الخليج الجديد:
2025-02-01@22:11:49 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

ما هي، إذن أبرز سمات الرواية الليبراليّة عن الحرية في عهدها الجديد العولمي؟

هكذا كانت الدولة الوطنية تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

الحريةَ جوهر الدولة الحديثة تميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات العامة والحريات الفردية اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها.

آذَنَت النيوليبرالية بالخروج من زمن الدولة الوطنية، كمثال مرجعي لنظام السياسة، ودخول زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو زمن «السياديّة الكونية»!

أيديولوجيا النيوليبرالية نجحت في تضليل الوعي الجمْعي بدفاعها المستميت عن الحريات في حين تشيع قيم السوق الاستهلاكية التي تستعبد الناس وتُـزْري بحرياتهم!

باتتِ الحرية اليوم، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن، لكن دون تـمتع النـاس بها فعـلاً.

لم تعد الحريات الفردية قابلة للإدراك بوصفها إمكانًا اجتماعيًا يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

* * *

ينتمي اهتمام الفكر السياسي الحديث بالحريات إلى انشغاله بمسألة الدولة الوطنية وما ينبغي أن يكون عليه نظام السلطة فيها من مشروعية؛ إذ ليس خافياً أن مصدر شرعية أي نظام سياسي هو الثـقة به، الممنوحة له، من قِـبل المحكومين أو الرعايا أو المواطنين، والتي مَـأْتاها - هي الأخرى - من الشعـور بالفوائد الناجمة من وجود ذلك النظام وفي القلب منها ما يؤمنه من أمـن وحريـاتٍ وحقوق للمواطنين.

لذلك عَـدّ مفكّرو السياسة الكبار المحدثون - وهيغـل على نحوٍ خاص - الحريةَ جوهراً للدولة الحديثة يَسِمُها ويميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

ليس في الفكر السياسي الحديث، إذن، انْهـواسٌ مَرَضي بمسألة الحريـة/ الحريات، كما قد يميل إلى ذلك الظـن، وإنما اهتمام كبير يبرره ما لدى الدولة الوطنية من حاجة إلى إحلال الحرية المحل اللائق بها في نظامٍ يتحصّل بها شرعيته في وعي مواطنيه.

لذلك كان مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام: حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها، وكان من النادر، بالتالي، أن يقع التشديد على المجال الخاص حين الحديث في موضوع الحرية.

وهكذا كانت الدولة تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات - كما كان يقول سبينوزا - إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

ولأن تنميـة الدولة وموارد القـوة فيها لا تكون إلا من طريق مواطنين يشعرون بواجباتهم تجاه دولتهم التي يُخلِصون لها الولاء، ويعترفون لها بديْـنٍ جماعي وفردي يقابلونه بأداء الواجبات وتقديم التضحيات.

يختلف الأمر، اليوم، إلى حـد بعيد. باتتِ الحرية، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمع (أقصد في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن)، لكن مـن دون أن يتـمتع بها النـاس فعـلاً، بل في شروطٍ ارتفـعـت فيها مـعـدلات الرقـابة - السياسية والقانونية والإلكترونية - على الحريات إلى حدود توشِك أن تصادِرها أو، أقـلاًّ، أن تُـفـقرها من أي مضمون!

وما من شك في أن أيديولوجيا الليبرالية الجديدة أحرزت نجاحات ملحوظة في تضليل الوعي الجمْعي من طريق الإيحاء بدفاعها المستميت عن الحريات، في الوقت عينه الذي تنخرط فيه في إشاعة قيم السوق (القيم الاستهلاكية) وترويجها؛ القيم عينُها التي تستعبد الناس وتستـتبعهم وتُـزْري بحرياتهم!

ما عاد الحديث عن الحريات اليوم ينصرف، إذن، إلى نطاقها المألوف: الحريات العامـة، أي تلك التي تتصل، رأساً، بعلاقات المواطَنة وبالشأن العام (وهي لا تضع نفسها في مقابل الحريات الخاصة ولا تنفيها).

وإنما بات حديثاً حصرياً في الحريات الفردية، في المقام الأول؛ هذه التي لم تعد قابلة للإدراك بوصفها إمكاناً اجتماعياً يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

ولقد ازدهر هذا المعتـقد السياسي الرث، في الحقبة الحالية من سيادة الخطاب العولمي النيوليبرالي، إلى الحد الذي أصبح فيه الفرد هو من يقرر، بمقتضى حريته الفردية المحض، إن كان يجد مصلحة خاصة في التمتع بالحريات العامـة التي تكفلها القوانين أو لا يجدها!

هكذا دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات تينك اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

لا غرابة، إذن، في أن تقتحم مجال التداول السياسي مفردات من قبيل المجال الخاص، والفضاء الحميم، في كل مرة يقع فيها حديثٌ عن الحريات وحقوق الإنسان؛ بل لا غرابة في أن ينتقل موقع السيطرة المفهومية في المجال التّداوُلي من مفهوم المجال العام إلى مفهوم المجال الخاص.

إنه الانتقال الذي آذَنَ بالخروج من زمن الدولة الوطنية، بما هي المثال المرجعي لنظام السياسة، والدخول في زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو في زمن «السياديّة الكونية»؛ حيث الفرد عقيدة سياسية جديدة يُعْـتَاض بها عن المجتمع والدولة، بل حيث فرديّته وحريته وقْفان في تَحـققهما على تعطيل فعل الدولة والمجتمع على السواء وإبطال أي تدخـلٍ لهما في مجاله الخاص!

تلك هي، إذن، الرواية الليبراليّة - في عهدها الجديد العولمي - عن الحرية.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحريات العولمة الدولة الوطنية الدولة الوطنیة عن الحریات التی ت ما بعد

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يؤكد دعم مصر للسودان والدولة الوطنية ومؤسساتها

أكد الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، أن مصر تعتز بانتمائها الإفريقي وقدمت دعما كاملا لحركات التحرر الإفريقية ولدينا علاقات متميزة مع الأشقاء في إفريقيا.. ونتآلم لما يحدث في دول الجوار، ومصر الآن في لحظة فارقة فلدينا حدود ملتهبة.

وقال «عبد العاطي»، خلال ندوته بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، إن الصومال دولة عزيزة وعلاقتنا بها تمتد عبر التاريخ ونثق ثقة كاملة في القيادة السياسية ومؤسسات الدولة الثابتة، مشددا على أنه وبرغم التحديات فمصر هي الركيزة الأساسية للاستقرار في المنطقة.

وأشار إلى أنه قد قام بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة بورسودان مرتين ولقاء رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مؤكدا على أن السودان دولة شقيقة وموقفنا واضح، مضيفًا: مصر تنحاز إلى جانب الدولة الوطنية السودانية وليس إلى أشخاص ونرفض التدخل الخارجي في كل الأزمات بالمنطقة، ونحن نعمل على 3 مسارات في السودان تشمل النفاذ الكامل للمساعدات، ونثمن في هذا الإطار دور المجلس السيادي السوداني بوجود مراكز إنسانية وفتح معابر لمسارات المساعدات.

وأضاف أن المسار الثاني يتعلق بوقف إطلاق النار، والثالث يتعلق بوجود عملية سياسية شاملة لا تقصي أحدا، مؤكدا على دعم مصر للسودان والدولة الوطنية ومؤسساتها.

وفيما يتعلق بالقرن الإفريقي، أكد الوزير عبد العاطي أن مصر لا تتعدى ولا تتدخل في شئون أحد وأي تواجد مصري في الصومال هو بطلب من الصومال وموافقة مجلس السلم والأمن الإفريقي، مشيرا إلى أن الرئيس السيسي أكد أننا لا نذهب للصومال للاحتكاك بأحد وإنما من أجل دعم الدولة الصومالية ومواجهة الإرهاب، ونحن لن نقبل بأي مساس بوحدة وسلامة الصومال.

وزير الخارجية، الرئيس السيسي، وزير الخارجية والهجرة، الدكتور بدر عبد العاطي، السيسي، السوادن

وزير الخارجية والهجرة يلتقي نظيره الأردني

اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره الكويتي

وزير الخارجية السعودي ونظيره الأمريكي يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يؤكد دعم مصر للسودان والدولة الوطنية ومؤسساتها
  • «الصحة ووقاية المجتمع» تعلن عن المنصة الوطنية الموحدة للتراخيص الصحية
  • “الصحة ووقاية المجتمع” تعلن عن المنصة الوطنية الموحدة للتراخيص الصحية
  • الصحة ووقاية المجتمع تعلن عن المنصة الوطنية الموحدة للتراخيص الصحية
  • الحرية المصري: موقف الدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية ثابت ولم يتغير
  • الأمراض التي تسبب ظهور "الذباب" في العين
  • قيادي بـ«الحرية المصري»: الشعب أعلن أمام معبر رفح رفضه لتهجير الفلسطينيين
  • «المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
  • «الحرية المصري»: ابتزاز الإعلام الإسرائيلي لن يؤثر على موقف الدولة الداعم لفلسطين
  • أحمد الخطيب: جماعة الإخوان لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية