هذه هي معادلة الصراع في الإقليم، وفي هذه الأيام الحاسمة تحديداً.

ما زالت دولة الاحتلال قادرة على التدمير، وما زالت لديها قدرات فائقة ومفاجآت صادمة، وما زالت ترى في قدراتها الإجرامية فعلاً «الحلّ» الوحيد للانتصار.

الواقع الجديد في الإقليم يقول بكلّ بساطة إنّ هذا لا يساوي ذاك، بل إن هذا الواقع يمكن أن يفرز معادلات جديدة ــ هذا إذا لم تكن هذه المعادلات قد تحوّلت إلى وقائع ثابتة ــ مفادها أنّ العكس يمكن أن يكون هو الصحيح.



بمعنى أنّ الإمعان في القتل والتدمير هو الدليل الأكبر على عجز دولة الاحتلال، وفشلها في القدرة على الانتصار.

عندما تفشل دولة الاحتلال في الانتصار فهذا يعني، بعد كلّ ما قدّمته الولايات المتحدة الأميركية، وبعدما قدّم «الغرب» كلّه كلّ ما قدّمه حتى الآن ليس كافياً، وأنّ على كلّ هذا «الغرب» أن يقدّم المزيد والمزيد (عَلَّ) هذه الدولة تحقّق الانتصار المطلوب، وذلك لأنّ العجز عن تحقيق هذا الهدف بالذات هو تحوّل صاعق في حالة الإقليم، وتغيّر إستراتيجي هائل ستطير معه كلّ المعادلات والأهداف.

نحن نعيش اليوم، والآن، وفي هذه اللحظات، وفي هذه الساعات معادلة جديدة.

من يعتقد أنّ دولة الاحتلال لا تعرف إلى أين تسير الأمور، أو أن الولايات المتحدة ليست مدركة لاتجاه الصراع في مثل هذه الأيام المصيرية فهو واهم.

لقد فهموا وأدركوا وأيقنوا، وهم الآن، وفي هذه اللحظات يعرفون حق المعرفة أنّ المعادلة تتقلّب بصورةٍ دراماتيكية.

هذه المعادلة، أي معادلة التدمير تحتاج إلى المزيد والمزيد منه. عندما يتحوّل هذا التدمير إلى تدمير متبادل تكون ساعة وقف الحرب، وبصورة فورية قد دُقّت، أو تكون الولايات المتحدة قد وصلت إلى «قناعة» بأنّ السلاح النووي، بأشكاله المختلفة هو الحلّ المتبقّي لديها، أو لدى دولة الاحتلال، لكي لا «توسّخ» أيديها بهذا السلاح لحسابات دولية معروفة، وبذلك فإنّ عليها أن «تقرأ السلام» على قوّاتها وقواعدها في الإقليم، أو أنّ عليها استقدام عشرات آلاف من القوات الأميركية لحماية هذه القواعد، أو لمحاولة حمايتها، أو تركها عُرضة للتدمير، وربّما للإبادة.

ولم تعد الولايات المتحدة ضامنةً بأنّ دول الإقليم الموالية لها يمكن أن تدافع عن قواعدها وقواتها، وهي لم تعد تضمن استقراراً «داخل» هذه الدول، وتتفاعل الأمور، وهي يمكن أن تنتقل إلى دائرة الغليان، وأنّ الإقليم كلّه من زاوية الولاء والخضوع التام للإدارة الأميركية هو على كفّ عفريت، وربما عدّة عفاريت دفعةً واحدة.

هذا كلّه يفسّر كيف سارت أمور هذه الحرب منذ أيّامها الأولى.

هذه حرب الولايات المتحدة، وحرب المصالح «الغربية» كلّها في هذا الإقليم، والدور والمكانة والوظيفة لدولة الاحتلال فيها هي في صميم رؤية هذا «الغرب»، وهذا هو بالضبط السبب الذي جعله كلّه يهرع للدفاع عن دولة الاحتلال في مثل هذا اليوم من العام الماضي، ولم يتراجعوا منذ اليوم الأوّل وحتى يومنا هذا إلّا بالقدر الذي فُرض عليهم من هبّة شعوب العالم، وقواها الشابّة، وجامعاتها، ومؤسّساتها المدنية، ومن درجة الاشمئزاز الذي ولّدته حرب الإبادة المستمرّة على القطاع، وعلى الضفة، وها هي انتقلت بقوة إلى لبنان.

ولهذا كلّه فإنّ «الغرب» يوافق المرّة تلو الأخرى على كلّ الإجرام الذي تقوم به دولة الاحتلال، وهو يرى الآن ويدرك ويشارك في محاولات دولة الاحتلال المستميتة لهزيمة «حزب الله» اللبناني، أو الادّعاء بأنّه لم يعد يشكّل تهديداً لـ»الشمال».

لم تعد الولايات المتحدة تشعر بالحرج من أيّ شيء، وانقسمت بين مؤيد للتدمير والإبادة، واستمرارها إلى «النهاية»، مهما كلّف الأمر، وبين من يدعو دولة الاحتلال إلى ضرب المفاعلات النووية الإيرانية مباشرة، ودفعةً واحدة.

لقد صُدمت الولايات المتحدة وأصابها الدّوار السياسي بعد الردّ الإيراني المذهل، وصدمت أكثر عندما رأت بأمّ عينها حقيقة ما أحدثته الضربة، وما ينطوي عليها من معانٍ واعتبارات، وما يمكن أن يترتّب عليها من نتائج مباشرة وبعيدة.

كلّ قادة الجيوش والأساطيل الأميركية و»الغربية» يدرسون ويتدارسون الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، ولكنهم يفكّرون أكثر بالردّ الإيراني على الردّ الإسرائيلي.

الردّ الإيراني على الردّ الإسرائيلي هو انتقال الحرب من مرحلة التدمير الإسرائيلي إلى مرحلة التدمير المتبادل. وهذه المعادلة ليست في مصلحة الدولة العبرية بكلّ المقاييس الجغرافية والديمغرافية، وبالمقاييس العسكرية قبل كلّ شيء.

دعوني أُوضّح كيف.

قيمة الدور الذي يلعبه المشروع الصهيوني لا تكمن في القدرة على التدمير والقتل وارتكاب أبشع المذابح إلّا بالقدر الذي يؤدّي هذا كلّه إلى انتصار المشروع.

عندما يعجز جيش الاحتلال في ذكرى «طوفان الأقصى» السنوية عن التقدّم على مدار أسبوع كامل من القتال على خطوط القشرة والتماس في جنوب لبنان من اختراق دفاعات «حزب الله»، ويدفع عند الأمتار الأولى من هذه الخطوت القتلى والجرحى فإنّ قدرة هذا الجيش على الانتصار تصبح علامة سؤال كبيرة.

وعندما تلاحظ القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وكذلك الأميركية مثل هذا الواقع ينتقل الأمر من مرحلة التعجّب والحيرة إلى «الهسترة» والجنون.

فكما قلنا وكرّرنا، نحن أمام حزب فقد الآلاف من كوادره وقياداته، ووُجّهت له ضربات قاتلة كانت معدّة منذ سنين طويلة، وتبيّن الآن أنّ دولة الاحتلال كانت تتنصّت على كلّ اتصالاته على مدار الساعة، وربّما أنّها ما زالت.

عندما يقاتل الحزب بهذه الضراوة، ويواصل التصدي بهذا الشكل الإعجازي، ويستمرّ بالسيطرة النارية على مساحة الشمال كلّه فإنّ الحرب الإجرامية والتدميرية والإبادية التي تشنها دولة الاحتلال تتحوّل مع كلّ يوم، ومع كلّ ساعة إلى علامة استفهام، أو يطرح السؤال المعروف: ماذا بعد؟ وما هي الفائدة من هذه الحرب؟

طارت كلّ أهداف الحرب المعلنة وغير المعلنة، وتحوّلت الحرب إلى السؤال الأخطر في كلّ معادلاتها: ما فائدة هذه الحرب؟

هذا هو التحوّل الإستراتيجي الأهمّ عسكرياً في هذه الحرب.

