عامٌ من طوفان الأقصى وأسلحة محرمة تفتك بأبناء القطاع جسديا ونفسيا
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
سنة كبيسة أعاد فيها طوفان الأقصى القضية الفلسطينية لواجهة الأحداث العالمية، إذ شن الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة حملة عسكرية وصفت بالأكثر دموية في العقود الماضية، أسفرت عن استشهاد أكثر من 41 ألف مواطن أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ونزح حوالي 75% من سكان القطاع، وأصيب حوالي 95 ألفا، وفق منظمة الصحة العالمية.
وتسببت هذه الحرب في أزمة صحية وكارثية، نتيجة استخدام الاحتلال الإسرائيلي مواد سامة ومحرمة دولياً، نتج عنها أمراض جسدية ونفسية ألمت بأبناء القطاع، ويفاقم من ذلك الملاجئ المكتظة وصعوبة الوصول إلى الغذاء والمياه الآمنة والنظيفة، وتردي المرافق الصحية.
سنة من المواد المحرمة دولياًمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 يستخدم الاحتلال الإسرائيلي كل أساليب التجويع وقطع الوقود والأدوية عن قطاع غزة، وتعمد أيضا استخدام مواد سامة تفتك بالإنسان، إذ أدخل أسلحة جديدة في حربه المستمرة حتى اليوم.
إذ كشف تحقيق لمنظمة العفو الدولية عن استخدام الاحتلال الإسرائيلي مادة الفسفور الأبيض معتمدة على شهادات أطباء ومرضى تعرضوا للحروق، وفيديوهات تم التحقق منها بواسطة مختبر أدلة الأزمات التابع للمنظمة، أكدت نتائجه استخدام جيش الاحتلال هذه المادة.
ويعد الفوسفور الأبيض مادة كيميائية صلبة شمعية مائلة للصفرة أو عديمة اللون، تتسبب في حروق عميقة تخترق العظام، وهي قابلة للاشتعال من جديد أثناء العلاج الأولي أو بعده إذا تعرضت للأكسجين، وتستخدمه الجيوش لإضاءة ساحات القتال، وتوليد ستار من الدخان، وعند اشتعاله يلتصق بالأسطح مثل الجلد والملابس.
طائرات ومدفعية الاحتلال الإسرائيلية تواصل منذ سنة كاملة القصف العنيف لمنازل المواطنين بقطاع غزة (أسوشيتد برس)إلى جانب الفسفور الأبيض، فقد لاحقت إسرائيل اتهامات باستخدام عدة أنواع من الذخائر المحرمة دولياً والتي يمنع استخدامها ضد البشر، مثل القنابل الفراغية، واليورانيوم المنضب.
تشكل القنابل الفراغية نوعا من أنواع القنابل المتفجرة هوائيا، إذ تحدث عند انفجارها غيمة تفجيرية ينتج عنها كرة نارية كبيرة، وتحدث ارتفاعا في درجات الحرارة تصل لنحو 3 آلاف درجة مئوية، أي ضعف ما تحدثه القنابل العادية.
ويتسبب هذا النوع من القنابل في إفراغ المحيط من الأكسجين، مما يؤدي لهلاك جميع الكائنات الحية خنقا واحتراقا، ومن لم يقتل بفعل القنبلة يمضي حياته أعمى أو مصابا بارتجاج الدماغ، وتمزق طبلتيْ الأذن، بالإضافة إلى انسداد المجاري الهوائية وانهيار الرئتين، وإصابات أخرى خطيرة جدا.
أما اليورانيوم المنضب فيعتقد الكثير من علماء الفيزياء والأطباء أنه يسبب مشاكل صحية في الجهاز التنفسي والكبد والكلية وفقدان الذاكرة والصداع والتعب المستمر والحمى وانخفاض ضغط الدم، إذ تستخرج من اليورانيوم الطبيعي، ويعبأ بها نوع من القنابل تطلق من المدافع أو تلقى من الطائرات المقاتلة، وله قدرة عالية على إذابة المواد الصلبة الخرسانية والمدرعة.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن التعرض لهذه المادة يزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان وأمراض الجهاز التنفسي بنسبة تصل إلى 40%، خاصة لدى الأفراد الذين يتعرضون لها بشكل متكرر.
ليست المرة الأولىوهذا ليس بجديد، ففي عام 2010 عرضت وزارة الصحة الفلسطينية دراسات وأبحاثا أجراها باحثون إيطاليون، تؤكد وجود مواد سامة خطيرة بنسب عالية في أجساد سكان غزة جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع التي بدأت نهاية عام 2008.
وبعد فحص أجساد عينة شملت 15 شهيدا وجريحًا من ضحايا الحرب، إضافة إلى عينة أخرى من 95 شخصا من سكان القطاع، أظهرت نتائج الفحص وجود 30 عنصرًا سامًّا ثقيلاً من أبرزها اليورانيوم بنسب أعلى بكثير من معدلاتها الطبيعية.
وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بما يعادل قنبلتين نوويتين.
وأبرز الأورومتوسطي -في بيان- اعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن طائراته استهدفت أكثر من 12 ألف هدف في قطاع غزة، مع حصيلة قياسية من القنابل بحيث تتجاوز حصة كل فرد 10 كيلوغرامات من المتفجرات، وهي كمية هائلة إذا ما نظرت إلى أن وزن القنبلة اليدوية أقل من 400 غرام.
الدفاع المدني: إسرائيل استخدمت صواريخ وذخيرة تؤثر في المباني وتقلل من عمرها (الجزيرة) كيف أثرت أسلحة الاحتلال على الصحة النفسية؟ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تتسبب أصوات الانفجارات الناجمة عن الصواريخ والأسلحة التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بفقدان الشابة منال قويدر حاسة السمع بالأذن اليسرى، إذ تقول إن شمال غزة (المنطقة التي توجد بها) تعرضت لوابل من الصواريخ وخاصة الحزام الناري.
وقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة الحزام الناري مع أبناء القطاع، وهو عبارة عن قصف عنيف ومتواصل لساعة كاملة، حيث تقول قويدر في حديثها للجزيرة نت إن هذه الأنواع من الأسلحة ينتج عنها أصوات مرتفعة تتسبب في حالة من الهلع والتوتر، في حين يصيبها عند إطلاقه حالة تشنج وانكماش حاد لدرجة عدم قدرتها على التحرك، وعدم النوم لأيام عديدة.
ومن جانبه، يقول الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر إن استخدام الأسلحة ينتج عن أضرار نفسية مباشرة وغير مباشرة و"أضرار مباشرة تتمثل في حالة من الهلع والخوف نتيجة أصوات الانفجارات والصواريخ. ومن المعروف أن الأسلحة تؤثر على الجهاز التنفسي، وبالتالي يصاب المريض بضيق نفس يشعره بحالة هلع، وأضرار غير مباشرة تتمثل في تسبب المواد السامة كالفسفور الأبيض في ندوب بالجسد باعتباره مادة حارقة بعمق، فإذا وصلت هذه الندوب للوجه أو لليدين سيبقى الإنسان يتذكر الموقف باستمرار ولو كان المصاب طفلاً فقد يتعرض للتنمر".
ويضيف مزهر -في حديثه للجزيرة نت- أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم أسلحته للتعذيب من خلال إطلاق مواد تستمر في الانفجار لمدة طويلة من الوقت، وهذا الأسلوب يستخدم في السجون والمعتقلات لجعل المعتقلين في حالة توتر وقلق.
وتؤكد بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة نصيب من المعاناة، حيث إن الحرب على غزة ألحقت خسائر فادحة بالصحة النفسية للسكان. ومن بين 305 نساء شملهن الاستطلاع، أبلغت نسبة 75% عن الشعور بالاكتئاب في كثير من الأحيان، و62% لا يستطعن النوم غالبًا، و65% يعانين التوتر والكوابيس غالبية الوقت.
ويتفق مزهر في ذلك، فمن خلال الاستشارات النفسية التي يقدمها لأبناء القطاع عبر الإنترنت يقول إن اضطرابات النوم وسرعة الانفعال والتوتر المستمر من أبرز الأعراض التي يلاحظها على الحالات، وهي نتيجة مباشرة للحرب.
الأمراض تفتك بأبناء غزةيأتي ذلك في سياق آخر مهم، حيث استهدفت الضربات الاسرائيلية البنية التحتية لغزة بشكل كامل، كما دفعت السكان للتزاحم في مناطق ضيقة نسبيا، الأمر الذي كانت له آثار صحية وخيمة، وكشفت نتائج تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عن انتشار الأمراض المعدية بالأماكن المكتظة، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض مثل اليرقان والتهاب الكبد الوبائي (أ) والإسهال وتسجيل مئات الآلاف من حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة، وخاصة بين الأطفال والنساء.
وكشف تقرير حديث لهيئة الأمم المتحدة للمرأة -نشر في سبتمبر/أيلول 2024- أن اكتظاظ الملاجئ وعدم كفاية المياه ومرافق الصرف الصحي أدى إلى حدوث مئات الآلاف من حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة واليرقان والإسهال والطفح الجلدي. وتشكل النساء أكثر من ثلثي الحالات المبلغ عنها من أمراض الجهاز الهضمي والتهاب الكبد الوبائي "أ".
وثمة ارتباط وثيق بين المواد السامة التي استخدمها الاحتلال وبين الأمراض التي ظهرت في قطاع غزة، إذ يقول الباحث المختص بالمناخ والصحة، رفيق فحماوي، إن بعض الأمراض التي ظهرت بالقطاع وخاصة التي ترتبط بالجهاز التنفسي ناجمة عن الاستخدام المكثف للمواد السامة والاكتظاظ في الملاجئ.
ويقول فحماوي -في حديثه للجزيرة نت- أن نتائج تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى زيادة بنسبة 300% في حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة خلال الأشهر الأخيرة فقط، مما يعكس الخطر الذي يشكله الاكتظاظ ونقص التهوية، وهذه الأرقام الصادمة والتقارير الدولية تدق ناقوس الخطر حول الحالة الصحية لسكان غزة: تلوث في البيئة، نقص الرعاية الصحية، الظروف المعيشية الصعبة، وكلها عوامل تساهم في تفاقم الوضع الصحي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاحتلال الإسرائیلی الجهاز التنفسی فی قطاع غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
"طوفان الأقصى" يُعيد تشكيل الضمير العالمي
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
الانتخابات في أمريكا وبريطانيا واليابان وفرنسا، والمظاهرات في عموم بلدان الغرب، والرهان على التحولات في وعي ومفاهيم الأجيال العربية والغربية القادمة جميعها مؤشرات لم تكن في الحسبان قبل هدير طوفان الأقصى.
الكيان الصهيوني اليوم يتحدث عن خطورة تفكير الجيل الأمريكي القادم عليه، حيث لم تشهد أمريكا في تاريخها حملات تشهير بالكيان وكراهية له ودعوات لمقاطعته كما شهد العالم في مراحل طوفان الأقصى، والسبب الرئيس لقلق الكيان الصهيوني ورعاته بداخل أمريكا وفي الإقليم، هو أن هذا الجيل الساخط سيصل- بحكم الزمن- إلى سُدة الحكم والقرار في أمريكا في يوم من الأيام، وسيكون له رأي وتأثير في سياسات بلده، تجاه رعاية ودلال الكيان، والذي تخطى كل مفاهيم التحالف ليصل إلى مرحلة الإضرار بأمريكا ومصالحها وسمعتها في العالم.
فلسطين آخر الاحتلالات المباشرة في العالم، ولا يمكن لعاقل واحد اليوم أن يستوعب أن هناك بلادا مُحتلة في القرن الحادي والعشرين بعد أن شهد العالم حركات تحرر كبيرة في القرن العشرين والذي أطلق عليه قرن تحرر الشعوب.
مُورِس على الشعوب في الغرب تضليل كبير لطمس حقيقة احتلال فلسطين، وتوالت سرديات التضليل واختلفت من جغرافية لأخرى، فبينما صور الإعلام الأمريكي قضية فلسطين على أنها صراع بين المعسكرين الشرقي والغربي على النفوذ بما سُمي غربيًا بـ"الشرق الأوسط"، صوَّر الإعلام الأوروبي قضية فلسطين بأنها أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض.
وبعد طفرة التكنولوجيا وتغول وسائط الإعلام الاجتماعي في العالم، بدأت الحقائق تتسرب بلا مقص رقيب ولا وسيط، حتى بلغت ذروة تأثيرها في مراحل طوفان الأقصى، والذي أحدث بدوره طوفانا في المفاهيم والمواقف بشأن قضية فلسطين وأعاد الشعوب والضمير العالمي إلى التساؤل عن حقيقة احتلال شعب ومصادرة أرضه في القرن الحادي والعشرين.
لم يُثر طوفان الأقصى قضية احتلال فلسطين فحسب؛ بل جعل الشعوب الحرة تُقلِّب الرأي في جملة من السرديات التي سُكبت في عقولها لعقود خلت، سرديات تتحدث عن السامية والمحرقة والسيادة والحريات والقانون الدولي، والشرعية الدولية وحقوق الإنسان، وغيرها من المنظومات التي قيل عنها بأنها وجدت لحماية الأمن والسلم الدوليين.
طوفان الأقصى لم يكن حدثًا فلسطينيًا ولا عربيًا، ولن يكون كذلك أبدًا؛ بل حدثًا عالميًا أيقض الضمير العالمي على مجازر أجساد وفكر وضمير، وعلى جُملة من الخرافات والأساطير التي تنافي العلم والأخلاق والسوية الإنسانية.
وبما أن طوفان الأقصى حدثٌ عابر للأجيال والحدود، فسيجعل الأجيال القادمة تُقلب الرأي والقناعات في جملة من السرديات والخرافات التي حاصرت عقولهم لعقود، وستجعل من وسائل التدافع بين الناس أكثر قربًا من السوية الإنسانية والقيم التي فُطر عليها الناس منذ بدء الخليقة.
وسينكشف لنا نحن العرب تحديدًا أن الغرب هو العدو التاريخي، وأن صراعنا معه هو صراع وجود، وأن الكيان الصهيوني مشروع غربي لتكريس شتات الأمة وسريان ضعفها وفرقتها وتبعيتها للغرب، وهذا الفهم بحد ذاته مُنجز تاريخي عظيم لنا، بعد عقود من التيه في تعريف الكيان ودوره ومهمته في قلب الأمة.
قبل اللقاء.. كشف لنا الطوفان أن فلسطين حُرة بنضالها، وأن الأقطار العربية مُحتلة بالتبعية العمياء للغرب، وبالتحرر الصوري، والسيادة الناقصة.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصر