رُزئتْ الدبلوماسية السودانية مثلما رزئت ساحات الأدب في السودان برحيل الدبلوماسيّ المطبوع والمفكر الأريب والشاعر الفطحل محمد المكي ابراهيم ، رحيلاً حزيناً إثر علة تركته في غيبوبة فاضت روحه بعدها ، في اليوم التاسع والعشرين
من سبتمبر 2024 الموافق 26 ربيع الأول1446 هـ.
يعتبر الرَّاحل من الجيل الثاني للدبلوماسية السّـودانية ، في ارتقائها في سـنوات شهدتْ تحـديات ومنعطـفات على المستويين الإقليمي والـدولي ، في معمعـة حقـبة الحرب الباردة والسَّودان يسعى لتوطيد وجوده أفـريقيا وعربيا ، وصوتاً مؤثرا في تلكما الساحتين.

وقـد واكب سهمه الدبلوماسي الذي تجلى في نشــاطه المهـني في العديد من سفارات السودان في أوروبا وآسيا وأفريقيا ، فأنجز وأوفى.
ولقـد كان في ثراء تجـاربه الدبلوماسية والحيـاتيـة ، ما أضفى على قــدراته الأدبية بُعداً عمَّـق من انجازاته الفكرية والشعرية . ولإفصاحه في التعبير البـديع عـن وجدان شعبه ، أسبغ عليه شعبُ بلاده لقب شـاعر الأكتوبريات ، كأحد أعظم شـعراء هَـبَّـة السُّـودانيين في 21 أكتوبر عام 1964، نشـداناً للحـرية والانطـلاق بالسَّـودان، عملاقاً في ساحات انتمائه الأفريقي والعربي. ولقد أفسحتْ تجاربه تلك في مســاهماته الفكرية الثاقـبة لتحديد النظر في مكوّنات الهوية السودانية بالعمق اللازم والمُـلحِّ ، فكان ســهمه الصميم صــائباً في بناء طرح "الغــابة والصحـراء" مــع مجـايليه من شــعراء ومفكـري تلـك الحقبة، إضاءة عزَّزتْ تميّـز السودان كتفاعل بين انتمائين ، أفريقي وعربي.
ترك الراحل إرثاً فكريا ثرياً ومعتبراُ، في الشعر كما في النثر ، يعزز مكانته السامية ، مفكراً ودبلوماسيا وشاعرا ، ملك إمارة الشعر في السودان حتى ســاعة
رحيله المحزن.
وإذ ننعي الراحل العظيم، نسأل الله له القبول مع الشهداء والصديقين وحسن أولئـك رفيقا، وأنزل الله السكينة والصبر على أهله ورفاقه وزملائه وتلاميذه في الدبلوماسية والأدب.

القاهرة في 3 أكتوبر 2024م  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

د.ابراهيم الصديق علي يكتب: شهداء فى حضرة الوطن

هل لاحظتم فى غالب احتفاءات الشهداء ، تلك البساطة فى الوجوه والبساطة فى المساكن والبيوت..؟ طبيعة المجتمعات وملامح الوجوه ، هى اقرب للبداوة والريف من سمات المدينة ؟.. ولكنهم كانوا حضوراً هناك للدفاع عن المدينة ؟..

هل لفت انتباهكم فى استقبالات القادمين من حصار القيادة العامة وقبلها المهندسين والاشارة كيف تتدافع الامهات والاخوات وعليهن ثياب كافية للستر فحسب ، والعيون غائرة من رهق السنين ومصاعب الحياة..؟ لا يملكون ثروات أو بيوت فخمة ، بل بيوت متواضعة كافية للظل من لهيب شمس الصيف ولفح السموم ، ومن زيف الشتاء ، قليلة من كل شىء إلا المودة والتراحم..

لقد خرجوا من هذه البيوت والازقة المتربة يدافعون عن الوطن والأرض والعرض ، لا يملكون من الدنيا سوى هذا اليقين وذلك الإيمان الدافق وعلو الهمة.. ليس لديهم فى الخرطوم شواهق مباني ولا كثير تجارة أو مكاتب وثيرة ، وإنما جاءوا اليها لإنها رمز وعاصمة وتاريخ.. ولإنها كرامة أمة وعزة وطن …

تنادوا للدفاع عن قيمهم دون اطماع ، حتى إذا صدوا عاديات العدوان الغاشم واسقطوا طغيان هؤلاء البرابرة المتوحشين ومن حولهم عادوا إلى ديارهم وبيوتهم وحياتهم تلك وانخرطوا فى مجتمعاتهم ، تعلو وجوههم ابتسامة الرضا ، وفى تقاسيمهم عزيمة البحث عن الرزق الحلال ، لا يغشون منتديات ومنابر المدن المترفة أو احاديث اللقاءات الباهتة فقد كتبوا مقالاتهم بالدم والعرق والجراح وتنشقوا غبار ودخان المعارك وعايشوا رحيل اخوانهم من بينهم شهداء و قد توسدوا الثرى أو جرحى ما زالت فى اجسادهم رصاصة أو جرح غائر ، ذهبوا وتركوا الحديث لآخرين.. واغلبهم ربما لم تطأ قدمه مدخل فندق..

حملوا ارواحهم رخيصة على أكفهم ، تركوا الدنيا ، واختاروا ذلك الرباط وذلك السمو ، وارتضوا مواجهة الموت ، النيران والقصف والمسيرات والقناصة ، هل لهذا مقابل فى الدنيا ، هل هناك ثمن للحياة فى الدنيا ؟.. لقد عرفوا معنى الشهادة والفداء فى حضرة الوطن.. ولذلك جاءوا من تلك البيوت ورضعوا هناك معنى أن يكون لك وطن فى حدقات العيون..

د.ابراهيم الصديق على
15 فبراير 2025م..

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لماذا فشلت كل المبادرات الإفريقية في تحقيق أي اختراق لحل الأزمة السودانية؟
  • د.ابراهيم الصديق علي يكتب: شهداء فى حضرة الوطن
  • المغرب يدعو بأديس أبابا لتغليب الحلول الدبلوماسية في نزاعي السودان والكونغو الديموقراطية
  • الحكومة السودانية: مشاركة غوتيريش وموسى فكي في مؤتمر الإمارات بأديس أبابا محاولة تبييض صفحة أبوظبي الملطخة بدماء أهل السودان
  • الفرق الإسعافية والتطوعية بهيئة الهلال الأحمر تنقذ معتمرًا باكستانيًا في الحرم المكي
  • رحيل “الرمح الملتهب”.. ايقونة الهلال وأسطورة الكرة السودانية علي قاقرين
  • جامعة حلوان تستقبل سفير السودان والمستشار الثقافي لبحث دعم الطلاب السودانيين
  • والي الخرطوم ينعي الدبلوماسي علي قاقرين
  • قوى الأمن تنعي شهيدها الرّقيب أول خليل فيّاض
  • آلاف السودانيين مهددون بالجوع بعد تجميد المساعدات الأميركية