التحالف الروسي-الصيني.. هل يقدر على قلب معادلات النّظام الدولي؟
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
الكتاب: "التحالف الاستراتيجي الروسي ـ الصيني وتأثيره في النّظام السياسي الدولي"
الكاتب: مصطفى مجيد أحمد الجبوري
النّاشر: المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين- ألمانيا، 2024
عدد الصفحات: 166
ـ 1 ـ
يتنزّل التحالف الإستراتيجي الروسي الصيني ضمن التّحولات العاصفة في ميزان القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولمواجهة نزعات الهيمنة المتوحشة هذه، كثيرا ما تنشأ تجمّعات أو تحالفات تحاول كسر نظام القطب الواحد وإعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية حتى تأخذ بعين الاعتبار مصالح من همّشهم النظام العالمي الجديد. ومنها التحالف الإستراتيجي القائم بين روسيا الاتحادية والصين القادر على القيام بدور مؤثر وفاعل في النظام السياسي الدولي.
مثّلت الحرب الروسية الأوكرانية اختبارا صعبا لهذا التحالف، فقد وضعت الصين أمام مسؤوليتها لفرض احترام القانون الدّولي بالنّظر إلى امتلاكها لحق النقض. وفي الآن نفسه فرضت عليها الحفاظ على علاقتها القوية بروسيا.يجعل الباحث مصطفى مجيد أحمد الجبوري هذا التحالف موضوعا لدراسته الموسومة بـ"ـ التحالف الاستراتيجي الروسي- الصيني وتأثيره في النّظام السياسي الدولي". فيرصد تحوّلا جوهريا في العلاقات بين البلدين ما فتئ يتدعّم منذ نهاية الحرب الباردة. ويبحث في أبعاده ودوافعه ويتساءل عن مدى تأثيره في النظام السياسي الدولي.
ـ 2 ـ
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي باتت الولاياتُ المتحدة الأمريكية، تلك القوةُ المهيمنة على مفاصل النظام الدولي، خطرا محدقا على كل من البلدين، بما تفرضه من العقوبات وما تضعه من قوانين للمنافسة تخدم اقتصادها وتربك اقتصاديات الدول المنافسة. وهذا ما دفع البلدين إلى البحث عن أفق شراكة ما لتحقيق مصالحهما.
يعود الكتاب إلى جذور هذا التّحالف، بداية من اتفاقية التعاون وحسن الجوار الممضاة بين رئيسي البلدين في العام 1992 وصولا على توسّعه ليشمل المجال السياسي والاقتصادي والعسكري الأمني وليرتكز على أساس مصلحي وفق ما فرصته طبيعة الأوضاع والأبعاد الدولية للبلدين.
ـ 3 ـ
يشير الباحث مصطفى مجيد أحمد الجبوري إلى قمة موسكو1996 التي جمعت بين الرئيس الروسي عندئذ بوريس يلتسين والرئيس الصيني جيانغ زيمين، باعتبارها خطوة مهمة في هذا التحالف على المستوى السياسي. فقد انتهت إلى دعوة صريحة إلى قيام عالم متعدّد الأقطاب وفي البال مواجهة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار الدولي والبحث عن أفاق جديدة لتحقيق مصالحهما المشتركة بعيدا عن هيمنتها.
ثمّ تعدّدت القمم بين رؤساء البلدين. فقد كانت روسيا في حاجة إلى مساندة الصين في مواجهة توسع الناتو الذي ترى فيه تهديدا مباشرا لها أساسا. وفي الآن نفسه كانت الصين في حاجة إلى مساندة روسيا لاستعادة السيطرة على تايوان المدعومة من قبل العالم الغربي، ومن قبل الناتو بشكل ما. لذلك نشأت بين البلدين علاقات سليمة ومستقرة. وكان من ثمارها اعتراف روسيا للصين بكونها الفاعل الأساسي في إقليم آسيا واعترافها بكون التيبت وتايوان جزءا من أرضها، بالمقابل اعترفت الصين بأن الشيشان جزء من روسيا.
ومن ثمرات هذا التحالف:
ـ قيام المجموعة شنغاي بين روسيا والصين وجمهوريات من أسيا الوسطى في أفريل 2001، لتمثل تجسيدا لهذه الدّعوة. ففضلا عن التعاون الاقتصادي، كانت المجموعة تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، وتنسيق الحرب على الإرهاب ومواجهة النزعات الانفصالية والتطرف وإنهاء مشكلة ترسيم الحدود بين جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي حتّى تتفرّغ لمواجهة الأخطار المشتركة.
