في ذكرى 7 أكتوبر...هل عززت إسرائيل أمنها أم زرعت بذور صراع جديد؟
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
في ذكرى مرور عام على هجمات حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتجدد التساؤلات حول مدى تأثير هذه الأحداث على السياسة الداخلية الإسرائيلية.
وبينما اعتبر بعض المراقبين أن القيادة الإسرائيلية استخدمت هذه الهجمات كذريعة لتعزيز نفوذها والاستمرار في سياسات الحرب، في ظل استغلال مشاعر الخوف وعدم الاستقرار، رأى آخرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية اللاحقة كانت ضرورية لضمان الأمن والاستقرار لفترات قادمة.
لكن في ظل الأحداث الراهنة، يبدو أن القيادة تسعى إلى الإبقاء على نهج استمرار المعارك على مختلف الجبهات من خلال تبرير النهج العسكري والأمني كخيار وحيد لحماية البلاد، دون النظر في الحاجة إلى حلول سياسية شاملة.
ويقول البروفيسور يوسي ميكلبرغ، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، إن الذكرى السنوية الأولى لهجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وسفك الدماء المروع الذي أعقبها سوف تشكل دائماً وقتاً عصيباً. وما يزيد الأمر سوءاً هو أن الحرب لا تزال مستعرة في قطاع غزة، ولم تتم إعادة الرهائن، ويعيش ملايين الفلسطينيين في ظروف غير إنسانية، وتصاعدت الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى مزيد من إراقة الدماء والدمار. ويبدو أن المزيد من الألم أمر لا مفر منه من الهجوم الصاروخي الأخير والانتقام المحتمل بين إيران وإسرائيل.
إن فقدان الأرواح والدمار، وقبل كل شيء فقدان الأمل في مستقبل أفضل، أمر يدمي القلب. ومع ذلك، فهو أيضاً وقت للتفكير والحساب حول كيفية وصول كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى أدنى نقطة على الإطلاق في علاقاتهما.
ويرى ميكلبرغ، أن هناك العديد من الأسباب وراء هذا الوضع المأساوي، لكن الأهم من بينها كان فشل القيادة على المستويين المحلي والدولي.
ويعود هذا الفشل إلى فترة أبعد بكثير من عام مضى. فقد أدت القرارات الفردية والجماعية بالسماح، وأحياناً التشجيع، على استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لعقود طويلة إلى جعل المواجهة الأخيرة والأكثر دموية أمراً حتمياً في النهاية.
وعلى عكس ما قد يبدو، فإن الصراع هو ما يبقي على هذه القيادات، التي إما أن تكون تتمتع بالكفاءة أو متطرفة أو كلاهما، وتزدهر من خلال استغلال الصفات الإنسانية مثل الخوف وانعدام الثقة بالطرف الآخر لاكتساب السلطة والحفاظ عليها.
ولكسر هذه الحلقة، من الضروري تغيير الخطاب الأمني في إسرائيل بشكل جذري، وهو خطاب كان لفترة طويلة قائماً فقط على القوة العسكرية، دون رؤية سياسية للسلام والتعايش والمصالحة.
ويقول ميكلبرغ، إن هذا الأمر ممكن فقط مع إزاحة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو عن منصبه.
ومن المؤكد أن إنهاء حكمه لن يعالج الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، ولن يحل الجمود في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بين عشية وضحاها. لكن نهجه "الذي لا يتوقف عند شيء" من أجل البقاء السياسي قد ظل يلقي بظلاله على السياسة والمجتمع والشؤون الخارجية للبلاد في وقت يحتاج إلى التقدم في جميع هذه المجالات. إنه لا يزال العائق في السياسة الإسرائيلية، وبدون إزالته، لن تكون هناك مساحة للتغيير.
ومع ذلك، يجب أن تملأ هذه المساحة من قبل معارضة تقدم شيئاً أكثر جرأة من نسخة أكثر ليناً من حكومة نتانياهو وموقفها المعارض لحل الدولتين. وعلى مدى سنوات، كانت "الخطة الكبرى" لنتانياهو هي تقسيم القيادة الفلسطينية، مما يمنع أي اتفاق سلام يستند إلى حل الدولتين من أن يتحقق على الإطلاق.
وحتى الآن، فشلت قيادة المعارضة الإسرائيلية، بما في ذلك بيني غانتس، الذي يعتبر من قبل الكثيرين خليفة محتمل لنتانياهو، في تقديم هذه الرؤية المختلفة. ويمثل غانتس فقط نسخة أقل تصادمية من النهج الحالي. وبقي خطابه مركزاً على تعزيز القدرات العسكرية، بدلاً من معالجة سبب هذا الصراع، وهو الاحتلال.
وعندما تعرض البدائل، فإنها لا تدعم بأفعال. فقد صرح يائير لابيد، زعيم المعارضة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد للمضي قدماً، ومع ذلك امتنع عن الإدلاء بصوته في تصويت حديث حول دولة فلسطين في الكنيست.
علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين يحتجون ضد ما يسمى بإصلاحات نتانياهو القضائية قد فصلوا بشكل مصطنع بين قضيتين مترابطتين، هما الدفاع عن ديمقراطية إسرائيل والعمل نحو حل الدولتين لمشكلة الإسرائيليين والفلسطينيين. والاحتلال هو واحد من الأسباب الرئيسية لتدهور ديمقراطية إسرائيل. ومن خلال رفض المطالبة بإنهائه، لم يقدم غانتس وآخرون ممن عارضوا نتانياهو سوى تغييرات طفيفة على الوضع الراهن، بدلاً من تقديم رؤية بديلة للبلاد.
وحتى قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول)، كانت إسرائيل تشهد أزمة اجتماعية وسياسية ودستورية. فقد عززت الحكومة السادسة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، التي تأسست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، هذه الانقسامات العميقة لضمان بقائها، من خلال تشكيل ائتلاف مع أكثر العناصر قومية وتطرفاً دينياً ومعادية للديمقراطية في إسرائيل. ويجب على القيادة الجديدة أن تتبنى نهجاً معاكساً وتتعامل مع استياء العلمانيين تجاه الجماعات الدينية المتشددة حول متطلبات الخدمة العسكرية والتعليم، بدلاً من استغلاله. كما أن هناك حاجة لمواجهة الأسئلة الأساسية حول كيفية تعريف الدولة اليهودية.
وتحت ائتلاف نتانياهو، بقي الإعفاء الممنوح للشباب اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية قائماً إلى حد كبير، رغم قرار المحكمة العليا الذي يوسع التجنيد ليشملهم. كما سمح نتانياهو لحلفائه السياسيين بالبقاء معفيين من دراسة المواد الأساسية مثل الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية في المدارس.
والنتيجة هي استياء مفهوم من المكون العلماني (والأغلبية) من المجتمع الإسرائيلي بسبب عدم تكافؤ العبء المتمثل في المخاطرة بحياتهم من أجل أمن البلاد والمساهمة في ازدهارها. ويزداد هذا الاستياء حدة خلال الحروب والضغوط الاقتصادية المرتبطة بها.
واعتماد نتانياهو على شركائه في الائتلاف جعله يرضخ لهم عندما كان بحاجة إلى دعمهم.
وأدى ذلك إلى تسليمه السيطرة على وزارات رئيسية لليمين المتطرف، مما أتاح لهم توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وتعميق الاحتلال، كجزء من هدفهم المتمثل في ضم الأراضي بالكامل.
لا تسامحويقول ميكلبرغ، إنه يجب على القادة الإقليميين والدوليين أيضاً أن يظهروا أنهم لن يتسامحوا مع توسع المستوطنات أو عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.
وحتى الآن، كانت العقوبات الدولية متفرقة، لكن يجب فرض المزيد من العقوبات على الأفراد والمؤسسات التي تسهم في ترسيخ وتوسيع الاحتلال.
كما يتطلب الأمر اتخاذ خطوات أكثر جرأة فيما يتعلق بتقرير المصير الفلسطيني. وهناك عدد لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة والتصويتات والبيانات العامة حول الحاجة إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني (التي تعود إلى عام 1948)، لكن الاعتراف بدولة فلسطين من قبل مجلس الأمن الدولي تم تعطيله من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة.
ويعتبر الاعتراف الرسمي الأمريكي والأوروبي بدولة فلسطين ضرورياً لكسر الجمود في عملية السلام. ولن يكون لهذا الاعتراف تأثير رمزي فقط، بل سيساعد أيضاً في إعادة التوازن في علاقات القوى بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مفاوضات السلام المستقبلية.
ويرى ميكلبرغ، أنه لا توجد عصاً سحرية لتغيير هذا الوضع بشكل جذري أو سريع، لكن قبل كل شيء، يتطلب الأمر من القوى والأصوات داخل المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني أن تكون شجاعة بما يكفي لاقتراح مقاربات جديدة. وهناك مقترحات إبداعية موجودة بالفعل، فأحد هذه النماذج هو اتحاد إسرائيلي فلسطيني، حيث تعمل إدارة مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين بجانب حكومات كل مجموعة على حدة. وإدخال مثل هذه الأفكار إلى الخطاب السياسي الإسرائيلي سيكون تحولاً قوياً عن الوضع الراهن الذي تسبب في الكثير من الدمار، حتى لو لم يتم تبنيها. ومن الضروري أن يتخذ الذين يرغبون في القيادة خطوات لكسر الجمود، وتعزيز التفاوض، والأهم من ذلك تقديم فرصة للسلام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية قطاع غزة لبنان إيران بنيامين نتانياهو إسرائيل عام على حرب غزة إسرائيل لبنان إيران حماس نتانياهو حل الدولتین من خلال من قبل
إقرأ أيضاً:
القمر أم المريخ؟ صراع الأولويات يشتعل داخل أروقة ناسا
في جلسة استماع دورية، مثل رائد الأعمال وقائد المهمات الفضائية جاريد إيزاكمان يوم الأربعاء الماضي أمام لجنة العلوم والنقل التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، بوصفه مرشح الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لتولي إدارة وكالة الفضاء ناسا.
وقد حملت الجلسة في طياتها العديد من الأسئلة المهمة والنقاش الساخن بشأن صلة إيزاكمان برائد الأعمال إيلون ماسك، ومدى التزامه بأولوية برنامج "أرتيمس" للهبوط على سطح القمر، في ظل ما يبدو أنه توجه رئاسي متزايد نحو استعمار كوكب المريخ.
ورغم نفي إيزاكمان وجود أي تواصل مع ماسك بشأن إدارة ناسا، فقد امتنع عن الإجابة عندما سئل عما إذا كان ماسك حاضرا لحظة عرض الرئيس ترامب عليه المنصب، وهو ما أثار تساؤلات عن مدى استقلاليته في إدارة وكالة تعتمد في كثير من مشاريعها على مقاولات "سبيس إكس"، الشركة التي أسسها ماسك وتُعد حاليا أكبر شريك تجاري للوكالة.
وفي قلب الحديث الدائر، برز مصير برنامج أرتميس، الذي أُطلق في عهد ترامب في فترته الرئاسية الأولى قبل نحو 8 سنوات، ويهدف إلى إعادة الولايات المتحدة إلى سطح القمر خلال هذا العقد.
وقد شدد السيناتور الجمهوري تيد كروز، ممثل ولاية تكساس التي تضم مركز جونسون للفضاء، على خطورة التراخي في هذا المسار، قائلا إن "التخلي عن القمر لصالح الصين الشيوعية سيكون خطأ كارثيا في سباق الفضاء".
ويأتي استهداف المريخ كوجهة للاستكشاف بمركبات مخصصة لرواد الفضاء بمثابة تحد تقني ومالي يفوق القدرات الحالية والمخصصة لاستكشاف القمر، ذلك لأن المريخ يتمتع ببيئة ديناميكية متقلبة وشديدة على عكس القمر الذي يعمّه السكون والهدوء أغلب الأوقات، مما يجعل مهمة الكوكب الأحمر أصعب وأعقد بكثير، فضلا عن المسافات الشاسعة وصعوبة الوصول.
إعلانلكن ثمة علاقة فريدة تجمع بين ماسك وترامب، بالنظر إلى حجم التعزيزات من خلال الدعم العلني للرئيس المنتخب وتقديم تبرع سخي لحملته. العلاقة التي يفسرها البعض بأنها ستصب في مصلحة الصناعات الفضائية، يمكن أن تكون السبب في تخطي هذه التحديات.
وقد علق أحد المستشارين والمختصين في صناعة الفضاء دوغ لوفيرو بأن هذه الخطوة قد تمهد لخطط أكثر واقعية وجدية نحو احتلال المريخ، إذ من المتوقع أن يندرج المريخ ضمن الأهداف الإستراتيجية على المدى القريب، لا سيما أن ترامب سبق أن أشار إلى أن مشروع القمر يمثل نقطة انطلاق نحو المريخ.
ويعتقد المحللون أن إدارة ترامب تفضل عقد شراكات ثابتة مع شركات خاصة مثل سبيس إكس، بحيث تتحمل هذه الشركات جزءا كبيرا من المسؤولية المالية، وذلك لتخفيف الضغوط على ميزانية مشروع أرتميس.
كما أن ماسك يطمح إلى التحرر من بعض القيود التنظيمية التي تفرضها الحكومة الأميركية على الرحلات الفضائية التجارية، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في مكتب الفضاء التجاري التابع لإدارة الطيران الفدرالية، الذي كان يشكل دائما تحديا أمام تطوير نظام الإقلاع الفضائي "ستارشيب" التابع لسبيس إكس، كما قد سبق أن عُلّقت رحلات صاروخ "فالكون 9" التابع لسبيس إكس هذا العام في عدة مناسبات بسبب بعض الأعطاب.
وبينما تتصاعد التساؤلات بشأن أولوية القمر مقابل المريخ، حاول إيزاكمان تبديد المخاوف بقوله إن ناسا قادرة على المضي قدما في المهمتين معا. إلا أن مواقفه السابقة من "نظام الإطلاق الفضائي"، وهو الصاروخ المخوّل لبرنامج أرتميس، لا تزال تُلقي بظلالها على موقفه، لا سيما بعد وصفه للمشروع بـ"باهظ التكاليف إلى حد غير معقول".
ومع ذلك، أوضح خلال الجلسة أنه "أفضل وأسرع وسيلة متاحة حاليا" لإيصال طاقم "أرتميس 2" إلى القمر.
إعلانوفي سياق متصل، أثيرت تساؤلات عن العلاقة المتشابكة بين ناسا وشركة سبيس إكس، التي تحظى بعقود تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار لتأمين النقل الفضائي للرواد وبناء مركبة الهبوط القمرية.
وأكد إيزاكمان أن "الولاء يجب أن يكون لناسا، لا للمقاولين"، مشددا على أن "سبيس إكس تعمل لصالح الوكالة، وليس العكس"، في إشارة إلى أهمية الحفاظ على التوازن بين الاعتماد على القطاع الخاص وضمان استقلالية القرار الفضائي الأميركي.
ومن بين المواضيع التي فجّرت خلافا ضمنيا بين إيزاكمان وماسك، كان مصير محطة الفضاء الدولية، إذ دعا ماسك إلى إنهاء مهامها بحلول عام 2027، قبل موعدها المحدد بـ3 سنوات. غير أن إيزاكمان عبّر عن رفضه لهذا المقترح، معتبرا أنه "لا مبرر لتغيير خطة إنهاء الخدمة في 2030″، في ظل نية ناسا استبدال المحطة بمحطات فضائية خاصة في العقد المقبل.
ورغم افتقاده إلى الخلفية السياسية التي ميزت قادة ناسا السابقين، يرى إيزاكمان أن تجربته في ريادة الأعمال وقيادة المهمات الفضائية تمنحه زاوية نظر مختلفة قد تفيد الوكالة في مرحلة التحول الراهنة. وقد حظي ترشيحه بدعم تحالف صناعي يضم أكثر من 85 شركة فضائية، إضافة إلى تأييد 28 رائد فضاء سابقا.
وإن تأكد تعيينه، فإن إيزاكمان سيكون أول مدير للوكالة يأتي من خلفية تجارية بحتة، في لحظة فارقة قد تعيد تشكيل ملامح الوكالة في عصر تتقاطع فيه الطموحات السياسية مع متغيرات السوق الفضائي المتسارع.