وعندما تهاجم قوات الاحتلال كلّ شمال القطاع «خوفاً» من هجوم المقاومة على هذه القوات، وعلى «الغلاف»، في الذكرى الأولى لـ»الطوفان» فهذا يعني بكلّ بساطة: إلى ما أدّت هذه الحرب الإبادية بعد عام كامل، إذا كانت تقديرات الجيش بأنّ ثمّة تحضيرات لهجوم معاكس، شامل على قوات الاحتلال، وعلى «الغلاف»؟

وإذا كانت الضربة الإيرانية «تحتاج» إلى ردّ ساحق وماحق فمن أين ستدري دولة الاحتلال أنّ الرد الإيراني لن يكون ساحقاً وماحقاً على نفس الدرجة والخطورة؟

عندما يُطرح سؤال: ما فائدة هذه الحرب، وهو مطروح بشدّة يصبح الانتصار مستحيلاً بصرف النظر عن مسألة التدمير.

(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال الإيرانية إيران فلسطين الاحتلال طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة دولة الاحتلال الاحتلال فی هذه الحرب یمکن أن وفی هذه ما زالت فی هذه

إقرأ أيضاً:

المشروع الصهيوني مُوجّه نحو الأردن باعتباره جُزءاً من وعد بلفور!

 

في مسرح الظل الذي ندور فيه وعلى قاعدة ما يُنجزُ في الميدان يُترجم في السياسة: هناك أسئلة عديدة تشغلُنا كأردنيين وكلها أسئلة برسم الأيام القادمة

إلى أين يقودنا مشهد الأردن وفق المعطيات الراهنة وأين نحن من اللعبة الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة حالياً ولماذا الخرائط الإسرائيلية ووعد بلفور يلاحقوننا كدولة وكيان وأي مستقبل ينتظر الأردنيين في ظل خليط ملغوم من المعلومات، نسمع عنها لكننا لسنا متأكدين من حقيقتها؟

مشروع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم قديم جداً ومستمر . اليوم غزة وغدا الضفة الغربية وهذا ما يؤكد وجود خطر وجودي يواجه الأردن مصدره إسرائيل وأمريكا على الرغم من اتفاقية السلام مع إسرائيل ومن وجود للقواعد الأمريكية على الأراضي الأردنية، وصُناع السياسة في الغرب ينظرون إلى المصالح الإسرائيلية باعتبارها قضايا وجودية يجب تحقيقها ولا مانع لديهم من تفتيت النطاق الجغرافي الديموغرافي المحيط بإسرائيل.

قبل سنة تقريباً نشر مركز الأبحاث البريطاني Demos المختص بالأبحاث السياسية والوثائق التاريخية دراسة تقول: إن الأردن جزء من وعد بلفور تم تأجيله لأسباب وأن تلك البقعة الجغرافية (شبه الصحراوية) هي أراضٍ تاريخيّة تعود لليهود (تمتد ما بين نهر اليرموك شمالاً إلى وادي الموجب جنوباً) وعلى العرب الاعتراف العلني والصريح بالحق التاريخيّ لليهود في أراضيهم المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط

وبالمناسبة هذا ما كتبه (لورانس) في كتابه أرض جلعاد قبل أكثر من مائة عام.

الرؤية غائبة أو في حدها الأدنى تبرز ضيقةً تحمل الكثير من القصور، فبعد معركة غزة أصبحت إسرائيل تنظر للأردن على انه جزءٌ منها وليس وطننا للفلسطينيين كما كانوا يرددون من قبل، ناهيك عن أن خطابنا السياسي أحياناً غير مفهوم، لم يشكل لنا وضوحاً لفهم ما يجري من وعيد وتهديدات إسرائيلية باتجاه الأردن

مشكلتنا في الأردن بأننا عادة ما نميل للتبسيط والاختزال أثناء الحديث عن مخططات إسرائيل وخرائطها التي تعتبر الأردن أراضٍي يهودية وحجتُنا في ذلك أننا حلفاء لأمريكا ولا داعي للخوف.

وكل ما عملناه ليس أكثر من اعتراض بحروف باهتة اللون لم يقرأها أو يسمع عنها سوى عابر سبيل… فمنذ سنوات ونحن نشهد حالات صمت مرصودة ونحذر ونصرخ من خطورة المشروع الصهيوني ومكوناته وروافعه وتحالفاته وتناقضاته ومن أن إسرائيل دولة من غير حدود تتوسع بمرونة جغرافية وان طبيعة الجغرافيا والديموغرافيا السياسية القادمة تنذر بقرب تبادل الأدوار وتغيير طريقة الحكم في المنطقة.

أمريكا لا يُرجى منها شيء، وسياساتها مفصلة على مقاس إسرائيل ولها تاريخ حافل بنقض الاتفاقات لأنها تعتبر ان العقد الذي يشكل شريعة المتعاقدين يعكس موازين قوة في لحظة ما، فها نحن نراها ولأول مرة في تاريخها تنتقل سياستها من مرحلة التلميح إلى مرحلة التصريح العلني المباشر، لذا لن يفاجئنا أحد سواء كانت أمريكا أو حتى بعض العرب بأن الأردن هي أراضٍ يهودية فأوراق اللاعبين في المنطقة باتت مكشوفة بانتظار إعلان النتائج

فعندما يمتلكنا الخوف كأردنيين ، فإن ما نخاف منه ليس هو هذا أو ذاك  : بل هي أصوات تيار السذاجة والمثرثرين الذين يطبلون غير مدركين لجسامة الخطر القادم على الأردن ،، ولا يبالون ان كانوا يصفقون في الوقت الملائم أم في الوقت الضائع  معتمدين على نظرية سخيفة أن وجود الأردن هو حماية لإسرائيل .

الظروف الراهنة تُحتم وجود مجموعة منتقاة من الخبراء الجيدين في كل ملف وقضية وأزمة يقدمون النُصح والمشورة لصاحب القرار بناء على معطيات واقعية، لهذا قُلنا مراراً أننا بحاجة إلى رجالات تمتلك تفكير وفكر مُركب..

برأيي المسألة خطيرة تستدعي عُمقاً أكبر لملاقاة المرحلة القادمة دون رتوش أو مكياج وتتطلب استدعاء للفكر السياسي المُغيب قسراً لتقييم المخاطر، ففي كثير من دول العالم التي تعرضت لأزمات جيوسياسية كان القرار السياسي فيها لا يقتصر على رأس الدولة وحده، فعلى سبيل المثال عين الرئيس الأمريكي (جيرالد فورد) في سبعينات القرن الماضي فريقاً أطلق عليه B-Team من خارج ميدان المخابرات المركزية الأمريكية كانت مهمته تقديم المشورة في قضايا مهمة تخص الأمن القومي الأمريكي

الأردن لا بد له أن يكون قوياً، وفي موقعه كعنصر توازن واستقرار للمعادلات كما كان قديماً شريطة أن ينهض من تردده، وان يكون في موقع المؤثر وليس في خانة المتلقي، ويفكر خارج المألوف، وأن تتجرأ الدولة الأردنية ولو لمرة واحدة بالتلويح بإنهاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وان يتم الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواعدها العسكرية من أراضينا.

كاتب اردني

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • خبير: شهوة الانتصار دفعت ترامب إلى إطلاق تصريحاته بشأن غزة وكندا وقناة بنما
  • الولايات المتحدة قد تكشف عن خطة ترامب للسلام في أوكرانيا الأسبوع المقبل
  • غوتيريش: أي سلام مستدام يتطلب إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة
  • المشروع الصهيوني مُوجّه نحو الأردن باعتباره جُزءاً من وعد بلفور!
  • الحزب اليميني الهولندي: من المستحيل هزيمة روسيا عسكريا
  • الاحتلال يعلن انسحابه من مجلس حقوق الإنسان ويتهمه بـمعاداة السامية
  • «الجيل الديمقراطي»: المشروع الأمريكي الإسرائيلي يمنع حقوق الفلسطينيين
  • رئيس «النواب» اللبناني: إسرائيل تتبع سياسة التدمير الممنهج للقرى الحدودية
  • الولايات المتحدة تطور منظومات حرب إلكترونية جديدة لغواصاتها
  • تفاصيل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين