فان غوخ جمع بريشته بين العاطفة والفيزياء في لوحة ليلة النجوم
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
تعد لوحة "ليلة النجوم" من عمل الفنان الهولندي "فينسنت فان غوخ"، إحدى أروع اللوحات التي يتزين بها "متحف الفن الحديث" في نيويورك، والتي ذاع صيتها حول العالم آسرة عيونا كثيرة لما تحمله من سمات فنية أقرب للمدرسة الانطباعية (التأثيرية)، وهو تيار في فن الرسم استحدث في نهاية القرن الـ19، يسلّط الضوء على الحالة اللحظية لمشهد ما دون الاكتراث إلى التفاصيل الدقيقة في مجمل اللوحة.
ولم تأسر هذه اللوحة عشاق الفن والرسم فحسب، بل إنها جذبت اهتمام العلماء ومختصي ميكانيكا الموائع الذين أُبهروا من براعة ودقّة الدوامات المرسومة في سماء اللوحة، حتى إن في مايو/أيار هذا العام، نشرت وكالة الفضاء الأميركية ناسا صورة لكوكب المشتري التقطتها مركبة الفضاء "جونو" ويظهر فيها دوامات مضطربة شديدة قيل إنها مشابهة لتلك الدوامات الموجودة في لوحة فان غوخ.
وتستعرض دراسة صينية حديثة نُشرت في دورية "فيزيكس أوف فيلد" المزيد من الأسرار الدفينة التي تتعلق باللوحة، بدراسة سماكة الخطوط والألوان المستخدمة، ليكشف الباحثون عن تشابه مثير بين الدوامات في لوحة فان غوخ والأنماط الموجودة في تدفق السوائل في الطبيعة.
ويُظهر التحليل العميق للوحة كيف أن الفنان قد استوحى أفكاره من الظواهر الفيزيائية التي تتحكم في حركة الأجسام، وذلك من خلال تقنيات فريدة في استخدام الألوان لخلق تأثيرات بصرية تعزز من الحس العميق للحركة والديناميكية.
يظهر المشتري في صور المركبة جونو تباينات تشبه دوامات فان غوخ (ناسا) كيف دمج الرسام بين اضطراب الطبيعة واضطرابات النفس؟تعد هذه اللوحة أحد أهم أعمال فان غوخ، وفيها يستعرض مهارة عالية تدمج بين الاضطرابات الطبيعية الفيزيائية من حوله والعالم العاطفي المضطرب في داخله.
عكف فان غوخ على رسم لوحته الشهيرة في عام 1889، بينما كان يعيش في مقر إقامته المؤقت في مصحة "بسانت ريمي دي بروفانس" في فرنسا، حيث كان يتعافى من انهيار عقلي دفعه إلى محاولة قطع أذنه اليسرى قبل حوالي 6 أشهر من وصوله إلى المصحة.
ويظهر في القسم العلوي من اللوحة سماء مرصعة بالنجوم المتناثرة يملؤها الطابع الديناميكي الحركي المتقلّب، في حين يهيمن هذا الجزء على القسم السفلي الذي تظهر فيه معالم قرية نائمة يغمرها الهدوء والسكينة، وربّما كان هذا التباين الديناميكي البارز هو أهم الجوانب العاطفية التي حاول الرسام التعبير عنها.
ورغم أن التركيز الأكبر هنا على الجانب العاطفي، فإن فان غوخ أبدع في محاكاة إحدى الظواهر الطبيعة المعقدة بدقة متناهية ومثيرة للإعجاب وهو ما ينمي عن مهارة عالية في الملاحظة ورؤية ما لم تبصره العين العادية. ويتضح ذلك من دوامات الرياح التي تتخلل بين هالات النجوم الساطعة والقمر المنير، وتظهر هذه الدوامات بحركة اضطرابية تحاكي الدوامات في الطبيعة، وما زاد الأمر براعة هو استخدام الفنان تدرجا معينا في الألوان ليوضّح شدة الاضطراب وخفوته بتسلسل منطقي.
وأسفل هذا المشهد المضطرب، تظهر معالم قرية صغيرة بشوارعها الهادئة، ومبانٍ ريفية بسيطة غير مرتفعة، باستثناء برج الكنيسة الذي امتد عاليا ليلامس جزءا من السماء المضطربة، وعلى عكس ما هو في الأعلى، تبدو القرية بخطوط ناعمة مما يوحي بأنها أكثر استقرارا، ولا تعج بالكثير من الألوان مما يعكس صفوها وسكينتها.
عندما نظر الباحثون بمزيد من الدقة إلى الدوامات، وجدوا أن التباعد وتوزيع الدوامات وتفاوتها، يتوافق مع مقياس "باتشيلور" (أميريكان إنستيتيوت أوف فيزيكس) ملاحظة وفهم عميق للطبيعة.. لكن دون معادلات رياضيةوقد أقدم الباحثون في الدراسة على تحليل 14 دوّامة في سماء اللوحة من قرب، واتضح بأن هذه الدوامات تتبع أنماطا فيزيائية وفقا لقانون "كولموغوروف"، وهو قانون يصف حركة الغازات في الغلاف الجوي بمقاييس مختلفة اعتمادا على الطاقة العطالية، ويشير الباحثون إلى أن الطاقة العطالية هنا في اللوحة ممثلة بسطوع اللون الأصفر.
وعندما نظر الباحثون بمزيد من الدقة إلى الدوامات، وجدوا أن التباعد وتوزيع الدوامات وتفاوتها، يتوافق مع مقياس "باتشيلور" الذي يصف كيف يكون حال الدوامات الصغيرة قبل أن تتلاشى في مائع ما.
لكن الحقيقة المثيرة هي أن كولموغوروف وباتشيلور قد وضعا قوانينهما بعد عقود من وفاة الفنان فان غوخ، وهذا ما ينفي اعتماده على أي مفاهيم رياضية تتعلق بديناميكيات السوائل، بل كان على الأرجح يستلهم أفكاره من ملاحظات بصرية دقيقة لتكوّن الدوامات وتضخمها ثم تلاشيها في السماء أو في الماء.
ويشير أحد المشاركين في الدراسة وخبير ديناميكيات الموائع في جامعة شيامن الصينية الأستاذ يونغ شيانغ هوانغ في بيان صحفي رسمي صادر عن "أميركان إنستيتيوت أوف فيزيكس" المشاركة في الدراسة، إلى أن الرسمة تكشف عن فهم عميق وبديهي للظواهر الطبيعية، وقد يكون التصوير الدقيق للأشكال اللولبية والدوامات في اللوحة ناتجا عن ملاحظة دقيقة من فان غوخ لكيفية حدوث الاضطرابات في الطبيعة من حوله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فان غوخ
إقرأ أيضاً:
دراسة: استخدام الاختصارات في الرسائل يثير الشك في صدق المرسل
أظهرت دراسة علمية أن استخدام الاختصارات في الرسائل النصية والمحادثات المكتوبة عبر الإنترنت، يستلزم ضرورة الحرص على كتابة الكلمات بطريقة صحيحة لتعزيز مصداقية المرسل واستحقاقه للرد عليه.
وقالت الدراسة، التي أعدها باحثون من جامعتي ستانفورد وتورنتو، ونشرتها جمعية علم النفس الأمريكية، إنه يتم النظر إلى الأشخاص الذين يكتبون رسائلهم بالحروف المختصرة باعتبارهم أقل صدقاً.
وأشار الباحثون إلى أنهم توصلوا إلى هذه النتائج بعد أن أجروا 8 تجارب على أكثر من 5300 شخص، وبشكل مكثف، رغم أن مستقبلي الرسائل يمكنهم أيضاً استخدام الاختصارات في ردودهم، لكن ذلك لا يؤثر على نظرتهم غير الإيجابية إلى المرسل، الذي يستخدم الاختصارات في رسالته.
وأجريت الدراسة على مجموعات المحادثة على تطبيق ديسكورد، وسجلات المحادثات على تطبيق التعارف "تيندر" في 37 دولة.
وقال ديفيد فانغ، طالب الدكتوراة في جامعة ستانفورد،: "كنا نعتقد أن الأشخاص يفضلون الاختصارات على أساس أنها تعطي انطباعاً بالتقارب الإنساني بين طرفي المحادثة، لذلك فوجئنا بأن هذه الاختصارات تعطي انطباعات سلبية عن الأشخاص الذين يستخدمونها".
وفي اكتشاف مثير للدهشة، وجد الباحثون أن آراء المشاركين بشأن الاختصارات بدت مشوشة، أو حتى غير ثابتة، لأن الشباب "يميلون إلى استخدام الاختصارات في الرسائل النصية أكثر" من غيرهم، ولكنهم مع ذلك غير "معجبين" بها.
كما ظهرت تجارب الدراسة أنه يتم النظر إلى الأشخاص الذين يستخدمون الاختصارات على أنهم كسالى، لذا يقومون بإرسال إجابات أقصر ومختصرة، مع انخفاض احتمال حصولهم على معلومات اتصال كافية من الأشخاص الآخرين، الذين يستخدمون الكلمات كاملة في رسائلهم.
وفي الورقة البحثية التي نشروها الباحثون في مجلة علم النفس التجريبي العام، حذروا من أن الإفراط في استخدام الاختصارات يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالوحدة، وربما إضعاف "الروابط الاجتماعية".