المعمري: التطرف ميلٌ عن الشريعة السمحاء وتهديد للأمن والنماء.. وعلينا حماية مجتمعاتنا من "الآيديولوجيات الضارة"
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
الدوحة- العُمانية
شاركت سلطنة عُمان ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أمس في أعمال الاجتماع العاشر لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية / الدينية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي عُقِد بالعاصمة القطرية الدوحة.
وأكّد معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية الذي ترأس وفد سلطنة عُمان في كلمة على أهمية هذا الاجتماع الذي يُرسخ الروابط القوية، للأخوة والألفة والوحدة وضرورة تعزيزها، والتباحث والنظر في مسارات جديدة للتعاون بما يعود بالفائدة على دول المجلس وشعوبها.
وقال معاليه إنّ المسؤوليات الملقاة علينا تتطلب منا توجيه البوصلة القيمية والأخلاقية لمجتمعاتنا، نحو مستقبل مشرق وجامع يؤسس على المؤتلف الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة، والحكمة في التعاطي مع المتغيّرات والأحداث والقضايا الاجتماعية والعالمية.
وأشار معاليه إلى أنّ الجهود التي تبذلها المؤسسات الوطنية المتمثلة في وزارات الأوقاف والشؤون الدينية والإسلامية لدعم المبادئ القيمية والأخلاقية والإنسانية لديننا العظيم، لا سيما فيما يتعلق بالقيم العائلية والتوجيه الأخلاقي، وتعزيز قيم التفاهم والتعايش والسلام، ضرورية للحفاظ على الفطرة السوية، وعلى التوازن والانسجام المجتمعي، في عالم بات يبدو منفصلًا- يومًا بعد يوم- عن هذه الفضائل الجوهرية والسامية.
وأكّد معاليه أنّ التطرف بمسمياته وأشكاله ميلٌ عن الشريعة السمحاء وتهديد للأمن والنماء، ومن مسؤوليتنا حماية مجتمعاتنا من الأفكار والآيديولوجيات الضارة، التي تشوه حقيقة هذا الدين، الذي يجمع النفوس على الخير والسلام. كما أكّد معاليه أنّ الوقف كان، ولا يزال، في جوهر استدامة العمل الخيري والإنساني وتعزيز الرعاية الاجتماعية، ومن واجبنا أن نضمن لهذا المجال تطورًا ونموًّا لتلبية الاحتياجات المتغيرة لمجتمعاتنا.
وبين معاليه أنّ مقترح تخصيص يوم عالمي للوقف، سيُسهم في رفع الوعي العالمي حول الدور المهم التي تؤديه الأوقاف في تعزيز الرعاية الاجتماعية والتنمية، وسيوفر منصة لتثقيف العالم حول التاريخ الغني والعميق للعمل الخيري الإنساني في الإسلام، وهو وسيلة لتذكير العالم بإنسانية الإسلام وإسهامات المسلمين في رفاهية الإنسان والمجتمعات.
وناقش الاجتماع عددًا من القضايا والموضوعات المهمة، منها تبادل البحوث العلمية والتجارب في المجال الوقفي بين الدول الأعضاء من خلال الندوات التفاعلية عبر تقنية الاتصال المرئي، وعرض التجارب في مجال الشؤون الإسلامية، وإقامة يوم عالمي للوقف، وإنشاء مرصد علمي خليجي لإبراز الصورة الحقيقية لسماحة الإسلام.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الأوقاف والشؤون
إقرأ أيضاً:
الثورة التكنولوجية: حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى متاحف تراثية منغلقة وجامدة
مرتضى بن حسن بن علي
الثورة التكنولوجية التي تكتسح العالم، هي بداية حقبة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ البشرية وسوف تؤدي إلى إحداث تغييرات واسعة في أنماط الحياة والعادات والتقاليد وفرص العمل والإنتاج. وفي مجال فرص العمل فإنَّ عشرات الألوف من الوظائف الحالية سوف تختفي ووظائف كثيرة سوف تظهر.
وعلى الصعيد الزراعي- مثلًا- فإنه نتيجة للتقدم الكبير في مجال التكنولوجيا الحيوية، تم إنتاج سلالات جديدة أكثر تطورًا، وإنتاج أنواع جديدة من الأرز المُهجَّن، الذي يتمتع بقدرة أعلى على مقاومة الأمراض والحشرات وزرعه في المياه المالحة أو الأراضي غير الصالحة للزراعة. ولم يرتق المحصول من حيث النوع فحسب؛ بل إنه زاد من حيث الكم أيضا بين ضعفين إلى أربعة أضعاف من مستوى الإنتاج السابق.
وتُشكِّل البحوث العلمية في مجال السلالات الجديدة التي هيأتها مراكز البحوث الزراعية الدولية المتقدمة، مجالا راقيا في مجال البحوث والعلوم الزراعية التطبيقية. وتستطيع الإنجازات الحيوية العلمية الكبرى أن تقدم المساعدة لحل المشاكل المرتبطة بالجفاف وقلة المياه وتدني جودة التربة، إضافة إلى عدم كفاية الأراضي الصالحة للزراعة.
من الصعب معالجة الفقر الزراعي أو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، عن طريق الإصلاحات الفنية أو بالقرارات الإدارية فقط، ما لم يتم معالجة الجوانب الهيكلية والثقافية والعلمية من المشكلة الزراعية. وبينما أخفقت الحلول الأكثر تقليدية في حل المُعضلة، تَركَّزَ الاهتمام في السنوات الأخيرة على التكنولوجيا الحيوية، إحدى ثمار الثورة التكنولوجية. ويُقصد بالتكنولوجيا الحيوية أية طريقة تستخدم أعضاء حيَّة وتعمل معالجات معينة لإيجاد أو تعديل المنتجات أو تحسين سلالات من الحيوانات والنباتات أو لتطوير أعضاء حيَّة دقيقة بغية استخدامها في أغراض محددة، وغدا بإمكان مهندس الوراثة حقن جين جديد داخل الحمض النووي المعروف باسم "دي. إن. إيه DNA" الموجود في كل خلية، بهدف تحسين قوة العضو الحي أو زيادة حجمه أو تعزيز مقاومته للأمراض وتحسين الإنتاج من ناحيتي الكم والنوع أو إيجاد نباتات مهجنة جديدة تتمتع بصفات أحسن.
الثورة التكنولوجية تعتمد على الإلكترونيات الدقيقة والهندسة الحيوية، والذكاء الصناعي، وتوليد المعلومات حول كل شؤون الأفراد والمجتمعات والطبيعة، واختزانها واستردادها وتوصيلها بسرعة مُتناهية؛ بل آنية، وعلى الاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة بوتيرة سريعة. وهي تعتمد أساساً على العقل البشري.
ولأنَّ العقل البشري يُمثل طاقة متجددة لا تُنضب، فإنَّ هذه الثورة سوف لن تكون حكرا على المجتمعات الكبيرة المساحة والضخمة السكان أو الغنية بمواردها الأولية أو القوية بجيوشها التقليدية؛ بل إنِّها ثورة يُمكن لجميع شعوب العالم -بما في ذلك عُمان-أن تخوض غمارها -سواء أكانت كبيرة أم صغيرة- إذا ما أحسنت إعداد أبنائها تربويا وعلميا وتدريبيا واجتماعيا وفكريا لذلك. والدليل على ذلك ما حققته سنغافورة- مثلًا- وهي دولة صغيرة جدًا في المساحة وعديمة الموارد الطبيعية، لكنها استطاعت استثمار وتطويع مواردها البشرية المتاحة بشكل علمي صحيح، مما مكَّنها من أن تكون على قائمة الدول المتقدمة في العالم في ثورة المعلوماتية التكنولوجية مثلا.
وعكس ذلك، فإنَّ هذه الثورة سوف تنطوي على أذى كبير للدول النامية بما في ذلك عُمان، لأنها سوف تُحِيل مُعظم الأنشطة الاقتصادية والوظائف الحالية إلى مشروعات لا جدوى منها. وستكون التكنولوجيا الحديثة عِبئًا ثقيلًا على كواهلنا في حالة إخفاقنا باستيعابها، بينما في حالة استيعابها وتوطينها وتوظيفها، فإنَّها ستنطوي على منفعة كبيرة لنا. وكيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية سوف تلعب دورا كبيرا في تحديد قدراتنا على مواجهة التحولات العالمية الضخمة الحاصلة. والحكومة وأدواتها المختلفة يُمكن أن تؤدي دورًا محوريًا لإنجاحها، وعلى الجهات المسؤولة ضمان توفر مهارات التعلم والتدريب على الوظائف الجديدة، والانطلاق المعرفي المستمر، وضرورة قبول الأخطاء والاعتراف بها؛ وذلك لأنَّ المنهج التجريبي يقتضي الخطأ، والولوج من خلاله إلى النجاح بدلاً من حشو عقل الإنسان الصغير بمعلومات تجاوزها العلم والزمن.
وعلى المجتمع والأسرة أيضًا زرع قيم العمل والإنتاجية والصبر والمثابرة والأنَّاة في أبنائها؛ فالمستقبل لأولئك الذين عملوا ومنحوا لأنفسهم ولأبنائهم فرص الإبداع والابتكار والتجربة والصواب والخطأ.
لكن من جهة أخرى، يترتب على هذه الثورة التكنولوجية الكاسحة أو يصاحبها تداعيات كثيرة يكفي أن نذكر منها:
1- التغير الاجتماعي المُتسارع؛ إذ إنَّ القيم والمعايير والعادات والتقاليد والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية ستكون عرضة للتغير والتحول والتبدل عدة مرات في حياة الفرد، لا بين جيل وجيل كما كان عهدنا في الماضي، ولكن في حياة نفس الجيل وبطريقة مستمرة. ولن يقتصر هذا التغير الاجتماعي المتسارع على من يشاركون أو يصنعون هذه الثورة، ولكنه سيشمل كل شعوب الأرض.
2- الانفتاح الإعلامي الثقافي الحضاري العالمي المتسارع؛ فوسائل الاتصال السريعة، بل والآنيّة تعبُر الحدود بلا حدود ولا شروط ولا قيود برسائلها ومضامينها وأفكارها من أي مجتمع لأي مجتمع آخر، وسوف تصبح وسائل الإعلام والرقابة التقليدية أدوات بدائية عديمة الكفاءة وقليلة الفاعلية في منع أو تحصين الفرد والمجتمع ضد استقبال محتويات الرسائل الإعلامية والثقافية والعادات الوافدة من مجتمعات وثقافات أخرى.
إنَّ التحصين الحقيقي في مواجهة هذا التدفق الإعلامي الثقافي الوافد، هو وعي الفرد والمجتمع وقدرتهما على الفرز النقدي، وفي قدرة وسائل الإعلام والتعليم والثقافة الوطنية والأنظمة الاجتماعية، على تقديم بدائل أكثر جدية ومصداقية وجاذبية. وهذه مهام تتجاوز قدرات أنظمة التعليم والإعلام والثقافة والاجتماع كما عرفناها في الماضي، أو كما نعرفها الآن في مجتمعاتنا، فهذه المهام تتطلب أجهزة خلَّاقة ومقتدرة إذا كان لها أن تحافظ على هويات مجتمعاتها الحضارية القومية الثقافية وتحفظها من المسخ والذوبان، وفي نفس الوقت الذي لا يتحول فيه المجتمع إلى متحف تاريخي تراثي منغلق وجامد.
رابط مختصر