في الذكرى الأولى لـ 7 أكتوبر: النظام العربي الرسمي أكبر الخاسرين
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
بعد عام كامل من هو الخاسر الأكبر من طوفان الأقصى؟
من هو الطرف الذي عجز عن تحقيق والحفاظ على أي إنجاز من هذا الحدث ومن التفاعلات الصراعية والتفاوضية التي ارتبطت به على مدى ١٢شهرا تكتمل اليوم؟ ما هي القوة التي كان حصادها هشيما من هذا المتغير الكبير والذي تحول إلى شبه حرب إقليمية تشغل رقعة واسعة في الشرق الأوسط لم يستثن منها إلا إقليم شمال إفريقيا.
المثير للدهشة هو أنه من المألوف أن يكون الفائز الأكبر والخاسر الأكبر من بين أطراف الحرب المباشرة أو من بين الأطراف التي تمثل ثقلا وازنا في معادلة هذه الحرب.
في حالة مخاض طوفان الأقصى ويا للغرابة فإن المهزوم الأساسي الذي خرج من رحمها كان هو الطرف الذي رفض أن يستفيد من النصر الهائل الذي منحه له كأمة هجوم غلاف غزة. هجوم مباغت دمر جدار الردع الإسرائيلي وأحدث فيه ثقبا أثبتت الأحداث اللاحقة ومنها وصول الصواريخ الإيرانية وصواريخ حزب الله وصواريخ المقاومة العراقية لكامل جغرافيا فلسطين التاريخية والجولان المحتل، أنه ثقب لم ولن يسد إلى مدى غير منظور.
نصر أعطاه فرصة هائلة ليس حتى التحرر التام من الهيمنة الأمريكية على شؤونه ولكن على الأقل لتحسين شروط التفاوض والتمتع بهامش حرية حركة نسبي بدل حالة تلقي الأوامر أو فرض واشنطن عليه أمرا واقعا مريرا ليس أمامه سوى قبولها. حالة لخصها ترامب بطريقته الساخرة من ضعف العرب عند نقله السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال: قيل لي لا تتخذ هذه الخطوة سينقلب العالم العربي وتهدد مصالحنا اتخذت القرار ولم يحدث أي شيء.
المهزوم الكبير الذي طلب لنفسه الهزيمة ولا يزال هو النظام العربي الرسمي. بعبارة تأسيسية يمكن القول إنه كان في الكفة الخاسرة لسبب بسيط هو أنه سمح لخصومه الحقيقيين وهم إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بالإفلات من معظم الهزائم التي كانوا ليتكبدونها من مفاجأة المقاومة المزلزلة في طوفان الأقصى، وحرم أصدقاءه الحقيقيين وهم المقاومة العربية في فلسطين ولبنان وغيرها من جزء كبير من مكاسب كانوا ليحققونها لو أن وحدات هذا النظام تصرفت بالحد الأدنى من الرشادة السياسية فلم يكن متوقعا منها أصلا سلوك الجسارة والمخاطرة.
البداية الخاطئة للنظام العربي قادت إلى النهايات الخاطئة والخسائر المحققة وأول هذه البدايات كان الفهم المغلوط لحدث طوفان الأقصى من قبل الغالبية الساحقة من وحدات هذه الدول سواء تلك التي تورطت في التطبيع مع إسرائيل أو التي كانت على شفا حفرة من التطبيع وما زالت.
نظرت هذه الدول للحدث كمؤامرة إيرانية نفذتها حماس لقطع الطريق على مسيرة التطبيع الإبراهيمي خاصة بعد خطاب بايدن عن «ممر بهارات» الذي يدمج إسرائيل في المنطقة بتطبيع مع السعودية وخطاب نتنياهو بعده في سبتمبر ٢٠٢٣عن تحالف عربي إسرائيلي معادي لإيران ولا يشترط أطرافه هذه المرة حل قضية فلسطين.
هذا الفهم المغلوط قاد لفهم آخر مغلوط حكم سلوك النظام العربي وهو أن حماس هي فرع للإخوان المسلمين وليست حركة تحرر وطني، والسماح لها بجني ثمار الانتصار في ٧ أكتوبر هو تشجيع لصعود الإسلام السياسي في المنطقة مرة أخرى بعد خسوفه. قاد هذا أيضا لاتفاق أركان هذا النظام على فهم كارثي من الناحية السياسية ألا وهو أنه لا يجب الحيلولة بين إسرائيل واستعادة زمام المبادرة وهزيمة حماس وحزب الله باعتبارهما امتدادا لنفوذ إيران التي باتت وحدات النظام العربي في ظل هذا النمط من التفكير الاستراتيجي تراها العدو وليس إسرائيل. مرة أخرى خدع الإسرائيليون والأمريكيون حلفاءهم العرب بأنهم سيقضون على حماس فيما لا يزيد عن ٣ أو ٤ شهور كما سبق وأن وعدوهم بنصر ساحق وسريع يدمر حزب الله في ٢٠٠٦. لكن واشنطن تخدع فقط من يريد أن ينخدع والتحليل البنيوي للنظام العربي الرسمي يشير إلى تجذر نخبة محلية مسيطرة ارتبطت مصالحها الاجتماعية مع المركز الرأسمالي العالمي وهذه النخبة يناسبها نهج التطبيع ومسار التسوية مهما كان غير عادل أو منصف، المهم أن تبتعد هذه النخبة بشقيها المدني وغير المدني عن أي مواجهة تعكر نمط الحياة التي حصلت عليها ولا تريد العودة لحياة آبائها وأجدادها في سنوات المواجهة التي اتسمت بالعمل الشاق في التنمية بالداخل والتضحيات من أجل الأمن الجماعي العربي في الخارج. لقد وصل الأمر ببعض الآراء داخل النظام الرسمي العربي إلى حد وصف الصراع الجاري في المنطقة بأنه صراع إيراني ـ إسرائيلي لا ناقة لنا فيه ولا جمل. كانت نتيجة هذا التفكير أن خضع النظام الرسمي العربي لكل إملاءات واشنطن:
مهما وصلت حرب الإبادة في غزة من قتل لأشقائكم: انتحوا جانبا ولا تفعلوا أي شيء حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها. لكن لا تفكروا أبدا في استخدام ورقة من أوراق القوة لديكم «كانت كفيلة بوقف نتنياهو عند حده وكانت كفيلة أن نحتفل اليوم في ذكرى ٧ أكتوبر بانتصار عربي حقيقي».
تفرض إسرائيل حصارا على جميع المعابر بما فيها معبر رفح ليصبح الألوف من أشقائكم على شفا الموت جوعا أو مرضا فلا تتحركوا لكسر هذا الحصار وإنقاذهم من حرب التجويع.
تشغل واشنطن حلفاءها العرب في لعبة الوساطة ومفاوضات الباب الدوار حول اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. المشاركة في خديعة إيران لكي تمتنع عن الرد على جرائم اغتيال هنية وشكر بحجة أن ذلك سيعرقل وقف الحرب في غزة واستغلال يد طهران المقيدة وقتها في إطلاق يد نتنياهو يجول ويصول في السماوات العربية ويحقق بها كل مكاسب الشهرين الأخيرين.
لكن الإيرانيين أدركوا بعد اغتيال حسن نصر الله أنهم خدعوا فردوا بهجوم الصواريخ الذي حقق إصابات في قلب إسرائيل وتعهد نتنياهو برد غير مسبوق على إيران قد يشعل المنطقة كلها.
خسر النظام العربي أمنه وهو الذي نأى بنفسه عن الحرب وترك بني قومه ودينه تحت رحمة إسرائيل. وبات الآن مهددا بحرب قد لا تبقي شبرا إلا وتصل إليه. لقد وصل الأمر بكتاب أمريكيين إلى تبني أن الوقت مناسب لهجوم إسرائيلي كاسح مدعوم أمريكيا للقضاء على البرنامج النووي والصاروخيّ ومنشآت الطاقة في إيران. لقد وصلت نذر الشر المستطير لملابس النظام الرسمي الذي تخيل أنه سيكون بمأمن لو ترك غزة تموت. وبدأ الإعلام في مناقشة احتمال قيام إيران في حال تعرضها لهجوم كاسح بشن هجمات انتقامية على منشآت النفط في بعض دول الخليج الحليفة لواشنطن. المخيف أن بعض الأقلام الأمريكية المنحازة لإسرائيل تلمح إلى أنه حتى لو كان هذا هو ثمن التخلص من برنامج طهران النووي فهو ثمن يمكن القبول به.
لم تخسر المقاومة الجسورة وإيران التي قبلت المخاطرة لكن خسر القاعدون العرب.
حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النظام العربی طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية