موقع 24:
2025-03-04@01:25:15 GMT

"حلف الأعباء" على كاهل الإيرانيين

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

'حلف الأعباء' على كاهل الإيرانيين

طفقت حكايات بعد الحرب العراقية – الإيرانية تقدم أسباباً لإندلاعها. قال العراق آنذاك إن التحرشات الإيرانية بمخافره الحدودية سبقت الرد الواسع من قبل الجيش العراقي يوم 22 سبتمبر (أيلول) 1980.

ورغم أن القيادة الإيرانية في حينها -وحتى يومنا هذا- تتهم العراق بشن الحرب، إلا أن بعض الشهادات أو الحكايات عن تلك المرحلة تقول إن بعض العناصر المنفلتة من القوى الثورية الإيرانية قامت بضرب المخافر العراقية بالمدفعية والهاون والأسلحة المتوسطة، من دون علم أو إذن القيادة الإيرانية.

لا شك أن تملص الإيرانيين من المسؤولية الرسمية عن اندلاع الحرب لا يضع في الاعتبار المشروع المعلن لتصدير الثورة أو الخروقات التي قام بها الطيران الحربي الإيراني في الأسابيع التي سبقت اندلاع الحرب، كما أنهم يتهربون من محاولة الرد على تساؤل من قبيل: كيف يمكن لعناصر ثورية منفلتة أن تضع يدها على قطع من المدفعية الميدانية أو الهاونات، وأن تستخدمها ضد القوات المسلحة العراقية من حرس الحدود من دون أن يتم منعها من قبل القيادة في طهران؟
ما حدث بعد ذلك أكثر من معروف. وجدت إيران نفسها في حرب مفتوحة مع العراق استمرت ثمانية أعوام. وسواء أكانت تلك العناصر المنفلتة مأمورة من القيادة الدينية العليا في طهران وقم آنذاك أم غير مأمورة، فإن إيران دفعت الثمن. ومن دون أي شك، فإن كل ما نشهده اليوم من كوارث إقليمية يرتبط -بشكل أو بآخر- باندلاع الحرب العراقية – الإيرانية وتراكم نتائجها.
ثمة شبه لما يحدث الآن من حرب انطلقت في غزة وتمتد إلى لبنان ومرشحة للتوسع الإقليمي نحو سوريا والعراق واليمن، ثم الوصول إلى إيران نفسها. عندما شنت حماس عملية “طوفان الأقصى”، تملص الإيرانيون من مسؤولية القرار. ومثلما لم نجد ردا على سؤال: كيف وصلت الأسلحة الثقيلة إلى أيدي العناصر المنفلتة من الحرس الثوري عام 1980؟ فإن إيران لم ترد يوما على سؤال: كيف وصلت الصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى يد حماس “المنفلتة”، حيث استخدمها يحيى السنوار، رجل إيران الصاعد في حماس والمتحكم في سلطتها بغزة؟ وإذا كانت حماس منفلتة وتصرفت من تلقاء ذاتها، كيف يمكن أن يتكرر الأمر ويقرر حزب الله، وهو القوة الأكثر فاعلية وتنظيما والتزاما في حلف الميليشيات الولائية، أن يشارك بعد يوم واحد من انطلاق “طوفان الأقصى” في المواجهة التي أطلقت إيران عليها اسم “وحدة الساحات”؟ إن “وحدة الساحات” هي دليل الالتزام والانضباط كما لمسناه من أفعال الأطراف البعيدة، أي الحشد الشعبي من العراق والحوثي من اليمن، ولا تمت بصلة إلى فكرة القرار المستقل لحزب الله. حزب الله آخر من ينطبق عليه توصيف قوة منفلتة تتصرف بقرارها الذاتي، أي قرار أمينها العام حسن نصرالله.
خرجت إيران من الحرب العراقية – الإيرانية بهزيمة شديدة الوطأة بشريا واقتصاديا. ولعل أول درس تعلمته القيادة الإيرانية من تلك الحرب هو أنها لن تحارب بشكل مباشر بعد الآن، وأن عليها تجهيز حزام بشري مسلح من الموالين لها طائفيا يتولى مهمة الحرب نيابة عنها.
كان حزب الله هو البداية المبكرة، والذي رافقت صعوده مجريات الحرب العراقية – الإيرانية، وأيضا قوات بدر والمجلس الثوري العراقية التي حاربت إلى جانب إيران ضد بلدها. وفتحت هزيمة العراق الإستراتيجية في حرب الكويت الباب للاستثمار في قوى اجتماعية متذمرة بعضها شيعي كما في البحرين، وبعضها الآخر شبه شيعي كما حال الحوثي الزيدي في اليمن. وبسقوط بغداد وانهيار نظام صدام حسين، أتيحت لإيران فرصة ذهبية لاستغلال الانسحاب العربي من العراق وتخبط قوات الاحتلال الأمريكية والعمل على تأسيس نقطة ارتكاز طائفية هي الأهم اليوم لما يمتلكه العراق من قدرات بشرية ومادية.
اختبرت إيران حزامها الطائفي في العراق وسوريا واليمن بنجاح. وكانت قد تأكدت أكثر من قدرات حزب الله بعد أن حسم السيطرة على لبنان عام 2008، ثم أبهرها الحزب بما فعله في الحرب الأهلية السورية وقتاله إلى جانب نظام الأسد. ولم تقلق من التنبيهات التي كانت إسرائيل تقوم بها من حين إلى آخر بمهاجمة نقاط نفوذ وتجميع للسلاح إيرانية في سوريا. إسرائيل لم تتدخل في الحرب السورية ولم تضرب أهدافا إيرانية أو ميليشياوية إلا في مراحل متأخرة من الحرب وبغرض التخويف.
بالتوازي مع التمدد الإيراني الإقليمي بالمنطقة استثمرت إيران في الجناح المتشدد في حماس، وتمكنت من أن تنتزع السيطرة من قوى “الاعتدال” في الحركة. وجربت بين الحين والآخر قدرتها على السيطرة على حماس طالبة منها أحيانا القيام بعمليات تتحدى الإسرائيليين، وشهدنا الكثير من المواجهات المحدودة التي انحصرت في رشقات الصواريخ من غزة والقصف الإسرائيلي للرد عليها. لا بأس من تزامن التصعيد بين الطرفين مع التصعيد في الملف النووي الإيراني.
زاد اطمئنان الإيرانيين لقوة الردع التي توفرها لهم الميليشيات الموالية، وصولاً إلى “طوفان الأقصى”. هذه العملية كانت نقطة تحول كبرى في المنطقة لا تقل أثرا عن غزو العراق عام 2003. أخطر ما حدث في ذلك اليوم هو اقتناع الإسرائيليين بأنهم دفعوا مقدماً فاتورة القتلى والمحتجزين بعد مقتل 1200 إسرائيلي واحتجاز المئات. الخوف من الخسائر الذي شكل أساس العقيدة العسكرية الإسرائيلية انتهى يومها.

ذهبت إسرائيل إلى غزة وهي تقصف بشكل هستيري وكأنها تقول لحماس إن ما بيدك من محتجزين محسوب على الخسائر مقدماً، وإنهم إذا ماتوا في القصف، فلن يتغير شيء. وتكرر الأمر في شمال إسرائيل عندما تقبل الإسرائيليون نزوح عشرات الآلاف من الكيبوتزات في الجليل، ومع خسائر مادية وبشرية تتراكم يومياً.
رتبت إسرائيل أمرها على أساس الانتهاء من تدمير غزة أولا، ثم الالتفات إلى حزب الله لتصفية حساب طويل معه. لا شك أن القصف الإسرائيلي على غزة كان مروعاً، لكن لم تكن فيه مفاجآت. المفاجآت الحقيقية حدثت في استهداف إسرائيل لحزب الله وتوجيه ضربات قاصمة له كان من اللافت أن آخرها هو القصف العنيف الذي تشهده الضاحية وجنوب لبنان بما يشبه ما حدث في غزة. قبل هذا القصف العنيف قتلت إسرائيل كل قائد في حزب الله لديه قيمة، وصولا إلى الرأس عندما نفذت عملية اغتيال أمين عام الحزب حسن نصرالله، بل وقتلت خليفته المسمى هاشم صفي الدين حتى من قبل أن يتسلم المنصب رسمياً.

لم يدمر الإسرائيليون المباني والبنى التحتية العسكرية لحماس وحزب الله وحسب، بل نسفوا المنطق الذي قامت عليه فكرة الحزام الطائفي لإيران والميليشيات التي ستقاتل نيابة عن الحرس الثوري وتحت إمرة المرشد الأعلى. ورغم أن الهجوم الإيراني الأول على إسرائيل قد تم تبريره بالرد على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، إلا أن الميليشيات التابعة لإيران بدأت بمناداة إيران ومطالبتها بالتدخل لنجدة الفلسطينيين أولا، ثم انتقاما لسلسلة اغتيالات خطيرة مثل تصفية القائد في حزب الله فؤاد شكر أو رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية. ومع الضربة المتسلسلة الأخطر، من هجمة البيجر وقتل كل القادة العسكريين الأهم في التسلسل الهرمي لحزب الله وصولا إلى تصفية نصرالله، تحولت المناداة إلى استغاثة.
ردت إيران برشقة صواريخ تمكن بعضها من اختراق الدفاعات الإسرائيلية في مناطق غير سكانية، لكن الرد زاد من انكشاف إيران وأنهى تماما فكرة الردع، سواء الردع من خلال الطوق الميليشياوي المتعدد في أكثر من بلد، أو عبر الصواريخ المتاحة للميليشيات أو التي تطلقها إيران بنفسها. لا شك أن الخبراء الاستراتيجيين الإيرانيين يسألون أنفسهم الآن: هل ذهبت عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها طهران طيلة عقود على تأسيس وتسليح طوق الميليشيات وإدامة حضورها اجتماعيا بمنظومة الخدمات والمدارس والمستشفيات، هل ذهبت سدى؟
إيران في موقف لا تحسد عليه. إنها ضحية خطب زعمائها وزعماء الميليشيات التابعة لها. حلفها يضعف يوميا، ليس فقط بعد دمار غزة وحماس، أو مقاتل قيادات حزب الله وتدمير الضاحية، بل إنها لم تعد قادرة على التعويل حتى على من تعتبرهم جزءا أساسيا من بنيانها الإستراتيجي. إيران لا شك مصدومة من قلة اهتمام سورية وتلميحات رسمية عراقية، أو من فعل غير مؤثر من مسيرة تطلقها ميليشياتها الولائية من العراق أو اليمن. من غير المهم أي نفخ أو تهويل تمارسه قنوات تلفزيونية مثل الجزيرة أو محللون يريدون أن يوهموا المشاهد بعكس ما يراه ويسمعه، فلا وجه للمقارنة بين كل ما أطلقه الحوثيون أو الحشد الشعبي على إسرائيل، وغارة من غارات تنفذها إسرائيل على موقع في غزة أو في الضاحية ببيروت. كل هذا، وإسرائيل تقول للتو قد بدأنا، ولا يزال الأمريكيون غير مهتمين بالتدخل المباشر.
ما بدأ حلفاً طائفياً يحرس الإيرانيين ويقاتل نيابة عنهم، صار اليوم حلفا للأعباء على كاهل المرشد والحرس الثوري وكل إيران. وكما دفعت إيران ثمناً باهظاً في الثمانينات عندما غامرت باستثمار ثورتها، تدفع اليوم أكثر بعد محاولتها استثمار “انفلات” الولائيين.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل عام على حرب غزة غزة وإسرائيل الحرب العراقیة حزب الله

إقرأ أيضاً:

نائب إطاري:لا حياة للعراق ولا كهرباء بدون إيران !

آخر تحديث: 1 مارس 2025 - 12:28 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- أكد النائب الإطاري ثائر الجبوري، السبت ، أن البحث عن أي بديل للغاز الإيراني المستورد لتجهيز محطات توليد الكهرباء في العراق يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل.وقال الجبوري في حديث صحفي، إن “انتهاء العقد الخاص باستيراد الغاز من إيران في آذار المقبل ستكون له ارتدادات صعبة، خاصة أن جزءًا كبيرًا من القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء في العراق يعتمد على الغاز المستورد في تشغيل المحطات، ما يؤثر مباشرة على تزويد المدن والقصبات والقرى بالطاقة على مدار الساعة”.وأضاف أن “البحث عن بديل لإنهاء ملف استيراد الغاز من إيران يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل، فيما تواجه فكرة استيراد الغاز من تركمانستان تعقيدات، أبرزها الحاجة إلى خطوط نقل ونقاط دعم لوجستية”، مشيرًا إلى أن “محاولة استيراد الغاز عن طريق الشحنات من الموانئ الجنوبية تتطلب محطة عملاقة لمعالجة الغاز المسال، ما يجعل هذه العملية معقدة”.وأوضح الجبوري أن “الإنتاج المحلي من الغاز لا يلبي الطموح، إذ يقتصر على بعض الحقول، بينما تحتاج عمليات تطوير الحقول النفطية والغازية إلى فترات زمنية طويلة”، لافتًا إلى أن “توقف إمدادات الغاز الإيراني بعد آذار المقبل ستكون له ارتدادات صعبة، والحلول المتاحة أمام الحكومة محدودة، في ظل عدم وضوح خطتها إذا لم يتم تجديد العقد أو الاستمرار بضخ الغاز المستورد من إيران، رغم أنه كان محدودًا في فترات عدة بسبب الطلب المتزايد داخل إيران، خاصة لتوليد الطاقة وتزويد المنازل والمؤسسات به خلال فترات انخفاض درجات الحرارة”.وأشار إلى أن “صيف 2025 سيكون أمام تحديات قاسية، لكن نأمل أن تنجح الحكومة ووزارة الكهرباء في إيجاد حلول تسهم في تحقيق مستوى جيد من إمدادات الكهرباء لمعظم المدن العراقية”.وعلى الصعيد نفسه، قال الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، سعيد توكلي، يوم (8 شباط 2025)، “إن تصدير الغاز إلى العراق مستمر حاليا، وقد وقعنا مؤخرا عقدا طويل الأمد مع العراق”.يذكر ان العراق صرف على وزارة الكهرباء منذ حكومة المالكي الأولى إلى موازنة 2024 في زمن الإطاري محمد السوداني أكثر من 100 مليار دولار والبلد بلا كهرباء  لخدمة إيران وتقويتها اقتصاديا وعسكريا ومعاشيا على حساب العراق وأهله.

مقالات مشابهة

  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • إسرائيل تعتقل مواطنا بتهمة التواصل مع المخابرات الإيرانية
  • الجديد في العقوبات الأمريكية على إيران وأثرها على العراق: الضغوط والفرص
  • إسرائيل تعتقل مواطنا بتهمة التجسس لصالح إيران
  • إسرائيل تعتقل شخصًا من بئر السبع بتهمة التواصل مع المخابرات الإيرانية
  • الطاقة النيابية: لا كهرباء للعراق بدون إيران!
  • إذا قصفت إسرائيل إيران... هكذا سيكون ردّ حزب الله
  • إيران:العراق سيحصل على إعفاء وقتي لإستيراد الغاز الإيراني!
  • نائب إطاري:لا حياة للعراق ولا كهرباء بدون إيران !
  • إيران على خُطى إسرائيل لامتلاك النووي