الخليج الجديد:
2024-09-17@01:28:12 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

الحرية في الرواية النيوليبراليـة

ما هي، إذن أبرز سمات الرواية الليبراليّة عن الحرية في عهدها الجديد العولمي؟

هكذا كانت الدولة الوطنية تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

الحريةَ جوهر الدولة الحديثة تميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات العامة والحريات الفردية اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها.

آذَنَت النيوليبرالية بالخروج من زمن الدولة الوطنية، كمثال مرجعي لنظام السياسة، ودخول زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو زمن «السياديّة الكونية»!

أيديولوجيا النيوليبرالية نجحت في تضليل الوعي الجمْعي بدفاعها المستميت عن الحريات في حين تشيع قيم السوق الاستهلاكية التي تستعبد الناس وتُـزْري بحرياتهم!

باتتِ الحرية اليوم، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن، لكن دون تـمتع النـاس بها فعـلاً.

لم تعد الحريات الفردية قابلة للإدراك بوصفها إمكانًا اجتماعيًا يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

* * *

ينتمي اهتمام الفكر السياسي الحديث بالحريات إلى انشغاله بمسألة الدولة الوطنية وما ينبغي أن يكون عليه نظام السلطة فيها من مشروعية؛ إذ ليس خافياً أن مصدر شرعية أي نظام سياسي هو الثـقة به، الممنوحة له، من قِـبل المحكومين أو الرعايا أو المواطنين، والتي مَـأْتاها - هي الأخرى - من الشعـور بالفوائد الناجمة من وجود ذلك النظام وفي القلب منها ما يؤمنه من أمـن وحريـاتٍ وحقوق للمواطنين.

لذلك عَـدّ مفكّرو السياسة الكبار المحدثون - وهيغـل على نحوٍ خاص - الحريةَ جوهراً للدولة الحديثة يَسِمُها ويميـزها عن الدولة التقليدية، فهي للدولة بمثابة الوَقود للآلة؛ الوقود الذي لا غنَاء عنه كي تعمل بانتظام.

ليس في الفكر السياسي الحديث، إذن، انْهـواسٌ مَرَضي بمسألة الحريـة/ الحريات، كما قد يميل إلى ذلك الظـن، وإنما اهتمام كبير يبرره ما لدى الدولة الوطنية من حاجة إلى إحلال الحرية المحل اللائق بها في نظامٍ يتحصّل بها شرعيته في وعي مواطنيه.

لذلك كان مجال الحريـة في الدولة الوطنية هو المجال العام: حيث الحرية حق عام من الحقوق التي يرتّبها نظام المواطنة على سلطات الدولة وعلى القانون فيها، وكان من النادر، بالتالي، أن يقع التشديد على المجال الخاص حين الحديث في موضوع الحرية.

وهكذا كانت الدولة تحمي الحريات بقوانينها؛ لأنه لا خطرَ عليها من جهة تلك الحريات - كما كان يقول سبينوزا - إنما الخطر من فقدان المجتمع لها.

ولأن تنميـة الدولة وموارد القـوة فيها لا تكون إلا من طريق مواطنين يشعرون بواجباتهم تجاه دولتهم التي يُخلِصون لها الولاء، ويعترفون لها بديْـنٍ جماعي وفردي يقابلونه بأداء الواجبات وتقديم التضحيات.

يختلف الأمر، اليوم، إلى حـد بعيد. باتتِ الحرية، في خطاب الليبرالية الجديدة، تكتسب مكانة اصطناعية - لا طبيعـية - في المجتمع (أقصد في المجتمعات الغربية في عهدها النيوليبرالي الراهن)، لكن مـن دون أن يتـمتع بها النـاس فعـلاً، بل في شروطٍ ارتفـعـت فيها مـعـدلات الرقـابة - السياسية والقانونية والإلكترونية - على الحريات إلى حدود توشِك أن تصادِرها أو، أقـلاًّ، أن تُـفـقرها من أي مضمون!

وما من شك في أن أيديولوجيا الليبرالية الجديدة أحرزت نجاحات ملحوظة في تضليل الوعي الجمْعي من طريق الإيحاء بدفاعها المستميت عن الحريات، في الوقت عينه الذي تنخرط فيه في إشاعة قيم السوق (القيم الاستهلاكية) وترويجها؛ القيم عينُها التي تستعبد الناس وتستـتبعهم وتُـزْري بحرياتهم!

ما عاد الحديث عن الحريات اليوم ينصرف، إذن، إلى نطاقها المألوف: الحريات العامـة، أي تلك التي تتصل، رأساً، بعلاقات المواطَنة وبالشأن العام (وهي لا تضع نفسها في مقابل الحريات الخاصة ولا تنفيها).

وإنما بات حديثاً حصرياً في الحريات الفردية، في المقام الأول؛ هذه التي لم تعد قابلة للإدراك بوصفها إمكاناً اجتماعياً يساوِق الحريات العامة ويُجاوِرها، بل التي تُـدْرَك بما هي مقابل لتلك الحريات العامة «الحائلة» دون حريات الأفراد.

ولقد ازدهر هذا المعتـقد السياسي الرث، في الحقبة الحالية من سيادة الخطاب العولمي النيوليبرالي، إلى الحد الذي أصبح فيه الفرد هو من يقرر، بمقتضى حريته الفردية المحض، إن كان يجد مصلحة خاصة في التمتع بالحريات العامـة التي تكفلها القوانين أو لا يجدها!

هكذا دُقّ الإسفين بين منظومتي الحريات تينك اللتين ظلتا متلازمتين في الفكر السياسي الحديث كما في نموذج الدولة الوطنية الحديثة.

لا غرابة، إذن، في أن تقتحم مجال التداول السياسي مفردات من قبيل المجال الخاص، والفضاء الحميم، في كل مرة يقع فيها حديثٌ عن الحريات وحقوق الإنسان؛ بل لا غرابة في أن ينتقل موقع السيطرة المفهومية في المجال التّداوُلي من مفهوم المجال العام إلى مفهوم المجال الخاص.

إنه الانتقال الذي آذَنَ بالخروج من زمن الدولة الوطنية، بما هي المثال المرجعي لنظام السياسة، والدخول في زمن «ما بعد الدولة» و«ما بعد المجتمع» أو في زمن «السياديّة الكونية»؛ حيث الفرد عقيدة سياسية جديدة يُعْـتَاض بها عن المجتمع والدولة، بل حيث فرديّته وحريته وقْفان في تَحـققهما على تعطيل فعل الدولة والمجتمع على السواء وإبطال أي تدخـلٍ لهما في مجاله الخاص!

تلك هي، إذن، الرواية الليبراليّة - في عهدها الجديد العولمي - عن الحرية.

*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحريات العولمة الدولة الوطنية الدولة الوطنیة عن الحریات التی ت ما بعد

إقرأ أيضاً:

عضو مجلس الشيوخ: الاستراتيجية الوطنية للصناعة تدعم الإصلاح الاقتصادي

قال الدكتور جمال أبو الفتوح، عضو مجلس الشيوخ، إن الاستراتيجية الوطنية للصناعة تبرهن على مواصلة الحكومة في تبني إصلاحات اقتصادية قطاعية من أجل تعزيز مرونة الاقتصاد المصري، ورفع قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية لافتا إلى أن الحكومة تهدف إلى جعل مصر مركزا للتصنيع المستدام ولاعبا رئيسا في التجارة الدولية من خلال تحسين مناخ الأعمال في هذا القطاع الهام، الذي يعد من القطاعات كثيفة العمالة.

وأضاف أبو الفتوح، أن الدولة تولي اهتماما كبيرا بتوطين الصناعة، ورفع كفاءة المنتج المحلي، لذا أطلقت خطة عاجلة للنهوض بالصناعة المصرية من أجل استعادة مجدها الحقيقي، فقد تضمنت الخطة 7 محاور رئيسية، تشمل ترشيد الواردات والحد من الاستيراد وتوفير احتياجات السوق المحلية ومستلزمات الإنتاج من خلال تشجيع المصنعين المصريين وجذب مستثمرين عالميين، وكذلك زيادة القاعدة الصناعية بغرض زيادة الصادرات، ومواصلة جميع المستهدفات المتعلقة بتوطين صناعة السيارات والرقائق الإلكترونية؛ وذلك لتعظيم الاستفادة القصوى من تلك الصناعات لصالح الاقتصاد الوطني.

هدف الدولة في التوسع في الصناعات الخضراء

وأشار عضو مجلس الشيوخ، إلى أن الدولة تهدف أيضا إلى التوسع في الصناعات الخضراء، لأنها ستكون شرط أساسي لنفاذ المنتج المصري خاصة لأسواق الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الاهتمام بتحسين المواصفات الفنية للصناعة المصرية، كما تهدف محاور الاستراتيجية إلى التصديق الفوري لإعادة التشغيل ومساعدة المصانع المتعثرة وزيادة حجم النشاط وزيادة الطاقة الإنتاجية، وتقديم الدعم الفني للمصانع من خلال مساعدتها في الحصول على شهادات المطابقة الدولية، وتشغيل العمالة بما يساهم في خفض معدلات البطالة.

وأوضح الدكتور جمال أبو الفتوح، أن الاستراتيجية الوطنية للصناعة تهدف إلى الوصول لمعدل نمو سنوي في قطاع الصناعة بالأسعار الجارية لنحو 31.2 % عام 2026/2027، مع وصول متوسط قيمة الصادرات المصرية لتسجل 103.4 مليارات دولار خلال الفترة من 2024/2021، مؤكدا على أهمية تعزيز التواصل الفعال مع رجال الصناعة والمستثمرين، بهدف تعميق الصناعة المحلية وزيادة نسب المكون المحلي في المنتجات النهائية، وجذب المزيد من الاستثمارات لاستكمال توطين الصناعات المرتبطة بال 152 فرصة استثمارية التي تشكل وارداتها أهمية نسبية كبيرة في قائمة الواردات، مع تبسيط وتيسير الإجراءات ذات الصلة لتحقيق رؤية واستراتيجية الوزارة.

 

مقالات مشابهة

  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • برلماني: الدولة حريصة على تحويل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إلى واقع
  • تعديل قانون الأحوال الشخصية: خطوة نحو الحرية الدينية أم خطرًا على الوحدة الوطنية؟
  • «الحرية المصري»: الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان حققت طفرة واضحة
  • عضو مجلس الشيوخ: الاستراتيجية الوطنية للصناعة تدعم الإصلاح الاقتصادي
  • حزب المؤتمر: الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التزام حقيقي من الدولة تجاه مواطنيها
  • برلمانية: الدولة ملتزمة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
  • نائبة: الدولة ملتزمة بتنفيذ ما جاء في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
  • ما هي الدولة الأوروبية التي تتمتع بأفضل توازن بين العمل والنوم؟
  • برلماني يكشف عن جهود الدولة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان