في إطار سعي جنوب السودان لتعزيز العدالة والمساءلة داخل مؤسساته الأمنية والعسكرية، أعلنت الحكومة مؤخرًا إعادة تفعيل المحكمة العسكرية لمحاكمة أفراد القوات النظامية المتورطين في ارتكاب جرائم ضد المدنيين.

هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من العنف والانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في البلاد، وتُعَدّ خطوة حيوية لتعزيز سيادة القانون وإنهاء الإفلات من العقاب.

إعادة تنشيط المحكمة

اليوم 6 أكتوبر 2024، أعلنت حكومة جنوب السودان عن إعادة تنشيط المحكمة العسكرية التي أنشئت لأول مرة عام 2015، لكنها لم تكن فعّالة بشكل كافٍ خلال السنوات السابقة. تهدف المحكمة إلى محاكمة أفراد القوات النظامية المتورطين في الجرائم ضد المدنيين، وهي جزء من جهود الحكومة للحد من العنف والانتهاكات التي ترتكبها القوات النظامية.

أهداف المحكمة

المحكمة العسكرية في جنوب السودان تهدف إلى تحقيق العدالة والمساءلة داخل القطاع العسكري، مع تعزيز احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون. وترتكز جهودها على محاكمة الجنود وضباط الجيش المتورطين في ارتكاب جرائم، سواء كانت تلك الجرائم مباشرة أو غير مباشرة. كما تسعى المحكمة إلى التأكيد على أن كل فرد، بغض النظر عن رتبته أو مركزه، خاضع للمحاسبة القانونية.

تصريحات المسؤولين

أكد اللواء صادق إسماعيل صديقي، رئيس لجنة المحكمة، خلال تدشينها في جوبا أن هذه المحكمة تمثل "خطوة محورية نحو التزام القطاع الأمني بدعم العدالة والمساءلة". وأضاف أن المحكمة تهدف إلى توفير نظام قضائي عادل وفعال، بما يعزز ثقة الجمهور في النظام القانوني ويؤكد على مبدأ سيادة القانون.

من جانبه، أشار نائب المفتش العام لشرطة جنوب السودان، الجنرال توماس جال، إلى أن المحكمة ليست مقتصرة على محاكمة أفراد القوات النظامية فحسب، بل ستتوسع لتشمل القضايا التي تهم المواطنين أيضًا. 

 

وأكد على أن الجرائم المرتكبة من قبل أفراد يرتدون الزي العسكري تشكل جزءًا كبيرًا من الجرائم المسجلة في البلاد، ما يستدعي إجراءات صارمة لوقف هذه الانتهاكات.

أهمية المحكمة العسكرية

تعد هذه المحكمة العسكرية إحدى الأدوات الرئيسية التي يمكن أن تساهم في تحسين الوضع الأمني والحقوقي في جنوب السودان. في بلد يعاني من النزاعات والانتهاكات المستمرة، يعتبر ضمان المساءلة داخل القوات النظامية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق السلام والاستقرار.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل المحكمة كوسيلة للردع، حيث تسعى إلى تحذير الجنود وأفراد القوات النظامية من التورط في انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم ضد المدنيين، مما يشكل خطوة كبيرة نحو إنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استمرت لسنوات.

التحديات والآمال

رغم الجهود المبذولة، تواجه المحكمة العسكرية في جنوب السودان تحديات كبيرة، من بينها ضمان نزاهة المحاكمات، ووجود ضغوط سياسية أو اجتماعية قد تؤثر على سير العدالة. ومع ذلك، تأمل الحكومة أن يؤدي هذا النظام القضائي إلى تعزيز الثقة في المؤسسات الحكومية، وإعادة بناء الثقة بين القوات النظامية والشعب.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: جنوب السودان المحكمة العسكرية اخبار جنوب السودان المحکمة العسکریة فی جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

السودان الجديد والدينكاتوكرسي (2-2)

بدا من فرح اجتماع نيروبي بـ"السودان الجديد"، وهو على ما رأينا منه مطبقاً (أو منسياً) في جنوب السودان كمثل علاقة دوريان قري وصورته في الرواية المشهورة للكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد. فاختار دوريان قري لصورته أن تأخذ عنه وطء اطراد العمر ووخطه بالتجاعيد وخطاياه في حين يبقى هو شاباً نضراً عظيم الحلاوة. وبالمثل اختار الهامش ومناصروه أن يبقوا على وسامتهم السودانية الجديدة كما في مؤتمر نيروبي بينما تشيخ صورة السودان الجديد في جنوب السودان وتذبل.

