة بشكل كافٍ في الخطاب الثوري، مما عكس مرة أخرى التحدي المتمثل في تعزيز الهوية السودانية الجامعة مع احترام التعددية الثقافية واللغوية. هذا الفراغ اللغوي يعكس الانقسام بين المركز والأطراف، ويثير أسئلة حول ما إذا كانت الثورة السودانية تعبر حقًا عن كل مكونات الشعب السوداني، بما في ذلك الجماعات اللغوية والثقافية الإفريقية.
رابعاً التربويون وإصرارهم على فرض لغة معينة
من منظور تربوي، هناك جدل حول فرض اللغة العربية على حساب اللغات المحلية. الكثير من التربويين يرون أن فرض لغة واحدة في نظام تعليمي متنوع لغويًا قد يكون إقصائيًا ويعزز الفجوة الثقافية بين المكونات المختلفة. يشدد هؤلاء التربويون على أن التعليم المتعدد اللغات هو الحل الأمثل، حيث يمكن تعزيز اللغة العربية كلغة وطنية، ولكن دون إقصاء اللغات المحلية التي تمثل الهوية الثقافية للكثير من السودانيين.
التربويون الذين يعارضون فرض لغة واحدة يعتبرون أن استخدام اللغات المحلية في التعليم يمكن أن يعزز الاندماج الاجتماعي، ويقلل من التهميش الثقافي واللغوي، ويمنح الجماعات الإفريقية إحساسًا أكبر بالانتماء والمشاركة في بناء مستقبل البلاد.
خامساً ماهو الحد الأدنى لفرض لغة محلية على الأغلبية
في ظل الصراع بين المكون العربي والإفريقي، يمكن تصور حد أدنى لفرض لغة محلية على الأغلبية السكانية بطريقة لا تعزز الفاشية اللغوية أو التهميش. أحد الحلول الممكنة هو اعتماد اللغة المحلية كلغة للتدريس في المراحل الابتدائية في المناطق التي تتحدث بها، مع إدراج اللغة العربية كلغة ثانية أو ثالثة. هذا يتيح للأغلبية الناطقة بتلك اللغة المحلية الحصول على تعليم بجودة عالية بلغتهم الأم، مع ضمان أن اللغة العربية لا تزال تلعب دورًا محوريًا في توحيد البلاد.
سادساً التحديات والآفاق المستقبلية
مستقبل الصراع اللغوي في السودان يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة هذا التنوع من قِبَل الحكومة والمؤسسات الثقافية والتعليمية. اعتماد سياسات لغوية شاملة تحترم التعدد اللغوي وتوفر حقوقًا متساوية لكل المكونات اللغوية يمكن أن يكون جزءًا من الحل. في نفس الوقت، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لحل هذا الصراع، عبر إشراك جميع المكونات اللغوية في اتخاذ القرارات التي تخص مستقبل البلاد.
اللغات الإفريقية في السودان ليست مجرد وسائل تواصل، بل هي تمثيلات للهوية الثقافية والانتماء السياسي. إذا استمرت سياسة التهميش اللغوي، فمن المحتمل أن يظل الصراع بين المكون العربي والإفريقي مستمرًا، مع عواقب وخيمة على استقرار السودان ووحدته.
سابعاً نحو سياسة لغوية شاملة
لضمان مستقبل أكثر عدلاً وتوازنًا، يجب على الحكومة السودانية تبني سياسة لغوية تضمن العدالة اللغوية وتحترم جميع اللغات المحلية. هذه السياسة يجب أن تعتمد على , التعليم متعدد اللغات لابد من إدراج اللغات المحلية في المناهج الدراسية بشكل رسمي.
الاعتراف الدستوري و يجب أن تعترف الدساتير السودانية باللغات المحلية كجزء من الهوية الوطنية.
الإعلام والثقافة و يجب تعزيز اللغات المحلية في وسائل الإعلام والفن لتعزيز التفاهم بين المكونات المختلفة.
أن الصراع اللغوي في السودان ليس مجرد نزاع حول وسيلة تواصل، بل هو صراع عميق حول الهوية والانتماء. من المهم أن يُدار هذا الصراع بحكمة وعدالة، مع التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية دون التضحية بالتنوع الثقافي واللغوي. يمكن للسياسات التربوية واللغوية الشاملة أن تكون جزءًا من الحل لتحقيق السلام والعدالة في السودان.[/B]
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللغة العربیة الصراع بین
إقرأ أيضاً:
فيليبي فرانسيسكو.. برازيلي سحرته اللغة العربية فأصبح أستاذا بها
ووفقا لما ذكره في حلقة 2025/4/19 من بودكاست "مغارب"، فقد ولد فرانسيسكو -وهو أستاذ في اللهجات العربية أيضا- في مدينة ساو باولو سنة 1988.
