تسعى إسرائيل إلى تحسين شروطها التفاوضية ظناً منها أنها حققت انتصارات على حزب الله على المستوى العسكري. فحشدُ جيش العدو الإسرائيليّ قوّاته ومُدرّعاته في منطقة الحدود الجنوبيّة على قاعدة أنه قادر على الحسم برياً، إلا أن حزب الله، وفق مصادره، يقدم أداء اسطورياً في البر وأنه سوف يفاجئ الإسرائيلي من حيث لا يدري.



وبالتوازي مع الميدان، فإن المساعي الحثيثة والجهود الدؤوبة التي يبذلها الأطراف الدوليون لا تزال متعثرة أمام تعنت إسرائيل التي تظن أن توغلها برياً سوف يقطع أواصل الطرقات في جنوب نهر الليطاني، ويفصل المناطق عن بعضها البعض، ويعزل المنطقة كلها عن شمال الليطاني. في حين أن لبنان لا يزال يتمسك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب.

تحاول إسرائيل إيجاد أو فتح ثغرة في الدفاعات المقامة على الجبهة الجنوبية، وفي الوقت عينه تقوم بتكثيف الغارات الجوية وتوزيعها على مناطق عدة لتشديد الضغط على المقاومة من خلال بيئتها بشكل خاص، والبيئات اللبنانية الأخرى بشكل عام. وبين هذين الشكلين من الضغط العسكري، يقوم نتنياهو بإبراز نفسه أمام المجتمع الدولي كمنتصر، يحاول فرض شروطه على لبنان، وعلى الوسطاء للحصول على أقصى قدر ممكن من المكاسب السياسية قبل قرار إعطاء الأوامر لقواته بالدخول واجتياح جنوب لبنان.

ويقول العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني كلود الحايك المتخصص بالإتصالات والتكنولوجيا لـ"لبنان24" ، إن الجيش الإسرائيلي هو من الجيوش المجهزة بشكل ممتاز والفائقة التدريب، كما والمدعومة بشكل علني ومباشر من الولايات المتحدة وجيشها ومخابراتها. إلا أن الميدان يكشف في الواقع مدى فعالية هذا التدريب، وقدرة الجيش على استخدام كافة أنواع عتاده وأسلحته بالتنسيق والتزامن اللازمين. فالواقع على الجبهة الجنوبية أن وحدات النخبة تكبدت خسائر جسيمة في اليومين الأولين التي حاولت فيها الدخول إلى الأراضي اللبنانية؛ فقد تسللت وحدات قتالية صغيرة، وقامت بتنفيذ ما يدعى الاستطلاع بالنار، فعلقت بالكمائن، وتعرضت للتفجيرات، وسارعت الطوافات المعادية إلى سحب القتلى والجرحى من أرض المعركة... ما أجّل الاجتياح البري "المنتظر" كون قادة العدو ما زالوا مترددين لناحية تعريض قواتهم البرية لخسائر جسيمة، كما وخوفاً من تكرار سيناريوهات حرب تموز 2006.

والواقع، بحسب العميد الحايك، هو أن المقاومة تقاتل دفاعياً، فالأرض أرضها، وهي تعرف تفاصيلها الكاملة "فوق الأرض وتحتها"، بينما يعتمد العدو على القدرة التدميرية الكبيرة لقنابله الارتجاجية في محاولة منه لتدمير الأنفاق، والقضاء على من بداخلها. كما أنه لا يملك من المعلومات عن الأرض سوى ما هو ظاهر على السطح فقط، ما يعطي الأفضلية قتالياً، من الناحية البرية، للمقاومة حتى الآن.

لهذا السبب، وبغية إضعاف الروح القتالية للمقاومين جنوباً، يقوم العدو، كما يقول الحايك، بقصف ممنهج وبقدرة تدميرية عالية على بيئة هؤلاء المقاومين، وأهلهم وعائلاتهم، وعلى مناطق وبيئات أخرى، علهم يتوقفون عن القتال ويرضخون للأمر الواقع، فيسهل دخول الجيش الإسرائيلي المعادي إلى الجنوب، ويجبرهم على إلقاء أسلحتهم، ثم يفرض شروطه كمنتصر، كما يريد. لكن رياح المعارك جنوباً لا تسير كما تشتهي سفن العدو وطائراته ودباباته، فالمقاتلون ما زالوا في خنادقهم وأنفاقهم، يقاتلون رغم تمكن العدو من ضرب الصف الأول من منظومة القيادة والسيطرة لحزب الله، ومن تعطيل وإرباك شبكات الاتصال لديهم، فهم تدربوا على ذلك ولا يتركون مواقعهم إلا بالاستشهاد، أو بتلقي الأوامر الصحيحة من قياداتهم الموثوقة. ولهذا السبب تقوم إسرائيل بزيادة الغارات الجوية على البيئة الحاضنة للمقاومة، وتدمر الأحياء السكنية، ولا ترتدع عن تدمير الكنائس والمساجد، وعن توسيع رقع قصفها الجوي العنيف ليطال مناطق تعتبر "آمنة نسبيا"، علها بذلك تصل لمبتغاها السياسي، وهو إجبار حزب الله على الانسحاب من مواقعه الجنوبية، إلى مسافات يختلف من يطلبها أو يتوسط لأجلها على تحديدها، فمنهم من يطالب بكيلومترات سبعة، ومنهم من يصل لحدود الثلاثين كيلومتراً، ومنهم من يحدد مجرى نهر الليطاني كحدود لهذا الانسحاب، الخ... ولكن المفارقة هنا تكمن في أنه من الغباء تحديد مسافات محددة، فصواريخ المقاومة لا يقتصر مداها على الثلاثين كيلومتراً، وبالتالي، يبقى باستطاعتها قصف العمق الإسرائيلي بسهولة بصواريخ رابضة في المناطق الخلفية، وذات المديات التي تفوق ال 150 كلم. لذلك تطالب إسرائيل والمجتمع الغربي بأن يتم تسليم سلاح حزب الله إلى الجيش ، وبهذا تكون إسرائيل والغرب قد تخلصا من الفريق المزعج الأول (المقاومة)، فيبقى أماهم الفريق المزعج الثاني وهو الجيش . فمنذ متى تثق إسرائيل بهذا الجيش؟ وإذا كان الغرب يرفض تسليح الجيش بسلاح قادر على أذية إسرائيل، فكيف يأمن ناحية استلام الجيش هذا سلاح حزب الله الفتاك؟ لذلك، برأي العميد الحايك، وفي حال تم التمكن من الوصول إلى هذه المرحلة، عندها سيطلب من الجيش إما تدمير هذه الأسلحة، أو إعادتها إلى مصادرها... ما يعني عدم بقائها بيد الجيش، وعدم تهديدها مطلقاً لتفوق الجيش الإسرائيلي الكامل على الأرض.

ما زال من المبكر اعتماد أي استنتاج من هذه الناحية قبل معرفة نتائج الأرض، وقدرة العدو على التوغل جنوباً، وقدرة المقاومة على الاستمرار بصده. لكن في هذه الحال، أي في حال تمكنت المقاومة من القتال براً لفترة طويلة، وكبدت فيها العدو ما أمكنها، يصبح الجهد الحربي لهذا العدو مقسوماً، بحسب الحايك، على جبهتين: غزة والجنوب، وهنا يشتد وطيس المعركة في حال فتحت جبهة الجولان مثلاً، ما يضطر العدو لفصل قوى إضافية مقابل ذلك المحور أيضاً. كذلك يشتد الضغط عليه إذا ما قرر توجيه ضربة عسكرية لإيران، فتقوم الأخيرة بالرد بشكل أقسى" كما وعدت، وهنا لا يتحدث الحايك عن العراق واليمن، ولا يعود إلى مقولة وحدة الساحات، التي يمكن أن تفرض نفسها يوماً إذا طال أمد الحرب هذه، وفي هذه الأحوال سيطول.

كل ذلك، إن حصل، يفرض تدخلات ديبلوماسية فاعلة، غصباً عن إسرائيل ونتنياهو؛ وهنا يتوقع الحايك في المدى القريب تحركاً فرنسياً فاعلاً، يبدأ بالضغط لوقف القصف الجوي على الداخل اللبناني، والضغط على الحليف الأميركي لإقناع إسرائيل بالتوقف، والعمل في الوقت عينه على إيجاد صيغة يلعبها الجيش ، فينتشر بنتيجتها على كامل الحدود الجنوبية، مدعوماً بقوات دولية ربما تتغير مهامها وتكليفاتها. وكل ذلك مرهون بالقدرة على إقناع المقاومة بذلك، وبالأخص إقناعها بأن العدو لن يدخل متراً واحداً جنوباً، وطبعاً بعد حل قضية السلاح بشكل يحفظ كرامة المقاومة والوطن والجيش.

وعليه، لا يجد الحايك حتى الآن أن إسرائيل قادرة على إحداث خرق دائم جنوباً، فإن عمق التحضيرات الدفاعية للمقاومة يمكن أن يجعل هذا التوغل إن حصل، مقبرة للغزاة، اللهم إن لم يجد الإسرائيليون والغرب طريقة لقتال من يدافع ضمن أنفاقه بشراسة، وهذا الأمر لا يبدو بقريب.

ومن الناحية السياسية، فمهما حاول نتانياهو أن يفرض من شروط، فإن الميدان هو من يقرر تمكينه من فرضها أم لا، وفي حال النفي، أو إطالة أمد المعركة، يرى الحايك التدخل الديبلوماسي العالمي حاصلاً لوقف القتال ضمن صيغة عسى أن تكون مقبولة من الجميع.
ويقول العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل قائد قطاع جنوب الليطاني سابقًا من جهته لـ"لبنان24" انه بالرغم من حالة انعدام الثقة بالقانون الدولي التي تسود اليوم على وقع ضجيج الحرب، فأنه في نهاية الأمر ستعود كافّة الاطراف إلى إعتماد الحلول الدبلوماسيّة لإنهاء حالة الحرب والعدوان على لبنان وفق مفاهيم القانون الدولي وتحت مظلّة الأمم المتحدة، وأي تسوية بدون غطاء دولي مصيرها الفشل، ولذلك لا بدّ في النهاية من تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي صَدَرَ في 11 أب عام 2006 باجماع الأعضاء الخمسة عشر، ففي ظلّ الوضع الدولي الحالي فإنه قد يكون من الصعب التوافق على إصدار قرار دولي جديد، كما وأنه وفق المادّة 25 من ميثاق الأمم المتحدة فإن لبنان والعدو الإسرائيلي مُلزمان بشكلٍ غير مباشر بقبول القرار 1701 إذ تُشير هذه المادّة حرفيّا إلى ما يلي: "يتعهّد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق"، علمًا أن الحكومة اللبنانيّة ناشدت وتناشد دومًا بتطبيق هذا القرار.

وبعد عقود من النزاع اللبناني – الإسرائيلي، بات من الواضح،بحسب الجميل، أن إشكالات الحدود البريّة الجنوبية للبنان وهضم حقوقه في مساحات من أراضيه، هي مصدر أساسي وكبير للخلافات منذ إنسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، وقد بات حلّ هذا الموضوع بشكلٍ نهائي ملحًا جدًا، والطرح اللبناني الرسمي لإعادة التأكيد على تثبيت حدوده البريّة الجنوبيّة واضح جدًا وقانوني ومحقّ.

فبالنسبة لحدود لبنان البريّة مع فلسطين فالحلّ، كما يقول العميد الجميل، هو بالعودة إلى خطّ حدود إتفاقيّة بوليه – نيو كمب عام 1923، والذي أكّدت عليه إتفاقيّة الهدنة عام 1949، وهذا ما أكّدت عليه أيضًا المادّة الخامسة من القرار 1701، إذ نصّت حرفيًا على ما يلي: " يُعيد مجلس الأمن تأكيد تأييده الشديد لسلامة أراضي لبنان وسيادته وإستقلاله السياسي داخل حدوده المُعتَرَف بها دوليًا، حسب الوارد في إتفاق الهدنة العامّة بين إسرائيل ولبنان المؤرّخ في 23 أذار 1949". وهذا يعني بالنسبة للبنان إستعادة مناطق التحفّظات على الخطّ الأزرق (المناطق المحتلّة من قبل إسرائيل)، والبالغ عددها 13 منطقة بمساحة إجماليّة تبلُغ حوالي 485 ألف مترًا مربّعًا، وكذلك تراجع إسرائيل عن مناطق الخرق الدائم للخطّ الأزرق والتي تحتلّها على إمتداد خطّ الهدنة والبالغ عددها 17 خرقًا دائمًا بمساحة حوالي 17 ألف مترًا مربعًا.

امّا من ناحية الحدود الدوليّة مع سوريا لجهّة الجولان السوري المحتلّ، فلبنان يُطالب المجتمع الدولي أيضًا بإستعادة الأراضي اللبنانيّة المحتلّة من قبل إسرائيل في قرية الماري اللبنانيّة والتي تبلغ مساحتها حوالي 716 ألف مترًا مربعًا، وهو خرق إسرائيلي دائم للخطّ الأزرق شمالي قرية الغجر السوريّة المحتلّة أيضًا من قبل إسرائيل، وهذا ما أشارت إليه مقدّمة قرار مجلس الأمن الرقم 2695 عام 2023 والتي نصّت على ما يلي " يُعرب (مجلس الأمن) عن القلق إزاء إستمرار الوجود الإسرائيلي في شمال قرية الغجر والمنطقة المتاخمة لها شمال الخطّ الأزرق"، وكذلك يطالب لبنان الرسمي المجتمع الدولي بمعالجة قضيّة إستعادة مزارع شبعا اللبنانيّة المحتلّة، وهو الأمر الذي أشارت المادة العاشرة من القرار 1701 إلى ضرورة معالجته.

أمّا بالنسبة لتصريح وزير الطاقة الإسرائيلي "أيلي كوهين" بتاريخ 29 أيلول 2024، والذي قال فيه أنه "يبحث عن طريقة أو ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز الفاضح الذي تم توقيعه مع لبنان"، فهو طرح، كما يؤكد الجميل، غير قانوني بشكلٍ فاضح، لأن هذا الأمر لا يُمكن تنفيذه واقعيًا بالنسبة للقانون الدولي. وبغضّ النظر عن الإجحاف اللاحق بلبنان من جراء هذا الإتفاق البحري، فقد أصبح الخطّ الرقم 23 هو حدود الدولة اللبنانيّة البحريّة الجنوبيّة منذ توقيع هذا الإتفاق بتاريخ 27 تشرين الأول عام 2022، مع العلم أن إسرائيل قامت بإيداعه من جانبها لدى الأمم المتحدة، ولا يُمكن قانونًا إلغاء هذا الإتفاق إلّا بموافقة الطرفين، ونقض هذا الإتفاق غير المباشر - الذي أُنجِزَ بضمانة ووساطة الولايات المتحدة الأميركيّة - من طرفٍ واحد، أي من جهّة إسرائيل وإعتمادها خطّ حدودي بحري أخر، سيكون بمثابة إحتلال لمساحات من المياه البحريّة اللبنانيّة وإنتهاكًا لسيادة لبنان وفق مندرجات القانون الدولي. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الأمم المتحدة هذا الإتفاق مجلس الأمن اللبنانی ة حزب الله المحتل ة البری ة فی حال

إقرأ أيضاً:

إسرائيل ولبنان في نفق المفاوضات الحدودية

في الوقت الذي أفلحت فيه الإدارة الأميركية في تنظيم لقاء رباعي لمناقشة قضايا الخلاف الحدودي بين إسرائيل ولبنان ولإنهاء قصة احتلال إسرائيل لـ5 مواقع داخل الخط الأزرق شنت الطائرات الإسرائيلية أشد غارات جوية على مناطق مختلفة من لبنان بدعوى أنها مصانع صواريخ. وتُظهر هذه الغارات بعد أيام قليلة على بدء المفاوضات، وادعاء رئاسة الحكومة الإسرائيلية أنها ستقود إلى "تطبيع" مع لبنان، أن إسرائيل تمارس هنا أيضا منطق المفاوضات تحت النار.

وكانت سرت أنباء، خصوصا من الجانب الإسرائيلي، أن نجاح اللقاء التنسيقي في الناقورة بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، في الاتفاق على تشكيل 3 لجان يفتح الباب أمام تسوية سياسية وليس فقط تثبيت وقف إطلاق النار. ورفض لبنان على الفور إيحاءات إسرائيل وتصريحاتها بأن مفاوضات لجنة الهدنة مفاوضات سياسية وأنها ستقود إلى التطبيع بين الدولتين. وفي كل حال ثمة إقرار من الطرفين على صحة الاتفاق على تشكيل 3 لجان لحل النقاط الخلافية بينهما. لكن إسرائيل ترى في هذا الاتفاق عنصرا سياسيا جديدا في حين يرى لبنان أنه مجرد تنفيذ وتواصل مع قرار 1701 الدولي وأنه ليس مفاوضات سياسية مباشرة وأن كل حديث عن التطبيع لا يستند إلى أساس. وأكدت الرئاسة اللبنانية أن اللجان الثلاث ستناقش قضايا الحدود والنقاط المتنازع عليها منذ العام 2006 والنقاط الخمس التي تحتلها إسرائيل ومسألة الأسرى.

إعلان مفاوضات سياسية

وكان مسؤول أميركي كبير قال يوم الثلاثاء الفائت، إن إسرائيل ولبنان اتفقتا، بوساطة أميركية وحضور فرنسي، على بدء مفاوضات لحل النزاعات على الحدود البرية بين البلدين. واعتبر أن بدء المحادثات السياسية بين إسرائيل ولبنان، يشكل تقدما كبيرا في العلاقات بين حكومة تل أبيب والحكومة اللبنانية الجديدة. وأن هذا إنجاز لإدارة ترامب التي نجحت في منع تجدد التوترات في لبنان وجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات. وأن "الذين سيقودون مجموعات العمل هم دبلوماسيون من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان. ونأمل أن تبدأ هذه المفاوضات في وقت مبكر من الشهر المقبل". وهذه هي المرة الأولى منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 وإعلان الأمم المتحدة أن إسرائيل انسحبت إلى الخط الأزرق، التي تقبل فيها حكومة إسرائيلية دخول مفاوضات بشأن إدخال تغييرات على هذا الخط الحدودي.

مسؤول أميركي اعتبر الاجتماع الرباعي إنجازا لإدارة ترامب (رويترز)

وبداية فإن مجموعات العمل أو اللجان الثلاث التي اتفق على تشكيلها تتعلق، كما سلف، بالحدود البرية، وقضية الأسرى وشروط انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها داخل الأراضي اللبنانية. ومعروف أن قضيتي الأسرى والنقاط الخمس المحتلة قضيتان واضحتان تعبر كل منهما عن أهمية وقيمة لدى هذا الطرف أو ذاك لكن قضية رسم الحدود خصوصا في 13 منطقة متنازع عليها قضية تتسم بدرجات من الغموض والتداخل لأنها ترتبط بأصل ترسيم الحدود. ولم تفلح الأمم المتحدة لا في العام 2006 ولا قبلها في إنهاء النزاع بشأنها. كما أن محاولات لإدارة الأميركية عبر مبعوثيها وخصوصا آموس هوكشتاين لنزع فتيل هذه الأزمة لم تصل إلى نتيجة رغم سنوات من الجهود. ولذلك فإن موافقة حكومة نتنياهو على البدء بمفاوضات بشأنها فجّر نوعا من الخلاف السياسي في إسرائيل من جهة وفتح شهية البعض، وخصوصا قادة مستوطنات، لعرض مطالب إقليمية.

إعلان

وكان أول المنتقدين لهذه الخطوة زعيم المعارضة، يائير لبيد، الذي في عهد توليه رئاسة الحكومة أبرم بوساطة أميركية اتفاق ترسيم الحدود البحرية. وقد تعرض حينها لبيد لانتقادات واسعة وخصوصا من نتنياهو واليمين متهمين إياه وحكومته بالتنازل عن ذخائر اقتصادية للبنان في عرض البحر. وهذا ما دفع لبيد للقول عن ادعاء حكومة نتنياهو بأن المفاوضات على الحدود ستقود للتطبيع: "كان من الممكن أن يكون الأمر مضحكا". لقد توصلتُ إلى اتفاق بشأن المياه الاقتصادية، وهو اتفاق اقتصادي مع الحكومة اللبنانية والأميركيين والفرنسيين، وكانوا في اليمين يصرخون: "اتفاق مع حماس"، "اتفاق مع حماس". لماذا أعتبر هذا مُضحكًا؟ لأنه في إطار المفاوضات، كان هناك حديث عن حوالي كيلومترين من المياه المالحة وبعض الأسماك البعيدة عن أعماق البحر. "لم يكن حتى، غاز هناك"

ترحيب مشروط

وأضاف "أرادوا منا أن نناقش النقاط الحدودية التي تُناقش الآن، وقلتُ لهم لا. حتى لو أدى ذلك إلى إفشال المفاوضات، فأنا لست مستعدا بأي شكل من الأشكال لإجراء مفاوضات على الأراضي الإسرائيلية. الآن تجري الحكومة مفاوضات على الأراضي الإسرائيلية، بعد أن توصلت إلى اتفاق مع حزب الله، وهو ما لم نفعله". ولكن حسنًا، سأدعم ما هو جيد لدولة إسرائيل. وأشار لبيد إلى أنه "قد يكون ذلك مفيدا لأمن إسرائيل، وهذا يتضمن بالطبع مسألة إذا كنا نعرف كيف ننزل الجيش اللبناني إلى الجنوب بحيث يقطع الطريق بين حزب الله والمجتمعات الإسرائيلية، فهذا يعني السؤال عن كيفية إعداد الجيش بشكل مختلف على خط الحدود، لأنه من المستحيل أن تشعر المستوطنات الشمالية بأنها معرضة لأي هجوم مرة أخرى. "ولكن إذا كان الأمر جيدًا، فسأرحب به، لكننا لا نعرف التفاصيل بعد".

اتفاق ترسيم الحدود البحرية تم خلال ولاية الحكومة التي ترأسها زعيم المعارضة الحالي يائير لبيد (وكالة الأناضول)

وتقريبا انتقد قادة المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان إعلان حكومة نتنياهو عن بدء مفاوضات حدودية مع لبنان. ورأى بعضهم أن هذا تسليم لأمن المستوطنات ما يعرضها لخطر مشابه لما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتنبع هذه الانتقادات من جانب هؤلاء من إدراك لواقع أن المفاوضات ستقود، إن عاجلا أو آجلا، إلى انسحاب الجيش ليس فقط إلى الخط  الأزرق وإنما أيضا إلى خلفه في 13 نقطة هامة. وكان مستوطنو الشمال يأملون أنه وفق نظرية الأمن الإسرائيلية الجديدة سيبقى الجيش الإسرائيلي ليس فقط في النقاط الـ13 المتنازع عليها تاريخيا وإنما أيضا في المواقع الخمسة التي يحتلها منذ الحرب الأخيرة. وبحسب معلقين إسرائيليين فإن مخاوف رؤساء مستوطنات كالمطله ومرغليوت نابعة من واقع تم فيه إفراغ الاتفاقيات من معناها واضطرار هذه المستوطنات لمواجهة مصيرها كمناطق حدودية. وكتب رئيس مستوطنة المطلة، ديفيد أزولاي، إلى نتنياهو أن "سكان الشمال ليسوا على استعداد لأن يكونوا رهائن لاتفاقيات خاسرة أو تنازلات أمنية". وفي رسالته، كتب أزولاي إلى نتنياهو: "لا تستسلم للحلول الجزئية التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة في المستقبل، والتي من شأنها أن تجلب معها مرة أخرى انعدام الأمن الذي شهدناه قبل السبت الملعون 7 أكتوبر". وأكدت أزولاي أيضًا أن "عودة  السكان إلى المطلة في ظل الظروف الحالية غير محتملة، حيث عاد 8% فقط من السكان حتى الآن، بسبب التهديد الأمني الحقيقي وانعدام البنية التحتية المناسبة".

إعلان

كما يطالب مستوطنون من المطلة نتنياهو بأن يتم في المفاوضات مع لبنان طرح قضية تاريخية للنقاش وهي قضية أراضي المطلة الزراعية الواقعة في وادي العيون في السهل اللبناني: "حوالي 4 آلاف دونم من الأراضي الزراعية التي كانت مملوكة لمزارعي المطلة من فترة الانتداب البريطاني بقيت خارج السيطرة الإسرائيلية على الرغم من الوعود بتحديث الحدود".

كفى ندما

كما أدان  إيتان دافيدي، رئيس مستوطنة مرغليوت، المفاوضات الحدودية وقال "كفى ندمًا، من الجنرال إلى قائد اللواء، كفوا عن الندم علينا. أتوقع من جنرال القيادة الشمالية أن يأتي ويقول إن على الجيش البقاء في هذه المواقع، وأن ينتقد بشدة وزير الدفاع والسياسة الفاشلة". وأضاف دافيدي "كنت قلقًا عندما وقعوا على وقف إطلاق النار، والآن أشعر بقلق أكبر بكثير. التقيت بمسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع، وأدركت أن هذه النقاط سوف يتعين عليهم الانسحاب منها في مرحلة ما، وفي نهاية المطاف سوف يسيطر الجيش اللبناني على هذه النقاط. وهذا يعني أن إسرائيل تسلم أمن سكان الشمال إلى حزب الله. لا يخطئ أحد، فالجيش اللبناني هو من أعضاء حزب الله. "هذه فضيحة غير مسبوقة."

الدخان يتصاعد من التلال المحيطة بمستوطنة مرغليوت خلال الحرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (الفرنسية)

في كل حال ما المواقع الـ13 التي يطالب بها لبنان منذ عقود والتي وافقت إسرائيل على دخول مفاوضات بشأنها؟ وما قصتها؟

تعود قصة هذه النقاط في الغالب إلى ترسيم الحدود بين الانتدابين البريطاني على فلسطين والفرنسي على لبنان في عشرينيات القرن الماضي وتضاربها مع خط الهدنة العام 1949. وقد سبق للأمم المتحدة أن حددت 13 نقطة حدودية برية منتشرة على طول الحدود اللبنانية، نقاطًا متنازعًا عليها بين الطرفين من رأس الناقورة في الغرب إلى مزارع شبعا في الشرق. من أقصى نقطة غربية بي1 في رأس الناقورة، عبر عدة نقاط إضافية تقع بالقرب من شلومي، وحانيتا شوميرا، جبل أدير، وأفيفيم، ويفتاح، وكريات شمونة. وفي الشرق، يدور نزاع في "قرية النزاع" – قرية غجر السورية المحتلة المقسمة حاليا بين إسرائيل ولبنان، ومنطقة مزارع شبعا.

إعلان موقع حساس

وتعتبر النقطة بي1 على رأس الناقورة وهي خط العوامة والتقاء الحدود البرية مع الساحل النقطة الأكثر أهمية من ناحية إستراتيجية لكلا الجانبين، جغرافيا وعسكريا. بفضل موقعها الحساس وارتفاعها، فهي تطل على مساحات واسعة. ويرى خبير إسرائيلي أن "هذه نقطة إستراتيجية نسيطر عليها، وحزب الله يريد منا الانسحاب منها حتى تصبح تابعة للبنان". "إذا قمت بتحريك النقطة، فسوف يتعين على الحدود البحرية بأكملها أن تتحرك وفقًا لذلك، وباعتمادها، يمكن الاعتماد على الحدود بأكملها". ويطالب لبنان بالسيادة على النقطة بي1، بناء على خريطة الحدود الأصلية من عام 1923.

وأيضا قرية غجر العلوية في هضبة الجولان المحتلة حيث أقيم جدار فاصل داخل البلدة بين الحدين اللبناني والسوري لكن سرعان ما عادت إسرائيل إلى تجاوز هذا الحد.

تمثل الناقورة نقطة التقاء الحدود البرية بين لبنان وإٍسرائيل (رويترز) مزارع شبعا

وتحتل إسرائيل هذه المزارع  بدعوى أنها أراض سورية احتلتها عام 1967 وطبقت عليها السيادة لإسرائيلية. وترفض إسرائيل الاعتراف بأن هذه أراض لبنانية.

وتواصل إسرائيل السيطرة على 5 نقاط أخرى قبالة مستوطنة شلومي وفي جبل بلاط  ومقابل مستوطنتي أفيفيم ومالكية، ومقابل مستوطنة مرغليوت، وأيضا مقابل المطلة والخيام.

ومن غير المتوقع أن تكون المفاوضات سهلة ويسيرة خصوصا وأن المطالب والاشتراطات الإسرائيلية  كثيرة ومتباينة وأهمها  استمرار السيطرة الأمنية وتوسيع منهج التطبيع.

 

مقالات مشابهة

  • إسرائيل ولبنان في نفق المفاوضات الحدودية
  • مقتل شخصين برصاص الجيش الإسرائيلي بعد محاولة تسلل من الأردن
  • عدوان إسرائيلي جديد يستهدف بلدة قوسايا في البقاع اللبناني
  • الجيش اللبناني يتسلم عسكريا مصابا أفرجت عنه إسرائيل
  • الجيش اللبناني يتسلم عسكريا مصابا أفرجت عنه إسرائيل  
  • بيروت تتسلم جنديا من الجيش اللبناني اختطفه الاحتلال.. الخامس خلال أيام
  • الجيش اللبناني يتسلم عسكريا احتجزته إسرائيل
  • بيروت تتسلم عسكريا من الجيش اللبناني اختطفه الاحتلال.. الخامس خلال أيام
  • بعد احتجازه لأيام.. الجيش اللبناني يتسلم عسكرياً من إسرائيل
  • آخر معلومة عن الجندي اللبناني الأسير.. متى ستُفرج إسرائيل عنه؟