زهير عثمان

يُعَدُّ السودان واحدًا من أكثر الدول تنوعًا من حيث اللغات والثقافات. هذا التنوع اللغوي يعكس تعقيدات الهوية والانتماء في البلاد، حيث يتداخل المكون العربي مع المكون الإفريقي في شكل من أشكال الصراع الثقافي الذي يمتد إلى الفضاء السياسي والاقتصادي. الصراع بين الهوية العربية والإفريقية هو جزء لا يتجزأ من المشهد السوداني الحالي، ولا سيما في ظل ثورة دعت إلى الحرية والتغيير لكنها واجهت تحديات معقدة تتعلق بإدارة هذا التنوع اللغوي والثقافي.


أولاً الواقع اللغوي في السودان
السودان يضم أكثر من 100 لغة ولهجة محلية تُتداول في مختلف الأقاليم. اللغات الرئيسية تشمل العربية (اللغة الرسمية)، بجانب لغات مثل النوبية، البجاوية، والعديد من اللغات الإفريقية الأخرى. هذا التعدد اللغوي يعكس بشكل مباشر التعدد الثقافي والإثني، مما يخلق ديناميكية خاصة تربط الهوية اللغوية بالانتماء السياسي والاجتماعي. وعلى الرغم من أن اللغة العربية تُعتبر اللغة الرسمية واللغة المشتركة بين معظم السكان، إلا أن الكثير من المجموعات اللغوية تعاني من التهميش اللغوي والسياسي، مما يعزز شعور التباعد الثقافي والانفصال بين هذه المجموعات والمركز.
ثانياً و الصراع هنا بين المكون العربي والإفريقي
الصراع بين المكون العربي والإفريقي في السودان ليس جديدًا، بل هو قديم قدم الدولة السودانية نفسها. المكون العربي يميل إلى فرض اللغة العربية كأداة للسيطرة الثقافية والسياسية، مما يجعله في مواجهة مع المكون الإفريقي الذي يشعر بالإقصاء والتهميش. تُعبّر اللغة في هذا السياق عن الهوية والانتماء؛ حيث ترى المجموعات الإفريقية في السودان أن فرض اللغة العربية هو جزء من مشروع هيمنة ثقافية تمارسه النخبة المركزية.

في هذا السياق، يُستخدم الترويج للغة العربية كلغة وطنية شاملة كأداة لتوحيد البلاد، ولكن في الوقت نفسه، يُعتبر من قِبَل المجموعات الإفريقية وسيلة لمحو هويتها الثقافية. النتيجة هي تعقيد إضافي للصراع السياسي والاجتماعي في السودان، حيث تتشابك الهوية اللغوية مع المسألة الإثنية والسياسية.
ثالثاً الشعارات السياسية والثورية ودورها في الصراع
خلال الثورة السودانية التي اندلعت في ديسمبر 2018، لعبت الشعارات دورًا محوريًا في توحيد الجماهير وإيصال مطالبها بالحرية، السلام، والعدالة. كانت هذه الشعارات باللغة العربية، وهي اللغة التي تجمع معظم السكان. لكن مع تصاعد المطالب بحقوق الجماعات المهمشة، برزت تساؤلات حول مكانة اللغات المحلية في هذا السياق.
لم تكن اللغات الإفريقية ممثلة بشكل كافٍ في الخطاب الثوري، مما عكس مرة أخرى التحدي المتمثل في تعزيز الهوية السودانية الجامعة مع احترام التعددية الثقافية واللغوية. هذا الفراغ اللغوي يعكس الانقسام بين المركز والأطراف، ويثير أسئلة حول ما إذا كانت الثورة السودانية تعبر حقًا عن كل مكونات الشعب السوداني، بما في ذلك الجماعات اللغوية والثقافية الإفريقية.
رابعاً التربويون وإصرارهم على فرض لغة معينة
من منظور تربوي، هناك جدل حول فرض اللغة العربية على حساب اللغات المحلية. الكثير من التربويين يرون أن فرض لغة واحدة في نظام تعليمي متنوع لغويًا قد يكون إقصائيًا ويعزز الفجوة الثقافية بين المكونات المختلفة. يشدد هؤلاء التربويون على أن التعليم المتعدد اللغات هو الحل الأمثل، حيث يمكن تعزيز اللغة العربية كلغة وطنية، ولكن دون إقصاء اللغات المحلية التي تمثل الهوية الثقافية للكثير من السودانيين.
التربويون الذين يعارضون فرض لغة واحدة يعتبرون أن استخدام اللغات المحلية في التعليم يمكن أن يعزز الاندماج الاجتماعي، ويقلل من التهميش الثقافي واللغوي، ويمنح الجماعات الإفريقية إحساسًا أكبر بالانتماء والمشاركة في بناء مستقبل البلاد.
خامساً ماهو الحد الأدنى لفرض لغة محلية على الأغلبية
في ظل الصراع بين المكون العربي والإفريقي، يمكن تصور حد أدنى لفرض لغة محلية على الأغلبية السكانية بطريقة لا تعزز الفاشية اللغوية أو التهميش. أحد الحلول الممكنة هو اعتماد اللغة المحلية كلغة للتدريس في المراحل الابتدائية في المناطق التي تتحدث بها، مع إدراج اللغة العربية كلغة ثانية أو ثالثة. هذا يتيح للأغلبية الناطقة بتلك اللغة المحلية الحصول على تعليم بجودة عالية بلغتهم الأم، مع ضمان أن اللغة العربية لا تزال تلعب دورًا محوريًا في توحيد البلاد.
سادساً التحديات والآفاق المستقبلية
مستقبل الصراع اللغوي في السودان يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة هذا التنوع من قِبَل الحكومة والمؤسسات الثقافية والتعليمية. اعتماد سياسات لغوية شاملة تحترم التعدد اللغوي وتوفر حقوقًا متساوية لكل المكونات اللغوية يمكن أن يكون جزءًا من الحل. في نفس الوقت، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لحل هذا الصراع، عبر إشراك جميع المكونات اللغوية في اتخاذ القرارات التي تخص مستقبل البلاد.
اللغات الإفريقية في السودان ليست مجرد وسائل تواصل، بل هي تمثيلات للهوية الثقافية والانتماء السياسي. إذا استمرت سياسة التهميش اللغوي، فمن المحتمل أن يظل الصراع بين المكون العربي والإفريقي مستمرًا، مع عواقب وخيمة على استقرار السودان ووحدته.
سابعاً نحو سياسة لغوية شاملة
لضمان مستقبل أكثر عدلاً وتوازنًا، يجب على الحكومة السودانية تبني سياسة لغوية تضمن العدالة اللغوية وتحترم جميع اللغات المحلية. هذه السياسة يجب أن تعتمد على , التعليم متعدد اللغات لابد من إدراج اللغات المحلية في المناهج الدراسية بشكل رسمي.
الاعتراف الدستوري و يجب أن تعترف الدساتير السودانية باللغات المحلية كجزء من الهوية الوطنية.
الإعلام والثقافة و يجب تعزيز اللغات المحلية في وسائل الإعلام والفن لتعزيز التفاهم بين المكونات المختلفة.
أن الصراع اللغوي في السودان ليس مجرد نزاع حول وسيلة تواصل، بل هو صراع عميق حول الهوية والانتماء. من المهم أن يُدار هذا الصراع بحكمة وعدالة، مع التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية دون التضحية بالتنوع الثقافي واللغوي. يمكن للسياسات التربوية واللغوية الشاملة أن تكون جزءًا من الحل لتحقيق السلام والعدالة في السودان.[/B]

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اللغة العربیة الصراع بین

إقرأ أيضاً:

الموانئ السودانية بين مطامع الاستثمار الأجنبي ومحاولات تشويه صورة البجا لإفشال الإدارة المحلية

erkyamon@gmail.com

مقدمة:

في ظل التنافس الدولي المتصاعد للسيطرة على سواحل البحر الأحمر، تبرز الموانئ السودانية كإحدى أهم الأهداف الاستراتيجية لمختلف الدول، بما في ذلك الصين عبر مشروع "طريق الحرير" ومطامع أخرى من دول إقليمية وعالمية تسعى لتعزيز نفوذها التجاري والعسكري. وسط هذه الأجواء، تتعالى الأصوات التي تهاجم إدارة الموانئ المحلية، متهمة إياها بالفشل والفساد، بالإضافة إلى حملات منظمة تهدف لتشويه صورة شعب البجا الأصيل الذي كانت ولا تزال الموانئ السودانية في أرضه منذ نشأتها. هذه الاتهامات، التي تفتقر لأدلة موثوقة، تثير الشكوك حول وجود دوافع سياسية واقتصادية خفية تسعى لتهيئة الأجواء أمام الاستثمارات الأجنبية. فهل هذه الانتقادات تعكس واقعًا بائسًا، أم أنها جزء من مخطط خبيث يستهدف إفشال الإدارة المحلية وتسليم الموانئ لمستثمرين أجانب؟

1. الطريق البري والميناء الجنوبي بين تعنت حكومة قحت ورفض البجا:

خلال فترة حكومة قحت، شهدت الموانئ السودانية والطريق البري احتجاجات واسعة قادها شعب البجا بسبب تعنت الحكومة في محاولة فرض المسار الإريتري في اتفاقية محاصصة جوبا، وكذلك استمرارها في نهج نظام الإنقاذ بمحاولات خصخصة الموانئ وتسليمها لشركات أجنبية، مثل الشركة الفلبينية الإماراتية. هذه المحاولات لم تقتصر فقط على خصخصة الموانئ، بل امتدت إلى مساعٍ لبيع مرسى أبو عمامة لأسامة داؤود، صديق حمدوك، وتحويله إلى ميناء إماراتي، مما أثار غضب البجا الذين أدركوا بوضوح خطورة هذه المخططات على سيادة السودان.

ما يُثير الاستغراب هو الربط المتعمد بين احتجاجات البجا وإغلاقهم للطريق القومي والموانئ باعتصام القصر والانقلاب، وهو ما روج له إعلام قحت، إلى جانب الإعلام الإريتري وهيئة موانئ أبو ظبي. والحقيقة التي تم تجاهلها عمدًا أن البجا لم يشاركوا في اعتصام القصر، بل كان المشاركون فيه هم بعض الإريتريين عن طريق الأمين داويد وجماعته، مما يكشف حجم التضليل الذي تمارسه هذه الجهات لتشويه موقف البجا الرافض لخصخصة الموانئ.

---

2. خبث التشويه الممنهج ضد البجا:

إن الاتهامات التي تروج لها بعض الجهات بسرقة أمتعة المسافرين وتهديدهم، مع التركيز على أن معظم العمال ينتمون لمكونات شعب البجا، تعكس نية مبيتة لتشويه صورة هذا الشعب الأصيل المعروف عبر التاريخ بأمانته ونزاهته. الموانئ السودانية، التي أنشئت على أرض البجا منذ القدم، لم يسجل التاريخ أي حوادث تقدح في أمانتهم أو نزاهتهم، مما يجعل هذه الاتهامات تبدو كحملة مدروسة تستهدف إضعاف موقفهم الرافض لبيع الموانئ أو تأجيرها لجهات أجنبية.

إن محاولة تحييد أهلنا البجا عبر هذه الحملات الخبيثة لا تهدف فقط إلى إضعاف موقفهم، بل إلى تهيئة الأجواء لتسليم الموانئ لمستثمرين أجانب تحت ذريعة الفشل المحلي. هذه السياسة تحمل في طياتها أبعادًا خطيرة تسعى إلى إقصاء المكونات الأصيلة للشعب السوداني لصالح أجندات خارجية.

3. الأبعاد السياسية والاستراتيجية: مطامع الاستثمار الأجنبي:

البحر الأحمر يمثل شريانًا استراتيجيًا للتجارة العالمية، والموانئ السودانية تُعد بوابة رئيسية للتجارة الأفريقية. مع دخول الصين بمشروع "طريق الحرير" ومشاركة دول أخرى مثل الإمارات والسعودية، يتزايد التنافس على هذه الموانئ. في هذا السياق، تبرز عدة دوافع سياسية تقف خلف محاولات إفشال الإدارة المحلية، منها:

1. تحجيم الدور الصيني: تسعى بعض الدول الغربية إلى عرقلة النفوذ الصيني المتزايد على الموانئ السودانية، وذلك عبر دعم مشروعات استثمارية بديلة أو تشويه الإدارة المحلية لإجبار الحكومة على اللجوء لمستثمرين أوروبيين أو أمريكيين.

2. تعزيز النفوذ الإقليمي: دول إقليمية، مثل الإمارات والسعودية، ترى في الموانئ السودانية وسيلة لتعزيز نفوذها على البحر الأحمر. لذلك، فإن أي فشل للإدارة المحلية يمثل فرصة سانحة للاستحواذ على هذه الموانئ بعقود طويلة الأجل.

4. ضرورة الرد القانوني الحاسم:

لا يمكن الاكتفاء بالنفي الإعلامي أو الدفاع الضعيف أمام هذه الحملات، بل يجب تبني استراتيجية قانونية حازمة تشمل:

1. فتح بلاغات إشانه سمعة: ينبغي على السلطات السودانية فتح بلاغات إشانه سمعة ضد كل من يروج لمحتويات تسيء لشعب البجا أو تشوه سمعة الموانئ السودانية، وفقًا لقوانين المعلوماتية التي لا ترحم من يتعمد نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة.

2. تطبيق قوانين المعلوماتية بحزم: يتوجب على السلطات المعنية ملاحقة ومحاسبة كل من يصنع محتوى مسيء لأي من مكونات السودان، وتفعيل العقوبات المنصوص عليها في قوانين الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية دون تردد.

3. بيانات رسمية لرد الاتهامات: إصدار بيانات رسمية من إدارة الموانئ والجهات السيادية في السودان للرد على هذه الاتهامات بنزاهة وشفافية، مع تقديم الأدلة التي تدحض هذه الشائعات.

خاتمة:

الموانئ السودانية تمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني والسيادة، وتسليمها لمستثمرين أجانب تحت ضغط الانتقادات الداخلية وحملات التشويه ليس حلاً مستدامًا. على الحكومة السودانية أن تدرك أن الحفاظ على هذه الموانئ يتطلب خطة استراتيجية توازن بين حاجتها للاستثمارات وبين حماية سيادتها الوطنية.

إن محاولة تشويه صورة شعب البجا، الذين لطالما عرفوا بأمانتهم ورفضهم القاطع لبيع الموانئ، تكشف حجم التآمر والخبث السياسي الذي يسعى لتحييد الأصوات الوطنية المخلصة. الرد الأمثل يتمثل في التماسك الوطني والتمسك بسيادة السودان على موانئه، مع اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد كل من يسعى لتشويه صورة المكونات الأصيلة للشعب السوداني.

#لا_لبيع_موانئ_السودان #ضد_التشويه_الممنهج #سيادة_سودانية_لااستثمار أجنبي
#لا_لإقصاء_البجا #ضد_المؤامرات_الخارجية  

مقالات مشابهة

  • المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
  • محمد أبوزيد كروم: إبتزاز السلاح .. وحديث مناوي!!
  • المقريف يلتقي مسؤولين بالسفارة الفرنسية لبحث تطوير التعليم اللغوي
  • الموانئ السودانية بين مطامع الاستثمار الأجنبي ومحاولات تشويه صورة البجا لإفشال الإدارة المحلية
  • لغة استقلال الهند.. حرب اللغات في شبه القارة تستهدف الأردية المتأثرة بالفارسية والعربية
  • بعد إعلان جدول الثانوية العامة 2025 |مواصفات امتحان العربي لطلاب النظام الجديد
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يشارك في معرض لندن الدولي للكتاب 2025م
  • السودان يكشف عن تحديات تواجه مكافحة المخدرات بعد سيطرة الدعم السريع على مناطق إنتاجها
  • رئيس جامعة الأزهر: اللغة العربية تاج البيان وأعظم وسيلة للتعبير عن الندم في القرآن
  • “روتشستـــر دبـــي” تسلط الضوء على دور الأسرة في الحفاظ على اللغة العربية بالإمارات