في وقتٍ تستمرّ الآلة الحربيّة الإسرائيليّة بارتكاب المجازر الوحشيّة والدمويّة على امتداد المساحة الجغرافية اللبنانية، ولا سيما في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، من دون أن توفّر مناطق أخرى متى شاءت، تنشط الاتصالات السياسية على أكثر من مستوى، في محاولة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء العدوان، ولكن أيضًا لتحريك الاستحقاقات السياسية المجمّدة، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية.


 
ضمن هذه الاتصالات، برز ما وُصِف بـ"اللقاء الثلاثي" الذي عقد قبل أيام في عين التينة، وجمع إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وخرج عنه بيان مشترك أكد التزام لبنان بالنداء الذي صدر عن دول عدّة لوقف إطلاق النار والشروع في تطبيق القرار 1701، بالتوازي مع انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يطمئن الجميع ويبدد هواجسهم المختلفة.
 
وعلى الرغم من بعض الانتقادات "الشكلية" للقاء، بمعزل عن مضمونه "الوطني"، فإنّ ما يتّفق عليه الجميع أنّ النداء الذي صدر عنه أسّس لمروحة جديدة من الاتصالات، "أنعشت" في مكانٍ ما الحراك السياسي، بموازاة الجبهات العسكرية المفتوحة على مصراعيها، كما حرّك ملف انتخاب الرئيس، الذي يدرك الجميع ضرورة وجوده لمواكبة مرحلة المفاوضات، فهل يتّحد مختلف الأفرقاء، بمعزل عن خلافاتهم، ليلبّوا "النداء الثلاثي"، إن صحّ التعبير؟
 
أهمية الموقف اللبناني "الموحّد"
 
ينطلق العارفون من الدينامية التي تجلّت في اللقاء الثلاثي بين ميقاتي وبري وجنبلاط، والتي استُكمِلت بمجموعة لقاءات ثنائية عقدت بينهم وبين مختلف الكتل النيابية، للحديث عن موقف جامع أسّس له هذا الاجتماع، يقوم على عناوين وطنية خالصة، لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي المتمادي ضدّ لبنان، قوامها تنفيذ النداء الدولي الذي وافقت عليه عشر دول لوقف إطلاق النار لمدّة 21 يومًا، يصار خلالها إلى استكمال المفاوضات للوصول إلى حلّ دبلوماسي.
 
وعلى الرغم من انتقاد البعض لغياب المكوّن المسيحي عن هذا اللقاء في الشكل، وهو ما يعزوه البعض إلى المواقف المسبقة لبعض الأطراف، ولا يعكس بأيّ شكل من الأشكال رغبة بعزل أيّ طرف، أو إنشاء "جبهة" من أيّ نوع، فإنّ أهميته تبقى في المضمون المتّفَق عليه بين جميع الأطراف، والذي أكّدت عليه القوى المسيحية بعد ذلك، ويقوم على توحيد الجهود من أجل وقف إطلاق النار، والعمل مع المعنيّين من أجل الوصول إلى حلّ دبلوماسيّ.
 
ولعلّ الإشارة الواضحة والصريحة في هذا البيان وما تلاه من مواقف رسمية، إلى القرار الدولي 1701، وضرورة تطبيقه كاملاً، تكتسب أهمية استثنائية، ولا سيما لجهة "إرسال الجيش إلى منطقة جنوب الليطاني؛ ليقوم بمهامه كاملةً بالتنسيق مع قوات حفظ السلام في الجنوب"، علمًا أنّ هذا الأمر يشكّل "جوهر" النداء الدوليّ، بما يتيح التعاون الكامل بين الجيش وقوات اليونيفيل، علمًا أنّ هناك من يؤكد انفتاح "حزب الله" على هذا الخيار.
 
انتخاب الرئيس "الوفاقي"
 
في بيان اللقاء "الثلاثي" أيضًا إشارة أثارت اهتمام الكثيرين، في ما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث دعا المجتمعون الشركاء في الوطن إلى "سلوك درب الوفاق والتلاقي تحت مظلة الوطن الواحد والدستور والمؤسسات الجامعة والاضطلاع بمسؤولياتنا الوطنية المشتركة عبر انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يُطمئن الجميع ويُبدّد هواجسهم"، وهو ما فُسّر إيجابًا بالنسبة إلى العارفين، للعديد من المؤشّرات التي توحي بليونة مستجدّة.
 
من هذه المؤشّرات مثلاً الحديث عن رئيس "وفاقي" تحديدًا، بحيث لا يكون محسوبًا على أيّ طرف، وهو ما يمكن أن يُفهَم على أنّه تبنّ لـ"الخيار الثالث" الذي قيل سابقًا إنّه يحظى بدعم دوليّ، ولو أنّ هناك من يصرّ على اعتبار هذا المرشح أو ذاك "وفاقيًا" بشكل أو بآخر، علمًا أنّ الأهمّ من ذلك بحسب كثيرين، عدم الإشارة بالمُطلَق إلى الحوار الذي كان يُعتبَر "شرطًا" للانتخاب، وقد أضحى بحدّ ذاته بندًا خلافيًا على الطاولة.
 
ويقول العارفون إنّ هذه المؤشرات تعكس في مكانٍ ما اقتناع جميع الأطراف بأنّ انتخاب الرئيس الذي يشكّل نقطة تقاطع بين المعسكرين، بات أكثر من ضروري في هذه المرحلة، بمعزل عن كل الخلافات السابقة التي أحاطت بهذا الاستحقاق، ولا سيما أنّ وجود هذا الرئيس لم يعد ترفًا في ظلّ المتغيّرات الكبرى الحاصلة، حتى يكون لبنان حاضرًا على طاولة المفاوضات، وقادرًا على التعبير عن موقف واحد موحّد من الحرب المستمرّة ضدّه.
 
رسم البيان الصادر عن اللقاء الثلاثي، والمتناغم مع النداء الدولي حول الحرب على لبنان، "خريطة طريق" الحلّ الدبلوماسيّ المنشود، بدءًا من وقف إطلاق النار كمدخل لتطبيق القرار الدولي 1701، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون قادرًا على الجمع بين اللبنانيين في إحدى أكثر المراحل حساسيّة وخطورة، خريطة طريق قد لا يكون البديل عنها سوى تعميم "الكارثة" بما لا يقوى أحد على تحمّله!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: اللقاء الثلاثی إطلاق النار انتخاب رئیس

إقرأ أيضاً:

فرنسا تشدّد على "ضرورة" انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان

أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنّ باريس "أخذت علماً" بانسحاب القوات الإسرائيلية من قرى في جنوب لبنان، مذكّرة بـ"ضرورة" الانسحاب الكامل "في أقرب وقت ممكن".

وقالت الوزارة في لبنان إنّ "فرنسا أخذت علماً بأن جيش الدفاع الإسرائيلي ما زال متواجداً في 5 مواقع على الأراضي اللبنانية".

وأضاف البيان أنّ فرنسا "تذكّر بضرورة الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، في أقرب وقت ممكن، وفقاً لبنود اتفاق وقف إطلاق النار" الساري بين حزب الله الموالي لإيران والدولة العبرية والمبرم في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

فيديو.. الجيش اللبناني ينتشر في بلدات الجنوب بعد انسحاب إسرائيل - موقع 24أفاد مسؤول أمني لبناني أن قوات الجيش الإسرائيلي بدأت بالانسحاب من قرى حدودية مع تقدّم الجيش اللبناني، وذلك قبل ساعات من انتهاء مهلة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

وفي بيانها قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنّ باريس "تدعو جميع الأطراف إلى تبنّي اقتراحها، يمكن لقوات اليونيفيل، بما في ذلك الكتيبة الفرنسية، أن تنتشر في هذه المواقع الخمسة على مقربة مباشرة من الخط الأزرق لتحلّ محلّ القوات المسلّحة الإسرائيلية وتضمن أمن السكان هناك".

وأضاف البيان أنّه "إلى جانب الولايات المتحدة في إطار آلية (الإشراف على وقف إطلاق النار)، ستواصل فرنسا تولّي كل المهامّ المحدّدة في اتفاق 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024".

كما رحّبت الوزارة "بإعادة انتشار القوات المسلحة اللبنانية، بالتنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)".

واعتبرت باريس أنّ "إعادة التموضع هذه ستسمح للقوات المسلّحة اللبنانية بأن تنفذ عمليات إزالة (ذخائر غير منفجرة) وأن تدعم عودة السكّان في أفضل الظروف الأمنية الممكنة".

وأعلن لبنان، انه سيواصل اتصالاته الدبلوماسية مع فرنسا والولايات المتحدة من أجل الضغط على اسرائيل لاستكمال انسحابها من جنوب البلاد، معتبراً أن إبقاء قواتها في 5 نقاط استراتيجية يعد "احتلالاً".

لبنان: أي وجود عسكري إسرائيلي هو احتلال - موقع 24أكد، لبنان، الثلاثاء، أن استمرار وجود القوات الإسرائيلية على أراضيها يعد "احتلالاً"، بعيد ساعات من انتهاء مهلة لتطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله واسرائيل التي أبقت على وجودها في خمس نقاط استراتيجية.

ومنذ ساعات الصباح، توجه لبنانيون نحو قراهم التي غادرتها القوات الاسرائيلية بموازاة انتشار الجيش اللبناني فيها، في وقت نبّهت الأمم المتحدة الى أن أي تأخير في انسحاب الجيش الإسرائيلي، بعيد انتهاء مهلة الانسحاب المحددة في اتفاق وقف اطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، يعد انتهاكاً للقرار الدولي 1701.

وبموجب اتفاق وقف النار الذي أبرم في 27 (نوفمبر (تشرين الثاني) برعاية أمريكية وفرنسية، كان يفترض أن تنسحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في غضون 60 يوماً، قبل أن يتمّ تمديد المهلة حتى 18 فبراير (شباط).

ومع انقضاء مهلة تنفيذ الانسحاب، أعلن الجيش الاسرائيلي عزمه البقاء مؤقتاً في 5 نقاط "استراتيجية" تمتدّ على طول الحدود الجنوبية للبنان وتخوله الإشراف على البلدات الحدودية في جنوب لبنان والمناطق المقابلة في الجانب الاسرائيلي للتأكد "من عدم وجود تهديد فوري".

مقالات مشابهة

  • السامرائي يبحث مع بارزاني مستجدات المشهد السياسي
  • مخاوف من الاغتيالات
  • بسبب تشييع نصرالله.. نداء عاجل للفرنسيين في لبنان
  • في ذكرى الحراك.. دعوات للسلطات الجزائرية لاحترام حقوق الإنسان
  • احتفال في سيدني بمناسبة انتخاب الرئيس.. وعون يفخر بالجالية
  • انتخاب السعودية رئيسًا لاتحاد صحافيي غرب آسيا
  • هاشم: العدوان الذي اصاب لبنان غايته تحويل المناطق الجنوبية خاصة منزوعة الحياة
  • مركز فيجن للدراسات: الأوروبيون فوجئوا بالاجتماع الثلاثي بين روسيا وأوكرانيا وأمريكا
  • نداء لإقفال المدارس في لبنان.. ما السبب؟
  • فرنسا تشدّد على "ضرورة" انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان