* تتسلل من دوائر الضجر, والأحاديث المملة, والآراء السقيمة المكرورة, والوجوه الكئيبة-والأخبار السوداوية ,والنقاشات العقيمة, والحوارات الفارغة ,والجدل المحتد والسفسطائي, حول اللا شيء ومن أجل اللا شيء..!!
وتنطلق باتجاه الأمكنة الحميمة إلى وجدانك, أمكنة تشعر معها وفيها بنبض المكان وعبقه, وبنكهة التاريخ ومذاقه, وبتدفق الحياة وهديرها وصخبها وانسيابها المترقرق.
وأمكنة تضج بدفء الحياة وتيارها المتدفق بكائناتها المختلفة.
أمكنة تزدحم بالتفاصيل المدهشة.. أمكنة تؤثثها طيبة الناس وأريج منابتهم ونبلهم الإنساني المصفّى، أمكنة تمتلئ بضجيجهم اليومي, ذلك الضجيج الإيجابي الذي تشعر معه بدوران عجلة الحياة والكفاح من أجل ألا يكونوا ضحية تحت عجلات ظروفها القاسية.. وإحساسهم العالي بأنهم جميعاً يشاركون في تحريك المياه الراكدة وتسيير شؤونهم, وأداء دورهم في مختلف المجالات التي ينغمسون فيها.
تتجول في تلك الأمكنة, وتندمج في تفاصيلها التي لا تملها رغم مرورك وتجوالك فيها لعشرات ومئات المرات، إلا أنك كلما مررت فيها, أو أتيت إليها, تجد أنك تشاهدها وتتنفس عبقها وتغمر وجدانك وأعماقك, وتجعلك تسير وتتنزه في جنباتها دون أن تشعر بذلك الوقت الطويل الذي يمضي, وأنت في حالة عشق وتناغم وانسجام مع تلك الأمكنة التي تبث سحرها فيك وتجعلك تمتلئ بعبقها المميز.
تمتلئ أعماقك بشجون كثيرة, وبأفكار ومعان متعددة, وتتراءى الصور والمشاهد الكثيرة أمام شاشة خيالك وذاكرتك واندهاشك المتواصل وتشعر بنشوة وفرح وابتهاج يغمرك, كما تشعر بقدرتك على الإطلالة على نوافذ جديدة والإمساك بلحظات تمر مثل البرق، لكنها تمنحك وتضيء لك آفاقاً جديدة وتكشف لك الكثير من الجوانب المعتمة..
تلك الأمكنة كثيرة في بلادنا، وبإمكانك أن تتلفت حولك لتجدها فاتحة أحضانها لك وتنتظر قدومك إلى رحابها الحنون، وخاصة عندما يحاصرك الضجر، ويطوقك الملل وتوابعه المتعبة.
انظر حولك.. المدن القديمة, والقرى والأسواق المختلفة, والأماكن القديمة كلها «مشتاقة لك» فهل أنت مشتاق لها..؟
أما أنا فسأواصل نزهتي وتجوالي في أزقة صنعاء القديمة وإن وجدتني سارحاً في تأملاتي, فأرجوك لا تخرجني من سحر مدينتي ودعني أواصل طبع قبلتي على جبينها المضيء بتاريخها وعراقتها وفنها وتراثها الإنساني العظيم وحنانها الذي لا يتوقف.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
تطبيع سوريا مع إسرائيل.. فكّر فيها
نشرت عدّة مواقع إخبارية أجنبية الأسبوع المنصرم تقارير تحدّثت عن نيّة الحكومة السورية الجديدة التطبيع مع إسرائيل. وسرعان ما انتشرت هذه التقارير انتشار النار في الهشيم لاسيما في المواقع العربية مع تركيز على نيّة الرئيس السوري أحمد الشرع المبادرة بتطبيع العلاقات مع تل أبيب كوسيلة للمساعدة على رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا.
لكن اللافت للنظر أنّ هذه التقارير لم تأت على لسان الشرع نفسه وإنما على لسان بعض الشخصيات الغربيّة التي زارت دمشق وقيل أنّها التقته، وهي عضو الكونغرس الأمريكي كوري ميلز، وعضو الكونغرس الأمريكي مارلين ستوتزمان، والدبلوماسي البريطاني السابق كريغ موراي.
هذه الشخصيات تناولت موضوع التطبيع في سياقات مختلفة، إذ ذكر التقرير المتعلق بكوري ميلز، وهو التعليق الأحدث أنّ الرئيس السوري عبّر عن "اهتمام محتمل" بالانضمام إلى الإتفاقات الإبراهيمية تحت "ظروف مناسبة".
أمّا التقرير المتعلق بمارلين ستوتزمان فقد أشار إلى وجود شروط سوريّة تشمل من بين ما تشمل الحفاظ على وحدة سوريا وعلى سيادتها، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية. أمّا التقرير المتعلق بالنائب البريطاني، والذي يعود إلى منتصف شهر أبريل، فقد أشار إلى أنّ الرئيس الشرع أكّد بشكل خاص أنّه سيقوم بتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل وبتبادل السفراء نهاية عام 2026.
من الناحية التحليلية، يمكن ملاحظة أنّ التفاصيل المتعلّقة بهذه التصريحات ليست متطابقة أو منسجمة مع بعضها البعض، وهو ما يتناقض مع الإفتراض القائل أنّ الشرع فاتحهم بالتطبيع. فإذا كان موقف الشرع التطبيع، فإنّ روايته على الأقل ستكون واحدة. لكن خلفية الشخصيات المشار إليها وسياق التصريحات تشير على الأرجح إلى أن طرح موضوع التطبيع كان بمبادرة منهم وأنّ الجواب عليه يرتبط بهم أكثر مما يرتبط بموقف مبدئي.
بمعنى آخر، إذا طرح الزائر سؤال التطبيع، فهذا إما لأنّه يبحث عن لعب دور متعلق فيه، وإمّا لأنّه يبحث عن شهرة، وإنما لانّه يبحث عن مشكلة. بالنسبة إلى الشخص الذي يتم توجيه السؤال له، فإنّ السؤال قد يكون بمثابة فخ يجب تفاديه بأقل الأضرار الممكنة.
لا يوجد لدي أدنى شك أنّ الإدارة الأمريكية والعديد من المسؤولين فيها قد يرغبون برؤية عملية تطبيع بين سورية وإسرائيل كما فعلوا سابقا بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. ولا شك كذلك أنّ الظروف تسمح لهم لممارسة ضغوطات على الحكومة السورية في ظل حاجة الأخيرة إلى رفع العقوبات.لكن لتفترض جدلاً أنّ الشرع يريد التطبيع فعلاً بمبادرة منه، هناك الكثير من المعطيات التي تشير إلى أنّ إمكانية تحقيق ذلك صعب جداً. هل سيكون بالإمكان إجراء تطبيع وإسرائيل تحتل أراضي سورية وتخترق أجواءها بشكل شبه يومي وتقصف أراضيها؟ هل تعتقد أنّ نتنياهو سينسحب من سورية مقابل تطبيع مع الحكومة السورية؟ هل ستلتزم إسرائيل بأي تعهدات ستقطعها؟ ماذا عن شرعية الرئيس السوري داخلياً؟ هل سينسجم هذا الموقف مع غالبية الشوريين حتى ولو كان شرطاً لرفع العقوبات؟ من جهة أخرى، ماذا عن تجربة من طبّعوا بشكل سابق خلال الأعوام القليلة الماضية؟ وأين أصبح تطبيعهم اليوم؟ لا بل ماذا عن الدول التي لديها اتفاقيات سلام مع إسرائيل؟ كيف هو حال العلاقات الإسرائيلية مع مصر والأردن؟
القصد من طرح هذه الأسئلة الإشارة إلى أنّ الحديث عن التطبيع سهل بغض النظر عن المصدر التي يتحدث عنه، لكن تطبيقه حتى لو افترضنا وجود نية لذلك غير ممكن في الظروف الحالية، وغير ممكن لأنّ إسرائيل هي إسرائيل. علينا أن نفرّق أيضاً بين تصريحات الشرع الواضحة والمباشرة والتي ذكر فيها انّ الجانب السوري لا يريد التصادم مع إسرائيل وأنّه ملتزم بالاتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن التي أنشات المنطقة العازلة، وبين الحديث عن تطبيع. فالشق الأوّل يتعلق بعملية تجنّب الصراع أو الصدام بينما يتعلق الشق الثاني بالسعي إلى الإعتراف والتطبيع والتمثيل، وسيكون من الخطأ خلط المعنى والهدف والغاية المتعلقة بالطرح الأوّل بالمعنى والهدف والغاية من الطرح الثاني.
لا يوجد لدي أدنى شك أنّ الإدارة الأمريكية والعديد من المسؤولين فيها قد يرغبون برؤية عملية تطبيع بين سورية وإسرائيل كما فعلوا سابقا بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. ولا شك كذلك أنّ الظروف تسمح لهم لممارسة ضغوطات على الحكومة السورية في ظل حاجة الأخيرة إلى رفع العقوبات. والأمر نفسه قد ينطبق على بعض المسؤولين الإسرائيليين. لكن حتى لو نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر إسرائيلية، هل هناك من يعتقد أنّ إسرائيل نتنياهو ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلّتها مؤخراً، وستقوم بإنهاء احتلالها للجولان وتفكيك المشاريع والمستوطنات هناك، وستتوقف عن الخروقات، وعن استهداف العمق السوري، وعن عمليات التوغل، وعن التدخل في الشؤن الداخلية السورية من أجل تطبيع مع حكومة سورية مؤقتة؟ لا أعتقد ذلك.
الخلاصة هو أنّه يجب ألاّ ننجر بشكل عاطفي إلى بالونات الاختبار التي يتم إطلاقها هنا وهناك أو الأخبار التي تأتي من خلف البحار. نظرياً التطبيع قد يحصل في أي مكان، لكن عملياً هل سيحصل ذلك؟ علينا أن نفكّر بمصالح مختلف الأطراف والظروف الداخلية والسياق الإقليمي، وهذه كلّها لا تشجّع الآن على حصول مثل هذا الأمر. لكن حتى لو افترضنا جدلاً مرّة أخرى أنّ هذا التحليل قد أثبت عدم صحته، وأنّ هناك اتجاه حقيقي لدى الحكومة السورية للتطبيع مع إسرائيل، فماذا سيكسب الشرع أو سورية من عملية التطبيع؟ رفع العقوبات ليس بمثابة عصا موسى، وعليه فإنّ التطبيع سيكون في هذه الحالة خطأ كبيراً في الحسابات.