في عيد ميلاد بليغ حمدي.. قصة تسجيل أول أغنية وطنية بعد نصر أكتوبر
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
على سلالم ماسبيرو جلس الراحل بليغ حمدي، ليلحن أغاني نصر حرب أكتوبر 1973، من «أنا على الربابة» إلى «بسم الله» و«عاش إللي قال» و«عبرنا الهزيمة»، وتصبح فيما بعد من أشهر الألحان التي تعبر عن انتصار الجيش المصري والملحمة، وهو ما نلقي الضوء عليه، تزامنًا مع ذكرى ميلاده الـ90.
بليغ حمدي في حرب أكتوبركواليس كثيرة شهدتها أغاني بليغ حمدي الوطنية والمرتبطة بنصر أكتوبر، فبمجرد سماعة بخبر النصر توجه إلى مبنى ماسبيرو مصطحبا الفنانة بعدما استدعى الشاعر عبد الرحيم منصور، لتسجيل أغنية بمناسبة النصر، وذلك في عصر اليوم ذاته، ولكن أجواء الحرب كانت الأهم والأخطر فبسبب الإجراءات الأمنية كان لا يستطع أحد الدخول، حتى صرخ ليستطيع دخول المبنى، مرددًا: «هعمل محضر أنكم رافضين تخلوني أغني لبلدي».
وبعد إصرار شديد من بليغ حمدي دخل مقررًا أنه متحمل كافة مصاريف الأغاني، ولم يوافق على تلقي أجر هو وفرقته، وكتب الشاعر عبد الرحيم منصور أغنية «بسم الله» و«أنا على الربابة» وبدأ بليغ حمدي في تلحينهما، وطرح الأغاني التي عبرت عن الانتصار، وكانت تناسب الحدث التاريخى وفرحة الانتصار والعبور، وروت وردة تلك التفاصيل في أحد اللقاءات التليفزيونية.
قصة أغنية بسم اللهجمع بليغ حمدي جميع العاملين بمبني الإذاعة والعمال وحفظهم اللحن حتى سجل الأغنية، ثم بعدها حضرت الفرقة الماسية لمبنى الإذاعة والتلفزيون، وأذيعت أغنية «بسم الله.. الله أكبر» صباح يوم 7 من أكتوبر كأول أغنية عن حرب أكتوبر، وظل يردد: «كفاحنا يا مصر بسم الله بسم الله، تاريخ النصر بسم الله بسم الله».
أغنية على الربابةوسجلت وردة أغنية «وأنا على الربابة بغني»، وحكت أثناء لقاء لها إنها انتظرت لساعات عديدة، لتسجل الأغنية: «كان ظروف التسجيل والغناء أشبه بملحمة كلنا كنا بنسعى وبنغني في حب مصر»، ليتسابق بعدها نجوم الغناء لتقديم أغاني حرب أكتوبر، كما سجل العندليب عبد الحليم حافظ أغنية «عاش إللي قال» التي لحنها بليغ حمدي أيضًا.
وتوالت بعد ذلك أغاني الانتصارات حتى لحن للفنانة شادية أغنية عبر الهزيمة، التي تردد كلمات النصر: «عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة، باسمك يا بلادى تشتد العزيمة، باسمك يا بلادى عدينا القنال، باسمك يا بلادى خطينا المحال»، فكانت حرب أكتوبر الشرارة التي أشعلت حماس كتاب الأغنية الوطنية، وشهدت الإذاعة تسجيل أكثر من 7 أغانٍ في يوم واحد لتتوالى بعدها الأغاني.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: بليغ حمدي على الربابة حرب أکتوبر بلیغ حمدی بسم الله
إقرأ أيضاً:
النصر.. في أقصى ساعة محنة الحق
د. قاسم بن محمد الصالحي
ترسخت لدينا دائمًا قناعة مفادها أن أي كاتب قرر إنجاز مقال حول نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته وانعتاقه من الاحتلال الغاشم، فيجب أن يحس هذا الكاتب بارتباط من نوع ما بينه وبين الشعب الفلسطيني الذي يتحدث عنه في مقاله؛ حيث يشاطره نفس الرؤى والإحساس، وإلا فستصبح مهمته صعبة، إن لم نقل مستحيلة.
أما إذا توفر نوع من التعاطف والانجذاب نحو القضية ومعاناة الشعب الفلسطيني، كما هو الحال بالنسبة إلينا تجاه الإبادة المرتكبة بحقه في غزة، فإن الكاتب سيُباشر عمله بحماس أكبر، وضمير حي، ولا يعود اهتمامه بهذه القضية إلى الماضي القريب فحسب؛ بل إلى عقود عديدة خلت، وبالتحديد إلى اليوم الثاني من نوفمبر عام 1917م، تاريخ رسالة موجهة من وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور الى اللورد ليونيل دي روتشلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا، التي ورد فيها خبر وعد من لا يملك لمن لا يستحق، وقد اطلعنا هذا الوعد بدورنا على تاريخ أمتنا، الذي ضمنه المستعمر منح وطن لليهود في فلسطين التاريخية، ومنذ تلك العقود، نقرأ في هذا الوعد من بين معطيات أخرى ما يمكن اعتبار ان الشعب الفلسطيني، الذي صقلته نوائب الدهر، رائدًا وقدوة بالنسبة لنضال تميزت به بعض الشعوب التي قاومت من أجل الاستقلال والحرية.
إن السبب الرئيسي للمقاومة الفلسطينية ضد الكيان اللقيط، نشأ منذ تلك الحقبة الاستعمارية البغيضة، التي أعطى فيها من لا يملك لمن لا يستحق، بإيعاز من بريطانيا، وبقى الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم، منذ أن هبوا للدفاع عن حقوقهم، كأنهم رجل واحد، حتى يوم 7 اكتوبر 2023م، فأبرزوا قضيتهم بأندر ما ينضج به الضمير الحي، وأجمل ما يزهر به النضال، وأجود ما يثمر به صبر أصحاب الأرض، فدافعوا بالنفس والمال والأولاد بكبرياء وتحدي... صمد أهل غزة لجيوش دول بكامل عتادها، وأسقطوا القناع عن جندي الكيان اللقيط الذي قيل أنه لا يقهر، وذاقت عاصمة الكيان اللقيط صواريخ المقاومة، لإيمانهم بأن حقهم، مهما تأخر أو تراجع أمام الظلم، سيظهر في النهاية، والعدل سيأخذ مجراه في ساعة حاسمة، وهي الساعة التي صبر من أجلها الغزاويون، وآمنوا بوعد الله، وأحسنوا الظن بأولئك الذين يقفون في صف الحق معهم.
صمود وإرادة الشعب الفلسطيني صنع التغيير الإيجابي في القضية، وتكيفت المقاومة الفلسطينية مع المصاعب، تغلبت على الإحباط، فعكست التصميم والعزيمة في اتخاذ القرارات والعمل المستمر رغم العوائق، فأحدث طوفان الأقصى تحول جذري في مسار حياة الشعب الفلسطيني، وواقع القضية، جاءت لحظة الحسم، والوقت الذي يتجلى فيه الحق بشكل كامل، بغض النظر عن طول الانتظار أو الصعوبات التي استمرت لأكثر من 76 عامًا، إنها لحظة الانتصار للعدالة والانصاف، حيث تنقلب الموازين لصالح الحقيقة بعد صراع مع كيان لقيط، نعم، العدل بطبيعته قد يتأخر أحيانًا نتيجة لتعقيدات الحياة أو سيطرة قوى الظلم لفترة من الزمن، لكنه لا يغيب أبدًا، فالعدل هو سنة كونية وضعها الله في هذا الكون، ومهما حاول الظلم أن يتجبر أو يطول أمده، فإن الحق له قوة ذاتية تقهر الباطل في النهاية، كما قال الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا" (الحج: 38).
الظلم قد يبدو قويًا ومسيطرًا، لكنه هش أمام صبر أهل الحق وسعيهم، والعدل حين يأتي لا يترك مجالًا للظلم، بل يجرفه ويعيد التوازن للنفوس والحياة، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، فالنصر يكمن في محنة الحق، رغم ما يواجهه من تحديات وصعوبات، المحن التي يتعرض لها الحق ليست إلا اختبارات لصموده ولإيمان أهله به، وهي ما يهيئ الطريق لتحقيق النصر في النهاية، والمحنة قد تكون قاسية، لكنها تصقل أهل الحق، تقوي عزيمتهم، وتفرز الصادقين من المتخاذلين، وكما قال الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 214).
لذلك، فإن محنة أهل غزة ليست ضعفًا؛ بل هي محطة ضرورية، ظهر فيها الحق الفلسطيني قويًا، يتحقق في جنباتها تحرير القدس، وأرض فلسطين من قلبها.