قبل إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس عن النتائج بصفة رسمية، وهي الجهة الوحيدة المخوّلة قانونا لإعلان النِّسب والنتائج، تفاجأ المتابعون للعملية الانتخابية بعودة حسن الزرقوني، صاحب مؤسسة سبر الآراء وقد كان ابتعد منذ مدة عن هذه المهمة خوفا من سلطة قيس سعيد متعللا بكونه أب لأبناء يخاف عليهم، فجأة بعد غلق مكاتب الاقتراع ليعلن على إحدى القنوات عن أرقام بدت لكثير من المعنيين بالعملية الانتخابية كونها أرقاما غير صحيحة، حين توقع حصول قيس سعيد على أكثر من ثمانين في المائة من أصوات الناخبين، وهي نسبة عالية جدا لم يحصل عليها حتى حين كان مدعوما من أغلب الأحزاب الكبرى لمواجهة منافسه نبيل القروي في انتخابات 2019.



بعد تصريح الزرقوني ظهر قيس سعيد في مقر حملته الانتخابية ليلقي كلمة المنتصر وليُثني على مناصريه قائلا: "اليوم ما تعيشه تونس هو استكمال للثورة" مرددا مفرداته المعهودة "سنبني ونشيّد ونطهر البلاد من الفاسدين والمفسدين والمشككين والمتآمرين".

كثير من المتابعين اعتبروا ما أعلن عنه حسن الزرقوني من أرقام ونِسبٍ إنما هي عملية استباقية لتهيئة الرأي العام للقبول بنتائج يرونها غير صحيحة، فقد أعلن المرشح الثاني، أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، أن "المؤشرات المتوفرة لنا مختلفة تماما عن تقديرات سيغما كونساي" (يقصد الأرقام التي أعلنها الزرقوني).

صار مؤكدا أن الهيئة ستعلن رسميا في وقت لاحق عن فوز قيس سعيد وبنسبة عالية، والسؤال هو: هل كانت النتيجة مفاجئة للطبقة السياسية؟ بل وللتونسيين؟
كما أعلن مدير حملة المرشح الأول، الهاشمي الزمال، أن النتائج الحقيقية تؤكد وجود دور ثان بين قيس سعيد والزمال.

ففي "بيان عاجل" على الصفحة الرسمية للمرشح الهاشمي الزمال نشره مكتب حملته ورد الموقف التالي: "عمدت التلفزة الوطنية بشراكة مؤسسة خاصة معروفة لسبر الآراء، وهي مؤسسة غير رسمية، إلى نشر نتائج سبر آراء مزعوم لنتائج الانتخابات الرئاسية، في تجاوز لنصوص القانون وبغاية توجيه الرأي العام نحو تقبل نتائج بعينها. ويهم مكتب الحملة أن يعبر عن رفضه القاطع للنتائج المنشورة وهو في انتظار النتائج الأولية، وهو على ثقة تامة من مرور العياشي الزمال الى الدور الثاني".

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وعلى خلاف العادة، قد حددت موعدا واحدا دون تحديد موعد لدورة ثانية، كما تابع التونسيون تأكيد شقيق قيس سعيد في حملته الانتخابية بأن الفوز سيكون من الدور الأول ولن يكون هناك دور ثان. قد يكون ذلك من باب الثقة بالنفس أومن باب رفع معنويات أنصار الرئيس المترشح لعُهدة ثانية، ولكن في كل الحالات كان يُنتَظر أن تفترض هيئة الانتخابات وجود دور ثان بين متنافسيْن من بين الثلاثة متنافسين.

لقد صار مؤكدا أن الهيئة ستعلن رسميا في وقت لاحق عن فوز قيس سعيد وبنسبة عالية، والسؤال هو: هل كانت النتيجة مفاجئة للطبقة السياسية؟ بل وللتونسيين؟

للإجابة عن هذين السؤالين علينا العودة إلى تصريح سابق لرئيس الجمهورية حين قال عن الانتخابات الرئاسية إنها "قضية بقاء أو فناء"، وحين أكد أنه لن يسلمها إلا لوطنيين.

وثمة عامل ثان مهم، وهو تردد المعارضة التي قاطعت المحطات الانتخابية السابقة تحت عنوان "ما ترتب عن باطل فهو باطل"، ثم تداركت أمرها لتعلن المشاركة في الانتخابات الرئاسية لكونها من استحقاقات دستور 2014، ثم وبسبب تعديلات في القانون الانتخابي وبسبب ملاحقات قضائية لعدد من المترشحين دخلت المعارضة مرحلة الارتباك، فكانت مواقفها متناقضة وغير حاسمة، وهو ما سيؤثر على نسبة مشاركة الجمهور المعارض لحكم قيس سعيد.

عموم الناس لا يتعاطفون عادة مع السياسيين من منطلق حقوقي وإنما يتعاطفون مع من يخدمهم ميدانيا لا خطابيا، فهل ينجح قيس سعيد في معالجة الأزمة الاجتماعية دون تلطيف للأجواء السياسية؟ وهل تقدر المعارضة على استئناف نشاطها الميداني السلمي؟
ضعف نسبة المشاركة يؤكد أن عموم المواطنين فقدوا الثقة في السياسة، بل وحتى في الصندوق بما هو آلية ممارسة الديمقراطية ومدخل الذهاب إلى السلطة، وهذا ما قد يترك المعارضة بدون سند شعبي إن هي فكرت في الاحتجاج على النتائج أو فكرت في خوض معركة الحقوق والحريات عن طريق التظاهر والاعتصام.

في خطابه الانتخابي، خاطب قيس سعيد مناصريه بالقول: "لا مكان ولا عزاء للخونة والعملاء، أنتم وحدكم يوم الاقتراع القادرون على أن تهزوا عروشهم هزّا ولن تسمعوا لهم بعد ذلك صوتا ولا همسا ولا ركزا".

ما يلاحظه المتابعون للمشهد السياسي التونسي وخاصة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، هو توتر العلاقات بين مختلف الأطراف السياسية، ليس بين المعارضة مجتمعة من ناحية والسلطة من ناحية ثانية، بل بين أغلب الأطراف فيما بينها، وهو ما جعل حسم "المعركة" الانتخابية مهمة صعبة جدا بالنسبة للمعارضة، وهو ما جعل قيس سعيد يعامل كل معارضيه باستعلاء وازدراء بل وتنكيل؛ دون خوف لا من الشارع ولا من قوة سياسية معارضة يمكن أن تحدّ من سلطته بعد أن وضع أبرز القادة السياسيين في السجن منذ حوالي سنتين.

ولا نعلم إن كان قيس سعيد، بعد أن ضمن فوزه لعُهدة ثانية بخمسة أعوام، سيتفرغ لمعالجة الأزمة السياسية كمقدمة لمعالجة الأزمة الاجتماعية، أم أنه سيعمل على تنفيذ ما توعد به معارضيه بأن "يطمس" أثرهم فلا يُسمع لهم صوت ولا همسٌ ولا يكون لهم ركزٌ!

عموم الناس لا يتعاطفون عادة مع السياسيين من منطلق حقوقي وإنما يتعاطفون مع من يخدمهم ميدانيا لا خطابيا، فهل ينجح قيس سعيد في معالجة الأزمة الاجتماعية دون تلطيف للأجواء السياسية؟ وهل تقدر المعارضة على استئناف نشاطها الميداني السلمي إذا أصرّ قيس سعيد على "إخماد" صوتها؟

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس قيس سعيد انتخابات الديمقراطية تونس انتخابات الرئاسة ديمقراطية قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قیس سعید فی

إقرأ أيضاً:

اتصال ولي العهد بترامب.. تأكيد على استراتيجية العلاقات والارتقاء بها

أجرى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، اتصالاً هاتفيًا بالرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعكس الاتصال الذي أجراه سمو ولي العهد يحفظه الله بفخامة الرئيس الأمريكي بعد يومين من تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة مكانة المملكة لدى القيادة الأمريكية الجديدة وتقديرها لمحورية دور السعودية في المنطقة والعالم.اتصال سمو ولي العهد بترامبوترتبط المملكة العربية السعودية والولايات المُتحدة الأمريكية بعلاقات تحالف استراتيجية مُنذ 8 عقود، تقوم على أساس الاحترام المُتبادل والمصالح المُشتركة والندية في التعامل كحليفين وصديقين.
ويأتي اتصال سمو ولي العهد يحفظه الله بفخامة الرئيس دونالد ترامب تأكيدًا على استراتيجية هذه العلاقة وإرادة القيادتين على الارتقاء بها لما فيه خير ومصلحة البلدين والشعبين الصديقين.
كما يأتي اتصال سمو ولي العهد يحفظه الله بفخامة الرئيس ترامب على بحث سبل التعاون بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية لإحلال السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائي لمحاربة الإرهاب، تأكيدًا لأهمية العمل الثنائي بين الدولتين في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } سمو ولي العهد وترامب استثمارات السعودية في أمريكاويأتي إعلان سمو ولي العهد عن رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية في الولايات المُتحدة خلال السنوات الأربعة المُقبلة لـ600 مليار دولار، انطلاقًا من قناعة المملكة بقدرة إدارة الرئيس ترامب على خلق ازدهار اقتصادي غير مسبوق تسعى المملكة للاستفادة من فرصها المتاحة للشراكة والاستثمار.


كما أن الاستثمارات التي تُخطط المملكة لتوسيعها داخل الولايات المُتحدة الأمريكية تأتي استكمالًا للشراكات الاقتصادية والتجارية التي بدأتها المملكة مُنذ الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترامب.


وشملت العديد من الفرص في القطاعات الواعدة، لما لها من انعكاسات مُباشرة في نقل وتوطين التقنية وخلق الفرص الوظيفية والاستفادة من القفزة التنموية التي تشهدها المملكة بوصفها الاقتصاد الأسرع نموًا بين دول مجموعة العشرين.توسيع الاستثمارات السعودية الأمريكيةويتزامن إعلان سمو ولي العهد يحفظه الله عن رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية في الولايات المُتحدة الأمريكية مع إعلان صندوق سوفت بنك الذي تمتلك المملكة حصصًا فيه، عن عزمه تخصيص 500 مليار دولار في استثمارات خاصة بالذكاء الاصطناعي.
وتنتظر المملكة والولايات المُتحدة خلال السنوات الأربعة المُقبلة العديد من الاستحقاقات في مجالات التعاون المُشتركة الهامة المُتفق عليها مُسبقًا.
ويأتي في مقدمتها (الصناعات العسكرية، استكشاف الفضاء، تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي، تطوير الطاقة النووية..) وغيرها؛ وهو ما يتوقع أن يتم في ضوء استثمارات ثنائية مُشتركة بين القطاع الخاص في كلا البلدين بمليارات الدولارات بما يُحقق المصالح المُشتركة للجانبين.أخبار متعلقة مكة الأعلى.. درجات الحرارة على مناطق المملكة اليوم الخميسصور.. مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الـ12 لمساعدة الشعب السوري

مقالات مشابهة

  • المفوضية: رئيس الوزراء وجه بدعم العملية الانتخابية وتوفير الميزانية اللازمة
  • الجابون تعلن عن إجراء انتخابات رئاسية
  • اتصال ولي العهد بترامب.. تأكيد على استراتيجية العلاقات والارتقاء بها
  • أردوغان واحتمال ترشحه لفترة رئاسية ثالثة
  • عبدالله بن طوق: استراتيجيات ومبادرات استباقية عززت قدرات الإمارات التنافسية
  • محلل سياسي: عملية جنين العسكرية كانت متوقعة في ظل التحضيرات الإسرائيلية
  • مشروع قانون الحوافز الانتخابية في العراق بين تعزيز المشاركة وتهديد الديمقراطية
  • بن طوق: استراتيجيات إماراتية استباقية تعزز قدراتها التنافسية
  • هشام الغزالي: إطلاق أكبر مبادرة رئاسية لمكافحة الأورام الخميس المقبل
  • حماس تحدد موعد الإفراج عن 4 إسرائيليات كدفعة ثانية