كيف ينصرك الله على أعدائك؟.. بـ4 أعمال وردت في سورة العصر
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
لعل ما يطرح السؤال عن كيف ينصرك الله على أعدائك ؟، هو مرارة الهزيمة والشعور بالظلم ، وهو ما لا يطيق الإنسان تحمله، لذا فإن إجابة سؤال كيف ينصرك الله على أعدائك ؟ يعد ترياق الحياة وطوق النجاة ، ومن ثم ينبغي معرفة كيف ينصرك الله على أعدائك ؟.
. الإفتاء توضح أصل الحديث بالتفصيل والأدلة كيف ينصرك الله على أعدائك
قالت الدكتورة وفاء عبد السلام، الواعظة بوزارة الأوقاف، إن سورة العصر تُعد نموذجًا مثاليًا للمبادئ والقيم التي يجب أن يُؤسس عليها أي مجتمع يسعى للتقدم والنصر.
وأوضحت “ عبد السلام” في إجابتها عن سؤال: كيف ينصرك الله على أعدائك ؟، أن سورة العصر تحتوي على معالم للنصر، حيث تُبرز قيمًا رفيعة تسهم في بناء المجتمع القوي والمزدهر.
وأضافت أنه عند استقراء التاريخ الإسلامي، بدءًا من غزوة بدر الكبرى وما قبلها، وحتى نصر العاشر من رمضان، نجد أن هناك مجموعة من العوامل البارزة، وعلى رأسها الإيمان، والعلم، والعمل.
واستشهدت بقول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3))، منوهة بأنه يستثني من الخسران المؤمنين الذين يعملون الصالحات.
ونبهت إلى أهمية إدراك الوقت، فالله سبحانه وتعالى بدأ بالقسم بالوقت، وهذا يُظهر أن الأمم المنتصرة تدرك قيمة الوقت، وأن التقدم يتطلب وعيًا بأهمية كل لحظة، منوهة بأن الإدراك للمشكلات في لحظات النكسات، مثل هزيمة 1967، يستوجب عملًا جادًا لتحويل الهزيمة إلى نصر، لذا فإن الواجب على الأمة أن تكون فاعلة وقوية ومؤثرة.
تفسير سورة العصريقول الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هذه السورة العظيمة مع قصرها قد اشتملت على بيان أسباب الربح وأسباب الخسران، فالرابحون هم الذين تخلقوا بهذه الأخلاق الأربعة من: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، هؤلاء هم الرابحون في الدنيا والآخرة.
وورد أن الإيمان يقتضي أن يكون هناك علم بمضمونه، إذ الإيمان إنما يتحقق عن علم المؤمن بما أوجب الله عليه وما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة وما كان وما يكون حتى يؤمن بذلك على بصيرة، فالإيمان يقتضي أن يكون هناك علم وبصيرة، ثم العمل الصالح وهو أداء الفرائض وترك المحارم، ثم التواصي بالحق والتواصي بأداء الواجبات وترك السيئات، والحرص على كل خير، والحذر من كل شر، ثم التواصي بالصبر على ذلك، إذ لا يمكن أن يؤدي العبد الإيمان على التمام، ويؤدي الأعمال الصالحات على التمام، ويؤدي التواصي بالحق والدعوة إلى الحق إلا بصبر على ذلك وعناية بهذا الأمر، فالصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فالمؤمن يحتاج إلى الصبر في إيمانه وعمله ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وغير ذلك.
وأقسم الله بالعصر -وهو الزمان الذي هو محل أعمال بني آدم من خير وشر- على أن بني الإنسان في خسران، يعني في نقص في أيامهم ولياليهم، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلا الذين تخلقوا بهذه الأخلاق الأربعة من: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فالواجب على كل ذي لب، الواجب على طالب النجاة، الواجب على الخائف من الله والراغب بما عنده أن يهتم بهذه الأمور الأربعة، وأن يعنى بها وأن يجتهد في تحقيقها، وذلك بالإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا يثمر العمل الصالح ويثمر التواصي بالحق ويثمر التواصي بالصبر.
وجاء أن المؤمن هو الذي عرف الله وآمن به سبحانه وآمن برسله عليهم الصلاة والسلام، وصدقهم فيما أخبروا به وآمن بما كان وما يكون على حسب ما أخبر به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى حسب ما دل عليه كتاب الله ، هذا هو المؤمن، وهذا الإيمان الصحيح المتركز على الأدلة الشرعية يثمر العمل الصالح، فكل إيمان صادق يدعو إلى العمل والاجتهاد في الخير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه، وكلما حصل نقص في العمل أو في التواصي والدعوة أو في الصبر فما ذاك إلا من نقص الإيمان ومن ضعف الإيمان، وعلى حسب قوة الإيمان وكمال العلم يكون عمل الإنسان ويكون اجتهاده في الخير ويكون حذره من الشر، ويكون نصحه للعباد وتواصيه معهم بالحق وتواصيه معهم بالصبر.
وورد أن الله يقسم من خلقه ما شاء لتأكيد المقام، وبيان أن ما أقسم عليه مهم جدا، فقد أقسم بالسماء ذات البروج، وبالشمس وضحاها، وبالضحى، وبالتين، وبغير ذلك ليدل عباده على أن ما أقسم به من آكد الأمور ومن مهمات الأمور، وفيما أقسم به آيات وعبر ودلائل على قدرته سبحانه، وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق لأن يعبد ويعظم ويطاع جل وعلا، فالعصر الذي هو الليل والنهار ويطلق أيضا على آخر النهار هو محل أعمال بني آدم، وهو من آيات الله ، وهكذا السماء وبروجها، وهكذا الأرض، وهكذا التين والزيتون، وهكذا جميع ما أقسم الله به سبحانه كله من آياته ، ومن براهين قدرته العظيمة وحكمته، وأنه رب العالمين، وأنه المستحق لأن يعظم ويجل .
وورد أن المخلوق ليس له أن يقسم إلا بالله ، العبد ليس له أن يقسم إلا بربه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، وقال عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وكثير من الناس عندهم تساهل بهذا الأمر، تجد بعض الناس يقسم بشرف فلان وحياة فلان، وبالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالأمانة وبالكعبة وبغير ذلك، وهذا نقص في الإيمان وضعف في التوحيد، لأن القسم بغير الله من الشرك الذي حرمه الله.
فيجب عليك أيها المؤمن أن تحذر هذا المنكر، وأن تعود به لسانك الحلف بالله وحده، وأن تحذر الحلف بغيره كائنا من كان، فالله سبحانه هو الذي يعلم حالك، ويعلم صدقك وكذبك، ويعلم سريرتك وهو الذي يقدر أن يثيبك ويعاقبك جل وعلا، فعليك أن تقسم به وحده وأن تؤدي حقه ، وأن تكون في سائر أحوالك مستقيما على الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر عليه، وبهذا تربح الربح الكامل وتسعد في الدنيا والآخرة، وتنجو من عذاب الله الذي أوعد به من أعرض عن هذه الخصال ولم يستقم عليها.
وجاء أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر ما أمر الله به ورسوله كله داخل في الإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوجيه الناس إلى الخير وإرشادهم إلى أسباب النجاة وتحذيرهم من أسباب الهلاك كل هذا داخل في التواصي بالحق والصبر عن محارم الله، والصبر على طاعة الله والصبر على كل ما شرعه الله، كل هذا داخل في قوله: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]، فعلينا أن نجاهد أنفسنا في هذا الأمر أن نجاهدها في الإيمان حتى نؤمن إيمانا صادقا بالله ورسوله، بكتب الله، بالملائكة، باليوم الآخر، بالقضاء والقدر، وحتى نصدق إيماننا بالأعمال الصالحات، ومن الإيمان أيضا أن نؤمن بما أخبر الله به ورسوله من أخبار الماضين وأخبار يوم القيامة وأخبار الجنة والنار إلى غير ذلك، فكل ما أخبر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام مما صح عن رسول الله فعلينا أن نؤمن به ونصدق به على حسب علمنا إجمالا وتفصيلا.
كما أن علينا نتيجة هذا الإيمان وثمرة هذا الإيمان علينا أن نصدق إيماننا بالعمل الصالح بأداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله، وعلينا أيضا أن نحقق هذا الإيمان بالدعوة إلى الله والتوجيه إليه وإرشاد العباد إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك والتواصي معهم على كل خير، وعلى ترك كل شر، وعلينا مع ذلك أن نصبر على ذلك، وأن نتواصى بالصبر، فهذا هو طريق النجاة وسبيل السعادة.
وكلما أخل الإنسان بشيء من هذه الأمور ناله من الخسران بحسب ذلك، فإن ضعف إيمانه حتى أخل بشيء من الأعمال الصالحات بأن ضيع بعض الواجبات أو ركب بعض المحارم صار ذلك نقصا عليه ونوعا من الخسران الذي يحصل له، وهكذا إذا ضعف تواصيه بالحق أو ضعف صبره صار نقصا في إيمانه وصار من أسباب الخسران الذي يناله بقدر ذلك، فعلى المؤمن أن يحافظ غاية المحافظة على كل ما أوجب الله عليه، وأن يحذر كل ما حرم الله عليه حرصا على تمام الربح وحذرا من سائر أنواع الخسران، والله جل وعلا هو المسؤول أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يرزقنا تمام الربح والسلامة من الخسران، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ينصرك الله علیه الصلاة والسلام الله به ورسوله والعمل الصالح العمل الصالح هذا الإیمان سورة العصر ما أقسم على حسب على کل
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: قصة سيدنا إبراهيم نموذج قرآني للتفكر في الكون والتوصل إلى الإيمان
أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن التفكُّر هو أمارة من أمارات الإيمان، وعلامة على صلاح الإنسان، وبوابة أساسية للوصول إلى المعرفة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى، مشددًا على أن الإسلام يحث على التأمل والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفي النفس الإنسانية، لأن هذا التدبر العميق هو ما يقود الإنسان إلى إدراك الحقائق الكبرى التي تحكم الكون والحياة.
جاء ذلك خلال اللقاء الرمضاني اليومي للمفتي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي"، الذي يُبث عبر فضائية "صدى البلد"، حيث تناول فضيلته أهمية العقل والتفكر في الإسلام، وضرورة تحقيق التوازن بين النقل والعقل في فهم النصوص الدينية.
نعمة العقلواستهلَّ المفتي حديثه بالتأكيد على أن نعمة العقل التي منحها الله للإنسان ليست عبثًا، بل هي لأجل تحقيق غاية عظيمة، وهي التأمل في الكون ومعرفة الله حق المعرفة، موضحًا أن القرآن الكريم يعرض لنا نموذجًا فريدًا في قصة خليل الله إبراهيم عليه السلام، حيث قاده التفكر العميق إلى استنتاج وجود خالق واحد لهذا الكون.
وقال: "حين نظر سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى الكواكب والنجوم والشمس، أدرك بعد تأمل عميق أنها ليست آلهة، لأنها تخضع لقوانين التغيير والتحول، فاستنتج أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير، هو الذي خلق هذه الأجرام وسائر المخلوقات".
وأضاف أن الإنسان إذا تأمل في ملكوت السماوات والأرض سيدرك النظام البديع الذي وضعه الله في الكون، وسيكتشف الإتقان والإحكام الذي يؤكد الوجود الإلهي، مؤكدًا أن النظر في العالم العلوي والسفلي، وتأمل النفس البشرية، يقود الإنسان إلى إدراك عظمة الخالق، استنادًا إلى قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، وقوله سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].
وفي سياق حديثه، شدَّد المفتي على أن الإسلام لم يضع العقل في مواجهة مع النصوص الدينية، بل جعله أداة لفهم هذه النصوص، مستشهدًا بما ذهب إليه العلماء من أن العقل والنقل يكمل أحدهما الآخر. وأوضح فضيلته أن بعض الناس قد يروجون لوجود تعارض بين المدرسة العقلية والمدرسة النقلية، وهذا غير صحيح، لأن الإسلام لا يقف ضد العقل، بل إن العقل يعد من مصادر التشريع الإسلامي، ويتجلى ذلك في القياس، وهو عمل عقلي يستند إلى أسس شرعية.
وأضاف المفتي أن الفيلسوف الإسلامي ابن رشد أكَّد على العلاقة القوية بين النصوص الدينية والأدلة العقلية، موضحًا أن أي ادعاء بوجود تعارض بينهما يرجع إما إلى سوء الفهم، أو ضعف التأمل، أو الأهواء الشخصية. كما أشار فضيلته إلى أن العلماء اعتبروا أن الله تعالى أرسل نوعين من الرسل للبشرية: الأول هو الرسول الظاهر وهو النبي، والثاني هو العقل الذي يعد أداة داخلية للوصول إلى الحق، ولا يمكن أن يستقيم أحدهما دون الآخر، فكما أن اتباع النبي واجب، فإن استقامة العقل ضرورية لفهم الدين بشكل صحيح.
وأشار إلى أن بعض المغرضين قد يحاولون إحداث قطيعة بين العقل والنقل، عبر اجتزاء القراءة للنصوص الدينية، أو إخراجها عن سياقها، أو الترويج لشبهات قائمة على مغالطات، مستدلًّا بقوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]، مؤكدًا أن التأمل المنهجي في النصوص الدينية وَفْقَ الضوابط المعروفة يقود إلى إدراك أنها لا تتعارض مع العقل السليم، بل تتناغم معه.
وفي حديثه عن المدارس الفكرية، أوضح المفتي أن تقسيم العلماء إلى مدرسة عقلية ومدرسة نقلية أمر قديم، ويعود إلى ما يعرف بمدرسة الأثر ومدرسة الرأي، مشيرًا إلى أن هذه المدارس لم تكن سببًا في تعارض أو صراع فكري، بل كان لكل منها قواعده وضوابطه التي تحكمه. وقال: "لدينا على سبيل المثال مدرسة التفسير بالأثر التي يمثلها الإمام الطبري والإمام ابن كثير، ومدرسة التفسير بالرأي التي يمثلها الإمام الرازي والإمام الألوسي، ومع ذلك لم يكن هناك تعارض جوهري بين المدرستين، بل كانتا مكملتين لبعضهما البعض".
هل هناك تعارض بين العقل والنقل؟وأضاف أن هذه المسميات لم تُستغل في الصراعات الفكرية إلا في العصور المتأخرة، حيث حاول البعض تصوير النصوص الدينية وكأنها تعطل العقل، بينما الحقيقة أن النصوص تدعو إلى التفكر والتدبر والتأمل، وأن كلتا المدرستين تنطلقان من أصول وقواعد منهجية تؤدي في النهاية إلى الوصول إلى الحقيقة.
وأكد المفتي أن الإسلام دين العقل والتدبر، وأن أي محاولة لإحداث تعارض بين العقل والنقل لا تستند إلى أسس علمية صحيحة، بل هي نتيجة لأهواء أو أغراض خاصة، مشددًا على أن الجمع بين العقل والنقل هو السبيل للوصول إلى الفهم الصحيح للدين، مستشهدًا بقول الله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35].
وأضاف المفتي أن الشريعة الإسلامية دعت إلى إعمال النظر وأوجبت الكفاءة في الاجتهاد، مشيرًا إلى أن الاجتهاد هو صناعة دقيقة جدًّا، وقد أوجبت الشريعة هذا النوع من الفكر والإعمال العقلي، لكنها في ذات الوقت لم تترك الأمر دون ضوابط وشروط ينبغي أن تتوافر في المجتهدين.
وأوضح أن المجتهد لا بد أن يكون متحليًا بعدَّة أمور أساسية، أولها الذكاء الفطري الذي يمكنه من الربط بين النصوص والواقع، وتمييز كيفية عرض الدليل، وطرح الفتوى بالشكل المناسب، إضافة إلى الموضوعية والعدل، والأمانة والعدالة، حيث ينبغي للمفتي أو المجتهد أن يدور مع الحق أينما دار.
وأشار المفتي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الاجتهاد عناية فائقة، حتى إنه قام بتدريب أصحابه عليه، وكأنه كان يتنبأ بما آل إليه حال الناس اليوم، من التسرع في الاجتهاد دون مراعاة الضوابط العلمية والقواعد الأصولية والأسس الشرعية، فضلًا عن إدراك الواقع والشأن الحياتي.
وفي سياق متصل، أجاب مفتي الجمهورية عن أسئلة المشاهدين، حيث تطرق فضيلة المفتي إلى مسألة الطلاق عبر الهاتف ووسائل التواصل الحديثة، موضحًا أن الأصل في الطلاق أن يقع مشافهة، لكن مع استحداث وسائل الاتصال الحديثة، إذا أرسل الزوج إلى زوجته عبارة الطلاق عبر تطبيقات مثل "واتساب"، يتم استدعاؤه للتحقق من نيته، فإذا أقر بأنه كتبها وقصدها؛ وقع الطلاق. أما إن كانت العبارة تحتمل التأويل وكانت من ألفاظ الكناية، فيتم استيضاح النية منه، فإن قصد الطلاق وقع، وإلا فلا.
وأضاف أن قضية الطلاق ليست بالأمر الهين، حيث تتجاوز آثارها الأسرة وتمتد إلى المجتمع، مشيرًا إلى أن هناك بعض الظواهر السلبية المنتشرة، مثل التسرع في التلفظ بالطلاق لأتفه الأسباب، أو استخدام ألفاظ الطلاق في المعاملات التجارية والمساومات، كقول بعض التجار: "عليَّ الطلاق بالثلاثة إن لم يكن هذا السعر هو الأقل"، وهو أمر غير جائز شرعًا لما فيه من امتهان لحدود الله.
كما تحدث المفتي عن انتشار ألفاظ مثل "أنتِ حرام عليَّ" أو "أنتِ كأمي"، موضحًا أن هذه العبارات تحتاج إلى تفصيل فقهي، حيث إن كان القصد منها التهديد أو الوعيد، فإنها تدخل في باب اليمين ويجب على الزوج حينها أن يكفر عن يمينه، أما إن كان يقصد بها الظهار، فيجب عليه الكفارة وفق الأحكام الشرعية، والتي تتضمن عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
كما شدد على خطورة قطع صلة الرحم بسبب الخلافات الزوجية، معتبرًا ذلك سلوكًا غير محمود شرعًا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "أنا الرحمن، خلقت الرحم، واشتققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته." مؤكدًا أن قاطع الرحم ملعون ومطرود من رحمة الله، وأن الوصل بين الأرحام يجلب البركة في العمر والرزق.
وفي ختام حديثه، أجاب المفتي عن سؤال حول حكم الوفاء بالنذر، موضحًا أن من نذر طاعةً لله وجب عليه الوفاء بها، إلا إذا تعذَّر ذلك أو لم تكن لديه القدرة على الوفاء، فيسقط عنه العهد. مستدلًّا بحديث الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم معترفًا بأنه أتى أهله في نهار رمضان، فأعطاه النبي كفارة، فقال: "ما في المدينة أحوج إلى هذا مني"، فعفا عنه.