واشنطن (١)
فرحت أنني وجدت في واشنطن أخي الكريم الدكتور محمد خير عثمان . عمل سفيرا ووزيرا للتربية ، واستاذ في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان.
تطيب لي صحبته أني وجدته، فهو خير مثال على مايوصف هذه الأيام ب- (الأصالة)و(المعاصرة). اذا حدثك عن اداب الانجليز وفلسفات التربية وعلوم الغرب،أغناك . واذا حدثك عن قبائل السودان وتاريخه وتراثه الشعبي سرك واعجبك وكأنه لشدة تواضعه وعذوبة حديثه، واحد من أهلنا المزارعين البسطاء في ديار الشايقية ، من نواحي مروي او نورى ، أبدا لم يبرح الأرض.
لاعجب ، فقد قضى الفترة الاولى من تعليمه في معهد (بخت الرضا ) العتيد ايام عنفوانه ، على عهد (مستر قريفث) وعبدالرحمن على طه ومكي عباس وأحمد الطيب ، وبقية أولئك الرعيل الاول من الاساتذة العمالقة ، رحمهم الله.
كان معهد (بخت الرضا ) للتربية بمثابة تجربة رائدة في التعليم ، يجمع بين التحصيل النظري والخبرة العملية، يخرج الطلبه من صفوف الدرس الى العمل في الحقول. الامر الذي اكسبهم نضجا ودراية ميزتهم عن أقرانهم من أجيال الخريجين من مدارس السودان . بوسعك أن تميز (ابن بخت الرضا ) بين عشرات الناس.
اكتسب معهد (بخت الرضا ) شهرة واسعة ، واصبح مثلا يحتذى به في أفريقيا وفي العالم الثالث. وقد صار مؤسسه (مستر قريفث) فيما بعد ، أستاذا للتربية في جامعة أكسفورد.
القضارف هي موطن صديقي الدكتور محمد خير ، وانا لاأعرفها الا سماعا، فرجوته أن يصفها لي. فكتب لي هذا الوصف الجميل:
" قيل في اسمها ان أصله يعود إلى أعالي سلسلة التلال الحادة المتعرجة في حدودها الشرقية التي تشبه القضاريف(جمع قضروف ). وتعرف كذلك بأنها (قضروف سعد)، وهو رجل قبطي، قيل انه اول من زرع الفواكه هناك ....الجوافة والقشطة واللارنج وفواكه لم يعرفها السودان الا مستوردة من الشام لوجهاء العاصمة ، او كالتي في جبل مرة،والتي تستهلك محليا هناك.
يعرفها الكثيرون أيضا (أعني القضارف) ، بسوق (أب سن).
التركيبة السكانية للقضارف من أعجب العجائب. توافد اليها مختلف قبائل السودان. هناك ايضا ذرية ضباط وجنود الحامية القديمه التي أقامها محمد على الكبير وأبناؤه لحماية الحدود الشرقية للسودان. ومنهم الأتراك والأكراد والشركس والقوقاز والألبان. وهناك جاليات وادعة ومسالمة من الاغريق والقبارصة ومن المغرب الكبير ، ومن الشرق الصومال والجبرته(مسلمو الحبش)والحبش الامهرا الارثوذكس وأفارقة غرب أفريقيا.
من هذا الخليط تتعانق مآذن وصوامع وصلبان وأهلة ورايات، لاتتنافس الا في السباق نحو السماء . كل هذا الموزاييك العجيب يكون في مجموعه هذا المعنى الذي هو (القضارف ).
والقضارف من أكثر بلدان السودان مواسم سنوية . والمواسم فيها لايستحي بعضها من بعض. لاتتداخل أو تتمانع ...الرشاش رشاش ، والخريف خريف، والدرت (وقت الحصاد) درت، والصيف صيف.
كانت القضارف في مرحلتها الذهبية (فيما بعد سنوات الحرب والى وقت ليس بالبعيد ) هي عروس الاقتصاد السوداني.
كما ذكر في الحلقة السابقة كانت القضارف في مرحلتها الذهبية (فيما بعد سنوات الحرب والى وقت ليس بالبعيد ) هي عروس الاقتصاد السوداني . بدأت فيها الزراعة الالية وانتشرت وازدهرت ، وتضاعف فيها السكان وازداد الوعي وأصبحت قبلة المستثمرين من جميع أطراف القطر. وكانوا سرعان ماتطيب لهم الاقامة في رحابها الكريمة.
