عربي21:
2024-10-07@08:15:35 GMT

حيرة العرب أمام انفلات الغطرسة الإسرائيلية

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

أيا كانت نتائج مغامرة آلة الحرب الإسرائيلية فى الوقت الحاضر، فلا شك أنها تضع كل النظم العربية أمام اختيارات صعبة. لقد تأكد لها تفوق آلة الحرب الإسرائيلية بما تملكه من قدرات تكنولوجية مفاجئة وغير مسبوقة، ونفاذ استخباراتى لكل مواقع أعدائها صبحا ومساء، وأسلحة برية وجوية وبحرية وصواريخ عالية الدقة، وتأييد شبه مطلق من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية، وغياب شبه كامل للقوى الدولية الأخرى التى كان يمكن لها أن توازن الدور الأمريكى المختبئ وراء إسرائيل.



كما تأكد لكل الحكام العرب خطأ ما يسمى باستراتيجيات السلام العربية، التى بدأها الرئيس الراحل أنور السادات منذ سبع وأربعين سنة، وكررت الدول العربية الدعوة لها بمطالبة إسرائيل بقبول مبادرة السلام العربية. الحقائق صارخة. استباحة إسرائيل لكل الفضاء العربى تقريبا من سوريا ولبنان والأراضى الفلسطينية قفزا إلى اليمن بلا رادع، وعدم رغبة إسرائيل فى إيلاء أى اعتبار لما يسمى بالحقوق العربية. خريطة نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تتضمن حدودا بين إسرائيل والضفة الغربية أو غزة، ورغم أنه بدأ حديثه بادعاء أن إسرائيل تسعى إلى السلام، ولكن السلام الذى يدعو له لا ينطبق على الشعب الفلسطينى!

ماذا تفعل النظم العربية فى مواجهة هذا الموقف الجديد؟ دعونا نتصور الخيارات المتاحة لها واحتمالات قبول واحد أو آخر من هذه الخيارات انطلاقا من المصالح الواقعية لهذه النظم. سقطت أوهام تمسك أى من هذه النظم بالعقائد التى قسمت العالم العربى من قبل. لا يوجد من بينها من يتحدث، حتى مجرد الحديث عن القومية العربية كما أنها تنبذ مجرد الإشارة إلى تضامن إسلامى، وإن كانت لا تتورع عن استخدام المنصات التى تعبر عن هذين المنطلقين مثل الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامى.

 التهديدات والمكاسب
 اختيارات النظم العربية فى هذا الموقف الجديد والخطير والمثير للقلق تتحدد بالتهديدات التى يطرحه عليها، بالمكاسب التى يمكن أن تحصل عليها فيه، وبالحساب الصافى للتهديدات والمخاطر.
أما عن التهديدات فهى واضحة، ولا تقتصر هذه التهديدات على ما أسماه نتنياهو فى خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة بمحور الشر، والذى يشمل حسب خريطته كلا من  لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران والتى يراها المحرك الرئيسى لهذا المحور. وهذه كلها تلقت وتتلقى ضربات إسرائيلية، وهو توعد بأن قدرات إسرائيل تصل إلى كل مكان فى الشرق الأوسط، ولكن التهديدات تمتد إلى بعض تلك الدول التى لونها بالأخضر فى خريطته وهى كل من مصر والأردن، فضلا عن سوريا، أى كل الأراضى المجاورة لإسرائيل. لم يتحدث عن مصير الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة مفترضا أنها ستظل واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، ومادام لا يقبل بحل الدولتين ولا بالدولة الواحدة التى تضم الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى على قدم المساواة، فليس أمام الشعب الفلسطينى سوى التهجير أو الإبادة الجماعية أو تغيير معتقداته عن إسرائيل ليتحول إلى حبها والإعجاب بها بعد أن يتخلى عن الأفكار «الراديكالية» التى زرعتها فى عقله منظمات مثل حماس أو حتى السلطة الفلسطينية، وذلك بحسب رؤيته لمستقبل غزة بعد ما يحلم به من انتهاء المقاومة المسلحة لآلة الحرب الإسرائيلية فيها.

التهديد يطول مصر والأردن. طالما شدد القادة الإسرائيليون على أن المكان الآمن للفلسطينيين والفلسطينيات فى غزة هو سيناء فى مصر، وتجاهلت القوات الإسرائيلية اتفاقات عديدة مع مصر وقوى أوروبية واستقرت على محور صلاح الدين واعتبرت حكومة نتنياهو البقاء فيه إلى الأبد شرطا للوصول إلى اتفاق للتهدئة فى غزة، كما دمرت القوات الإسرائيلية معبر رفح من الجانب الفلسطينى على بعد أمتار قليلة من جانبه المصرى، ورغم تمسك الحكومة المصرية باتفاق السلام مع إسرائيل، إلا أن نتنياهو لم يتردد فى اتهام الحكومة المصرية بأنها تستخدم أنفاقا تحت الأرض على حدودها مع غزة لتهريب السلاح والمقاتلين إلى حماس على الرغم من العداوة القديمة بين السلطات المصرية وحركة المقاومة الإسلامية المعروفة بحماس.

كما أن التهديدات تنال الأردن، ليس فقط بحسب كونه راعيا للمقدسات الإسلامية فى القدس، ولكن لأن خطر التهديد بتهجير الشعب الفلسطينى يمتد إلى الأردن كذلك، فهو من وجهة نظر قادة إسرائيل المتطرفين هو الوطن البديل للشعب الفلسطينى.

 الخيارات المتاحة أمام النظم العربية
ماذا تفعل نظم الدول المجاورة لإسرائيل أمام هذا الموقف؟ حتى الآن اكتفت بالرفض والإدانة فى جميع المحافل الدولية، وكذلك بالاستعانة بمن تعتبره شريكها الأمريكى الاستراتيجى لدعوته لممارسة الضغط على إسرائيل حتى توقف ممارساتها الطاردة للفلسطينيين والفلسطينيات سواء فى غزة أو فى الضفة الغربية. ولكن اتضح لها أن «الشريك الأمريكى» هو فى الحقيقة شريك منافق فى الحاضر والمستقبل يمد إسرائيل بأشد الأسلحة فتكا بينما يشترك فى مفاوضات الرباعية بدعوى السعى لتهدئة تقترح إسرائيل بنودها ثم تنكص عنها.

دونالد ترامب المرشح الرئاسى عن الحزب الجمهورى يرى أن إسرائيل حجمها صغير، ويود لو كان حجمها أكبر، وهو ما يعنى ترحيبه بتوسيع حدودها على حساب الشعب الفلسطينى وجيرانها. كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطى، قد تملك نوايا طيبة، ولكن من المشكوك فيه كثيرا أن يقبل اللوبى المؤيد لإسرائيل فى الكونجرس وفى أجهزة الإدارة الأمريكية ذاتها إلا أن تكون نسخة أخرى من جوزيف بايدن الذى جعلت منه حكومة نتانياهو مادة مثيرة للضحك.

الاختيار صعب أمام كل النظم العربية المحيطة بإسرائيل. بكل تأكيد لن ينضم أى منها إلى محور المقاومة، فهى لن تقبل أن تخاطر بأن تتعرض لما لاقاه محور المقاومة سواء فى لبنان أو سوريا، بل والضغوط قوية على سوريا بفك ارتباطها بالنظام الإيرانى والخروج من هذا المحور. لذلك لإبعاد المخاطر ستتمسك تلك الأطراف بما فيها السلطة الفلسطينية بمعاهدات السلام التى وقعتها مع إسرائيل، أملا منها أن تعزف الحكومة الإسرائيلية عن دعوات التهجير وتستجيب لمطالب المجتمع الدولى بهدنة تسمح فيما بعد بتسوية أشمل، وذلك دون قناعة منها بأن إسرائيل سوف تغير من مسلكها، ولكن التمسك باتفاقات السلام قد يكون كما تتصوره هذه الأنظمة السبيل للحد من المطامع الإسرائيلية، بل وربما تفكر بعضها فى الاستفادة من المشروعات التى تدعو لها إسرائيل فى إطار ما يسميه نتانياهو بمحور النعمة.

أما الدول العربية الأخرى والداخلة فى هذا المحور، وهى تحديدا دول الخليج ، فهى أيضا أمام اختيارات دقيقة؛ استمرار العدوان الإسرائيلى يهدد باتساع محور المقاومة فى الوطن العربى، واحتمال أن يكون له مؤيدوه داخل دولها. علاقات بعضها مع إسرائيل قد يؤدى إلى زيادة التوتر مع إيران، والذى يمكن أن ينعكس فى هجمات على منشآتها النفطية ومدنها على النحو الذى عرفته منذ سنوات قليلة قبل التهدئة مع حزب أنصار الله فى اليمن، والمصالحة السعودية الإيرانية. لكن فكرة التطبيع مع إسرائيل للحد من النفوذ الإيرانى، وهى ثمن ضرورى للحصول على موافقة الحكومة الأمريكية على اتفاق أمنى مع السعودية، لها بكل تأكيد أنصارها، كما تكشف عن ذلك ضمنيا تغطية بعض القنوات الخليجية  للحرب التى تشنها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية وفى لبنان. ومن ناحية أخرى فربما تكون هناك قطاعات بين صناع القرار فى هذه الدول انبهرت بقدرات إسرائيل الاستخباراتية والتكنولوجية، تأمل فى الاستفادة منها لمقاومة خصومها فى الداخل والخارج، كما أن هناك إغراء المشروعات الاقتصادية الطموحة فى توفير بديل للتجارة بين شرق آسيا وأوروبا، يمثل بديلا لمشروع الحزام والطريق الصينى، ويمر بالهند عابرا دول الخليج إلى البحر الأبيض، عابرا الأردن وإسرائيل ومتجاهلا قناة السويس.

بالنسبة للدول العربية الأخرى خصوصا فى شمال إفريقيا فليس من المرجح أن ينضم أى منها إلى محور المقاومة، وبعضها مدعو للانضمام إلى «محور النعمة» الذى دعا له نتنياهو. وحسابات  نظام المغرب هى قريبة من حسابات دول الخليج، كما ظهر السودان فى خريطة نتانياهو مظللا باللون الأخضر، وقد قبلت حكومته العسكرية بالتطبيع مع إسرائيل.

هل من مستقبل لمحور المقاومة؟
 لكن هذين الاختيارين لن ينهيا العدوانية الإسرائيلية وخططها التوسعية، بل هما يتضمنان التعايش مع المشروع الصهيونى فى قمة تطرفه، ولذلك هناك قراءة أخرى لحدود القوة الإسرائيلية تلهم محور المقاومة، وقد يكون لها أنصارها خارج النظم العربية الحاكمة. ترفض هذه القراءة تقسيم الوطن العربى إلى معسكرين كما يدعى نتانياهو، فأضرار هذا المشروع تقع على الجميع، فضلا عن ذلك فهذا المشروع يحمل بذور هزيمته، فعلى الرغم من التفوق الاستخباراتى والتكنولوجى لإسرائيل والتأييد الفعال لها من جانب كبرى دول حلف الأطلنطي، إلا أنها لم تحرز نصرا فى أى من مواجهاتها الحربية الثلاث. المقاومة مستمرة فى غزة وفى جنوب لبنان، وسترد إيران على أى ضربات إسرائيلية قادمة. والمشروع الصهيونى هو مشروع عنصرى بامتياز، يحتقر العرب مثلما كان المستعمر الأبيض فى الأمريكتين وفى جنوب إفريقيا يحتقر السكان الأصليين، ولا يرى فيمن أبدى استعداده للتعاون معه سوى وكيل له فى علاقات الاستغلال الواسعة التى يديرها، كما أن نجاح الاستعمار الاستيطانى الذى تمثل إسرائيل نموذجا متأخرا له رهن بالقضاء على السكان المحليين الذين يقاومونه، وهو بكل البساطة مستحيل.

ربما تلهم هذه القراءة المغايرة الفئات المثقفة وقطاعات من النخبة الحكمة فى الدول العربية للتنبه لحقيقة هذا المشروع والسعى لتوسيع نطاق مقاومته.. وهذا يقتضى جهدا فكريا وسياسيا جماعيا نتمنى أن نشهد بداية قريبة له.

(الشروق المصرية)



المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية المقاومة التطبيع فلسطين الاحتلال المقاومة التطبيع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینى النظم العربیة محور المقاومة مع إسرائیل إسرائیل فى کما أن فى غزة

إقرأ أيضاً:

الآثار السلبية على العرب من إضعاف المقاومة

 

د. إسماعيل بن صالح الأغبري

إسرائيل ومن خلفها العالم الغربي بأقماره الصناعية واستخباراته العابرة لقارته وأسلحته الفتاكة وبضغوطه السياسية على الدول العربية من أجل عدم اعتراض ما تقذفه إسرائيل من عدوان يكاد يكون شبه يقيني على إيران، وضغطها على دول عربية من أجل اعتراض ما تقوم به إيران ضد إسرائيل.

العالم الغربي سخَّر منظوماته السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية ويشارك إسرائيل في وضع الخطط في مهاجمة المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان. ويبدو أن القرار في مركز دوائر صنع القرار الإسرائلي والغربي قد تم اتخاذه، وتؤازرهم في ذلك دول عربية راغبة في التخلص من كل شكل مُقاوِم خاصة إن كان ذي صبغة إسلامية.

ويرى هؤلاء أنه لن تكون فرصة لتنفيذ ذلك أفضل مما عليه الآن، فقد اجتمع من التأييد لإسرائيل ما لم يكن لها حتى خلال حروبها السابقة 1948 و1967 و1973 وغيرها من الأعوام، وأن العالم قد اعتاد على مشاهد الإبادة الجماعية وقصف كل ثابت متحرك؛ بما في ذلك المعامل والمشافي ومنابع المياه وخزاناتها ومراكز الإيواء؛ بل والمخابز، واعتاد العالم على رؤية الإبعاد والتهجير والطرد والتشريد كما أن الطفولة البريئة لم تعد تشكل هاجسًا في مراكز صنع القرار.

ما حل بفلسطين- وتحديدًا غزة- وخلال عام كامل لم يكن مُتخيلًا ولا مُتوقعًا، من حيث التدمير المُمَنهَج، إلّا أن غير الُمتصوَّر هو تقبل العالم الُمتحضِّر ذلك الحدث؛ أي أنه لو وقع قبيل أعوام لاهتز العالم ربما وتحرك، وبذلك نحن في زمن تتراجع فيه قيم الإنسانية إلى الوراء، وتتجدد فيه حياة الهمجية والذئاب المفترسة.

ما يجري الآن في لبنان هو عينه ما جرى ويجري في غزة، من حيث انتهاج إسرائيل الإبادة الجماعية، واتباع ما يُعرف بسياسة "الأرض المحروقة" أو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بإهلاك الحرث والنسل "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة: 205).

بل إنَّ سياسة من مضى على خُطى فرعون كانت ألطف من سياسة فراعنة اليوم، ذلك أن سياسة من مضى من فراعنة الأمس كانت تعتمد فقط قتل الأطفال "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ" (البقرة: 49). أما سياسة فراعنة اليوم فتعتمد قتل كل ما دبَّ على الأرض مع الحصار والتجويع والتعطيش، أي مع التلذذ بالقتل، وتلك ساديّة تنُم عن حقد دفين مُتراكم مع تلبُّس بنصوص تلمودية (مُحرَّفة) في النظرة إلى من تصفهم بالأغراب وخاصة المسلمين.

قادة من المقاومة الإسلامية في غزة قد استُشهِدوا، إضافة إلى ما يقرب من 42 ألفًا من الناس العُزَّل، مع تدمير كامل للبيئة وكل ما يرمز للحياة. أما لبنان فمع حداثة المواجهة المباشرة بين إسرائيل والمقاومة الإسلامية في لبنان إلا أن العمود الفقري لها قد مسته البأساء والضراء، واغتالت إسرائيل أرقامًا صعبة فاعلة مؤثرة وبأعداد كبيرة وكثيرة ذات ثُقل ووزن في وقت قياسي ما يعني أن قيام إسرائيل بذلك ليست منفردة، بل استخبارات العالم وعدد من استخبارات دول عربية ناقمة على مقاومات فلسطين ولبنان وغيرهما، ومن المحال المكابرة بأن البنية التحتية للمقاومات لم تمس، فالضربات على المقاومة في فلسطين ولبنان كانت عنيفة شديدة تؤثر على العمود الفقري.

إسرائيل توعدت بأنها ستتفرغ لأنصار الله في اليمن، وهذا يعني أنها ستصب حممها لاحقًا على الجمهورية اليمنية، وستكون تلك الضربات على منشآت حيوية كالموانئ والمطارات والنفط وغيرها، ولو فعلت غير إسرائيل ذلك لاندلعت ألسنة الغرب ومنظماته تنديدًا ومدعية بأنه لا يجوز التعرُّض للأهداف المدنية!

المقاومة الإسلامية في العراق ليست بمنأى عمّا تم اتخاذه من قرار إسرائيلي غربي، لذا إسرائيل ستوجه تلك الحرب الجائرة لتلك المقاومة حتى تتأكد أن العالم الإسلامي خلا من أي شكل من أشكال المقاومة!

الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمثل العمود الفقري لجميع أشكال المقاومة المشار إليها آنفًا؛ تمويلًا وتسليحًا وتخطيطًا، وقادة من الحرس الثوري إضافة إلى خبراء ومستشارين قد شاركوا في التخطيط، كما إن عددًا منهم قد تعرض للاغتيال في غارات وضربات جوية.

يبدو أن الأيام- إن لم تكن الساعات المقبلة- قد تشهد قصفَ إسرائيل لمفاصل حيوية في إيران، وهذا بتنسيق مع دول غربية على أمل قطع الرأس المدبر لجبهات المقاومة وشريان حياتها.

وهناك دول إقليمية لها حسابات مع إيران راغبة في إضعافها؛ بل تذهب إلى أبعد من إضعافها، وبعضها لم تزل لديها عقدة من نوع النظام الحاكم في إيران، كما إن لديها عقدة من كل المقاومات خاصة التي تحمل بُعدًا دينيًا.

الدول الغربية وإسرائيل ودول عربية تترقب وجود عالم عربي خالٍ من كل أشكال المقاومة ضد إسرائيل، لأنها الحائل من انطلاقة التطبيع، والمعرقل من انسيابية العلاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل، والمؤجج لمشاعر العداء ضد إسرائيل، والمُحرِّض الأساس للشعوب لعدم الاعتراف بإسرائيل، إلّا أن الدول العربية خاصة المناوئة للمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق والمناوئة لإيران ينبغي عليها قبل أن تأخذها نشوة الفرح بما يحل بالمقاومة ومن يدعمها أن تأخذ في الاعتبار بأنه كان ينبغي لها أن تعتبر أشكال المقاومة رصيدًا لها لا عليها، بغض النظر عن موقفها مما يُسمى بـ"الإسلام السياسي"؛ ذلك أن بقاء هذه المقاومات يُخفف عنها ضغط الغرب عليها من أجل التماهي مع إسرائيل، وهي وسيلتها في دفع الضغط على اعتبار أنها لا تستطيع التماهي بسبب وجود حركات المقاومة، فغياب المقاومة يعني غياب مبرر التردد في عدم انسيابية العلاقات مع إسرائيل.

إن الدول العربية التي تأخذها نشوة مهاجمة إسرائيل لإيران وإنهاك المقاومة تقود نفسها إلى ما يشبه الانتحار؛ فهي تحرق أوراق قوتها وأدوات ضغطها وتفرط في وسيلة تخلصها من ضغط القوى الكبرى. وكان ينبغي للدول العربية الوقوف ولو بطرف خفي، مع هذه المقاومات ومع إيران؛ لأنها لو انكمشت أو تلاشت سيجعل من الدول العربية مكشوفة مع إسرائيل غير قادرة على تبرير عدم إقامة علاقات مع إسرائيل أو انسيابية العلاقات.

العقل السياسي يقتضي مساندة المقاومة؛ سواء أكانت هذه المقاومات من منطلقات وطنية أو قومية أو إسلامية، أو كانت يسارية أو إسلامية أو حتى شيوعية ماركسية، ما دام يرفع الضغوط عن الدول العربية، ويوجِد لها المبررات في المماطلة بعدم التطبيع.

لو افترضنا أن العدوان الإسرائيلي على إيران أضعف قدراتها، وأن ضرباته على المقاومة في تلك البلدان أدى إلى اختفائها فمن الذي سيوقف إسرائيل عن فرض الحل الذي تريده من الدول العربية؟ ومن من الدول العربية سيجرؤ على التقليل من الطموحات والأطماع الإسرائيلية؟ ثم إن إسرائيل والغرب يريدون دولا عربية في قادم العقود من الزمن وفق مواصفاتهم فالدول العربية لا بد أن تكون بمثابة حديقة ومنتزه لإسرائيل، مستودع لنفايات إسرائيلية وغربية، وتكون مكانا لتسويق كل منتج وبضاعة إسرائيلية ما يعني بوار المنتجات المحلية لكل دولة عربية من غير قدرة على وضع شروط ومواصفات تتعلق بما يرد إليها من إسرائيل.

إسرائيل بعد التطبيع معها لن تتعامل مع الدول المُطبِّعة على أنها دول ذات سيادة ندٌ لها وكفء؛ بل ستنظر إلى هذه الدول بعلوٍ وفوقية؛ لأن قادتها لا ينفكون عن نصوص التلمود وما حوت.

العقل السياسي الناضج كان يُحتم على الدول العربية الوقوف مع إيران ودعم المقاومات ولو اختلفت الآيدلوجيات؛ لأن اضمحلال المقاومة يعني سيادة إسرائيلية مُطلقة على الدول العربية، فإسرائيل لها ظهر وعمود فقري وهو الغرب فمن ظهر الدول العربية؟ وما عمودها الفقري، وقد كسرت عمودها بذاتها بسبب حسابات ضيقة.

إن ما صرحت به إسرائيل من أنها راغبة في شرق أوسط حسب مقتضياتها يؤذن بتعالي إسرائيل على الدول العربية، ولا يستبعد أن تسعتين بدول عربية على دول عربية، مغرية لها ببعض الخدمات التقنية والمزايا التفضيلية الآنية؛ ما يعني إدخال إسرائيل الدول العربية في حروب بينية، وكل دولة عربية سوف تسعى للتشبث بإسرائيل لحمايتها من دولة عربية أخرى، أو لتزويدها بما يضر بالدولة العربية الأخرى.

إن إسرائيل سوف تجعل من كافة الدول العربية في حالة قلق من بعضها ما يعني سعي الجميع نحو إسرائيل لعلها تلجم أو تكبح جماح الدولة العربية الأخرى وهو عين ما يقع حاليا عندما تستغيث دول عربية بأمريكا الداعم الأكبر لإسرائيل!

وختامًا أكرر القول إن مقتضيات العقل السياسي الناضج تدعو الدول العربية لدعم الدول المقاومة لإسرائيل ودعم أشكال المقاومة، ولو من طرف خفي؛ سواء أكانت هذه المقاومات منطلقاتها إسلامية أو قومية أو حتى ماركسية شيوعية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • قدَر إيران مع العرب
  • الآثار السلبية على العرب من إضعاف المقاومة
  • سموحة يفوز على البطائح 87/79 ويقترب من دور الثمانية بالبطولة العربية للسلة
  • الثقافة تصدر «الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة عام 1973» بهيئة الكتاب لـ اللواء محمود طلحة
  • يرصد مراحل نصر أكتوبر.. هيئة الكتاب تصدر «الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة»
  • كاتب صحفي: الجيش المصري قضى على الغطرسة الإسرائيلية في حرب أكتوبر
  • البرلمان اللبناني يستغيث بالوزراء العرب بعد زيادة الهجمات الإسرائيلية
  • ثلاث ضربات متتالية أسقطت الغطرسة “الإسرائيلية”
  • كلّف العرب كثيرًا.. أنور قرقاش يثير تفاعلًا بتدوينة عن زمن الميليشيات في الدول العربية والمنطقة