الانتخابات الرئاسية في تونس.. الفوز المحسوم
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
أظهرت جل المؤشرات المواكبة لاقتراع 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 أن الفوز محسوم لصالح الرئيس قيس سعيد، المنتخب منذ العام 2019. فالمناخ السياسي العام في تونس لا يسمح موضوعيا بالحديث عن تنافس انتخابي رئاسي بالمعايير المتعارف عليها في الديمقراطيات العصرية، حيث من أصل سبعة عشر مرشحا للانتخابات الرئاسية، لم تعتمد الهيئة المستقلة للانتخابات، الموكول لها دستوريا بالإشراف على العملية الانتخابية، سوى ثلاثة أسماء، وهم: رئيس الدولة الحالي "قيس سعيد"، و"زهير المغزاوي"، أمين عام "حركة الشعب"، و"العياش الزمال" عن حزب "عازمون"، الذي أُدخل السجن بتهمة تزوير تزكيات الترشح للاقتراع الرئاسي.
تؤكد المؤشرات الأساسية للانتخابات التنافسية في الديمقراطيات العصرية على أن أول شرط في تحقيق التنافس أن تكون إرادة المترشحين حرة غير مقيدة، وأن تلتزم الدولة الحياد، ولا يكون تدخلها مقبولا ومشروعا إلا حين تتعرض هذه الحرية للتضييق والتقييد، وأن تكون القوانين المنظمة للعمليات الانتخابية، وعلى رأسها القانون الانتخابي، متوازنة، ومؤسسة على التراضي والقبول، وأيضا أن يكون القضاء، وفي صدارته القضاء الدستوري، مستقلا ونزيها، وحاميا لحقوق الجميع على أساس معقول من التكافؤ والمساواة.
فمن المفارقة أن انتخابات 2019 جرت بين ستة وعشرين مرشحا من كل الأطياف السياسية، فاز فيها الرئيس الحالي "قيس سعيد" بنسبة 72.71 في المئة من أصوات المقترحين، الذين وصلت مشاركتهم إلى 58 في المئة، في حين لم يتجاوز عدد المترشحين في الانتخابات الحالية ثلاثة أسماء، ولم يُعرف بعد عدد المشاركين فعلا في انتخابات 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وإن ناشدت خطب الرئيس عشية الاقتراع المواطنين من أجل المشاركة بكثافة في ما وصفه بـ"موعد مع التاريخ"، ولحظة انطلاق "العبور نحو بناء جديد".
وتتكامل مع هذه المفارقة خطوات أخرى ذات أبعاد عميقة، أقدمت عليها مؤسسة الرئاسة في تونس منذ العام 2021، تتعلق بسلة الإجراءات التي مست القوانين، بما فيها بعض فصول الدستور (فصل 81 على وجه الخصوص)، والعمليات الانتخابية، ومؤسسة القضاء، وحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وإعادة النظر في مصفوفة من النصوص التشريعية ذات العلاقة بالحقوق والحريات، علاوة على قطاع الصحافة، ووسائل الاتصال والتواصل بكل مكوناته..
ففي الإجمال لم تكن ولاية الرئيس "قيس سعيد" الأولى (2019-2024) عُهدة عادية، بقدر ما كانت عملية جراحية لكل مفاصل السلطة في البلاد، ظل الدافع الرئيس إليها في مشروع الرئيس واستراتيجية إعادة بناء تونس الجديدة، التي أنهكتها المزايدات السياسية والحزبية، وفساد النخبة وابتعادها عن مطالب المواطنين وتطلعاتهم، وأضعفت هيبتها تدخلات القوى الدولية والإقليمية. والحال أن قدرة الرئيس في الذهاب بعيدا في عمليته الجراحية كانت واضحة ومؤكدة ولا يختلف حولها اثنان.. لكن بأية كلفة وأي ثمن؟
تقدم تونس اليوم صورة البلد الذي ابتعد كثيرا وبشكل جوهري وعميق عن الآفاق التي فتحتها ثورته لعام 2011، وهو الذي أطلق شرارة ما سُمي الحراك العربي، الممتد، وإن بدرجات متباينة، على مدار سبع عشرة دولة من المحيط إلى الخليج. ثم إن المناخ السياسي الموسوم بإطلاق الحريات، وموجات النقاش العمومي، ووعد بالكثير من الآمال والتطلعات، خبت جذوته، وأصيب بالانكفاء والنكوص، إلى حد لم يعد موضوعيا الحديث عن كل جناه التونسيون من مكاسب حراكهم الوطني.
فالمعارضة غدت معارضات بالجمع، مشتتة، ومنقسمة على نفسها، وعاجزة عن تضميد أطرافها ومفاصلها، وتقريب وجهات نظرها، ورسم صورة مشتركة عن واقع تونس ومستقبلها. كما أن جل رموز هذه المعارضات قابعة في السجون، أو مُبعدة عنوة وبالقوة، وما بقي منها يشكو من وهن وعجز أكيدين. والحقيقة أن ليست صورة تونس في الداخل تعرضت وحدها للضرر والخدوش، بل صورتها في العالم أيضا، عكستها تقارير المنظمات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وحريات الرأي والتعبير والإعلام، واستقلال القضاء ونزاهته، وتنافسية الانتخابات وحياد الدولة والإدارة إزاءها.
يميز علماء السياسة والاجتماع بين نوعين من الشرعية، هما: شرعية الانتخاب وشرعية الإنجاز، ويشددون على أن شرعية الانتخاب، كي تظل مقبولة وغير متنازع حولها، يجب أن تتعزز بشرعية الإنجاز، أي شرعية تحقيق رفاهية المواطنين وشروط عيشهم الكريم، وإذا لم يحصل هذا فإن شرعية الانتخاب تفقد قيمتها، وتتعرض للتآكل والاندثار، لأن شرعية الإنجاز هي الكفيلة بمنح الاستمرارية والديمومة لشرعية الانتخاب. لذلك، فالسؤال المطروح في ضوء خمس سنوات من حكم الرئيس "قيس سعيد": هل تعززت شرعية الانتخاب التي منحت مؤسسة الرئاسة ما يقرب من 73 في المئة من قبول الجسم الانتخابي، بإنجازات واضحة وملموسة وذات نجاعة وفعالية، أم بالعكس تراجعت أحوال التونسيين نحو الخلف؟
لا شك أن حصيلة الإنجازات على مدار العهدة الأولى من ولاية الرئيس "قيس سعيد"، معروفة وملموسة لدى المواطنين التونسيين في حياتهم اليومية، وفي أحوالهم المعيشية، كما أن تقارير المنظمات الدولية المالية والاقتصادية والتجارية تُشدد على الصعوبات التي تجتازها تونس، على الرغم من الكثير من الإصلاحات المؤسسية والقانونية التي شهدتها تونس خلال هذه العُهدة، ومن يقوم بزيارة تونس، وسبق له أن زارها، يلمس عُمق التغيرات التي طالت أحوال الناس وأوضاعهم.. لذلك، وإن كانت النتائج محسومة لصالح ولاية ثانية للرئيس الحالي، فالمنتظر، والمطلوب والضروري، أن تتعزز شرعيته الانتخابية بشرعية الإنجازات المطالب بإدخالها على البلاد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه قيس سعيد تونس الانتخابات الحريات تونس انتخابات حريات مرشحين قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قیس سعید
إقرأ أيضاً:
لابيد وليبرمان يهاجمان نتنياهو: حكومته غير شرعية ويحاول إفشال صفقة التبادل
شن زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" هجوما على بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، واتهماه بتعطيل صفقة تبادل الأسرى لأهداف شخصية.
وقال لابيد، الأحد، إن نتنياهو يخشى سقوط حكومته حال انتهاء حرب غزة لأن اعتباراته سياسية، ولا يكترث بشأن "الرهائن"، في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
وقال لابيد: "لا يوجد ما نفعله في غزة أكثر ويجب وقف الحرب وإعادة الرهائن، يجب إعادة مخطوفينا من غزة وليس إجراء لقاءات صحفية لتخريب إمكانية التوصل لصفقة". وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية.
بدوره، هاجم أفيغدور ليبرمان؛ نتنياهو واتهمه بالتصرف لضمان الحفاظ على ائتلافه الحكومي دون الاكتراث بـ"الرهائن".
ونقلت "معاريف" عن ليبرمان قوله: "الحكومة التي تروج للتهرب من الخدمة العسكرية وتعارض إنشاء لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر هي غير شرعية".
هل الصفقة وشيكة؟
مع تزايد الأحاديث الإسرائيلية عن قرب إبرام صفقة التبادل مع حماس، قدرت مصادر مطلعة على تفاصيل المفاوضات أن الصفقة أصبحت قريبة، ورغم بقاء جدل بين الطرفين حول هوية الأسرى وعددهم، فإن هناك اتفاقا على إطلاق سراح النساء والأطفال والمسنّين، ويبقى الآن تحديد عدد الشباب الذين سيتم تعريفهم بأنهم مرضى، مع خلافات أخرى حول هوية الأسرى الفلسطينيين الكبار الذين سيضطر الاحتلال لإطلاق سراحهم، وأين سيتم نقلهم.
ونقل رونين بيرغمان، خبير الشؤون الاستخبارية بصحيفة يديعوت أحرونوت، عن مسؤول إسرائيلي كبير مطلع على مفاوضات صفقة التبادل مع حماس، قوله إن "الجانبين أقرب من أي وقت مضى للاتفاق، لأن كليهما يتصرف بموجب موعد نهائي، وهو دخول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، ما يعني أن القاسم المشترك لجميع الأطراف المعنية هو أن الوقت قد حان، ويجب أن ينتهي".
وأضاف في مقال بيديعوت أحرنوت، ترجمته "عربي21"، أنه "رغم هذه التفاهمات، فلا تزال خلافات صعبة تتعلق بشكل رئيسي بهوية المختطفين، وعددهم لدى حماس، والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ما يجعل التوقعات تتجاوز الأيام، إلى بضعة أسابيع على الأقل، وعند التوقيع على الصفقة، سيقول كل جانب إن الآخر تراجع، مع أنه ينبغي التذكير بأنهما كانا قريبين للغاية من التوصل لاتفاق محتمل في 3 يوليو الماضي عند تسليم الخطوط العريضة المقدمة من قطر".
وأوضح أن "التغيرات الإقليمية اليوم، وعزلة حماس، والصعود المرتقب لترامب، كلها تطورات غيّرت الوضع، بجانب تعرّض قيادة حماس لضغوط قطر ومصر، ما يدفع الحركة للحديث عن تخفيف الضغوط الدولية عليها، وبالتالي أن تتحلى بالمرونة، تمهيدا لوقف إطلاق النار المستدام، والتوقيع على الجزء الثاني من الصفقة، فيما النقاش الجوهري المعقد للغاية يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، وفئات المفرج عنهم".
كما كشف أن "رئيس جهاز الشاباك رونان بار، المسؤول بنفسه عن قنوات الاتصال للمفاوضات، ينخرط منذ أسابيع في تحليل وإعداد قوائم الأسرى الفلسطينيين المحتملين للإفراج عنهم، فيما تُعرب مختلف أجهزة الأمن عن رأيها بشأن خطورة الأمر، ويبقى السؤال عن تواجدهم بعد إطلاق سراحهم، سواء بقاؤهم في الضفة الغربية، أو منطقة أخرى، مع احتفاظ الاحتلال بحق النقض تجاه عدد معين من كبار الأسرى، مع العلم أن نظرة للوراء تشير إلى أن الاحتلال وافق على إطلاق سراح أسرى "أيديهم ملطخة بالدماء"، وفق التعريف الإسرائيلي".
وختم قائلا، إن "الصياغة الغامضة المتعمدة في مسودة الاتفاق المتبلور حالياً، يشير لرغبة جميع الأطراف في المضي قدمًا، ما قد يجلب إمكانية التغيير في الصفقة نفسها".