بعد عام كامل من هو الخاسر الأكبر من طوفان الأقصى؟

من هو الطرف الذي عجز عن تحقيق والحفاظ على أي إنجاز من هذا الحدث ومن التفاعلات الصراعية والتفاوضية التي ارتبطت به على مدى ١٢شهرا تكتمل اليوم؟ ما هي القوة التي كان حصادها هشيما من هذا المتغير الكبير والذي تحول إلى شبه حرب إقليمية تشغل رقعة واسعة في الشرق الأوسط لم يستثن منها إلا إقليم شمال إفريقيا.

حرب اتسع نطاقها من غزة (١٪ من مساحة فلسطين التاريخية) تتمدد نارها من إيران إلى الجزيرة العربية في اليمن ومن غزة إلى كامل المشرق العربي: لتشمل فلسطين ولبنان في حرب كاملة الأوصاف وسوريا والأردن والعراق في حرب منخفضة أو متوسطة الشدة.

المثير للدهشة هو أنه من المألوف أن يكون الفائز الأكبر والخاسر الأكبر من بين أطراف الحرب المباشرة أو من بين الأطراف التي تمثل ثقلا وازنا في معادلة هذه الحرب.

في حالة مخاض طوفان الأقصى ويا للغرابة فإن المهزوم الأساسي الذي خرج من رحمها كان هو الطرف الذي رفض أن يستفيد من النصر الهائل الذي منحه له كأمة هجوم غلاف غزة. هجوم مباغت دمر جدار الردع الإسرائيلي وأحدث فيه ثقبا أثبتت الأحداث اللاحقة ومنها وصول الصواريخ الإيرانية وصواريخ حزب الله وصواريخ المقاومة العراقية لكامل جغرافيا فلسطين التاريخية والجولان المحتل، أنه ثقب لم ولن يسد إلى مدى غير منظور.

نصر أعطاه فرصة هائلة ليس حتى التحرر التام من الهيمنة الأمريكية على شؤونه ولكن على الأقل لتحسين شروط التفاوض والتمتع بهامش حرية حركة نسبي بدل حالة تلقي الأوامر أو فرض واشنطن عليه أمرا واقعا مريرا ليس أمامه سوى قبولها. حالة لخصها ترامب بطريقته الساخرة من ضعف العرب عند نقله السفارة الأمريكية إلى القدس واعترافه بها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال: قيل لي لا تتخذ هذه الخطوة سينقلب العالم العربي وتهدد مصالحنا اتخذت القرار ولم يحدث أي شيء.

المهزوم الكبير الذي طلب لنفسه الهزيمة ولا يزال هو النظام العربي الرسمي. بعبارة تأسيسية يمكن القول إنه كان في الكفة الخاسرة لسبب بسيط هو أنه سمح لخصومه الحقيقيين وهم إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بالإفلات من معظم الهزائم التي كانوا ليتكبدونها من مفاجأة المقاومة المزلزلة في طوفان الأقصى، وحرم أصدقاءه الحقيقيين وهم المقاومة العربية في فلسطين ولبنان وغيرها من جزء كبير من مكاسب كانوا ليحققونها لو أن وحدات هذا النظام تصرفت بالحد الأدنى من الرشادة السياسية فلم يكن متوقعا منها أصلا سلوك الجسارة والمخاطرة.

البداية الخاطئة للنظام العربي قادت إلى النهايات الخاطئة والخسائر المحققة وأول هذه البدايات كان الفهم المغلوط لحدث طوفان الأقصى من قبل الغالبية الساحقة من وحدات هذه الدول سواء تلك التي تورطت في التطبيع مع إسرائيل أو التي كانت على شفا حفرة من التطبيع وما زالت.

نظرت هذه الدول للحدث كمؤامرة إيرانية نفذتها حماس لقطع الطريق على مسيرة التطبيع الإبراهيمي خاصة بعد خطاب بايدن عن «ممر بهارات» الذي يدمج إسرائيل في المنطقة بتطبيع مع السعودية وخطاب نتنياهو بعده في سبتمبر ٢٠٢٣عن تحالف عربي إسرائيلي معادي لإيران ولا يشترط أطرافه هذه المرة حل قضية فلسطين.

هذا الفهم المغلوط قاد لفهم آخر مغلوط حكم سلوك النظام العربي وهو أن حماس هي فرع للإخوان المسلمين وليست حركة تحرر وطني، والسماح لها بجني ثمار الانتصار في ٧ أكتوبر هو تشجيع لصعود الإسلام السياسي في المنطقة مرة أخرى بعد خسوفه. قاد هذا أيضا لاتفاق أركان هذا النظام على فهم كارثي من الناحية السياسية ألا وهو أنه لا يجب الحيلولة بين إسرائيل واستعادة زمام المبادرة وهزيمة حماس وحزب الله باعتبارهما امتدادا لنفوذ إيران التي باتت وحدات النظام العربي في ظل هذا النمط من التفكير الاستراتيجي تراها العدو وليس إسرائيل. مرة أخرى خدع الإسرائيليون والأمريكيون حلفاءهم العرب بأنهم سيقضون على حماس فيما لا يزيد عن ٣ أو ٤ شهور كما سبق وأن وعدوهم بنصر ساحق وسريع يدمر حزب الله في ٢٠٠٦. لكن واشنطن تخدع فقط من يريد أن ينخدع والتحليل البنيوي للنظام العربي الرسمي يشير إلى تجذر نخبة محلية مسيطرة ارتبطت مصالحها الاجتماعية مع المركز الرأسمالي العالمي وهذه النخبة يناسبها نهج التطبيع ومسار التسوية مهما كان غير عادل أو منصف، المهم أن تبتعد هذه النخبة بشقيها المدني وغير المدني عن أي مواجهة تعكر نمط الحياة التي حصلت عليها ولا تريد العودة لحياة آبائها وأجدادها في سنوات المواجهة التي اتسمت بالعمل الشاق في التنمية بالداخل والتضحيات من أجل الأمن الجماعي العربي في الخارج. لقد وصل الأمر ببعض الآراء داخل النظام الرسمي العربي إلى حد وصف الصراع الجاري في المنطقة بأنه صراع إيراني ـ إسرائيلي لا ناقة لنا فيه ولا جمل. كانت نتيجة هذا التفكير أن خضع النظام الرسمي العربي لكل إملاءات واشنطن:

مهما وصلت حرب الإبادة في غزة من قتل لأشقائكم: انتحوا جانبا ولا تفعلوا أي شيء حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها. لكن لا تفكروا أبدا في استخدام ورقة من أوراق القوة لديكم «كانت كفيلة بوقف نتنياهو عند حده وكانت كفيلة أن نحتفل اليوم في ذكرى ٧ أكتوبر بانتصار عربي حقيقي».

تفرض إسرائيل حصارا على جميع المعابر بما فيها معبر رفح ليصبح الألوف من أشقائكم على شفا الموت جوعا أو مرضا فلا تتحركوا لكسر هذا الحصار وإنقاذهم من حرب التجويع.

تشغل واشنطن حلفاءها العرب في لعبة الوساطة ومفاوضات الباب الدوار حول اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. المشاركة في خديعة إيران لكي تمتنع عن الرد على جرائم اغتيال هنية وشكر بحجة أن ذلك سيعرقل وقف الحرب في غزة واستغلال يد طهران المقيدة وقتها في إطلاق يد نتنياهو يجول ويصول في السماوات العربية ويحقق بها كل مكاسب الشهرين الأخيرين.

لكن الإيرانيين أدركوا بعد اغتيال حسن نصر الله أنهم خدعوا فردوا بهجوم الصواريخ الذي حقق إصابات في قلب إسرائيل وتعهد نتنياهو برد غير مسبوق على إيران قد يشعل المنطقة كلها.

خسر النظام العربي أمنه وهو الذي نأى بنفسه عن الحرب وترك بني قومه ودينه تحت رحمة إسرائيل. وبات الآن مهددا بحرب قد لا تبقي شبرا إلا وتصل إليه. لقد وصل الأمر بكتاب أمريكيين إلى تبني أن الوقت مناسب لهجوم إسرائيلي كاسح مدعوم أمريكيا للقضاء على البرنامج النووي والصاروخيّ ومنشآت الطاقة في إيران. لقد وصلت نذر الشر المستطير لملابس النظام الرسمي الذي تخيل أنه سيكون بمأمن لو ترك غزة تموت. وبدأ الإعلام في مناقشة احتمال قيام إيران في حال تعرضها لهجوم كاسح بشن هجمات انتقامية على منشآت النفط في بعض دول الخليج الحليفة لواشنطن. المخيف أن بعض الأقلام الأمريكية المنحازة لإسرائيل تلمح إلى أنه حتى لو كان هذا هو ثمن التخلص من برنامج طهران النووي فهو ثمن يمكن القبول به.

لم تخسر المقاومة الجسورة وإيران التي قبلت المخاطرة لكن خسر القاعدون العرب.

حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النظام العربی طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

الذكرى 75 للعلاقات الكورية الصينية: ما الذي يخبئه المستقبل؟

احتفل قادة كوريا الشمالية والصين، يوم الأحد، بالذكرى الخامسة والسبعين لعلاقاتهما الدبلوماسية، حيث تبادل الزعيمان رسائل تعبر عن رغبتهما في تعزيز التعاون بين البلدين. يأتي هذا الاحتفال في وقت يزداد فيه التعاون بين كوريا الشمالية وروسيا، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين بيونغ يانغ وبكين.

اعلان

في رسالة بعث بها إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ، أكد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون التزام حكومته بتعزيز "العلاقات الودية والتعاونية" مع الصين، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية (KCNA). من جهته، أعرب شي عن استعداد الصين لتعزيز "الاستقرار والتقدم للقضية الاشتراكية" في كلا البلدين.

تُعتبر العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الشماليةوالصين، التي أُقيمت في 6 أكتوبر 1949، من أبرز العلاقات في المنطقة، حيث وُصفت بأنها "قريبة كالأحجار والأسنان". تعد الصين أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية وأهم مزود للمساعدات. ويُعتقد أن بكين تتجنب تنفيذ العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية بشكل كامل، إذ تستمر في إرسال مساعدات سرية لدعم جارتها الفقيرة.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى اليسار والرئيس الصيني الزائر شي جين بينغ عرضًا جماهيريًا للجمباز في ملعب مايو داي في بيونغ يانغ، كوريا الشمالية، في 20 يونيو 2019Yan Yan/XinhuaRelated كوريا الشمالية تختبر صاروخ كروز جديد قادر على حمل رؤوس نوويةالصين تختبر صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات في المحيط الهادئ وسط تصاعد التوتر مع الولايات المتحدةوفد صيني في كوريا الشمالية لتعزيز العلاقات بين الدولتينالصين تدين مرور سفن حربية ألمانية من مضيق تايوان: "يبعث إشارة خاطئة"

في سياق متصل، تتزايد مخاوف المراقبين من إمكانية تشكيل تحالف ثلاثي بين كوريا الشمالية وروسيا، خاصة في ظل التقارب الملحوظ بين موسكو وبيونغ يانغ. تشير التقارير إلى أن كوريا الشمالية قامت بتزويد روسيا بأسلحة تقليدية في مقابل الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية. خلال اجتماع عُقد في بيونغ يانغ في يونيو الماضي، وقع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية تعاون عسكري تشمل الدعم المتبادل في حال تعرض أي من البلدين لهجوم، مما يُعتبر خطوة كبيرة في تعزيز التعاون الدفاعي بينهما.

بينما تسير العلاقات بين كوريا الشمالية والصين في مسار متقلب، يقول الخبراء إن مستوى التبادل والبرامج التذكارية بين البلدين في الأشهر المقبلة قد يوفر دلائل هامة حول الوضع الدقيق لعلاقاتهما. في الوقت نفسه، تدرك الصين أهمية الحفاظ على بيئة أمنية مستقرة في المنطقة لمواجهة التحديات الاقتصادية وضمان استمرارية علاقاتها مع أوروبا وجيرانها الآسيويين.

زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في الوسط، يزور لمشاهدة تدريبات مدفعية في مكان لم يكشف عنه في كوريا الشمالية، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024KCNA via KNS

تستمر كوريا الشمالية في مواجهة التحديات مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وحلفائهما، في ظل تقدم برنامجها النووي. وأكد جونغ أون أنه يشعر بأنه مضطر لتوسيع قدرات بلاده النووية والتقليدية لمواجهة التهديدات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة.

في هذا الإطار، أفادت وكالة الأنباء الكورية الشمالية (KCNA) يوم الأحد بأن كيم أشرف على تمرين لإطلاق المدفعية نفذه طلاب أكاديمية عسكرية. وشدد كيم خلال التمرين على أهمية تكتيكات الحرب الحزبية وضرورة الاستعداد السريع لمواجهة الأعداء،

المصادر الإضافية • أب

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية كوريا الشمالية تستفز جيرانها بتجارب صاروخية للمرة الثانية في أقل من أسبوع كوريا الشمالية تكشف عن منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم وكيم يدعو لصنع المزيد من الأسلحة النووية بوتين يتعهد بتقديم يد العون لكوريا الشمالية لمساعدتها على مواجهة الفيضانات المدمرة تعاون عسكري روسيا الصين كوريا الشمالية اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next غارة إسرائيلية على مسجد في غزة تقتل 19 فلسطينياً وتصعيد القصف على الضاحية الجنوبية في بيروت يعرض الآن Next تونس: الملايين ينتخبون رئيسا للبلاد وسط حالة القمع السياسي وخشية من العزوف عن مكاتب الاقتراع يعرض الآن Next الآلاف يتظاهرون في المجر للمطالبة بمواجهة "الآلة الدعائية" التي تعتمدها الحكومة يعرض الآن Next غياب النساء عن العمل بسبب آلام الدورة الشهرية يكلف اقتصاد المملكة المتحدة 13 مليار يورو سنويًا يعرض الآن Next بعد التفجيرات المميتة في لبنان.. طيران الإمارات تحظر أجهزة "البيجر" واللاسلكي على متن رحلاتها اعلانالاكثر قراءة من "الأم الحنون الحامية إلى دور المتفرج".. كيف فقدت فرنسا نفوذها في لبنان؟ بايدن يعارض أي ضربة إسرائيلية لمنشآت النفط الإيرانية كردٍ على الهجوم الصاروخي الإيراني محمد بن سلمان وكوشنير: دعم مالي كبير يستثمره صهر ترامب في إسرائيل وبحث مستفيض للتطبيع مع تل أبيب ناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان حب وجنس في فيلم" لوف" اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيللبنانحركة حماسحزب اللهفرنساضحايافيضانات - سيولغزةإجلاءاعتداء إسرائيلالمملكة المتحدة Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى.. إسرائيل تعلن الحداد مساء اليوم
  • أبرز الأدوار التي لعبتها دول الطوق منذ طوفان الأقصى.. هل طوقت الاحتلال أم المقاومة؟
  • إعلان حالة تأهب قصوى في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس عشية الذكرى الأولى لهجوم 7 أكتوبر
  • في الذكرى الأولى لأحداث 7 أكتوبر.. كنائس الأردن تدعو للصلاة من أجل السلام غدا
  • الذكرى 75 للعلاقات الكورية الصينية: ما الذي يخبئه المستقبل؟
  • تأهب بـ(إسرائيل) عشية الذكرى الأولى لطوفان الأقصى
  • الإستقلال يصادق على لائحة اللجنة التنفيذية ومضيان والزومي أكبر الخاسرين
  • البيت الأبيض يصف الذكرى الأولى لهجوم 7 أكتوبر على إسرائيل بـ"اليوم الأليم"
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