شمسان بوست/ د. عارف محمد عباد السقاف:

إذا افترضنا نشوب حرب عالمية ثالثة بين تحالف روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية وحلفائهم (بما في ذلك لبنان والعراق وسوريا وجماعة أنصار الله) ضد أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وحلفائهم الغربيين، فإن الوضع سيكون معقدا ويعتمد على العديد من العوامل الجيوسياسية.

كيف سيكون موقف حكومة المحافظات المحررة في اليمن؟!

حكومة المحافظات المحررة، التي تمثل الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً، قد تجد نفسها في موقف صعب.

نظرا للعلاقات الوثيقة مع التحالف العربي بقيادة السعودية، من المتوقع أن تكون الحكومة اليمنية الشرعية في صف التحالف الغربي بقيادة أمريكا وبريطانيا. فقد تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي من هذه القوى، وسيكون من غير المتوقع أن تصطف مع التحالف الذي تقوده روسيا، الصين، كوريا الشمالية وإيران وحلفائهم، لأن الحوثيين يُعتبرون جزءا منه.



واعتقد ان الأفضل لحكومة الشرعية هو تبني الحياد الاستراتيجي لتجنب الانخراط المباشر في الصراع. يجب التركيز على تعزيز العلاقات مع دول الخليج، خاصة السعودية، لضمان الدعم المالي و الأمني، مع استغلال الموقع الاستراتيجي لليمن لتعزيز التجارة. على الحكومة أيضا تحسين الأوضاع الداخلية من خلال دعم الزراعة والصناعة وتقوية الأمن في المناطق المحررة، مع الاستفادة من ضعف الحوثيين المحتمل بسبب انشغال حلفائهم بالحرب. هذا سيتيح لها تعزيز الاستقرار وتجنب تبعات الحرب على البلاد.


موقف السعودية ودول الخليج العربي:

المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي سيكونون في قلب الصراع، خاصة بسبب العداء المتصاعد بينهم وبين إيران، التي تُعتبر جزءا من التحالف المعادي للغرب. من المرجح أن تنضم السعودية ودول الخليج إلى جانب الولايات المتحدة وحلفائها. هذا الأمر قد يدفع المنطقة إلى حالة من التصعيد العسكري الكبير، إذ أن دول الخليج ستكون عرضة لهجمات من إيران أو جماعات حليفة لها مثل الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان أو الحشد الشعبي العراقي.

الوضع الاقتصادي والخدمات في مناطق الشرعية في اليمن:

الوضع الاقتصادي في مناطق الشرعية اليمنية سيكون كارثيا إذا دخلت هذه المناطق في حالة حرب شاملة. مناطق الشرعية تعاني من ضعف في الاقتصاد والبنية التحتية بسبب الصراع الدائر منذ سنوات. إذا اشتدت الحرب، فإن المعاناة الاقتصادية ستتفاقم. ستتعرض خطوط التجارة و التوريد العالمية للانهيار، وقد يؤدي ذلك إلى نقص حاد في الغذاء والوقود والأدوية. احتمالية الحصول على مساعدات إنسانية أو تدخل دولي لإنقاذ الأوضاع قد تصبح شبه معدومة بسبب انشغال القوى الكبرى بالحرب.



مدة الحرب، تحديد مدة الحرب سيكون صعبا، لكن إذا كانت حربا عالمية شاملة بمشاركة قوى نووية مثل أمريكا وروسيا، الصين، كوريا الشمالية، فقد تكون قصيرة الأجل ولكن ذات تأثيرات مدمرة للغاية. قد تستمر ما بين عدة أشهر إلى بضع سنوات، ولكن الدمار الشامل قد يجعل من الصعب الحديث عن فائز واضح. ستعتمد النتيجة إلى حد كبير على القرارات العسكرية والسياسية التي تُتخذ في بداية الصراع.


في حال تصاعد الحرب العالمية الثالثة إلى مستوى استخدام الأسلحة النووية، ستكون النتائج كارثية على جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. على الرغم من أن مناطق اليمن قد لا تكون أهدافا رئيسية لضربات نووية، فإن استخدام الأسلحة النووية في مناطق أخرى من العالم سيؤثر على اليمن والمنطقة بشكل غير مباشر بعدة طرق:




التأثير المباشر للضربات النووية:


إذا وجهت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين ضربات نووية لبعضها البعض أو ضد حلفائها، فإن الدمار الواسع النطاق سيقتصر في البداية على المناطق المستهدفة. المدن الكبرى والبنية التحتية الحيوية في هذه البلدان ستكون الأكثر عرضة للتدمير.


رغم أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين قد لا تكون هدفا مباشرا لضربات نووية، إلا أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة قد يوجه ضربات قوية بالسلاح التقليدي ضد المنشآت العسكرية الحوثية المدعومة من إيران في إطار الصراع الأوسع. وفي حال استخدمت إيران أو حلفاؤها أسلحة نووية، قد يتعرض الحوثيون لمزيد من الضغط والاستهداف.


التداعيات الإشعاعية العالمية:


إذا لم تُستهدف اليمن مباشرة بالضربات النووية، فإن التداعيات الإشعاعية من استخدام الأسلحة النووية في أماكن أخرى (كإيران أو دول الخليج أو الشرق الأوسط بشكل عام) ستكون عالمية. السقوط الإشعاعي الناتج عن التفجيرات النووية يمكن أن ينتقل عبر الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تلوث الجو و المياة في مختلف المناطق. قد ينتشر هذا السقوط عبر الرياح إلى مناطق أبعد، بما في ذلك اليمن، ما سيؤثر على صحة السكان والزراعة والمياه.


المجاعة النووية قد تحدث في حالة الضربات النووية الكبيرة، حيث يؤدي الدخان المتصاعد إلى طبقات الغلاف الجوي إلى حجب ضوء الشمس و تقليل درجات الحرارة عالميا. هذا سيؤثر بشكل مباشر على الزراعة، مما يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء في اليمن والعالم، وهو أمر كارثي لبلدان تعتمد على الاستيراد مثل اليمن.


الانهيار الاقتصادي العالمي:


استخدام الأسلحة النووية سيؤدي إلى انهيار اقتصادي عالمي. الدول التي تعتمد على النفط والغاز (مثل السعودية ودول الخليج) قد تتعرض منشآتها لضربات نووية أو تقليدية مدمرة، مما سيؤدي إلى شلل تام في إمدادات الطاقة العالمية.


هذا يعني أن اليمن، التي تعتمد على واردات النفط والغذاء، ستشهد نقصا حادا في الوقود والمواد الغذائية، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل هائل.


الهجرة الجماعية واللاجئين:



في حال استخدام أسلحة نووية في مناطق قريبة من اليمن، مثل الخليج أو إيران، فإن ذلك سيؤدي إلى موجات من الهجرة الجماعية واللاجئين الذين سيفرون من المناطق المتضررة بالإشعاع النووي. اليمن قد يشهد تدفقات هائلة من اللاجئين من دول الجوار، مما سيضع ضغطا إضافيا على الموارد الشحيحة أصلاً في اليمن.


قد تصبح أي استجابة دولية محدودة للغاية في حالة وقوع حرب نووية، حيث ستكون معظم القوى الكبرى مشغولة بإصلاح أوضاعها الداخلية ومواجهة الآثار المدمرة للضربات النووية. لن تتمكن المنظمات الدولية من تقديم مساعدات كبيرة بسبب انهيار البنية التحتية العالمية، مما يجعل اليمن، معزولة عن المساعدات الإنسانية الحيوية.

إن النتائج ستكون كارثية على العالم بأسره، بما في ذلك اليمن. على الرغم من أن اليمن قد لا يكون مستهدفا مباشرة، إلا أن الآثار الإشعاعية، المجاعة النووية، الانهيار الاقتصادي، والهجرة الجماعية ستخلق ظروفا معيشية لا تطاق في المناطق الخاضعة للحوثيين، وتؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق.

من سينتصر في الحرب؟

من الصعب التكهن بمن سيفوز في حرب عالمية نووية شاملة. التحالف الغربي بقيادة أمريكا يمتلك تكنولوجيا عسكرية متقدمة و اقتصادا عالميا أقوى، لكن التحالف الروسي-الصيني-كوريا الشمالية- الإيراني يمتلك أيضا قوة كبيرة ومواقع استراتيجية مهمة في آسيا وأوروبا الشرقية. في حال نشوب حرب نووية، قد لا يكون هناك “انتصار” تقليدي، إذ ستكون النتائج كارثية على العالم بأسره، حيث سيعاني الجميع من الدمار البيئي والبشري والاقتصادي. النتائج قد تكون دمارا شاملا للبنية التحتية العالمية، و انهيارا اقتصاديا عميقا يؤثر على جميع الأطراف.

الحرب قد تستمر لفترة محدودة و ربما تطول لكنها ستكون كارثية، وقد لا يكون هناك منتصر حقيقي فيها، بل دمار شامل يصيب جميع الأطراف.


العالم قد يواجه تراجعا كبيرا يشبه العودة إلى العصور الوسطى. البنية التحتية العالمية ستنهار، بما في ذلك الطاقة، النقل، والاتصالات، مما سيعيد الحياة إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية. الاقتصاد الحديث سيتفكك، وستفقد العملات قيمتها، مما سيدفع المجتمعات للعودة إلى نظام المقايضة والزراعة البسيطة. مع انهيار الحكومات والمؤسسات، قد تتحول المجتمعات إلى أنظمة حكم بدائية تعتمد على الإقطاعيات و الميليشيات المحلية. ستنتشر المجاعات والأمراض بسبب نقص الموارد و الرعاية الصحية، وستعود الأوبئة القديمة إلى الظهور، إضافة إلى أمراض جديدة ناتجة عن التلوث الإشعاعي. سيزيد العنف والصراعات على الموارد الشحيحة، و ستسود الفوضى في ظل غياب نظم قانونية فعالة. التقدم العلمي والثقافي سيتراجع بشكل كبير، و ستعتمد المجتمعات على المهارات اليدوية والمعرفة المحلية للبقاء. في هذا السيناريو، سيتحول التركيز إلى البقاء اليومي، حيث تعود البشرية إلى نمط حياة شبيه بالعصور الوسطى.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: استخدام الأسلحة النوویة السعودیة ودول الخلیج دول الخلیج بما فی ذلک تعتمد على یؤدی إلى الیمن قد فی مناطق فی الیمن فی حال

إقرأ أيضاً:

مجاعة ثالثة تضرب غزة.. كيف يتم الإعلان عنها رسميا وما هي معاييرها؟

دخل قطاع غزة أزمة جديدة في النقص الشديد للمواد الغذائية الأساسية، وحالة ثالثة من المجاعة منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك بعد منع دخول كافة أنواع المساعدات الغذائية عبر المعابر البرية التي تسيطر عليها "إسرائيل"، وسط تنديد دولي باستخدام التجويع كسلاح ضد سكان القطاع.

وتأتي المجاعة هذه المرة وسط جهود إسرائيلية أمريكية معلنة تهدف إلى دفع سكان قطاع غزة إلى "الهجرة الطوعية"، بهدف فرض السيطرة الكاملة على القطاع وتنفيذ مخطط تهجير أكثر من 2 مليون فلسطيني، معظمهم في الأساس لاجئين طُردوا من الأراضي المحتلة عام 1948.

وأعلنت الأمم المتحدة أن برنامج الأغذية العالمي التابع لها قد نفد من مخزوناته الغذائية في غزة بسبب الحصار المستمر، مما أدى إلى إغلاق جميع المخابز المدعومة من البرنامج وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 1400 بالمئة.


ورغم ذلك، لم تعلن الأمم المتحدة المجاعة بشكل رسمي في قطاع غزة، واكتفت بالتحذير، كما في المرات السابقة، من مجاعة وشيكة ومن مواجهة السكان لمستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وكانت أول حالة مجاعة في قطاع غزة خلال الحرب قد حصلت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وفيها بدأ الانهيار الكامل لمنظومة الغذاء، مع نفاد الوقود وإغلاق المخابز.

وفي حزيران/ يونيو 2024، جرى تصنيف 22 بالمئة من سكان غزة ضمن المرحلة الخامسة (المجاعة) وفقًا لنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC).

وحاليًا في نيسان/ أبريل، جرى نفاد مخزون برنامج الأغذية العالمي، دون أفق لاحتمالية فتح المعابر وإدخال المساعدات، بسبب الرفض الإسرائيلي، مع غياب أي دور دولي سابق تمثّل في إسقاط المساعدات جوًا على قطاع غزة، كما حصل في شهور الحرب السابقة من العام الماضي.

كيف تُعلَن المجاعة؟
كانت آخر المجاعات التي أعلنتها الأمم المتحدة بشكل رسمي ودون خلاف مع مؤسسات أخرى، تعود إلى عامَي 2017 في جنوب السودان، و2011 في الصومال، وهو ما نتج عنه مئات آلاف الضحايا، وذلك حتى شباط/ فبراير 2025، عندما أعلنت المجاعة مرة أخرى في السودان.

وكانت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة "FEWS NET"، ومقرها الولايات المتحدة، قد أكدت أنه "من الممكن، إن لم يكن من المحتمل، أن المجاعة في شمال غزة قد بدأت في نيسان/ أبريل 2024، وذلك في أشد أوضاع شمال قطاع غزة، عندما اضطر السكان لأكل أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار".

وتستند الأمم المتحدة إلى وكالتيها: برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة، اللتين تعتمدان على هيئة تقنية تُعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بحسب وكالة "فرانس برس".

ويحلل هذا النظام شدة انعدام الأمن الغذائي على نطاق يرتكز على معايير علمية دولية، في وقت أظهر تقرير سابق أصدره أن نصف سكان غزة، أي 1.1 مليون شخص، يعيشون "وضعًا غذائيًا كارثيًا".
ويُعرِّف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المجاعة بأنها "مواجهة السكان سوء تغذية على نطاق واسع وحدوث وفيات مرتبطة بالجوع بسبب عدم الوصول إلى الغذاء".

معايير المجاعة
يؤكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن المجاعة هي المرحلة الأخطر في مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يتكون من 5 مراحل، وتمثل المرحلة الأولى الحد الأدنى من الضغوط المرتبطة بالأمن الغذائي أو عدم الإبلاغ عن أي ضغوط.

والمرحلة الثانية هي أن بعض الأشخاص يواجهون ضغوطًا في العثور على الطعام، والمرحلة الثالثة تتمثل بأزمة الغذاء، بينما تأتي المرحلة الرابعة لتعكس حالة الطوارئ، والمرحلة الخامسة لتكون انعكاسًا لـ "الوضع الكارثي أو المجاعة".

ويتم بلوغ المرحلة الخامسة من مقياس انعدام الأمن الغذائي بعد استيفاء ثلاثة معايير، وهي: أن 20 بالمئة على الأقل من السكان في منطقة معينة يواجهون مستويات شديدة من الجوع، وأن 30 بالمئة من الأطفال في المكان نفسه يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم.

كما يجب أن يتضاعف معدل الوفيات مقارنة بالمتوسط، وهذا المعدل بالنسبة للبالغين هو حالة وفاة واحدة لكل 10 آلاف يوميًا، وبالنسبة للأطفال، حالتا وفاة لكل 10 آلاف يوميًا.

ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن هذه المعايير تتضمن أن يكون هناك حالة من "تسارع الوفيات"، وحينها تكون الأرقام المتاحة محدودة، كما هو الحال عادة في مناطق النزاع.

ولا تزال الخسائر في الأرواح على نطاق واسع مرتبطة بالنتائج القريبة من عتبات المجاعة، وإذا طال أمدها على مدى فترة طويلة من الزمن، فإن الخسائر المتراكمة في الأرواح قد تصل إلى مستويات من المحتمل أن تكون عالية أو أعلى، اعتمادًا على المدة، مقارنة بالخسائر في الأرواح المرتبطة بالمجاعة، بحسب ما ذكرت شبكة "FEWS NET".

المراحل الخمس
واعتمد نظام "IPC" على سلم من خمس مراحل في قياس خطورة وضع الأمن الغذائي في بلد أو منطقة معينة.

والمرحلة الأولى هي التي يكون فيها انعدام الأمن الغذائي في أدنى مستوياته، أي أن العائلات في تلك المنطقة تستطيع الحصول على الطعام الضروري واحتياجاتها الأخرى دون اللجوء إلى طرق غير معتادة للحصول على الطعام، مثل بيع ممتلكاتها مثلًا.


والمرحلة الثانية هي مرحلة "الضغط": تحصل عند وقوع صدمة معينة تجعل الناس قلقين بشأن توفير الغذاء اللازم، كأن يحدث ارتفاع في الأسعار أو هبوط في الإنتاج الزراعي مثلًا.

أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الأزمة، وتكون عادة نتيجة صدمة كبيرة تحدث تأثيرًا على حياة الناس، مثل الحرب أو الجفاف أو الكوارث الطبيعية أو أزمة اقتصادية حادة.

والمرحلة الرابعة هي مرحلة الطوارئ، وعندها يبدأ الناس في استنزاف كل الطرق البديلة للحصول على الطعام، وتبدأ نسب سوء التغذية في تجاوز عتبة 15 بالمئة، وتبدأ نسب الموت جوعًا في الارتفاع.

والمرحلة الخامسة والأخيرة هي مرحلة الكارثة والمجاعة، وعندها تنهار المنظومة الغذائية تمامًا، ويصبح الناس غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من الغذاء لتجنّب الموت.

الأوضاع في غزة
يقول محمد (44 عامًا) إن المجاعة الحالية في قطاع غزة كانت متوقعة ونتيجة طبيعية لإغلاق المعابر ووقف دخول المساعدات منذ آذار/ مارس الماضي، وما تبعها من استئناف حرب الإبادة الإسرائيلية.

ويضيف محمد لـ"عربي21" أنه رغم توقع هذه المجاعة المتكررة، لم يكن في وسع أهالي قطاع غزة فعل الكثير من الأمور للتخفيف من آثارها، قائلًا: "لا يمكن حتى تخزين إلا القدر القليل من المواد الغذائية بسبب الفقر الشديد الذي انتشر بين الناس جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من سنة ونصف".

ويكشف: "أنا مدرس ضمن وكالة الأونروا، وحتى الآن أتحصل على راتبي بشكل شبه طبيعي، لكنه لا يكفيني حتى لتلبية الحاجيات الأساسية من طعام وشراب"، قائلًا: "مهما كان الراتب مرتفعًا، فهو لا يكفي لسد الاحتياجات، لأن مجرد الحصول عليه نقدًا يعني الاستغناء عن 30 أو 40 بالمئة منه بسبب دفع عمولات السحب النقدي".

وبسبب الحرب والاستهداف الإسرائيلي المباشر للبنوك، وحتى سرقتها من قبل قوات الاحتلال في الشهور الأولى من الحرب، انهار النظام المصرفي في قطاع غزة، واضطر السكان إلى اللجوء إلى محلات الصرافة والوسطاء من أجل سحب أموالهم من البنوك، وهو ما يكلّف نسبة عمولة عالية تُخصم من المبلغ الأصلي.

ويوضح محمد: "يمكن تخزين بعض المعلبات والمواد الغذائية المحفوظة جيدًا، لكن لا يمكن تخزين أي خضروات أو لحوم، ولا حتى الطحين والدقيق، بسبب حتمية فساده بسبب البيوت المدمرة والمكشوفة، وانتشار الفئران والدود وأكل أنواع الكائنات.. طبيعي، الشارع كله صرف صحي".

بدورها، تقول آية (38 عامًا)، التي تحصل على معلومات مالية من أقاربها ومعارفها من خارج قطاع غزة، إنها تعاني من نفس المسألة في سحب الأموال، حيث تحصل على ثلثيها في أحسن الأحوال، مع دفع الثلث الأخير كعمولة.

وتضيف آية لـ"عربي21" أن أسعار المنتجات الغذائية ارتفعت بشكل كبير في اللحظة التي أعلن فيها الاحتلال إغلاق معابر قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، موضحة: "عندما نتحدث عن الأسعار الحالية مع أقاربنا الذين يعرفون غزة بشكل جيد قبل الحرب الحالية، يكادوا لا يصدقون ما نقول".

وتوضح: "حاليًا لا يمكن لنا حتى تناول الخبز، آخر مرة اشتريت فيها الطحين لصنع الخبز في البيت كان فاسدًا وتسبب لنا بآلام شديدة في البطن، ورائحته كانت كريهة جدًا، وهذا رغم أن الكيلوغرام الواحد ثمنه أكثر من 35 شيكل (10 دولارات)".

ومن ناحية أخرى، قال مصدر محلي في غزة لـ"عربي21" إن ما يتوفر من الطحين في الأسواق حاليًا يُباع مقابل ما يعادل 12 دولارًا للكيلو الواحد، بعد أن كان سعره قبل المجاعة لا يتجاوز نصف الدولار.

ولفت إلى أن إجمالي كيس الطحين، زنة 25 كيلوغرامًا، وإن وُجد، يُباع نظير 1000 شيكل، أي ما يعادل 280 دولارًا أمريكيًا، وهو سعر "خيالي" قياسًا بسعره قبل الأزمة، إذ لم يكن يتجاوز سقف الـ50 شيكلًا.

بدوره، أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة، منير البرش، الخميس، أن 91 بالمئة من سكان القطاع يعانون من "أزمة غذائية" جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل وإغلاق المعابر أمام دخول المساعدات والبضائع منذ 2 آذار/ مارس الماضي.


وقال البرش إن "غزة تعيش مأساة إنسانية مروعة، تجمع بين الجوع والفقر والمرض، نتيجة الإبادة الجماعية والحصار الإسرائيلي الخانق من خلال إغلاق المعابر وعدم دخول المساعدات".

وأضاف أن "نحو 91 بالمئة من السكان يواجهون أزمة غذائية، في ظل شح الغذاء في غزة"، مؤكدًا أن "قطاع غزة يشهد انهيارًا جماعيًا في جميع القطاعات، بفعل ما تمارسه إسرائيل من استخدام التجويع كسلاح حرب، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني"

مقالات مشابهة

  • صراع على قطرة: اليمن بين جفاف الطبيعة واستنزاف السياسة
  • محمد موسى: مواقف مصر الوطنية تزعج أعداء الداخل والخارج"
  • سحب العملة في ليبيا.. بين تحسين النظام النقدي وتحديات التنفيذ
  • موعد مباراة الاتفاق والخليج في دوري روشن والقنوات الناقلة
  • تحولات سياسية مفصلية في اليمن: تعديل حكومي وشيك
  • مجاعة ثالثة تضرب غزة.. كيف يتم الإعلان عنها رسميا وما هي معاييرها؟
  • في الجولة الـ 30 من دوري روشن.. القادسية والاتفاق يواجهان الخلود والخليج
  • اليمن بين جفاف الطبيعة واستنزاف السياسة
  • أسعار الذهب في الأردن ترتفع في تسعيرة ثالثة
  • تحذيرات من السيول والرياح الشديدة في اليمن