ولا يمارس البرازيليون لغات أجنبية أخرى ومن الصعب أن تجد بينهم من يتحدث غير البرتغالية البرازيلية، كما يقول فرانسيسكو، لكن الجاليات العربية التي وصلت للبرازيل بنهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لعبت دورا في تشكيل الأجيال الجديدة من البرازيليين.
وبدأت علاقة فرانسيسكو باللغة العربية وهو في سن مبكرة جدا وذلك بسبب وجود عائلة عربية مجاورة له في السكن. وعندما وصل للمرحلة الجامعية، التحق بكلية الآداب ودرس اللغة العربية وأدبها والفلسفة العربية وبعض الحديث والقرآن والشعر والنثر.
وبعد انتهاء دراسته الجامعية كان فرانسيسكو يريد الذهاب إلى سوريا لمواصلة تعلم اللغة العربية لكن هذا كان في عام 2011 الذي اندلعت فيه الثورة السورية.
دراسة العربية في المغرب
وبسبب الحرب التي نشبت في سوريا أصبح من الصعب عليه الدراسة فيها، فتقدم للحصول على منحة في المغرب وأكمل دراسته هناك.
ولم يكن والدا فرانسيسكو يعرفان شيئا عن اللغة العربية أو الإسلام وكانا يعملان في الشرطة البرازيلية وكانت العائلة تعتقد أنه سيسلك نفس المسار، لكنه اتجه نحو اللغة العربية.
إعلانورغم أنه جمع بين دراسة اللغة العربية والعلاقات الدولية في نفس الوقت فإنه ترك الأخيرة بسبب انجذابه للعربية، رغم أنه كان مسيحيا وما زال.
وعزا فرانسيسكو هذا الانحياز إلى لحظة وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي لم يكن يسمع به إلا عندما دخلت عليهم الأستاذة في المحاضرة وأخبرتهم بأن واحدا من أهم الشعراء العرب قد توفي هذا اليوم.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستمع فيها لشعر محمود درويش، الذي جذبه بقوة ودفعه لترجمته إلى البرازيلية في وقت كان يشهد ندرة في المترجمين من العربية للبرازيلية.
وبالنظر إلى الاحتلال البرتغالي للمغرب فقد كان فرانسيسكو مهتما بالبحث عن أي ارتباط بين المغربية والبرتغالية البرازيلية وهو يمضي في دراسته، لأن البرتغاليين كانوا يحتلون البرازيل أيضا.
أثر العرب في البرازيلووفقا لفرانسيسكو، فإن أصول 6% من البرازيليين تعود إلى العرب الذين هاجروا لأسباب اقتصادية وسياسية خلال فترة الخلافة العثمانية، وأغلب هؤلاء المهاجرين كانوا مسيحيين.
وقد ساهم هؤلاء -حسب فرانسيسكو- في النهضة الثقافية البرازيلية من خلال نشر مجلات من أشهرها "العصبة الأندلسية"، وكانوا يستندون لحضارة الأندلس.
وكان أغلب المهاجرين العرب يعملون في التجارة أو كباعة متجولين وقد نجحوا في هذه المهنة وفي مهن أخرى مثل الطب والكتابة، مشيرا إلى وجود كتاب برازيليين مهمين من أصول لبنانية، فضلا عن نواب وساسة ووزراء وصولا إلى ميشال تامر الذي أصبح رئيسا للجمهورية.
كما هاجر كثير من المغاربة إلى البرازيل نهاية القرن التاسع عشر بسبب البحث عن الكاوتشوك، واستقروا بها، كما يقول فرانسيسكو، الذي أشار إلى أن كل هذه الأمور لم تكن كافية لإيجاد كليات متخصصة في تدريس اللغة العربية ومنح شهادة تخرج منها بأميركا اللاتينية.
فقد أشار المتحدث إلى أن البرتغال ليس بها كلية واحدة بها قسم للغة العربية على عكس إسبانيا، لافتا إلى أن أميركا اللاتينية كلها لم يكن بها حتى وقت قريب إلا جامعتان اثنتان فقط تمنحان شهادة تخرج في اللغة العربية، هما ساو باولو وريودي جانيرو.
إعلانوقال فرانسيسكو إن قسم اللغة العربية بجامعة ساو باولو تأسس على يد أستاذ مصري أرسله الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لهذا الغرض، بينما تأسس قسم جامعة ريودي جانيرو على يد أستاذ لبناني.
أما اليوم، فإن البرازيل تشهد إقبالا على تعلم اللغة العربية بسبب وجود كثير من المواطنين القادمين من أصول عربية ويتحدثون هذه اللغة في بيوتهم، وقد انضم لهم طلاب من غير أصول عربية، كما يقول فرانسيسكو.
19/4/2025