شهدت الشهور الأخيرة تكثيفًا أمريكيًا لافتًا لطلعات طائرات الاستطلاع من طراز» إم كيو-9» في أجواء اليمن؛ لدرجة أن حركة «أنصار الله» (الحوثيون) أعلنت خلال شهر أيلول/سبتمبر إسقاط أربع طائرات منها؛ واعترفت واشنطن باثنتين وتداولت أنباء اعترافها بثالثة؛ بل إن اسقاط تلك الطائرات كان في فترات متقاربة؛ ما يعني أن ثمة تحليقًا مكثفًا، وربما يوميًا، للطائرات الأمريكية من هذا الطراز في اليمن؛ ما يدفع للتساؤل: لِمَ تكثف واشنطن من تحليق طائراتها الاستطلاعية في أجواء اليمن على الرغم من إعلان الحوثيين إسقاط 11 منها منذ تشرين الثاني/نوفمبر و15 منذ بدء الحرب في اليمن؟

 

 

أول دلالة على هذا هو ما يمكن قراءته في افتقار واشنطن الشديد للمعلومات التي تريدها عما تشهده مناطق سيطرة «أنصار الله»؛ في ظل عجز واشنطن عن تجنيد جواسيس هناك في ظل ما يفرضه «أنصار الله» من سيطرة كاملة على الوضع الأمني، الأمر الذي يجعلها مضطرة لتكثيف طلعات طائرات الاستطلاع والرصد والتجسس.

 

وعلى الرغم من الاسقاطات المتوالية لهذه الطائرات باهظة الثمن، إلا أن واشنطن مستمرة في إرسالها ما يوحي بمدى ما تشعر به من قلق تجاه «عتمة المعلومات» لديها عن «أنصار الله».

 

الدلالة الثانية تتمثل في عجز تحالف واشنطن ولندن عن تحقيق تقدم ملموس في ضرباتهما الصاروخية والغارات الجوية ضد أهداف للحوثيين في اليمن؛ فبعد ما يناهز عشرة شهور من عمليات هذا التحالف، فيما تسمى عملية «بوسيدون آرتشر» صار الحوثيون في أوج قوتهم مقارنة بما كان يفترضه هذا التحالف بعد عشرة شهور؛ بل إن مقارنة وضع الحوثيين عند بدء هذه العملية في 12 كانون الثاني/يناير الماضي بما صاروا إليه اليوم، فإنهم قد صاروا أفضل حالًا بكثير مما كانوا عليه عند بدء تلك العملية؛ إذ ما زالوا يمارسون ما كانوا يمارسونه من عمليات بحرية قبل بدء هجمات التحالف الأمريكي البريطاني، بل لقد توسعت منطقة عملياتهم البحرية وشملت المحيط الهندي والبحر المتوسط وأقاصي البحر العربي، وصارت أكبر وأوسع مما كانت عليه قبل بدء الضربات الصاروخية والغارات الجوية الأمريكية البريطانية؛ بل لقد كشفوا خلال الفترة الماضية عن صواريخ أطول مدى وأكثر قوة، بما فيها صواريخ فرط صوتية، والتي امتلكها الحوثيون قبل الولايات المتحدة نفسها؛ وهو ما يمكن تفسيره بوضوح في عجز تحالف واشنطن ولندن عن تحقيق أهدافه، التي قام من أجلها؛ في دلالة على تفوق قدرات الحوثيين في إخفاء مواقع ومراكز أسلحتهم؛ الأمر الذي لم تحقق معه واشنطن أي تقدم حقيقي، على الرغم مما تعلنه من ضربات تقول إنها تحقق نجاحًا في استهداف منصات إطلاق صواريخ، وغيرها من الأهداف.

 

وما يُضاعف من قلق واشنطن تواتر إعلانات «أنصار الله» عن أسلحة وصواريخ جديدة، وآخرها صاروخ «قدس 5» المجنح طويل المدى، والذي يتجاوز مداه الألفي كيلومتر، ويمتلك قدرة المناورة والتخفي وتجاوز مستويات مختلفة من الدفاعات الجوية، والذي أعلن عنه المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، الأسبوع الماضي في تنفيذ «عملية عسكرية استهدفت مواقع عسكرية في عمق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة».

 

إزاء كل ذلك لم تستطع واشنطن إثبات أن الحوثيين تلقوا تلك الصواريخ، التي يعلنون عنها، من إيران أو استهداف مراكز تصنيعها لدى الحوثيين؛ وهو ما يؤشر إلى عامل تفوق الجماعة الأمني، ما أسهم في محاصرة القدرات الاستخباراتية لواشنطن في اليمن، بدليل ما تبديه واشنطن من عجز عن اكتشاف واستهداف المراكز الحساسة في مناطق سيطرة «أنصار الله».

 

على الرغم من التحليق المكثف لطائراتها الاستطلاعية وتواجد حاملات طائراتها وعدد من المدمرات والمعدات في المنطقة، علاوة على استعانتها بالأقمار الاصطناعية إلا أنها لم تستطع كبح جماح القدرات التسلحية لجماعة «أنصار الله»؛ وكانت المفاجأة ما أعلنت عنه الجماعة في مستهل العام 2024 ممثلًا في امتلاك صواريخ فرط صوتية؛ وهي بذلك كانت ـ كما سبقت الإشارة- قد سبقت الولايات المتحدة، التي لم تعلن حيازة هذه التقنية من الصواريخ إلا قبل شهور قليلة.

 

كل ذلك يضع واشنطن في مأزق معلوماتي معتم للغاية؛ وما يزيد من مخاوفها هو عجزها عن الحصول على ما تريد من معلومات؛ وهو ما يمكن اعتباره العامل الأهم وراء تكثيف الطلعات الجوية لطائراتها بدون طيار (إم كيو- 9) التي سبق وإن استخدمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية في التحليق في أجواء اليمن في فترات سابقة قبل الحرب.

 

وسبق واستخدمت الولايات المتحدة طائرات بدون طيار (ليس معروفا بالتأكيد إن كان طرازها إم كيو-9) بين عامي 2002 و2021 في استهداف ما قال الأمريكيون إنهم شخصيات قيادية في تنظيم القاعدة الإرهابي بالإضافة إلى تنفيذ 15 غارة بطائرات مأهولة. وقالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في تقرير بعنوان «الضحايا المدنيون وفعالية ضربات الدرون الأمريكية في اليمن عن هذه الغارات»: «في عام 2017 قمنا بالتحقيق في ثمان غارات بطائرات بدون طيار وعمليات برية، ووجدنا أن العمليات الأمريكية كانت مسؤولة عن مقتل ما لا يقل عن 32 مدنياً ـ بينهم 16 طفلاً وست نساء ـ وجرح عشرة آخرين، بينهم خمسة أطفال».

 

ويمكن لطراز «إم كيو- 9» والتي تكلف حوالي 30 مليون دولار لكل منها، أن تطير على ارتفاعات تصل إلى 50000 قدم (15240 مترًا) ولديها قدرة تحمل تصل إلى 24 ساعة قبل الحاجة إلى الهبوط. وقد حلقت الطائرات من قبل الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية فوق اليمن لسنوات، وفق وكالة «إسوشيتد برس».

وأعلن الحوثيون خلال إسقاط طائرة في 7 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة مأرب، وثانية في 10 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة صعدة، ثالثة في 16 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة ذمار، ورابعة في 30 منه في أجواء محافظة صعدة.

 

ووفق وسائل إعلام تابعة للحوثيين فقد أسقطت قواتهم أول طائرة من ذات النوع منذ بدء إسنادهم لغزة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في أجواء المياه الإقليمية، والثانية في 19 شباط/فبراير في أجواء محافظة الحديدة غربي البلاد، والثالثة في 26 نيسان/ابريل في أجواء محافظة صعدة شمال، والرابعة في 16 أيار/مايو في أجواء محافظة مأرب شمال شرق، والخامسة في 21 أيار/مايو في أجواء محافظة البيضاء وسط، والسادسة في 29 أيار/مايو في أجواء محافظة مأرب، والسابعة في 4 آب/أغسطس في أجواء محافظة صعدة، والثامنة في 7 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة مأرب، والتاسعة في 10 أيلول/سبتمبر في أجواء محافظة صعدة، والعاشرة في 16 سبتمبر/أيلول في أجواء محافظة ذمار/ والحادية عشرة في 30 أيلول/سبتمبر. وجميعها تم إسقاطها بصواريخ «أرض- جو» محلي الصنع، وفق بيانات المتحدث العسكري يحيى سريع.

 

واعترفت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بإسقاط الحوثيين بعض هذه الطائرات.

 

وتعد طائرة «إم كيو- ناين»مسيرة هجومية غير مأهولة وقاذفة للصواريخ بجانب قدراتها في الرصد والمراقبة والاستطلاع والاستشعار والتجسس. وتبلغ سرعتها 240 كيلومترا في الساعة. ويبلغ مدى تحليقها 3 آلاف كيلومتر. وسبق واُستخدمت في حربي أفغانستان والعراق وغيرها من الحروب.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن امريكا الحوثي طائرات استطلاع فی أجواء محافظة صعدة فی أجواء محافظة مأرب فی أجواء الیمن أنصار الله على الرغم فی الیمن إم کیو

إقرأ أيضاً:

حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بينما كان العالم ينتظر حفل توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف، تحول لقاء الرئيسين ألأمريكى دونالد ترامب والأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، يوم الجمعة، فى البيت الأبيض إلى مشادة نارية شاهدها الملايين على الهواء مباشرةً، وغادر بعدها زيلينسكى البيت الأبيض، فيما ترددت أنباء بأن ترامب طرده بحسب "فوكس نيوز" نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض.. وبذلك، لم يتم التوقيع على اتفاق المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
ويرى ترامب أن اتفاق المعادن النادرة أمر ضرورى كخطوة نحو التوسط في اتفاق لوقف الحرب مع روسيا والسير فى طريق السلام والاستقرار، وأيضاً ليسترد ما تحملته واشنطن من مليارات الدولارات دعماً لكييف.. ورغم توتر الأجواء وإنهاء الزيارة، فإن زيلينسكى قال عن الصفقة: "يمكننا أن نمضي قدماً بها، لكن هذا ليس كافياً"، وكتب على "منصة أكس": "شكراً أمريكا.. شكراً لدعمكم، شكراً لكم على هذه الزيارة". وأضاف: "إن أوكرانيا تحتاج إلى السلام العادل والدائم، وهو ما نحن نعمل على تحقيقه". ويرى محللون أن هذه الرسالة بمثابة محاولة من الرئيس الأوكراني لتصحيح مسار المفاوضات بعد تعثرها، كما يؤكدون على أن الرئيس الأمريكى لن يتنازل عن مطلبه بتوقيع اتفاق المعادن باعتبار ذلك حرباً لا بد أن تُحسم لصالحه.. 
فى محاولة لفك طلاسم هذه الصفقة وفهم أبعادها وأهميتها فى ظل حاجة الولايات المتحدة لتلك المعادن النادرة، نطرح سؤالاً محورياً: ما هو السر وراء إصرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إبرام صفقة الحصول على المعادن النادرة من أوكرانيا؟.. المعلن أنه يريد أن يسترد المليارات التى أنفقتها واشنطن على دعم أوكرانيا فى حربها مع روسيا.. لكن الواقع يقول إن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالأساس بحاجة الولايات المتحدة لهذه المعادن لاستخدامها فى الكثير من منتجاتها.
يوضح جيوم بيترون، الباحث المشارك في معهد إيريس، أن اعتماد الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، على المعادن الهامة التي تنتجها الصين هو جوهر اتفاقية التعدين المحتملة مع أوكرانيا.
ما هي بالضبط مصالح الولايات المتحدة وأوكرانيا في هذا العقد؟ لماذا أصبحت هذه الموارد المعدنية ثمينة واستراتيجية إلى هذا الحد؟ تحليل يقدمه جيوم بيترون، الباحث المشارك في إيريس، ومؤلف كتاب "حرب المعادن النادرة. الوجه الخفي للتحول في مجال الطاقة والرقمنة".


تحفظات مهمة 


يقول جيوم بيترون إن أوكرانيا تمثل ٠.٤٪ من كتلة اليابسة على الكوكب، ولكنها تحتوي على ٥٪ من ما يسمى بالمعادن الحرجة.. وتعتبر هذه الموارد مهمة للغاية لأن الإنتاج فيها يقتصر على عدد قليل من البلدان. ومن ثم هناك خطر حدوث نقص في العرض. ومع ذلك، فإن هذه المواد الخام ضرورية للتكنولوجيات الجديدة، والطاقات الخضراء، وكذلك لتكنولوجيات الدفاع.

 يختلف عدد المعادن حسب الدولة.. وقد أدرج الاتحاد الأوروبي ٣٤ عنصرًا، بينما أدرجت الولايات المتحدة ٥٠ عنصرًا. وقد يشمل ذلك المعادن الشائعة، مثل الحديد والألومنيوم والنحاس والزنك، وما إلى ذلك.. بالإضافة إلى المعادن التي تعتبر نادرة لأنها أقل وفرة في قشرة الأرض، مثل الكوبالت أو التنجستن.
ومن ثم فإن هذا التفاوت بين حجم الأراضي الأوكرانية وإمكاناتها مثير للاهتمام للغاية. كما نجد في باطن الأرض، سواء قيد الاستغلال أو للاستغلال، كل أنواع المعادن التي ذكرناها: اليورانيوم، والجرافيت، والحديد، والنيوبيوم، والليثيوم، وربما المعادن النادرة، وهي عائلة أخرى من خمسة عشر معدنًا، حيث نجد من بين أمور أخرى السكانديوم أو الإيتريوم.


عنصر حاسم


ويضيف جيوم بيترون أن هناك منطقا انتهازيا من جانب دونالد ترامب. يعتقد الرئيس الأمريكي، وهو رجل أعمال سابق، أنه قادر على إعادة التوازن المالي، بالنظر إلى ما تمكن الأمريكيون من إنفاقه في عهد سلفه من أجل أمن أوكرانيا. لكن شبح الصين، منافستها، هو الذي يلقي بظله على هذا الاتفاق. ولكي نفهم هذا، علينا أن نعود إلى الوراء قليلًا. الولايات المتحدة دولة منتجة للتعدين، ولكنها تستخرج اليوم عدداً قليلاً نسبياً من المعادن الحيوية لأن مناجمها أُغلقت، ولم يتم فتح مناجم جديدة لأسباب بيئية. وفي الوقت نفسه، سمح الأمريكيون لدول الجنوب العالمي بإنتاج هذه المعادن لصالحهم منذ ثمانينيات القرن العشرين.. وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً على الفرنسيين والأوروبيين بشكل عام. وهذا أمر غير مريح لأنه يخلق اعتماداً على الصين.
وقد اكتسب العملاق الآسيوي الزعامة والنفوذ الكبير فيما يتصل باستخراج وتكرير هذه الموارد. ولقد هددت الصين لسنوات بالتوقف عن تصديرها، وهو ما تفعله، على سبيل المثال، مع الغاليوم والجرمانيوم، بينما تشدد الولايات المتحدة سيطرتها على تكنولوجيات تصنيع الرقائق. وعلى مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، شهدنا صحوة أمريكية، في سياق التوترات الجيوسياسية والتجارية المتنامية مع الصين. وقد تم اتخاذ إجراءات على أعلى مستوى في الدولة لتحديث قائمة المعادن الحرجة، وتحديد الاختناقات في سلسلة القيمة الخاصة بها، وإعادة إطلاق الإنتاج على أراضيها، وتوقيع شراكات دبلوماسية مع دول أخرى من أجل تنويع إمداداتها.. وعلاوة على ذلك، قد يجد ترامب هذه المعادن في أماكن أخرى غير أوكرانيا، على سبيل المثال على أراضيه، أو بين جيرانه في كندا، أو في أمريكا اللاتينية. وببساطة، هناك فرصة فورية هنا والآن في أوكرانيا لتبادل الأمن بهذه الموارد تحت مبدأ "السلام مقابل المعادن".


مصالح أوكرانيا 


ولا تزال تفاصيل كثيرة حول هذه الصفقة (التى لم يتم التوقيع عليها) غير معروفة، لكنها قد تكون مفيدة لفولوديمير زيلينسكي. لأن المشاركة في المناجم تعني الاستثمار في الطرق، وفي الموانئ التي تسمح بتصدير الخام، وفي البنية التحتية للطاقة التي تسمح بإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل المناجم.. وهو أيضًا استثمار في الموارد البشرية التي تسمح بخلق فرص عمل في أوكرانيا. السؤال هو من سيتحمل هذا الجهد ومن سيحصد الثمار وبأي نسبة؟ وهنا يتعين على فولوديمير زيلينسكي أن يقف بحزم لضمان أن تكون الصفقة عادلة ومنصفة.
المعيار الثاني المثير للاهتمام بالنسبة لأوكرانيا هو أنه لا ينبغي لأي معادن أن تخرج من البلاد للذهاب إلى الولايات المتحدة بموجب تفويض ترامب.. وقت التعدين طويل جدًا. لقد مرت بالفعل ما بين ١٠ إلى ١٥ سنة بين وصول الأمريكيين وإنشاء نموذج اقتصادي قابل للتطبيق واستخراج المعادن. ومن ثم يجب إضافة نفس المدة لاستغلال المنجم. وهذا يبشر بوجود تواجد أمريكي في هذه المنطقة الاستراتيجية على مدى العقود الثلاثة المقبلة على الأقل. وأخيراً، فإن تركيب أداة التعدين الروبوتية المتطورة والمعقدة من الجيل الأحدث، مع كل البنية التحتية اللازمة، يكلف عشرات أو مئات المليارات من الدولارات. ولن تستثمر الولايات المتحدة هذا المبلغ في سياق سياسي غير مستقر، حيث تقاتل القوات الروسية في كل زاوية فى شارع.. كل هذا يعني ضرورة الاستقرار الجيوسياسي. ولا يمكن أن يأتي الاستقرار بدون السلام. وسيتعين على الأمريكيين ضمان ذلك على المدى الطويل. إن زيلينسكي يربط مصيره بمصير الأمريكيين.


استراتيجية أوروبية


وحول الموقف الأوروبى، يقول جيوم بيترون: لقد كان الأوروبيون يدركون دائمًا أن هناك احتياطيات محتملة متاحة في أوكرانيا. علاوة على ذلك، جرت مناقشات بشأن اتفاقيات التعاون في مجال الليثيوم. لكن زيلينسكي يدرك أن الأوروبيين مترددون في التنقيب عن المعادن في القارة بسبب قضايا اجتماعية وبيئية، حيث يتطلب التنقيب حفر حفرة كبيرة في الأرض، مما يؤثر دائمًا على التنوع البيولوجي، وعلى التربة. ومن ثم، تتطلب عملية التكرير استخدام المواد الكيميائية والمذيبات.. ومع ذلك، يرى زيلينسكي أنها بمثابة رافعة لإعادة إعمار بلاده. 
أما بالنسبة لأوروبا، فإن لديها استراتيجية. في عام ٢٠٢٤، قدم الاتحاد الأوروبي قانون المواد الخام الحرجة، والذي ينص على قائمة تضم ٣٤ معدنًا حرجًا، وأهدافًا كمية غير ملزمة لعام ٢٠٣٠. ووفقًا لها، يجب أن يأتي ١٠٪ من احتياجاتها من الموارد المستخرجة من باطن الأرض، في ٢٧ دولة في الاتحاد. وسيتم إنتاج نحو ٤٠٪ من هذه المادة من مواد خام يتم تكريرها في نفس المنطقة. الهدف الثالث هو أن ٢٥٪ من احتياجات المعادن الأساسية تأتي من إعادة التدوير.
باختصار، يتعلق الأمر بإعادة فتح المناجم في أوروبا، ثم الذهاب للحصول على المعادن من الآخرين لتنقيتها فى أوروبا، وذلك بفضل الدبلوماسية المعدنية النشطة. ويتضمن ذلك إبرام اتفاقيات مع أستراليا وكندا وتشيلي ومنغوليا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها من الدول، من أجل تأمين الإمدادات الحالية والمستقبلية من المعادن. وهكذا، وكما فعلت الولايات المتحدة، ينبغي تنويع الإمدادات بدلاً من الاعتماد على الصين.
وأصبحت أوروبا على علم بهذه القضية. ولكن، كما ذكرنا سابقًا، فإن وقت التعدين طويل. إن التحرر من هذا الأمر أمر صعب، وخاصة عندما يتوجب عليك التفكير في فتح مناجم على أراضيك الخاصة. ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشروع إيميلي (إيمريس) في ألييه الذي يثير قدراً كبيراً من التوتر في فرنسا. هل يقبل السكان المحليون رؤية منجم مفتوح في أسفل حدائقهم حتى نتمكن من تصنيع سيارات كهربائية تسير في مناطق منخفضة الانبعاثات في باريس؟.
ومن المفهوم أن إنتاج المعادن النادرة سوف يصبح أكثر تكلفةً.. لا نريد أن نكون مثل الديوك الرومية في مهزلة التحول في مجال الطاقة، ضحايا الاستعمار الأخضر الجديد. التحدي الآن هو معرفة في أي مرحلة من معالجة الخام سيتم تصديره. وهذه هي المناقشات التي تدور حاليا.


ازدياد التوتر


ونبه جيوم بيترون إلى أن هناك معادن معينة قد يخلق الطلب عليها توتراً كبيراً، قائلاً: سوف تكون هناك حاجة كبيرة إلى الليثيوم ولجميع المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات. الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز هي العناصر الأساسية. والجرافيت أيضًا، وهو معدن مهم جدًا لهذه الأدوات نفسها. ويمكننا أيضًا أن نذكر المعادن الموجودة في محركات السيارات الكهربائية والتي تحتوي على معادن نادرة. والشيء نفسه ينطبق على توربينات الرياح ذات الطاقة العالية. وأخيرا، أصبح النحاس عنصراً بالغ الأهمية، فهو معدن موصل للكهرباء يستخدم في بناء أميال من خطوط الجهد العالي وخطوط الطاقة. ونستطيع أن نرى بالفعل سيناريو نقص محتمل، لأن الإنتاج غير قادر على مواكبة الزيادة في الطلب. لكن السؤال يظل معقدا. لأنه حتى لو عرفنا احتياجاتنا للغد، فكيف ستتطور المواد الكيميائية، خاصةً أن بدائل المعادن النادرة، وهي عائلة من المعادن المحددة للغاية، لا تزال غير متوفرة؟.
 

مقالات مشابهة

  • أجواء روحانية بـ"التراويح" فى مساجد محافظة دمياط
  • راجح بادي: أجواء رمضان في اليمن تتميز بروحانية عالية 
  • واشنطن تضع اليمن في قائمة الدول الممنوع على مواطنيها السفر إليها
  • بيان لـ سياسي أنصار الله بشأن غزة
  • حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟
  • أصداء محرقة طائرات (إم كيو-9) في اليمن تكسرُ حاجزَ الصمت الأمريكي الرسمي
  • طائرة ترامب تربك أجواء واشنطن
  • أنصار الله: ملتزمون بمراقبة تنفيذ اتفاق غزة ومستعدون لكل الخيارات
  • سياسي أنصار الله يهنئ السيد القائد بحلول شهر رمضان المبارك ويؤكد الجهوزية لكل الخيارات
  • المجلس الأطلسي للأبحاث الدولية: إسقاط طائرات “MQ-9” في اليمن أضعف أنظمة الاستخبارات والاستهداف الأمريكية