من رابع المستحيلات نسبة الدعم السريع لرية السودان الجدي إذا صحت نسبة غيره في نيروبي إليه على علاته. فلا يجتمع الدعم والسودان الجديد حتى في آدم وحواء. فالأصل في تلك القوات أنها نشأت ضمن خطة "دولة الإنقاذ" للقضاء بـ"أرخص كلفة" على السودان الجديد كما تمثل في حركات الكفاح المسلح في دارفور وجبال النوبة، وحتى المقاومة الشعبية في المدينة مثل هبة الخرطوم في سبتمبر (أيلول) عام 2013. فإذا كان غيره خلع القبح عنه لتبتلي به صورته في السودان الجديد فقوات "الدعم السريع" هي من حرشته "الإنقاذ" لإراقة الدم على هذه الصورة. وزادت تضريج الصورة بتبنيها للرؤية في نيروبي وهي من كان كبد من نهض بها الأمرين.
وليس مثل يوسف عزت، مستشار محمد حمدان دقلو السابق، من يحسن اكتناه هذا القبح المستجد. فقال في كلمة أخيرة ناضجة إن "الدعم" تبنت السودان الجديد في سياق ارتباك زجها أبداً في تحالفات لم تزد عندها على كونها أدوات مرحلية فرضتها الحرب عليها من دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات. وليصدق التزامها بالسودان الجديد، في قول عزت، فلا بد لها من إزالة التناقض بين مثل هذا الالتزام وبين التركيبة الأسرية والاجتماعية لـ"الدعم السريع" التي تقوم حالياً على قيادة الأسرة والولاءات القبلية. وعلى رأس هذا الإصلاح، في قوله، "هيكلة ’الدعم السريع‘ كمؤسسة قومية ديمقراطية". وأضاف عزت أن الحشد القبلي الاجتماعي لـ"الدعم السريع" تفوق على التزام المشروع المدني، مما "أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية".
وربما كان عزت هنا حسن الظن بـ"الدعم" لا يزال. ولكن كسب "الدعم السريع" في نيروبي لم يكُن في ميثاق "تأسيس" ولا دستور الدولة المنتظرة ولا السودان الجديد، بل في العهد الخاص الذي وقعه مع عبدالعزيز الحلو للعمل العسكري المشترك ضد دولة 56. ولا يبدو أن الحلو اكترث، لكي يبقى شاباً حدثاً حلو الوجه، لتقاطيع البؤس والقبح التي اندلقت على صورة السودان الجديد من ذلك العهد.
وجهان للسودان الجديد
تغاضت الصفوة الليبرالية واليسارية في السودان التي تعاقدت مع الحركة الشعبية منذ عام 1986 عن العطب الذي ألمّ بصورة السودان الجديد بوجهين. أما الوجه الأول، فهو استدبارها النقد الذي صوبته أقلام مشغولة ومسؤولة للحركة الشعبية في طور نضالها من أجل السودان الجديد، فصدرت منذ التسعينيات كتب عن بؤس ذلك النضال ممن انشرحوا للفكرة والتحقوا بجيشها وجاهدوا لها حق جهادها، فسرتهم، ولكن عادوا بغصة بآخرة منها. فأنذرت هذه الكتب عن مآل الحركة إن لم تلجم السياسة العسكرية فيها. فصدر للأكاديمي وعضو القيادة العليا في "الجيش الشعبي" لام أكول كتابه "الحركة الشعبية لتحرير السودان: داخل ثورة أفريقية" عام 2001، وهو عبارة عن يوميات صراعه لبث الديمقراطية في هيكل الحركة التي التحق بها عام 1988 وانشق عنها عام 1991. كما صدر لمحمد هارون كافي، المؤلف في تراث جبال النوبة الذي انضم إلى الحركة في 1986 وخرج عليها في 1996، كتابه "نزاع السودان". وصدر للأكاديمي بيتر أدوك نيابا كتابه "سياسات التحرر في السودان: نظرة من الباطن" عام 1997، وكان انضم إلى الحركة عام 1986 وغادرها نهاية العقد. ولم تكتفِ الصفوة الليبرالية واليسارية باستدبار تلك الكتب فحسب، بل حملت على مؤلفيها كما فعل منصور خالد. فذنّب لام أكول في كتابه "نداء من أجل الديمقراطية" لخروجه على قرنق في 1991 تذنيباً لم يبارح فيه حرفاً من أدب التخوين اليساري. وكانت عزائم الصفوة الليبرالية صمدية في امتناعهم عن أن يروا القبح الذي بدأ يرين على صورة السودان الجديد. كانوا يريدون لوجههم الوسامة وليقبح وجه السودان الجديد في الإطار.
الدينكا و"الإثنوكراسية"
أما الوجه الآخر للصفوة الليبرالية التقدمية فهو في استدبارهم للسودان الجديد بعد استقلال الجنوب في دولته. فما رأوا منه في التطبيق وفي بلد المنشأ أزهدهم فيه بالكلية. ووجدوا العزاء عن ذلك في مصرع العقيد قرنق عام 2005. فلو لم يغادر الدنيا، في عقيدتهم أو إيمانهم، قبل الاستفتاء في 2011، لما انفصل الجنوب ولكان اهتدى برؤية السودان الجديد. فحملوا الدمامة إلى صورة السودان الجديد وخلص له وجههم وسيماً. وكانت دمامة السودان الجديد في بلد المنشأ فاحشة فحشاً هو موضوع كتاب للأكاديمية كليمنسي بنيود بجامعة إنديانا بالولايات المتحدة له عنوان مرعب "الحرب والتطهير العرقي في جنوب السودان" (2021)، وقرأت فيه وقائع التطهير العرقي التي خضع لها شعب النوير وغيرهم في 2013 وما بعدها وردتها إلى شرور دولة جنوب السودان التي سمتها "الإثنوكراسية" أي التي تقوم عليها عرقية صفوة الدينكا حصرياً، وهي عرقية تطابقت فيها القومية جنوب سودانية والانتماء إلى شعب الدينكا. وتمت هذه المطابقة خلال حرب التحرير. فوقفت المؤلفة عند منعطفاتها التي غلبت فيها الدينكا عدداً في الحركة الشعبية واستأثرت صفوتها العسكرية بمراكز القيادة فيها والمنافع المترتبة على ذلك. وابتليت هذه الصفوة بعزة الشعب السيد، فهم من جاؤوا باستقلال جنوب السودان دون غيرهم. فصارت حرب التحرير الوطني أسطورة المنشأ لامتياز صفوة الدينكا في "الإثنوكراسية". وبلغت بهم هذه النعرة مبلغاً حددوا بها وطناً غير جنوب السودان لشعوبه الأخرى، فجعلوا قبلة النوير مثلاً إثيوبيا لأصولهم فيها، إذ لا تزال جماعة من تلك القبيلة هناك. وجعلوا قبلة شعب الشلك السودان لأن لهم أصل أثري في ولاية النيل الأبيض الحالية في السودان. واستباحت هذه الصفوة أرواح الجنوب سودانيين غيرها وأرضهم إلى يوم يغادرون جنوب السودان غير مأسوف عليهم.
بدا ممن عرضوا بالسودان الجديد في نيروبي أنهم كمن يتوعدونا به، ولا يبشرون ما دام أن وجهوهم أشرقت به طرية شابة في حين وخطت تجاعيد الدمامة عليه في بلد المنشأ.

ibrahima@missouri.edu

   

مقالات مشابهة

  • مجازر تونس والشجرة التي أخفت الجرائم
  • في جنوب السودان..19 قتيلاً بعد غارة جوية للجيش
  • جوبا تتراجع وتكشف عن دور القوات الأوغندية في جنوب السودان
  • السودان الجديد والدينكاتوكرسي (2-2)
  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)
  • هجوم بسيارة مفخخة في باكستان يقتل 5 ويصيب 30 من القوات شبه العسكرية
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • رئيس الوزراء البريطاني: المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا يجب ألا تتوقف
  • التفاصيل الكاملة لحريق المعامل المركزية لوزارة الصحة
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها