نهضة رواندا….امة تنهض من ركام الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
٢
بقلم عبد الاله حسن محمد
بعد قضاء يومين في فندق لبنان انتقلت إلى فندق آخر في حي ريميرا نفسه بأسم جيهوزوGihozo ، كانت تكلفة اليوم حوالي ٣٥ دولار امريكي، وكالمعتاد كان الفندق نظيفاً ومرتباً ومساحته واسعة. الغرفة واسعة جداً، تحتوي على سرير اكبر من حجم الكينغ وثلاجة ومكان للجلوس وتلفزيون حديث يمكنك مشاهدة اليوتيوب فقط.
بعد أن استقرت الأمور من ناحية السكن قمت بزيارة مجلس تنمية رواندا (Rwanda Development Board) وهو إدارة حكومية تأسست بخبرة عالمية في عام 2009، يعد نموذجاً لأفضل الممارسات العالمية ويعمل كمركز شامل للأعمال والاستثمارات، الهدف منه تنسيق وتحفيز وتعزيز التنمية الاقتصادية الوطنية. ويضم مجلس تنمية رواندا وكالات مسؤولة عن تسجيل الأعمال والاستثمار، والموافقات البيئية، والخصخصة والوكالات المتخصصة التي تدعم القطاعات ذات الأولوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياحة وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة وتنمية القدرات البشرية في القطاع الخاص وقسم للهجرة وفرع لبنك كيغالي. وكذلك يقدم المجلس الدعم للمستثمرين طوال مراحل استثماراتهم، وذلك لضمان بقاء رواندا واحدة من أكثر الأماكن تنافسية لممارسة الأعمال في أفريقيا والعالم.
أثناء زيارتي لفت انتباهي أن معظم العاملين هن من النساء دون الثلاثين من العمر. استقبلتني احداهن بابتسامة وترحاب وهي تحمل لابتوب. أوضحت لها هدفي من الزيارة فشرحت لي بصوت هادي ولغة انجليزية واضحة، فرص ومجالات الاستثمار في رواندا مشيرة إلى رؤية الرئيس بول كاغامي في تعزيز الاستثمارات الاجنبية لكي تكون رواندا دولة حديثة وناجحة. اطلعتني على قائمة الاستثمارات المرغوبة في القطاعات المختلفة. ثم أرشدتني إلى قسم الهجرة حيث قابلت الضابط المسؤول من الهجرة. شرحت له رغبتي في معرفة شروط الحصول على إقامة للمتقاعدين الأجانب في رواندا. اوضح لي كيفية الحصول على الإقامة ودلني على موقعهم في الانترنت. كل ما يطلبونه هو اثبات دخل كافٍ للاستقرار في رواندا وذلك بتقديم نسخة من شهادة المعاش وتقرير من الشرطة في الدولة التي تقيم فيها، بالإضافة إلى فتح حساب بنكي وايداع مبلغ مالي فيه. سالته عن تفاصيل المبالغ المطلوبة أجاب بأن الدخل شهري بين ١٠٠٠ و ١٥٠٠ دولار امريكي بينما الحد الأدنى للإيداع هو مبلغ ٣ الف دولار امريكي.
بعد جمع المعلومات وأنا في طريقي إلى بوابة الخروج قابلتني شابة أخرى بابتسامة وسألتني هل بحاجة إلى مساعدة؟ ثم قادتني إلى مكتبها بعد أن عرفتني بأنها تعمل مع بنك كيغالي. شرحت لي كيفية فتح حساب بنكي بأي عملة رئيسية مثل الفرانك الرواندي أو الدولار الأمريكي وأشارت إلى أن هناك حسابات ادخار بفائدة تصل إلى ١٢٪ وهذا عائد مجزي، فقط يكون معك وثيقة هوية وصورة بحجم جواز السفر. شكرتها على معلوماتها القيمة ثم انصرفت.
من امام المبني استقليت دراجة نارية طلبت منه توصيلي إلى كيغالي هايتس في مركز المدينة. لم يعرف المكان فشرحت له من خلال خرائط قوقل كيفية الوصول اليه. أومأ برأسه ثم ناولني خوذة، وأدار عداد السرعة الخاص به، وركل محركه ليعمل وانطلقنا. الرحلة في الغالب صعود و هبوط مع امتدادات قصيرة من الأرض المسطحة، كل كيلومتر يضاعف من دهشتي. إن فهم جغرافية كيغالي ليس بالأمر السهل، وهي مهمة تصبح أكثر صعوبة إذا جلست على دراجة نارية مرتديًا خوذة، ولكن حتى من خلال الجزء الخلفي من دراجة نارية، تشعر بان كيغالي تتناقض تماماً مع الصورة النمطية لمدن العالم الثالث. البنية التحتية والنظام من الدرجة الأولى. الشوارع والمباني واضحة المعالم بلوحات مرقمة، ونظافة وتنظيم مذهلين. إنه حقاً لأمر مدهش!
بعد حوالي ١٥ دقيقة من المناورات البارعة في الشوارع المتعرجة وصلنا إلى كيغالي هايتس في وسط المدينة، وهو مجمع ضخم يحتوي على مكاتب لشركات ومنظمات عالمية ومحلات تجارية ومساحات واسعة لوقوف السيارات. أعطيت السائق ١٥٠٠ فرانك رواندي، ما يعادل دولار امريكي تقريباً. دخلت مجمع التسوق الضخم، أمرني حارس الامن بالمرور عبر الماسح الضوئي. كان المجمع مزدحماً ببعض المتسوقين، سلكت طريقي عبر الممرات الواسعة للمول متسوقاً عبر المنافذ، لم يزعجني أحد بالإلحاح على الشراء فقط يدعونك بتواضع إلى زيارة محلاتهم التجارية، لاحظت غياب المحلات التجارية العالمية المشهورة. أخذت مقعداً في مقهى أسمه جافا هاوس، مقهى كيني منتشر في شرق أفريقيا، مرتبة ونظيفة ورائحة القهوة تملأ المكان ، النادلات يرتدين ملابس انيقة يتجولن حول الزبائن. كان مقعدي يطل على الشرفة المطلة علي مبنى مؤتمرات كيغالي، يضم فندق خمسة نجوم اسمه راديسون بلو، قاعة للمؤتمرات ومجمع (Park) كيغالي لتكنولوجيا المعلومات. أحضرت لي وهي تبتسم قائمة الطعام. طلبت كوب من القهوة الرواندية بها نكهات خفيفة من الجنزبيل والكراميلا واقل كثافة من قهوة ستاربوكس الامريكية التي تعودت عليها. بعد تناول القهوة خرجت من المول وأخذت هذه المرة عربة أجرة. جلست في المقعد الخلفي وانا استمتع بنسيم الهواء. ممرنا بشارع يضم بعض السفارات والقصر الرئاسي ومقر الشرطة وعدد من الوزارات الحكومية. كل الشوارع نظيفة ومرتبة . كنت اسأل نفسي هل تمت المجزرة في هذه الشوارع؟ هل كانت تلك الشوارع غابات اخفت في جوفها الهاربين من المجزرة؟ وصلت إلى الفندق في ضاحية كسمنتي المزدحم بالمارة والسيارات والدرجات النارية. دفعت للسائق عشرة الف فرانك رواندي، حوالي ٧ دولارات أمريكية.
في اليوم التالي قررت زيارة النصب التذكاري للإبادة الجماعية (النصب التذكاري). أخذت سيارة أجرة من أمام الفندق لزيارة الموقع. لأول مرة ألتقي رواندي يتحدث عن المجزرة، كان عمره حوالي الثلاثة أعوام، كل أقربائه وجيرانه قد قتلوا في تلك المجزرة ماعدا احدى شقيقات والدته التي تبنته. لم اسأله عن قبيلته، أرجح من صياغ حديثه أنه من التوتسي. أوصلني إلى امام البوابة الرئيسية وأنصرف. هنالك حارس أمن مسلح يقف في بوابة السور، أمرني بابتسامة بالمرور. عند المدخل الرئيسي للنصب التذكاري، استقبلتني فتاتان في منتصف العشرينات. سألتهم عن سعر تذكرة الدخول، فأجابت أحداهن بأن الدخول مجاني، وأشارت إلى صندوق تبرعات لمن يرغب. كما أوضحت لي أنه يمكنني استئجار جهاز صوتي صغير كدليل مقابل ٢٠ دولار أمريكي، فأخذته. يضم النصب التذكاري ثلاثة معارض دائمة، أكبرها يوثق الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي. يوجد أيضًا نصب تذكاري للأطفال ومعرض عن تاريخ عنف الإبادة الجماعية حول العالم. يساهم المركز التعليمي والحدائق وأرشيف الإبادة الجماعية في رواندا في تكريم هادف لأولئك الذين لقوا حتفهم، ويوفر تجربة تعليمية فريدة للزوار.
داخل المركز يبدو هادئاً لكنه يحمل في طياته إحساساً بالخداع، حيث تبدأ في الشعور بتوتر ورهبة بمجرد دخولك إلى صالات المعارض. الزوار الأجانب من الاوربيين وبعض الافارقة ينظرون بهدوء في حيرة إلى الوثائق الأرشيفية والصور ومقاطع الفيديو المعروضة باللغات الكينيارواندا والإنجليزية والفرنسية. كلما تقدمت من غرفة إلى أخرى، تصبح الصور مزعجة. كمية من الأسلحة والجماجم البشرية معروضة داخل صناديق زجاجية تجعلك تشعر برغبة في البكاء. إحدى الناجيات من المجزرة تصف المشهد المروع الذي عاشته، حيث كانت هي واطفالها وجمع كبير من الناس محاصرين في ساحة عامة، بينما كانت مجموعة مسلحة بالسواطير وأدوات حادة تهاجمهم بلا هوادة، واحياناً يتعبون من القتل ويأمرونهم بقتل بعضهم البعض، بين صرخات الكبار والأطفال، في لحظات مشحونة بالرعب والفوضى، لكن فجأة ساد صمت في المكان، وكأنهم قد استسلموا للواقع المرير وتقبلوا مصيرهم المحتوم. لقد كان مشهداً مروعا يكشف بوضوح مدى الشر الكامن في النفس البشرية.
الغرفة الخاصة بالأطفال مرعبة ومزعجة بصورة أعمق. تفاصيل معروضة بجوار صورهم، الأطعمة والأنشطة المفضلة لكل طفل. الأمر أشبه بمشاهدة ألبوم عائلي ــ إلا أنه ينتهي فجأة بإخماد حياة الطفل بعنف، آلاف الصور، تلاحظ أن الزوار يتجنبون النظر في عيون الزوار الآخرين بسبب الدموع .
لتقديم منظور تاريخي، يقدم المعرض الداخلي أيضًا شرح وتوضيح لبعض الإيديولوجيات الشريرة التي أثارت أكبر مذابح الإبادة الجماعية في العالم من الإبادة الجماعية في ناميبيا إلى الهولوكوست في المانيا والتطهير العرقي في كوسوفو، مما يشير بأن مثل هذه الجرائم هي ظاهرة عالمية وليست محصورةً في افريقيا. للأسف لم اجد ذكر لحوادث العنف في السودان اثناء الحروب الأهلية في الجنوب ودارفور ربما كانت على نطاق أصغر. آمل أن تجد حوادث السودان المستمرة حتى اليوم مركزاً في الخرطوم يسلط الضؤ عليها حتى لا تتكرر في المستقبل.
لم يكن الموت النتيجة الوحيدة للإبادة الجماعية. فقد تعرض عدد كبير من السكان للتعذيب والتشويه والاغتصاب والجروح الناجمة عن السواطير وجروح الرصاص والعدوى والمجاعة. وسقطت البلاد في حالة من الفوضى والنهب، ودُمرت بنيتها التحتية وتمزقت قدرتها على الحكم إلى أشلاء.
بدأت الإبادة الجماعية رسمياً في السادس من أبريل/نيسان 1994 واستمرت مائة يوم وغضت أغلب القوى العالمية الطرف عنها. وخرج الفرنسيون في غضون الأيام القليلة الأولى ولم تقم الأمم المتحدة إلا بعمل الحد الأدنى من الواجب. لم يتم الإبلاغ عن الكثير في وسائل الإعلام العالمية، ورغم وجود بعض الأفراد الشجعان الذين قاتلوا، إلا أن جهودهم لم تكن كافية في النهاية. يبدو من الاجحاف أن نحاول اختصار سبب هذا الحدث المروع في سبب واحد، ولكن من اطلاعي قبل زيارة المركز وبعد زيارته، يمكنني القول بأن السبب الرئيسي للإبادة الجماعية هي الإيديولوجية الاستعمارية "فرق تسد".
عندما وصولي إلى المخرج من المعارض الداخلية، كنت أتوق إلى ضوء النهار والهواء النقي. لقد استنفدت كل طاقتي. خطوت خارجًا. تحيط بالمركز حدائق هادئة للتأمل، تم إنشاؤها كما لو كانوا يعرفون أن الزوار سيحتاجون إلى إعادة تهدئة أنفسهم بعد هذه التجربة التي هزت المشاعر الإنسانية. أستنشق وأزفر بقوة و إشعر بقليل من الارتياح حتى وصلت إلى المقابر. تخدم المقابر الجماعية المغطاة بألواح عملاقة من الخرسانة لقرابة نصف مليون ضحية كمكان للزوار لتكريم المفقودين، ولأحباء الضحايا للحزن والتذكر.
في مكتبة الكتب التذكارية عن المجزرة وجدت كتاب "مصافحة الشيطان"، للجنرال روميو دالير من القوات الكندية الذي قاد بعثة الأمم المتحدة في وقت الإبادة الجماعية. أصيب الجنرال بصدمة نفسية عميقة جراء ما شهده، وقد شاهدت عدة مقابلات معه علي التلفزيون الكندي. للأسف لم أكن اطلعت على الكتاب. بمجرد وصولي الفندق قمت بشراء الكتاب من أمازون وحملته على جهاز كيندل الخاص بي، على أمل أن يمنحني فهماً أعمق ورؤية جديدة للمجزرة.
a_bdulelah@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة دولار امریکی فی رواندا
إقرأ أيضاً:
الصراع في الكونغو الديمقراطية يتسع.. ما فرص نجاح الوساطات الأفريقية والقطرية؟
تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة حدة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، ما تسبب في نزوح أكثر من 100 ألف شخص إلى بلدان مجاورة، فيما انطلقت وساطات أفريقية وقطرية بهدف احتواء الأزمة التي تعصف بهذا البلد منذ سنوات.
وتفيد أرقام رسمية بأن النزاع الذي اتسع بشكل كبير منذ كانون الثاني/ يناير الماضي بين الجيش والمتمردين بشرق الكونغو، خلف أكثر من 7 آلاف قتيل، كما تسبب في عمليات لجوء ونزوح واسعة، فضلا عن تداعياته الاقتصادية والصحية.
وتعد منطقة شرق الكونغو ساحة صراع تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية، وتنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن.
ومنذ أسابيع تحتدم المعارك بين الجيش الكونغولي ومسلحي حركة "ام23" الذين تمكنوا بالفعل من توسيع مناطق سيطرتهم شرقي البلاد.
وتتهم الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل الذهب وغيره.
وتقول كينشاسا (عاصمة الكونغو) إن رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.
التداعيات تطال علاقات رواندا وبلجيكا
وعلى وقع التقدم الذي أحرزته "حركة إم23" المتمردة، خلال الأسابيع الأخيرة، أعلنت رواندا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا، واتهمتها بالانحياز إلى كينشاسا بشأن النزاع الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأوضح بيان صادر عن الخارجية الرواندية، أن قرار قطع العلاقات يعكس "التزام رواندا بحماية مصالحها الوطنية وكرامة الروانديين"، مضيفة أن حكومة كيغالي أبلغت نظيرتها في بروكسل بـ"قطع العلاقات بمفعول فوري".
واتهمت الخارجية الرواندية بلجيكا بأنها "اتخذت بوضوح موقفا في صراع إقليمي، وتواصل التعبئة بشكل منهجي ضد رواندا في منتديات مختلفة باستخدام أكاذيب، والتلاعب لتأمين رأي عدائي غير مبرر، في محاولة لزعزعة استقرار كل من رواندا والمنطقة".
وردا على هذا القرار، أعلنت بروكسل أنها سترد بالمثل بإعلان الدبلوماسيين الروانديين غير مرغوب فيهم على أراضيها.
وقال وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم بريفوت في تصريحات صحفية، إن قرار رواندا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلاده، خطوة "غير ملائمة وتظهر أنه عندما نختلف مع رواندا فإنهم يفضلون عدم الدخول في حوار"، مضيفا أن بروكسل سترد بالمثل بإعلان الدبلوماسيين الروانديين غير مرغوب فيهم.
وتتهم بلجيكا ومعها أطراف أوروبية وغربية وكذا الأمم المتحدة، رواندا بنشر نحو 4 آلاف جندي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تدور المعارك بين الجيش الكونغولي وحركة "أم23".
وتنفي رواندا نشر قوات هناك، كما تنفي دعم الحركة المتمردة التي سيطرت على مناطق هامة في شرق الكونغو الغني بالموارد المعدنية.
وساطة قطرية وأخرى أفريقية
وفي محاولة منها لاحتواء الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية وتداعياتها على المنطقة، أعلنت كل من قطر وأنغولا عن وساطات لحل الصراع.
وفي هذا السياق استضافت الدوحة قبل أيام، اجتماعا ثلاثيا بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيسي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتهدئة الوضع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وتعتبر هذه أول محادثات مباشرة تجمع الرئيسين الأفريقيين منذ أن كثف متمردو حركة 23 مارس حملتهم في شرق الكونغو في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
وحسب وكالة الأنباء القطرية، فقد رحب قادة الدول المجتمعة في الدوحة بالتقدم المحرز في عمليتي لواندا ونيروبي، وكذلك القمة المشتركة لمجموعة دول شرق أفريقيا ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية التي انعقدت في دار السلام بتنزانيا، في 8 شباط/ فبراير الماضي.
واتفق قادة الدول على الحاجة لاستمرار المناقشات التي بدأت في الدوحة لبناء أسس متينة من أجل تحقيق السلام المستدام.
كما أعلنت الرئاسة الأنغولية عن "مفاوضات سلام مباشرة" بين وفد من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وآخر من حركة "أم23".
فرص نجاح الوساطة
يرى الخبير المختص في الشؤون الأفريقية سيدي عبد المالك، أن الوساطة القطرية قد تكون الأكثر فاعلية في ظل غياب وساطات دولية ناجعة، مضيفا أن المجتمع الدولي سيتبنى هذه الوساطة.
وأشار عبد المالك، في تصريح لـ"عربي21" أن الوساطة القطرية في الصراع بين الكونغو الديمقراطية ورواندا "تعزز فاعلية الدبلوماسية القطرية لأن الجهود القطرية في المجال الدبلوماسي كانت أساسا تنحصر في الفضاء العربي والشرق الأوسط".
ولفت إلى أن هذه الوساطة "خطوة مهمة نحو حل فتيل الأزمة وتهدئة التوتر الذي تعرفه المنطقة".
وأضاف: "قطر تمتلك أدوات ناجعة في هذا المجال، فالرئيس الرواندي بول كاغامي، صديق شخصي لأمير قطر وتربطه به علاقات وطيدة جدا، كما أن قطر لديها علاقات وطيدة مع الكونغو الديمقراطية وهذه العلاقات تتمثل في الاستثمارات الضخمة للقطرين في الكونغو، وبالتالي فهي لاعب مؤهل لأن تكون وسيطا بين الطرفين".
ولفت إلى أنه في ظل انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بخلافاتهما البينية، فإن الوساطة القطرية تبقى الأهم في هذه الظروف، مشيرا إلى أن الوساطة الأفريقية بهذه الخصوص لم تتمكن من حلحلة الأزمة على مدى السنوات الماضية.
أعمال عنف ونزوح
يعرف شرقي الكونغو الديمقراطية الغني بالموارد أعمال عنف منذ شهور، فيما أطلقت حركة "إم23" المتمردة هجوماً مباغتاً منذ نحو شهرين، ودفع تقدّمها الجيش الكونغولي للخروج من معظم أجزاء ولايتي شمال وجنوب كيفو وفاقم المخاوف من إمكانية اندلاع حرب إقليمية أوسع.
وفي خضم هذا التصعيد واستمرار القتال العنيف، تقول الأمم المتحدة، إن الحرب دفعت خلال الفترة الأخيرة نحو 100 ألف شخص للفرار من مناطقهم.
وحركة "إم23" حركة مسلحة متمردة تنشط في المناطق الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبالأخص في مقاطعة كيفو التي تحد كلا من أوغندا ورواندا.
تأسست هذه الحركة سنة 2012 على يد منشقين عن الجيش الكونغولي، بحجة أن الحكومة المركزية في العاصمة كينشاسا لم تف بالتزاماتها معهم وفقا لاتفاقية سلام أبرمتها معهم عام 2009 وأنهوا بموجبها تمردهم وانضموا إلى القوات المسلحة للبلاد.
وتمكنت الحركة خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على العديد من المناطق في الكونغو الديمقراطية، خصوصا في شرق البلاد الذي تنتج مناجمه كميات كبيرة من الذهب، بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى.
وتقول الحركة، إنها تدافع عن مصالح "التوتسي" خاصة ضد "مليشيات الهوتو العرقية" مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي أسسها "الهوتو" الذين فروا من رواندا بعد مشاركتهم في حملة إبادة جماعية عام 1994 لأكثر من 800 ألف من التوتسي.