تحليل للاقتصاد الإسرائيلي بعد عام من الحرب
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
تمكن الاقتصاد الإسرائيلي على مدى عام تقريبا من التغلب على فوضى الحرب التي تنذر بالتحول إلى صراع إقليمي، لكن ارتفاع تكاليف الاقتراض بدأ يفرض ضغوطا على بنيته المالية.
تشير بيانات وزارة المالية إلى أن الكلفة المباشرة لتمويل الحرب في غزة حتى أغسطس بلغت 100 مليار شيقل (26.3 مليار دولار). ويقدر بنك إسرائيل أن إجمالي التكلفة قد يرتفع إلى 250 مليار شيقل بحلول نهاية 2025.
تسبب ذلك في خفض تصنيف إسرائيل الائتماني، مما يفاقم تأثيرات اقتصادية قد تستمر لسنوات، في حين بلغت كلفة تأمين تخلف إسرائيل عن سداد ديونها أعلى مستوى لها في 12 عاما، كما زاد عجز الميزانية.
وقال سيرجي ديرغاتشيف، مدير المحافظ الاستثمارية في يونيون إنفستمنت "ما دامت الحرب مستمرة، فإن مقاييس الديون السيادية ستواصل التدهور".
وعلى الرغم من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي مقياس أساسي لمتانة الاقتصاد، بلغت 62 بالمئة في إسرائيل العام الماضي، فإن احتياجات الاقتراض تجاوزت الحد.
وأوضح ديرغاتشيف أنه "حتى لو كانت إسرائيل قد دخلت الحرب في وضع اقتصادي جيد نسبيا، فالأمر سيكون مؤلما على الجانب المالي.. ومع مرور الوقت، سيضغط على التصنيف الائتماني".
ويقول وزير مالية إسرائيل إن اقتصادها قوي وإن من المتوقع أن يرتفع تصنيفها الائتماني بمجرد انتهاء الحرب.
وتكاليف الحرب الإسرائيلية باهظة بسبب دفاعات القبة الحديدية الجوية وتعبئة القوات على نطاق واسع وحملات القصف المكثفة. وفي هذا العام، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 67 بالمئة، في حين سجل العجز الحكومي 8.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز كثيرا 6.6 بالمئة المتوقعة سابقا.
ورغم أنه من المرجح ألا يتخلص المشترون الأساسيون للسندات الدولية الإسرائيلية، صناديق التقاعد أو مديرو الأصول الكبار الذين أغرتهم تصنيفات الديون السيادية المرتفعة نسبيا، من هذه الأصول خلال فترة قصيرة، فإن قاعدة المستثمرين تقلصت.
ويقول المستثمرون في أحاديث خاصة إن هناك رغبة متزايدة في التخلص من سندات إسرائيل أو عدم شرائها لمخاوف حيال الآثار المتعلقة بالبيئة والنواحي الاجتماعية والحوكمة المترتبة على كيفية إدارة الحرب.
وذكر متحدث باسم صندوق الثروة السيادية النرويجي أن بنك النرويج المركزي باع حصة صغيرة في سندات الحكومة الإسرائيلية في 2023 "نظرا لزيادة حالة الضبابية في السوق".
وقال ترانج نجوين رئيس استراتيجية ائتمان الأسواق الناشئة العالمية لدى بي.أن.بي باريبا "التقييمات هي ما يعكس بوضوح هذه المخاوف"، مضيفا أن السندات الإسرائيلية يجري تداولها عند فروق أسعار فائدة أوسع كثيرا مقارنة مع الدول ذات التصنيف المماثل.
وعندما سئلت وزارة المالية عن ارتفاع تكاليف الاقتراض ومخاوف المستثمرين بشأن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة عند إعداد هذا التقرير، قالت إن المالية العامة للحكومة "تُدار بكفاءة" منذ بدء الحرب.
وأضافت الوزارة "تظهر السوق المحلية المرنة في إسرائيل طلبا قويا، ويظل المستثمرون الدوليون على ثقة في جدارتنا الائتمانية".
وفي حين أن سوق السندات في إسرائيل تتمتع بحجم تداولات كبير وتشهد حركة بيع وشراء نشطة وتتوسع سريعا، فقد انسحب المستثمرون الأجانب.
وتظهر بيانات البنك المركزي أن حصة غير المقيمين في السندات الحكومية تراجعت إلى 8.4 بالمئة أو 55.5 مليار شيقل في يوليو من 14.4 في المئة أو ما يقرب من 80 مليار شيقل في سبتمبر من العام الماضي. وخلال الفترة نفسها، نما حجم السندات المتداولة بأكثر من الخمس.
وقال مسؤول في وزارة المالية طلب عدم نشر اسمه "المؤسسات الإسرائيلية تشتري بالفعل مزيدا من السندات منذ عدة أشهر وأعتقد أن بعض المستثمرين العالميين باعوها بسبب الأوضاع الجيوسياسية وحالة الغموض".
ويخفض مستثمرو رأس المال استثماراتهم، إذ أظهرت بيانات من شركة كوبلي للأبحاث أن خفض ضخ المستثمرين الدوليين للأموال في الصناديق الإسرائيلية تسارع بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر العام الماضي بعد أن بدأ في مايو 2023 وسط أزمة التعديلات القضائية المثيرة للجدل.
وتراجعت ملكية الصناديق العالمية للأسهم الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها منذ عقد.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل 29 في المئة على أساس سنوي في 2023، وفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية- وهو أدنى مستوى منذ عام 2016. وفي حين أن أرقام عام 2024 غير متاحة، فقد أشارت وكالات التصنيف إلى التأثير غير المتوقع للحرب على مثل هذا النوع من الاستثمارات باعتباره مصدر قلق.
وزاد كل هذا الحاجة إلى الاستثمار المحلي والدعم الحكومي.
وتعهدت الحكومة في أبريل بتخصيص 160 مليون دولار من الأموال العامة لتعزيز تمويل رأس المال الاستثماري لقطاع التكنولوجيا الحيوي، والذي يمثل نحو 20 في المئة من اقتصاد إسرائيل.
ويضاف هذا إلى التكاليف الأخرى ومنها توفير السكن لآلاف النازحين بسبب القتال وكثير منهم يعيش في فنادق شاغرة بسبب الانخفاض الحاد في أعداد السياح.
ويواجه قطاعا الزراعة والبناء عراقيل بسبب النزوح ونقص العمالة، جراء التعبئة ورفض إسرائيل السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول.
وكان تراجع نشاط التشييد عاملا رئيسيا في تقليص النمو الاقتصادي، والذي انخفض بأكثر من 20 في المئة في الربع الرابع من العام الماضي ولم يتعاف بعد. وتظهر البيانات من الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو أن الناتج المحلي الإجمالي المعدل في ضوء العوامل الموسمية ظل أقل 1.5 في المئة عن مستويات ما قبل الهجوم، وفقا لحسابات غولدمان ساكس.
ولم تواجه إسرائيل حتى الآن أي صعوبات في جمع الأموال. فقد باعت ديونا في أسواق رأس المال العالمية هذا العام بنحو ثمانية مليارات دولار. وتستهدف "إرائيل بوندس"، أداة الاقتراض الحكومية لسندات الشتات، تحقيق رقم قياسي سنوي ثان يتجاوز 2.7 مليار دولار.
لكن ارتفاع تكاليف الاقتراض والإنفاق والضغوط الاقتصادية تشكل تحديات تلوح في الأفق.
وقال روجر مارك المحلل في فريق الدخل الثابت في ناينتي ون "هناك مجال لإسرائيل لمواصلة اجتياز هذه الأزمة، نظرا لقاعدة المستثمرين المحليين الكبيرة التي يمكنها الاستمرار في تمويل عجز كبير آخر".
وأضاف "ومع ذلك، يتطلع المستثمرون المحليون إلى ظهور بعض الإشارات على الأقل لجهود الحكومة لضبط المالية العامة وخفض عجز الميزانية".
(الدولار = 3.8055 شيقل).
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی العام الماضی ملیار شیقل فی إسرائیل فی المئة فی حین
إقرأ أيضاً:
حياة بدائية مريرة خلفتها الحرب الإسرائيلية في قرى الجنوب اللبناني
جنوب لبنان- "هذا كان بيتي وللمرة الثالثة أعيد بناؤه" بهذه الكلمات المشحونة بالألم يبدأ المواطن زهر الدين، أحد أبناء بلدة ميس الجبل في الجنوب اللبناني، حديثه للجزيرة نت، بينما يفتح أبواب منزله شبه المدمر، ويروي حكاية عمرها أكثر من عقدين مع الحرب والخراب وإعادة الإعمار.
وفي صوته الذي تختلط فيه المرارة بالإصرار، يقول زهر الدين "منذ 22 عاما وأنا أُعمّر، المرة الأولى كانت عام 2000، والمرة الثانية عام 2006، والآن المرة الثالثة، ولا أعرف إن كنت سأستطيع إعادة بنائه من جديد".
ويتنقل بنا بين غرف منزله، مشيرا بيده إلى الركام، وإلى الجدران التي مزقها القصف، والزوايا التي كانت تحمل تفاصيل حياته اليومية. ويتحدث عن المطبخ، وغرفة النوم، وشجرة الليمون التي كانت تظلل باحة الدار، فكل شيء تحوّل إلى أثر بعد عين.
"لا كهرباء ولا ماء، ولا أي من مقومات الحياة.. هذه ليست حياة بشر" بهذه العبارة يختصر زهر الدين واقعا قاسيا فرضته آلة الحرب الإسرائيلية على بلدته.
وهو يقف أمام مولد كهربائي صغير لا يكاد يلبي حاجات عائلته، يقول بابتسامة يختلط فيها السخرية بالمعاناة "هذه هي شركتي الكهربائية! تحتاج إلى 5 دولارات يوميا لتمنحني 4 ساعات من الكهرباء، أي ما يقارب 150 دولارا فقط لإضاءة المنزل. أما الماء، فمعدوم لأن بئر المياه تعرضت للقصف".
إعلانويتنهد، ثم يضيف "باتت هذه المسؤولية على عاتق المواطن، لا دولة، ولا مؤسسات، وكل فرد صار مضطرا لأن يدبر أمره بنفسه، لكن رغم كل شيء يبقى هذا الجنوب.. أرض الصمود".
في زاوية ضيقة من حمام منزلها المدمر، تنحني عناية خليل (زوجة زهر الدين) فوق حوض صغير، تغسل الصحون بصمت. ولم تعد المطابخ مكانا للطبخ أو غسل الأواني، بل تحول الحمام إلى مطبخ بديل وإلى شاهد صامت على تداعيات الحرب التي اجتاحت حياة الكثير من الأسر الجنوبية.
وبصوت خافت، تقول للجزيرة نت "وصلنا إلى مرحلة مزرية، نغسل الصحون في الحمّام.. نعبّئ الماء وننقله من مكان إلى آخر". ولا تخفي كلماتها ما صار يوميا وعاديا في حياة كثيرين، إذ بات الحصول على المياه مهمة شاقة، وتفصيلا جديدا من تفاصيل المعاناة المستمرة.
وتتابع عناية، وقد بدا التعب جليا على ملامحها "الحياة ستستمر، لكنها تستمر بالمعاناة والعذاب، ولا أحد يشعر بأحد". وتمسح يديها بقطعة قماش، ثم تضيف "كل يوم أعمل وأنظف، وأخاف من الفيروسات والأمراض في هذا الواقع المرير".
وفي كلماتها ما يتجاوز مجرد الشكوى، إنها مرآة لأمهات كثيرات يواجهن وحدهن تحديات البقاء، في بيئة تهدد الاستقرار والصحة معا، ولا تترك للراحة موطئا.
وعلى مقربة من الحدود في بلدة حولا، تقف أم علي عواضة أمام ركام منزلها تختصر وجعها بكلمات قليلة، وتقول للجزيرة نت "هنا كان بيتي.. هنا عشت ذكرياتي وفرحة عائلتي، البيت الذي كان يوما ملاذا آمنا حوّله القصف الإسرائيلي إلى كومة حجارة".
وبين جدران مهدمة وغرف بلا أبواب، تتنقل العائلة متأملة بقايا الذكريات، ويشير أبو علي (ربّ الأسرة) إلى حفرة عميقة تتوسط باحة المنزل، ويقول للجزيرة نت "هنا كنا نجتمع، وكان الضحك يملأ المكان، رائحة العدس من صحن المجدرة يوم العطلة لا يضاهيها شيء. أما اليوم، فلا رائحة سوى البارود والغبار".
إعلانوفي الزاوية الخلفية من المطبخ حيث اعتادت أم علي أن تطهو لأطفالها، لم يبقَ سوى الركام. وتنحني لتلتقط آنية مكسورة، وتتمتم "لا ماء، لا كهرباء، ولا دولة تسأل عنا، كل يوم نملأ الغالونات من بلدات بعيدة، ونشحن البطارية بالطاقة الشمسية لنضيء مصباحا واحدا في الليل".
ورغم كل شيء، لا تزال أم علي متمسكة بالأمل، تمسح الغبار عن صورة عائلية نجت من الدمار وتقول "سنبقى هنا.. هذه أرضنا كرامتنا، وذكرياتنا".
غياب مقومات الحياةيقول شكيب قطيش رئيس بلدية حولا -للجزيرة نت- إن نحو 150 عائلة عادوا إلى البلدة رغم تضرر منازلهم، إذ إنها ليست مدمرة بالكامل "مما يجعل السكن فيها ممكنا ولو جزئيا".
ويضيف "المشاكل في البلدة لا تعد ولا تحصى، فبعض المنازل تعرضت لأضرار جسيمة، والبنى التحتية مدمرة بالكامل، ولا تتوفر أدنى مقومات الحياة الأساسية من كهرباء ومياه إلى غياب المواسم الزراعية، إذ إن كل شيء في البلدة شبه معدم".
ورغم كل ذلك، أصرت بعض العائلات على العودة في رسالة واضحة -كما يقول رئيس البلدية- على تمسكهم بأرضهم "وقد اعتمدوا حلولا بديلة أبرزها استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، بينما تصل المياه عبر صهاريج خاصة تُباع للسكان".
وفي ما يتعلق بتأمين الغذاء، أوضح قطيش أن "الأهالي يضطرون للتنقل إلى بلدات مجاورة للحصول على احتياجاتهم الأساسية من الطعام والمواد الضرورية".
والحال في بلدتي ميس الجبل وحولا ينسحب على ما يعانيه عشرات آلاف اللبنانيين في معظم قرى وبلدات الجنوب، حيث عملت آلة الحرب الإسرائيلية لشهور على تدميرها جزئيا وكليا بالقصف العنيف. ولا تزال التدخلات لإعمار هذه القرى وإصلاح خدماتها في أطوارها الأولى.
وفي تقرير سابق، ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية أن الجيش الإسرائيلي مسح 37 بلدة في الجنوب تماما، كما دمر أكثر من 40 ألف وحدة سكنية منذ بدء عدوانه على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.