في تلك الفترة ازدهرت أيضا الخدمات التعليمية الشعبية (زيادة سكانية + ازدهار اقتصادي+ وعي عام يساوي ثورة تعليمية حقيقية ) . لجنتها التعليمية تذكرني بمجالس الجامعات العريقة ، بل ومجالس ادارات الشركات الكبرى .
كانت اللجان تضم كل طوائف المواطنين . الخواجات وأولاد البلد من تجار ومتعلمين ومزارعين. وكان التعليم يقوم على لامركزية لا أعرفها الا في النظام البريطاني والامريكي والسويسري . وكان التعليم الحكومي - وهذه حقيقة هامة - يعيش كما تنمو الحشائش الصغيرة في ظل الدوحة الباسقة.
كانت أول مدرسة وسطى في القضارف أهلية وأول مدرسة ثانوية للبنين والبنات أهلية. والان الجامعة فيها هي بكل الاعتبارات جامعة أهلية.
كانت القضارف أيضا (عكاظ الشرق). فيها نشأ ونبغ شعراء وصحافيون من أمثال عمنا الريفي وعبدالله رجب والسلمابي والشاعر الكبير ( المغمور) ابراهيم عوض بشير وشاعر الاستقلال عبدالواحد عبدالله يوسف والشاعر الكبير محمد عثمان كجراي . وفي القضارف نشأ وصدح الفنان العظيم عبدالكريم الكابلي ...
ولو استزدتمونا لزدناكم . ولك الود.
"محمد خير عثمان".
زكي حنا تسفاي
zakihanna@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
السودان: انعقاد المؤتمر الثاني للدراسات الأثرية بمشاركة 37 باحثاً من 9 دول
يناقش المؤتمر محاور علمية متنوعة تشمل الآثار في السودان والوطن العربي، السياحة والترويج الأثري، وأثر النزوح والكوارث الطبيعية على المواقع الأثرية..
التغيير: الخرطوم
ينعقد المؤتمر الثاني للدراسات الأثرية يوم الخميس 19 ديسمبر 2024 عبر تطبيق زووم، تحت شعار: “علم الآثار: تحديات الواقع وآفاق المستقبل”.
وينظم المؤتمر قسم الآثار وكلية الآداب بجامعة النيلين، بالتعاون مع مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر ودار إريثيريا للنشر والتوزيع، وبرعاية مدير جامعة النيلين البروفيسور الهادي آدم محمد.
ويناقش المؤتمر محاور علمية متنوعة تشمل الآثار في السودان والوطن العربي، السياحة والترويج الأثري، وأثر النزوح والكوارث الطبيعية على المواقع الأثرية.
ويشارك فيه 37 باحثاً من 9 دول، مما يعكس أهمية الحدث على المستويين المحلي والدولي. وفق ما نقلته الوكالة السودانية للأنباء.
تتضمن الجلسة الافتتاحية كلمات يقدمها عدد من الشخصيات البارزة، منهم البروفيسور الهادي آدم محمد مدير جامعة النيلين، والبروفيسور حاتم الصديق مدير مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر، ود. سلوى عثمان أحمد عميد كلية الآداب، بالإضافة إلى ممثلي الهيئات والمؤسسات العلمية مثل د. إخلاص عبداللطيف ممثلة الهيئة العامة للآثار والمتاحف، ود. سيفيرين مارك ممثلة الوحدة الفرنسية.
ويخصص المؤتمر مساحة لتأبين علماء الآثار الراحلين بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير، بروفيسور إبراهيم موسى محمد، وبروفيسور خضر آدم عيسى الذين قدموا إسهامات كبيرة في مجال الآثار قبل وفاتهم.
يأتي هذا المؤتمر في ظل تحديات تواجه المواقع الأثرية في السودان، منها النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، والتي أسفرت عن تعرض العديد من المواقع للخطر.
كما أن المؤتمر يعكس حرص جامعة النيلين على تطوير البحث العلمي، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لحماية التراث الأثري في السودان والوطن العربي.
الوسومالدراسات الأثرية السودان المؤتمر الثاني