ذكرى الأحداث المؤلمة تعيد إلى الأذهان صوراً يتمنى الناس نسيانها، وتحيي في القلوب وجعاً يبحثون عن دواء له، وتمنح المحتالين فرصة لإعادة استغلالها، بالخداع والتصريحات الجوفاء، أملاً في جني مكاسب جديدة، وهم أنفسهم من صنعوا الحدث وأدموا القلوب وشوّهوا الجمال.
وانفجار مرفأ بيروت الذي هز العالم، وكان من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، من دون أن يهتز رمش لأي من صناعه، تجار السياسة وزعماء الطوائف، مرت ذكراه الثالثة لتجدد الآلام وتعيد صورة مرفأ ينفجر ومدينة تشتعل وهواء يتسمم وسماء تغطى بالدخان متعدد الألوان، ومبانٍ تتهدم وبشر تتطاير أشلاؤهم في الجهات الأربع، ورعب يعمّ المدينة وخوف من المعلوم والمجهول.لبنانيون لا ينتظرون موعد الكارثة لاستعادة ذكرياتها المفزعة وكوابيسها المؤلمة، فانفجار المرفأ ليس من الأحداث التي يمكن أن يطويها الزمن، الناس يتذكرونها كل يوم، وذوو الضحايا يعيشون تفاصيلها كل الوقت، ويساعد على عدم نسيانها غياب العدالة والتستر على المجرمين واستهتار الدولة بدماء الضحايا وعدم اكتراثها بما خلفته من خراب ودمار وانهيار يضاف إلى رصيد لبنان المتخم بالانهيارات والخيبات.
من الطبيعي أن يخرج أهالي الضحايا والمصابين في ذكرى الانفجار للصراخ والمطالبة بالقصاص والتنديد بتعطيل التحقيقات بعد مراحل من العرقلة والتشكيك والتسييس، وتنظيم المسيرات وإلقاء الكلمات لتذكير شعب لن ينسى ما ارتكبه الفاسدون في حق بشره وحجره وحاضره وماضيه، ولكن ليس من الطبيعي أن يتبارى المسؤولون في استغلال المناسبة سياسياً، ومحاولة تخدير الناس بكلام ينطق به اللسان ولا يتبناه العقل ولا يؤمن به القلب، متوهمين أن الناس يمكنهم تصديقه.
كل السياسيين اللبنانيين حاولوا استغلال الذكرى بتصريحات تظهرهم مصطفين بجوار الشعب، وليسوا أصحاب قرار في تعطيل التحقيق وتغييب العدالة، وليسوا أصحاب سلطة في التقاعس والصمت المريب أمام رفض المتورطين المثول أمام المحقق العدلي. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال: «الأمل، كلّ الأمل، أن تظهر شمس العدالة في قضيّة انفجار مرفأ بيروت في أقرب وقت، فترقد أرواح الشّهداء بسلام»، وهذا الكلام لو قاله مواطن عادي لكان مقبولاً، أمّا أن يصرح به رئيس حكومة فهو يكشف عن عجزه أمام مراكز القوى في الدولة، وعدم قدرة حكومته على تحقيق العدالة.. أما رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري فقال: «جرح بيروت لن يندمل، والعدالة آتية مهما طال الزمن»، وهو من أكثر العالمين أن العدالة أصبحت من الفولكلور في لبنان، خرجت ولم تعدْ منذ عقود، اغتيل رؤساء ورؤساء حكومات ونواب وسياسيون وإعلاميون، ولم يعرف أحد من القاتل، ولم يبذل القضاء جهداً يذكره التاريخ لمحاكمة مجرم، ومن بين الشهداء والده الرئيس رفيق الحريري.
وزير الداخلية قال، إن «ما يعرقل استئناف التحقيق هو عدم وجود دولة في لبنان تطبق القانون»، وعندما يأتي هذا الكلام على لسان الوزير المسؤول عن إنفاذ القانون يكون اعترافاً بأن الفراغ لم يطل موقعاً أو مواقع، ولكنه أفرغ دولة من محتواها وحوّلها إلى لا دولة، فالحكومة لا قيمة لها ولا دور مؤثراً تلعبه، والبرلمان أصبحت مهمته التعطيل فقط والقضاء إما مسيس أو تلاحقه تهمة التسييس!.
هذه مجرد نماذج للتصريحات التي أدلى بها الساسة في لبنان، وعلى رأسهم رؤساء الأحزاب وزعماء الطوائف الذين منعوا التحقيق مع متهمين مفترضين من أحزابهم، يتحدثون بلسان الشعب وهم الذين يتاجرون بهمومه ويتسبّبون في قهر ناسه ويحمون القتلة والفاسدين. وخارجياً، لم تسلم ذكرى تفجير المرفأ من الاستغلال السياسي؛ حيث أعربت واشنطن عن رفض تعطيل المساءلة في لبنان، مطالبة ب«إتمام التحقيقات»، وخرج الرئيس الفرنسي ماكرون ليدغدغ مشاعر اللبنانيين بتغريدة باللغة العربية: «لبنان لم يكن وحيداً، وهو ليس وحيداً اليوم أيضاً.. يمكنكم أن تعتمدوا على فرنسا، وعلى تضامننا وصداقتنا»، والحقيقة أن لبنان اليوم وحيد، وتحول إلى دولة يستغلها ساستها والقوى الخارجية على حد سواء.
العدالة لن تتحقق في لبنان بالوعود الكاذبة، ولكن بإرادة شعب تجاوز في حقه كثيراً الفاسدون، ولن يعيد إليه دولته وحقوقه سوى إرادته من دون انتظار للخارج المستغل دائماً لأزمات الشعوب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة فی لبنان
إقرأ أيضاً:
نتنياهو أمام العدالة في 2 ديسمبر.. أول شهادة في قضية الفساد الكبرى
سيُدلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشهادته في قضية الفساد الكبرى في الثاني من كانون الأول/ديسمبر، بعد أن رفضت المحكمة أمس طلبه بتأجيل آخر.
اعلانوقال محلل الشؤون السياسية في قناة 12 الإسرائيلية عميت سيغال، الذي يعتبر مقربًا من نتنياهو، إن الأخير لن يسعى بعد الآن لتأجيل شهادته.
وكان فريق الدفاع عن نتنياهو قد قدّم طلبًا للمحكمة المركزية لتأجيل شهادته، موضحاً أن رئيس الوزراء لم يكن مستعداً للإدلاء بشهادته، التي كان من المقرر أن تبدأ في 2 كانون الأول/ديسمبر، بسبب ضغوط الوقت لإدارة الحرب متعددة الجبهات.
ومع ذلك، رفضت المحكمة طلب نتنياهو قائلةً إنها منحته فترة طويلة من الوقت للتحضير عندما حددت الموعد في تموز/ يوليو وأنها ”غير مقتنعة بأن تغييرًا جوهريًا في الظروف قد حدث يبرر تغييرًا في التاريخ الذي حددناه في قرارنا".
Relatedنتنياهو يُهدّد ويؤكد أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي بقعة في إيران"فايننشال تايمز": تفاهم بين نتنياهو وترامب للعمل على إنهاء الحروب في المنطقةقضيّة الوثائق السرية المسربة: مستشارة الحكومة الإسرائيلية توافق على التحقيق مع نتنياهووفصّلت النيابة العامة في بيانها الظروف التي أدت إلى رفض طلب رئيس الوزراء، قائلة إن "الإدلاء بالشهادة في الموعد المحدد ضروري للحفاظ على مبدأ المساواة أمام القانون".
واتُهم رئيس الوزراء في كانون الثاني/ يناير 2020 بالاحتيال وخيانة الأمانة في قضيتين والرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في قضية ثالثة، وبدأت المحاكمة في أيار/ مايو من ذلك العام، إلاّ أنه ينفي جميع التهم الموجهة إليه.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية لا مجال لكسب مزيد من الوقت.. النيابة العامة الإسرائيلية ترفض تأجيل شهادة نتنياهو بقضايا الفساد تقرير: تحقيق إسرائيلي يشتبه في كون نتنياهو زوّر وثائق للتملص من تقصيره في 7 أكتوبر/تشرين الأول ثلاثة اتصالات جديدة بين ترامب ونتنياهو.. و"التهديد الإيراني" على الطاولة غزةمحكمةفسادإسرائيلبنيامين نتنياهوالقانوناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. قصف إسرائيلي يستهدف مدرسة تؤوي نازحين شمال غزة واشتباكات من مسافة صفر بين حزب الله والجيش الإسرائيلي يعرض الآن Next روسيا تحقق تقدماً في دونيتسك: السيطرة على ريفنوبيل والخسائر الأوكرانية تتصاعد يعرض الآن Next عاجل. غروسي من طهران: المواقع النووية يجب أن تكون محمية والرئيس الإيراني يؤكد "لن نسعى لامتلاك سلاح نووي" يعرض الآن Next "لم يكونوا عائلات كما كان يُعتقد".. تحليل الحمض النووي يعيد رسم صورة ضحايا بومبي يعرض الآن Next وصف عناصر حماس بـ"الحيوانات الشرسة".. ماذا نعرف عن ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي الجديد؟ اعلانالاكثر قراءة روسيا تحذّر من اجتياح إسرائيلي لسوريا وتقول إن قواتها حاضرة مقابل مرتفعات الجولان "كان لا بد من كشف الحقيقة"... أمريكي متهم بتسريب خطط إسرائيلية لضرب إيران لا مجال لكسب مزيد من الوقت.. النيابة العامة الإسرائيلية ترفض تأجيل شهادة نتنياهو بقضايا الفساد مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز بين السماء والأرض: ألمانيان يحطمان الرقم القياسي في التزلج على الحبل المتحرك بارتفاع 2500 متر اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29دونالد ترامبإسرائيلروسياالحرب في أوكرانيا ضحايامحكمةأوكرانياغزةمحاكمةقطاع غزةبروكسلالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024