حرب السودان ستطول وتطول
قرار وقف أو استمرار الحرب لم يعد بيد البرهان قائد الجيش السوداني، فقد صار ذلك الجيش متعدد الرؤوس.
يرى كبار الجنرالات في التفاوض مع ما صاروا يسمونها بالمليشيا المتمردة انكسارا يجلب الخزي والعار على جيش البلاد.
أثبتت المعارك الشرسة التي شهدتها أم درمان يوم الأربعاء الماضي أن مقاتلي حزب المؤتمر الوطني نزلوا الميدان بكامل قوتهم.
ما ينذر باستمرار الحرب لأمد طويل هو أن البرهان استنفر كل مواطن سوداني قادر على حمل السلاح للقتال إلى جانب الجيش الرسمي.
لا غالب ولا مغلوب حتى الآن ولا تسمح كرامة وهيبة المؤسسة العسكرية في السودان بجلوس قادة الجيش الوطني قبالة قادة قوات الدعم السريع من موقع الندية.
قد يقبل كبار قادة الجيش بالتفاوض إذا جاء قادة الدعم السريع لمائدة التفاوض منكسرين أذلاء وهذا أمر يقول استقراء المعارك إنه مستبعد الحدوث بالمستقبل القريب.
كثير من أصحاب الرتب العليا بالجيش ما زال على ولائه لحزب المؤتمر الوطني، ويعارض وقف الحرب بالتفاوض، ولا يقبلون بأقل من سحق قوات الدعم السريع.
قوات الدعم السريع ذات خبرة قتالية عالية، ولديها مخزون بشري "قبلي" هائل تعوض ما تفقده من مقاتلين ونفذت شطرا كبيرا من خطتها "ب" بتوسيع دائرة الحرب.
* * *
أعلن قائد القوات المسلحة السودانية، ورئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، أنه على استعداد للتفاوض لإنهاء الحرب الدائرة في السودان، منذ منتصف نيسان / أبريل من العام الجاري، بين الجيش الذي يقوده هو، وقوات الدعم السريع التي يقودها حليفه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وصدر قول مشابه عن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة، والذي فاز بمنصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.
(وهذا منصب دخيل على القوات المسلحة، تماما كمنصب مساعد القائد العام الذي أضفاه البرهان على كل من عضوي مجلس السيادة ياسر العطا وإبراهيم جابر، وسبق للبرهان أن سمّى حميدتي في عام 2019 نائبا له على رئاسة مجلس السيادة، وهذا أيضا منصب اخترعه البرهان بلا سند من قانون أو دستور)، ومن جانب آخر ظلت قيادة قوات الدعم السريع تعلن مرارا أنها تقبل بالتفاوض وسيلة لإنهاء الحرب.
كل حروب العصور الحديثة انتهت بالتفاوض، عندما يدرك طرف أنه بصدد الخسران، فيتسنى للطرف الغالب أن يملي شروطه على الطرف المغلوب، وفي حرب السودان الحالية فلا غالب أو مغلوب حتى الآن، ولا تسمح كرامة وهيبة المؤسسة العسكرية في السودان بجلوس قادة الجيش الوطني قبالة قادة قوات الدعم السريع من موقع الندية.
بعبارة أخرى فلن يكون الجيش طرفا في أي عملية تفاوضية مع الخصم، ما لم يحقق نصرا ملموسا ومحسوسا، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، والحرب تستشرف شهرها الخامس، ولا شيء يشي باحتمال حدوثه في المستقبل القريب.
مجريات هذه الحرب تقول بأن القوات المسلحة الرسمية في موقع دفاع في غالب الأحوال، بل وفقدت السيطرة على العديد من مقارها، ليس لأن قوات الدعم السريع اجتاحتها في سياق نصر عسكري ميداني.
بل لأن تلك المقار كانت خاضعة سلفا لسيطرة قوات حميدتي طوال السنوات الأربع الماضية، بقرار من البرهان، الذي كان يستقوى بحميدتي في مواجهة تحديات محتملة وحادثة، لبقائه في كرسي السلطة ممثلا لرئاسة الدولة وقيادة الجيش الوطني، من قبل قوى عسكرية ومدنية.
ومن الواضح من سياق معارك الشهور الأربعة الماضية أن قيادة الجيش السوداني مرتبكة، فقد ثبت خطل تبشيرها للمواطنين في الأسابيع الأولى من الحرب بحسمها خلال أيام معدودة، وما زالت قوات الدعم السريع تحاصر مقرات القيادة العامة للجيش، وسلاح الدبابات، والدفاع الجوي.
وتسيطر على القصر الرئاسي، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورئاسة الشرطة في ولاية الخرطوم، ووزارتي الخارجية والداخلية، وقيادة قوات الاحتياطي المركزي، ورئاسة جهاز الأمن، ومقر مجلس الوزراء.
وكما أسلفت، لم يتأت ذلك لقوات الدعم السريع نتيجة لدحرها قوات الجيش الوطني، بل لأنها كانت تتولى سلفا، وقبل اندلاع الحرب، حراسة معظم تلك المواقع، بمباركة من البرهان، الذي غض الطرف عن استيراد قوات الدعم السريع للأسلحة من مختلف المصادر من وراء ظهر القوات المسلحة.
بل وبارك تواصل حميدتي وأخوه عبد الرحيم (يحمل أيضا رتبة فريق عطية وهدية من حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، ثم البرهان) مع إسرائيل، وصولا إلى الحصول منها على أجهزة تنصت ورصد إلكتروني بلا نظير في السودان.
وما ينذر باستمرار الحرب لأمد طويل هو أن البرهان استنفر كل مواطن سوداني قادر على حمل السلاح للقتال إلى جانب الجيش الرسمي، وبهذا يكون قد بارك تكوين مليشيات جديدة في بلد فيه 18 جيشا، من بينها جيوش ظل قادتها ممثلين في الحكومة خلال العامين الماضيين.
(مني مناوي حاكم دارفور، وجبريل إبراهيم وزير المالية، والهادي إدريس، ومالك عقار، والطاهر حجر أعضاء مجلس السيادة)، إلى جانب جيشين بقيادة عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلو يسيطران سلفا، ومنذ أكثر من عشر سنوات على أراض "محررة".
إخلاء كافة سجون العاصمة السودانية من المحتجزين فيها، عنى فيما عنى خروج قيادات حكومة حزب المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير التي فقدت سلطانها في نيسان / أبريل 2019 والتي كانت رهن الاعتقال إلى فضاءات الحرية والعمل العام.
فصاروا الأجهر صوتا والأكثر نشاطا في حشد كوادر الحزب ومعظمها ذات خبرة في العمل العسكري ـ للقتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، والتي لن يغفر أولئك القادة لها انقلابها عليهم وهم من صنعوها ولعب دور حاسم في الإطاحة بحكومتهم.
ومعلوم ومحسوم أن للحزب الذي حكم السودان لثلاثين سنة متصلة قواعد جماهيرية، بينما لا حظ للبرهان في مثل تلك القواعد، وأثبتت المعارك الشرسة التي شهدتها مدينة أم درمان يوم الأربعاء الماضي الموافق 9 آب/ أغسطس الجاري، أن مقاتلي المؤتمر الوطني نزلوا الميدان بكامل قوتهم.
ومعلوم أيضا أن كثيرين من أصحاب الرتب العليا في الجيش السوداني ما زالوا على ولائهم لحزب المؤتمر الوطني، ويعارضون بقوة وقف الحرب بالتفاوض، ولا يقبلون بأقل من سحق قوات الدعم السريع تماما، وهو أمر مستحيل الحدوث.
ليس لأن تلك القوات معصومة من الهزيمة، ولكن لأنها ذات خبرة قتالية عالية، ولديها مخزون بشري "قبلي" هائل تعوض منه ما تفقده من مقاتلين خلال المعارك، كما وأنها نفذت شطرا كبيرا من خطتها "ب" بتوسيع دائرة الحرب بالسيطرة على مساحات شاسعة من إقليم دارفور، لتستخدمها كـ "كروت" مساومة في حال خسارتها لمعارك الخرطوم.
والشاهد هو أن قرار وقف أو استمرار الحرب لم يعد بيد البرهان قائد الجيش السوداني، فقد صار ذلك الجيش متعدد الرؤوس: هم كبار الجنرالات الذين يرون في التفاوض مع ما صاروا يسمونها بالميليشيا المتمردة انكسارا يجلب الخزي والعار على جيش البلاد، والراجح أنهم قد يقبلوا به فقط في حال جاء قادة الدعم السريع إلى مائدة التفاوض منكسرين أذلاء، وهذا أمر يقول استقراء المعارك طوال 120 يوما، إنه مستبعد الحدوث في المستقبل القريب..
*جعفر عباس كاتب سوداني
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان البشير حميدتي البرهان الدعم السريع الجيش السوداني حرب السودان حزب المؤتمر الوطني قوات الدعم السریع الجیش السودانی المؤتمر الوطنی القوات المسلحة الجیش الوطنی مجلس السیادة فی السودان إلى جانب
إقرأ أيضاً:
وزير المالية لـ«سودان تربيون»: نأمل أن تلجم أميركا دعم الإمارات لقوات الدعم السريع ولا خلافات بين الحركات المسلحة المؤسسة للقوة المشتركة و قيادة الجيش
قال وزير المالية السوداني وزعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، الجمعة، إن السودانيين يأملون في أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها الإمارات عن دعم قوات الدعم السريع. وأكد جبريل في مقابلة خاصة مع سودان تربيون أن الولايات المتحدة رقم أساسي في السياسة الدولية وحليف قوي لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تدعم ما أسماها بالمليشيا المتمردة بسخاء مطلق. وأضاف قائلًا “يعشم السودانيون في أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بلجم حليفتها الإمارات عن دعم المليشيا وكفّها عن قتل السودانيين العزل”. وأشار إلى أن توقف الإمارات عن دعم قوات الدعم السريع يعني نهاية الحرب -حسب تعبيره -. وتواجه دولة الإمارات اتهامات من قبل الحكومة السودانية ومنظمات دولية بإسناد وإمداد قوات الدعم السريع بالسلاح عبر مطارات دول أفريقية ومنها إلى السودان عبر الحدود البرية الغربية. ونفى رئيس حركة العدل والمساواة وجود خلافات بين الحركات المسلحة المؤسسة للقوة المشتركة و قيادة الجيش، واعتبر هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة. وشدد أن العلاقة بين القوات المشتركة والقوات المسلحة “سمن على عسل”، موضحا أن القوات المشتركة بالإسناد الجوي والذخيرة والسلاح الذي تقدمه القوات المسلحة استطاعت انجاز ما أنجزت. وتابع قائلا “الذين يروجون لهذه الترهات هم الذين يدعمون المليشيا المجرمة ويعلمون أثر هذا التلاحم التاريخي في هزيمة الدعم السريع. القوات المشتركة لا تلتفت إلى خطرفات بعض العنصريين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب”. كما نفى جبريل ممارسة الحركات المساندة للجيش ضغوطاً على الأخير من أجل منح الحركات مزيداً من السلطة في ظل الحرب. وشدد أن “الحركات والجيش جسم واحد في معركة الكرامة وشغلنا الشاغل هو دحر التمرد والحفاظ على وحدة البلاد وشعبها”. وقال “عندما تنتهي الحرب من حق الكل المطالبة بموطئ قدم له في الدولة، ولكن ليس هذا ما يشغل الناس الآن رغم أنه من حقهم و لا حجر عليهم”. إلى ذلك، أكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي أن حضوره ومشاركته في الاجتماع السنوي الدوري للبنك وصندوق النقد الدوليين بالولايات المتحدة، كان له أهمية خاصة بحكم أن السودان يرأس المجموعة الأفريقية الأولى في لجنة التنمية بالبنك الدولي ويتحدث باسم 21 دولة عضو في هذه المجموعة في عدد من الاجتماعات المخصصة للجنة التنمية. وأكد مشاركته في كافة اجتماعات لجنة التنمية واجتماعات المجموعة الأفريقية مع رئيس البنك الدولي واجتماع المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي لنفس المجموعة، إلى جانب حضوره اجتماع رئيس البنك الدولي والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي مع مجموعة محافظي المؤسستين، واجتماعات لجنة التنمية بالبنك الدولي. ونوه إلى عقده اجتماعاً مهماً مع نائب رئيس البنك الدولي لشرق وجنوب أفريقيا حيث تم الاتفاق على تسريع صرف مبلغ 253 مليون دولار بجانب 100 مليون دولار خصصت مسبقاً لبرنامج الغذاء العالمي ويونيسيف لتنفيذ مشروعات بالسودان في الصحة والتعليم والمياه والحماية الاجتماعية بواسطة وكالات الأمم المتحدة. وأضاف الوزير أنه عقد أيضا اجتماعاً مع نائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واجتماع آخر برئيس بنك التنمية الإفريقي حيث خصص للسودان 100 مليون دولار لتطوير انتاج القمح بجانب لقاء بقيادة البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير والاتفاق على ترتيبات تمويل محطة كهرباء كلانييب في بورتسودان. وأفاد بأن ختم الزيارة بلقاء تفاكري مع أعضاء من الجالية السودانية بواشنطن ولقاء جماهيري في نيويورك، نظمته رابطة أبناء دارفور بالمدينة، حيث أطلع الحضور على الأوضاع الحالية بالسودان وسبل تعزيز التواصل بين السودانيين في الداخل والخارج. و بشأن خسائر الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل من العام الماضي قال جبريل إبراهيم إنه لا يستطيع أعطاء رقم لأن الحرب ما زالت مستمرة و لدمار مستمر. وذكر أن الجهات المهنية المؤهلة لتقدير هذه الخسائر لا تستطيع الوصول بأمان إلى كل الأماكن التي تضررت بالحرب لتقوم بمهمتها في تقدير خسائر الحرب. وكشف عن طلب تقدم به خلال زيارته الأخيرة لواشنطن للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي لإرسال فريق مشترك متخصص لتقييم الأضرار الناتجة عن الحرب. وأوضح أنه بناءً على تقييم الخسائر يسعى السودان إلى الدعوة لمؤتمر للمانحين للمساهمة في اعادة إعمار البلاد. الصفحة الإعلامية لحركة العدل والمساواة السودانية إنضم لقناة النيلين على واتساب