يعود أكتوبر حاملًا معه ألوان الخريف وطعم اليقطين، تهب نسائمه معلنةً قدوم مزاج الشتاء الرائق، المفعم بالحب، ودفء المشروبات الساخنة، فيه تبدأ الغيوم تزين زرقة السماء، وتكثر كرنفالات اللقاءات، ودندنة الليل وصوت القصائد.
في ذاكرة اكتوبر لكل منّا ذكريات لا تُنسى، خصوصًا لكل امرأة خاضت تجربة سرطان الثدي، فهو بالنسبة لها وعائلتها، تخليدًا لمدى قوتها، وتذكيرًا لكل من حولها بالكشف المبكر عنه، ولأني إبنه لمتعافية منه، فإنه بالنسبة لي -رغم مافيه من فعاليات- إلا أني أهتم به لأجل أمي، ولذلك كتبت عن بطلتي وغيرها طويلًا، و مدى كفاحهن في محاربته حتى انتصرن.
رافقت والدتي خلال إصابتها بمرض السرطان، تعلمت كيف أصبح أمًا لأمراة أنجبتني، وضعت قلب هرقل في صدري، حين كان يتناثر شعرها بين يدي، وأنا أحلقه مقلِّدة صوت حلاق يحاول نطق العربية بلغة مكسورة الفؤاد واللسان، ولهذا قررت أن أكتب لي، ولغيري ممَّن كان سببًا في التغلب على ذلك الشيطان الخبيث.
أكتب لكل شخص أمسك يد العربة تحمل مريضةً يشق معها طريق الصمت لتلقي العلاج يدعو الله أن يجعله بردًا على جسدها المتعب، وأكتب لمن رافق مواعيد الأطباء لا يكف عن الأسئلة ليطمئن قلبه، ويفهم دوره في مراحل التعافي وتجاوز المرض، وأكتب لكل الذين أوقفوا التهام السرطان لجسد أم، أو زوجة، أو شقيقة، بالدعم النفسي، وكانوا ملاذًا لها من السقوط في هاوية اليأس، ورغبة الهزيمة، فيما كانوا في الأصل بحاجة إليه، فلولاهم أبطال الخفاء، لما تغلبن عليه كورقة لا تملك من أهميتها إلا لونها.
حين أصيبت أمي به، شعرت وكأني أمام طريق مليء بالأشواك على تجاوزه دون التفكير فيما فيه، كنت بحاجة لمن يجيب عن أسئلتي الكثيرة، حاولت إيجاد يد تربت عليَّ لكن لم أجد-ولا ألومهم على ذلك فلا أحدًا حولي واجهة المرض- لكن الأيام كانت كفيلة بذلك، وفي كل مرحلة علاجية لها، تعرفت على ممَّن كان يمشي في طريقي، ببساطة: كنّا نساعد بعضنا، وندعم بعضنا نفسيًا، وببعضنا نتجاوز كل صعب، ولذلك نحن جنود التعب المجهولين، الذين حتى اليوم نتذكر أيامنا الماضية بالإمتنان لله على تجاوزها، وتغلُّب أحبابنا على المرض، فأكتوبر ليس وردي لأنه مخصص لسرطان الثدي فقط! بل وردي لأنه كذلك لكل من واجه المرض، متغلِّبًا عليه حتى لو لم يُصب به.
@i1_nuha
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
هل يجوز للمريض جمع صلاتين؟.. الإفتاء تفند رأي المذاهب الأربعة
أعلنت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي أنه يجوز جمع الصلاتين للمريض، وذلك وفقًا لما أقره بعض المذاهب الفقهية، حيث أكد الحنابلة وبعض الشافعية على جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين العشاءين في وقت إحداهما للمريض الذي يعاني من مشقة أو ضعف، بناءً على الأحاديث النبوية الشريفة، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر، وفي رواية أخرى من غير خوف ولا سفر، مما يعد دليلًا على جواز الجمع للضرورة المرضية.
ونقل العلامة البهوتي في "كشاف القناع" أن الجمع بين الصلاتين جائز للمريض الذي يلحقه مشقة أو ضعف، حيث ذكر أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وكذلك بين العشاءين في وقت إحداهما.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع بين الصلاتين دون أن يكون هناك خوف أو سفر أو مطر، وبالتالي يكون المرض هو العذر الوحيد المتبقي لهذا الجمع.
كما استند الإمام أحمد بن حنبل إلى جواز الجمع للمستحاضة باعتبارها نوعًا من المرض، مؤكدًا أن المرض أشد من السفر.
وفي "روضة الطالبين" للإمام النووي، أشار إلى أن المشهور في المذهب الشافعي هو أنه لا يجوز الجمع في حالة المرض، لكن بعض من أصحاب المذهب كالخطابي والقاضي حسين أجازوا الجمع للمريض.
كما استحسن الروياني ذلك، معتبرًا أنه من الأفضل للمريض أن يراعي ما يحقق له الرفق بنفسه، فإذا كان يشعر بالمشقة في وقت الصلاة الثانية، فإنه يمكنه أن يقدم الصلاة الأولى إلى وقتها، وإذا كان يشعر بالمشقة في وقت الصلاة الأولى، فإنه يمكنه تأخيرها إلى وقت الثانية. وقد أقر النووي في النهاية أن القول بجواز الجمع للمريض هو القول الأقوى والأصح.
أما المالكية فقد أجازوا للمريض الجمع الصوري بين الصلاتين، وذلك بأن يؤدي الصلاة الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها.
ويهدف هذا الجمع إلى الخروج من الخلاف حول جواز الجمع في حالات المرض، حيث أكد العلامة الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" أن هذا الحكم يشمل المريض الذي يواجه مشقة في الوضوء أو القيام لأداء الصلاة، كما يمكن أن يشمل أيضًا من يعاني من مرض البطن أو أي حالة مرضية أخرى قد تؤثر على قدرته على أداء الصلاة بشكل عادي.
وبناءً على هذه الآراء الفقهية، فإنه يجوز للمريض جمع بين الظهر والعصر وكذلك بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، كما يجوز له أداء الصلوات بشكل صوري بحيث يصلي الظهر والمغرب في آخر وقتيهما، والعصر والعشاء في أول وقتيهما.
وهذا يحقق التخفيف على المريض في حالات العذر المرضي ويضمن له أداء الصلوات بما يتناسب مع حالته الصحية.