ـ الانتباه إلى المتغيرات التي تحصل جنوب آسيا ممثلة في ظهور الأسيان، تلك الكتلة التي تضم مجموعة من الدّول ذات معدلات النمو الهائلة والتي تغري كل الاقتصاديات بالتعامل معها.
ـ 4 ـ
جعلت رياح العولمة كلا من الصين وروسيا أمام تحدّي إثبات الوجود دوليا. وحتّى يتسنّى لهما ذلك عزّزا من العلاقات الاقتصادية بينهما خاصة أن الاقتصادين يتكاملان. فالصين ترتبط بموارد الطاقة الروسية والاقتصاد الروسي في حاجة أكيدة إلى الاستثمارات والتكنولوجيا الصينيتين. وكلتاهما تواجه أعمالا عدائية من قبل الولايات المتحدة لعرقلة نموهما الاقتصادي. فقد تعرضت روسيا إلى ضغوطاتها خاصة لما كان اقتصادها في مرحلة وهن وتراخ. أما الاقتصاد الصيني الموعود باحتلال المكانة الأولى عالميا فكانت بضائعه هدفا لضرائبها الجائرة.
ومن نتائج هذا التحالف الاقتصادي بلوغ التبادل التجاري عام 2000 نحو 7 مليار دولار، بحيث مثّلت الصين الشريك الثالث لروسيا بعد الولايات المتحدة وألمانيا. ثم تعمّقت الشراكة أكثر بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001.
ولعل تطورَ التعاون بين الصين وروسيا في مجموعة البريكس التي تضم اليوم، فضلا عن البلدين المؤسسين كلاّ من الهند والبرازيل وإفريقيا الجنوبية والسعودية ومصر والإمارات وإثيوبيا عنوانٌ كبير لتحقيق الأهداف المشتركة الرامية إلى القضاء على القطبية الأحادية ورفض هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي. وبالفعل ففي إطار منظمة بريكس عمل البلدان على وتطوير التعاون الاقتصادي بينهما وعلى التنسيق السياسي الداخلي من أجل زيادة أرباحها، ومن أجل التأثير على الساحة الدولية ودعم النمو والتنمية على المستوى العالمي. وبريكس، كما هو معلوم، مجموعة دولية تهدف إلى تشجيع التعاون السياسي والاقتصادي بين الدول الأعضاء، وباتت تطرح نفسها بما هي أفق لتحرير الاقتصاد العالمي من سيطرة المؤسسات الخاضعة لهيمنة الولايات المتّحدة كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة.
ـ 5 ـ
وتمثّل العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين هدفا لهذا التحالف ووسيلة. ومن نتائجه أنْ باتت الصين تستورد عتادا عسكريا كبيرا من المصانع العسكرية الروسية خاصة ما يتعلّق بالغواصات والأسلحة الذكية، منذ توقع اتفاقية التعاون التكنولوجي المتعلق بالقضايا العسكرية عن طريق التحالف الإستراتيجي العميق في العلاقات الروسية- الصينية وتنميتها وتطويرها من قبل رئيسي البلدين. فأقاما مشاريعَ مشتركة لإنتاج الطائرات المقاتلة وأفادت الصين في بناء مفاعلاتها النووية من الخبرات الروسية، وفي تجهيز جيشها، وتعدّ اليوم ثاني مورّد للأسلحة منها.
لقد نجحت حركة المقاومة في تمكين البلدين من التأثير في النظام السياسي الدولي القائم. فيتدخلان في الأزمات الدّولية ويمنعان الولايات المتحدة من توجيهها لخدمة مصالحها الخاصّة دونا عن غيرها، كما هو الحال في الأزمة السورية وقضية الملف النووي الإيراني.ويظهر هذا التحالف العسكري جليّا في تنسيق المواقف بين البلدين في استهداف نظام الدرع الصاروخي الأمريكي أو في عديد المناورات المشتركة بينهما، بداية من سنة 2000. منها تنفيذ سيناريو لمواجهة هجمات إرهابية والقيام بمناورات في بحر اليابان وأخرى في بحر الصين الشرقي وثالثة في البحر الأبيض المتوسط ورابعة في المحيط الهادي.
وفي هذه المناورات يمكننا أن نستنتج استنتاجين كبيرين على الأقل. فهذا التّحالف يقدّم نفسه نظيرا للتحالف الأمريكي الياباني أولا ويدفع الصّين إلى التّخلي عن انعزاليتها العسكرية لترسل أساطيلها إلى المحيطات البعيدة عنها لتشكّل غطاء قوة لاستثماراتها التي باتت تنتشر في كلّ أنحاء العالم. أما على المستوى الأمني فيتجلّى هذا التحالف في اعتماد البلدين لرؤية منسجمة تنطلق من واقعهما. فتم إمضاء اتفاقية عدم انضمام أي منهما إلى تحالفات عسكرية تهدد نظيرتها. ودعمت الصين روسيا سياسيا في مواجهاتها مع الناتو.
ـ 6 ـ
للتحالف الاستراتيجي الروسي الصيني إذن أبعاد إقليمية وأخرى دولية. فرؤية البلدين للنظام الدولي وتحدياتهما المشتركة تمثل دوافعه المحركة. ومع ذلك ينزّله الباحث ضمن ما يشهده العالم من التفاعلات لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية والدولية وضبط معالم النظام السياسي الدولي القائم. ويقدّر أنّ معطيات النظام السياسي الدولي راهنا تعدّ مؤشرا على بداية تحول العالم وتنامي قدرات دول كبرى منها روسيا الاتحادية التي تعد وريثة الاتحاد السوفيتي والصين ذات الطّموح والآفاق الكبيري.
وعبر هذا التحالف يعمل البلدان سويّةً على مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق نفوذها. وهذا مؤشر قويّ يجعلنا نستشرف بروز قوة دولية وقطبية جديدة قد تهدد نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وقد تنجح في أن تنتزع منها هيمنتها على النظام العالمي.
وينتهي الباحث إلى أنّ التحالف الإستراتيجي الروسي الصيني ليس اختيارا في حقيقة الأمر. فهو يعد أمرا ضروريا لكل منهما. فروسيا قوة مهمة، تحمل على كاهلها تاريخ الاتحاد السوفييتي وتستلهم منه الحافز لتطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية بما يسمح لها بالوقوف بندية أمام الولايات المتحدة الأمريكية من جديد. والصين بما لها من ثقل اقتصادي وديمغرافي وعسكري متنام تسعى إلى الوصول منازعة الولايات المتحدة الأمريكية في صفة القوة العظمى وفي مكانتها الدولية. ومن حلمها هذا تستمدّ عزمها على تطوير اقتصادها وقد بات يحتلّ المرتبة الثانية عالميا مستفيدا من مبدإ الصعود السلمي للوصول إلى مصاف الأقطاب الدولية.
لقد نجحت حركة المقاومة في تمكين البلدين من التأثير في النظام السياسي الدولي القائم. فيتدخلان في الأزمات الدّولية ويمنعان الولايات المتحدة من توجيهها لخدمة مصالحها الخاصّة دونا عن غيرها، كما هو الحال في الأزمة السورية وقضية الملف النووي الإيراني.
ـ 7 ـ
يخوض هذا الكتاب في موضوع مهم، على مستوى السياسة الدولية. وهذا وحده يمثل مصدر تميّز وحافزا لقراءته والإفادة منه. ولكنه لم يسلم من هنات كثيرة، فرغم أنه صادر سنة 2024:
ـ يعرض أرقاما قديمة جدا تعود إلى بدايات القرن الواحد والعشرين مما يحدّ من دلالتها على الوضع الرّاهن الذي يتغيّر بنسق سريع جدّا.
ـ لم ينزّل الكاتب هذا التحالف كفاية ضمن بحث روسيا عن مجدها الزائل بتفكّك الاتحاد السوفييتي. ولم ينزّله ضمن مشروع الصين الكبير "حزام واحد- طريق واحد" أو "طريق الحرير الجديد"، ذلك المشروع الاستثماري العالمي الضّخم الذي يتضمّن مشاريع للبنية التحتية تتضمن طريقا بحريا وآخر بريا وسككا حديدية وخطوط طيران وأنابيب لنقل المواد البترولية تصل مختلف أنحاء العالم وتستهدف تغيير خارطة العالم الاقتصادية والثقافية والسياسية والذي يمتدد لعشرات السنين فيعكس التخطيط الصيني الطويل الأمد ولم ينزّل الجانب العسكري منه ضمن عمل الصّين على زيادة حضورها العسكري لحماية استثماراتها في شتّى أنحاء العالم ولم يشر بعمق إلى هذا الإجراء غير تقليدي لبلد كان يختار الانعزالية العسكرية ويتّجنب التورط في الصدامات الدولية.
ـ لم يشر إلى الصدام في أوكرانيا ودور الصين فيه (موقف الصين في المنتظم الأممي مثلا). فرغم هذا التحالف ظلت الصّين تناور. فلم تساند روسيا (وإن صرّحت مرارا بأنها تصرّح مرارا برفضها الإلقاء باللائمة على روسيا وحدها وتدعو باستمرار إلى أخذ الانشغال الأمني الروسي بعين الاعتبار).
ـ مثّلت الحرب الروسية الأوكرانية اختبارا صعبا لهذا التحالف، فقد وضعت الصين أمام مسؤوليتها لفرض احترام القانون الدّولي بالنّظر إلى امتلاكها لحق النقض. وفي الآن نفسه فرضت عليها الحفاظ على علاقتها القوية بروسيا. فكشفت أنّ التحالف بين البلدين يبقى ضعيفا محكوما أكثر بالإستراتيجية الصينية وهي عدم التورط في النزاعات الدّولية والاستفادة منها للحصول على الطاقة بطريقة بخسة دعما لاقتصادها المتنامي بنسق سري.
هذه المعطيات جميعا غابت عن عمل الباحث لأنه ظلّ منشدّا إلى مصادر قديمة. ففوّت على نفسه فرصة تعميق أثره وترهين رؤيته لهذا التحالف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الصيني روسيا العلاقات الصين روسيا علاقات كتاب عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة النظام السیاسی الدولی التحالف الإستراتیجی الروسی الصینی لهذا التحالف هذا التحالف بین البلدین الصین فی هذا الت فی الن من قبل
إقرأ أيضاً:
من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”: اليمن يثبت قدرته على تغيير معادلات القوة البحرية
يمانيون – متابعات
على مدار عام كامل، فرضت القوات البحرية اليمنية واقعاً جديداً في البحر الأحمر والمناطق المحيطة به، من خلال سلسلة من العمليات البحرية الدقيقة والنوعية التي أثبتت تطوراً لافتاً في قدراتها العسكرية والاستخبارية. من الاستيلاء على السفينة “غالاكسي ليدر”، إلى استهداف حاملة الطائرات الأميركية “إبراهام لينكولن”، شكلت هذه العمليات محوراً رئيساً في الصراع، وأدت إلى تغييرات جوهرية في معادلات القوة البحرية في المنطقة.
البداية مع “غالاكسي ليدر”: خطوة نحو استراتيجية بحرية جديدة
بدأت التحولات الاستراتيجية في العمليات البحرية اليمنية بعملية الاستيلاء على السفينة “الإسرائيلية” “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر (قبل عام تماماً).
لم تكن هذه العملية متوقَّعة كما لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت خطوة استباقية من جانب القوات اليمنية، تهدف إلى إسناد غزة وتعطيل حركة السفن المتورطة في دعم العدو “الإسرائيلي”.
نجحت القوات اليمنية في تنفيذ هذه العملية بدقة متناهية، الأمر الذي كشف تطوراً كبيراً في القدرات الاستخبارية والبحرية، وأدى إلى إرباك حسابات العدو، وأثار قلقاً في أوساط القوى الغربية، وعلى رأسها أميركا التي حاولت، عبر إرسال قطع بحرية، مواجهة هذه العمليات وردعها ومنعها، لكن الرد اليمني كان مفاجئاً ومتسارعاً ومتصاعداً وفعالاً.
التصعيد التدريجي: من العمليات الموجّهة إلى الاستهداف الشامل
لم تتوقف العمليات اليمنية عند هذا الحد، بل تصاعدت بالتدريج، لتشمل سفناً أميركية وبريطانية. ومع مرور الوقت، بدأ النشاط العسكري اليمني يتوسع ليشمل استهداف قطع بحرية من التحالف الغربي في البحر الأحمر، خليج عدن، البحر العربي، والمحيط الهندي. وعلى رغم المحاولات الغربية لاحتواء هذا التصعيد عبر إرسال حاملات طائرات وفرقاطات، فإن القوى الغربية لم تتمكن من وقف هذا الزخم العملياتي المساند لغزة.
في المقابل، أظهر التحالف الغربي عجزاً في مواجهة هذه الهجمات، فبدلاً من الحد من العمليات البحرية اليمنية ضد السفن “الإسرائيلية” والمرتبطة بها، بدأ سحب قطع بحرية أميركية وبريطانية وأوروبية، كانت أبرزها حاملتا الطائرات “آيزنهاور” و”روزفلت”، وقد تلحق بهما “لينكولن”، التي تعرضت مؤخراً لضربات غير مسبوقة الأسبوع الماضي.
وعلى رغم تدخل القوى الغربية في حشد عسكري غير مسبوق، وعدوانها الجوي والبحري على اليمن بأكثر من 800 ضربة جوية وبحرية، فإنها لم تتمكن من كسر الحظر البحري المفروض على العدو “الإسرائيلي” من جانب اليمن، بل أُجبرت تلك القطع على الانسحاب التدريجي والعودة أدراجها، وأُجبرت السفن “الإسرائيلية” والمرتبطة بها على تغيير مساراتها وتفادي مناطق الصراع.
عملية “لينكولن”: ضربة معقدة تُظهر تطوراً غير مسبوق
تُعَد عملية استهداف حاملة الطائرات الأميركية، “إبراهام لينكولن”، في أقصى البحر العربي (بعد قرابة نصف عام من التهرب والتخفي) إحدى أبرز محطات هذا التصعيد، ذلك بأن العملية البحرية اليمنية كانت خطوة استباقية معقدة نجحت في تعطيل هجوم جوي كان يخططه التحالف الأميركي. هذا الهجوم جاء في وقت حساس جداً، بحيث كانت حاملة الطائرات “لينكولن” تمثل إحدى أذرع القوة البحرية الأميركية في المنطقة.
نجحت القوات البحرية اليمنية في الوصول إلى الحاملة، واستخدمت أسلحة متطورة استطاعت اختراق الدفاعات الأميركية. هذه الضربة، التي تم تنفيذها في أقصى البحر العربي، كانت بمثابة رسالة قوية من اليمن، تؤكد تطور قدراته العسكرية والاستخبارية، وتؤكد عجز التحالف الغربي عن ردع هذا التصعيد. الحاملة “لينكولن”، التي تعرضت لضربة قوية اضطرت إلى الانسحاب، كما فعلت “آيزنهاور” و”روزفلت” في وقت سابق.
سحب القطع البحرية الغربية: هزيمة استراتيجية
على رغم محاولات القوى الغربية تعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر عبر إرسال قطع بحرية متعددة، بما في ذلك الفرقاطات وحاملات الطائرات، فإن نتائج العمليات البحرية اليمنية أثبتت فشل هذه الاستراتيجيات.
على العكس، فإن الرد اليمني ساهم في سحب عدد من هذه القطع، بما في ذلك الفرقاطة الإيطالية و”لينكولن”، وهو ما يعكس فشل محاولات الغرب كسر الحظر البحري المفروض.
في هذا السياق، لم تقتصر الضغوط على القوات البحرية الأميركية والبريطانية، بل شملت أيضاً الشركات التجارية التي كانت تدير السفن المتورطة في نقل البضائع المرتبطة بالاحتلال “الإسرائيلي”. هذه العمليات البحرية لم تكن مجرد تحركات عسكرية، بل استراتيجية شاملة تهدف إلى تغيير المعادلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
الأفق والخيارات: مستقبل العمليات البحرية اليمنية
مع استمرار تصعيد العدوان الأميركي و”الإسرائيلي” في المنطقة، تظل الأفق مفتوحة أمام اليمن لتوسيع نطاق عملياته البحرية. القوات المسلحة اليمنية أثبتت قدرتها على تحدي القوى الكبرى في بحر مفتوح، وأظهرت تطوراً عسكرياً واستخبارياً من شأنه تغيير موازين القوى في المنطقة.
من جهة أخرى، يواجه التحالف الغربي تحديات متزايدة في ردع العمليات اليمنية. فكلما تصاعدت الاعتداءات، تصاعدت العمليات اليمنية وتزايدت في المقابل الخسائر الغربية، وازدادت الصعوبة في فرض الهيمنة على الممرات البحرية. مع ذلك، يبقى الخيار مفتوحاً أمام الطرفين: اليمن ماضٍ في تعزيز وجوده البحري وتوسيع نطاق عملياته الإسنادية، بينما قد يلجأ الغرب إلى مزيد من التصعيد العسكري في محاولة لردع اليمن، لكن مع العلم بأن هذا الخيار سيفشل مجدداً وسيصطدم بقدرة اليمن المتزايدة على تنفيذ عمليات بحرية معقدة.
من “غالاكسي ليدر” إلى “لينكولن”، أثبتت القوات البحرية اليمنية قدرتها على تغيير معادلات القوة البحرية في المنطقة. العمليات البحرية الاستباقية والتطور الكبير في القدرات العسكرية والاستخبارية جعلت اليمن قوة بحرية مؤثرة، قادرة على تحدي القوى الكبرى. وعلى رغم محاولات الغرب وقف التصعيد، فإن الواقع الجديد، الذي فرضه اليمن، يثبت أن معادلات الحرب البحرية تغيرت إلى الأبد، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد والفرص الاستراتيجية في المدى البعيد.
———————————-
-موقع الميادين – علي ظافر