ترجمة - أحمد شافعي -

تأملوا هذين العالمين المتوازيين، عالم في غزة، حيث المشهد عبارة عن أسوأ الأعمال الوحشية المقترفة في القرن الحادي والعشرين في ظل الهياج الإبادي الإسرائيلي الذي يذكرنا مرة أخرى بفساد طبيعة جنسنا البشري. وفقا لبحث أجرته منظمة أوكسفام، لقي من النساء والأطفال مصرعهم على أيدي الجيش الإسرائيلي خلال العام الماضي عدد يفوق نظيره «في أي فترة مساوية من أي صراع آخر خلال العقدين الماضيين».

ومما يزيد المرء ضيقا أن هذه الأرقام متحفظة: فالـ11355 طفلا والـ6297 امرأة المدرجين في قائمة من تعرضوا للقتل العنيف هم فقط الذين تم التعرف عليهم بشكل رسمي. في حين أن كثيرا من الموتى لم يتم تسجيلهم بهذه الطريقة، وليس أقلهم أولئك الآلاف المدفونون تحت الأنقاض، فهم مدرجون في قوائم المفقودين، وهناك من أحرقتهم الصواريخ الإسرائيلية فلم يخلفوا وراءهم أثرا. فضلا عن أن تدمير الإسرائيليين للمستشفيات أضاع نظام الإبلاغ عن الوفيات. وبرغم هذه التحذيرات، في فترة لا تتجاوز اثني عشر شهرا، تعرض كل أولئك النساء والأطفال للمجازر تفوق ساحات القتال في العراق وسوريا، برغم أن سكان البلدين يفوقون سكان غزة عددا.

ويأتي كشف جديد ليظهر محاولة إسرائيل العمدية لتجويع أهل غزة. ففي الأسبوع الماضي أفادت وكالة التحقيقات الأمريكية بروبابليكا أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ــ وهي إدارة حكومية ــ قدمت تقييما تفصيليا لوزير الخارجية أنطوني بلينكن يخلص إلى إن إسرائيل تتعمد منع وصول الطعام والدواء إلى غزة. ووصفت الوكالة إسرائيل بأنها «تقتل عمال الإغاثة، وتدمر البنية الزراعية، وتقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات وتستولي على مستودعات الإمدادات وتمنع مرور الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء».

وفي مثال صارخ بصفة خاصة، تم تخزين طعام على بعد يقل عن ثلاثين ميلا من حدود ميناء إسرائيلي، فكان مما فيه دقيق [طحين] يكفي لإطعام أغلب أهل غزة لمدة خمسة أشهر، وتم منعه عمدا. انتهت وكالة اللاجئين في وزارة الخارجية الأمريكية أيضا إلى أن إسرائيل تتعمد حجب المعونات، وأوصت بأن تستعمل الولايات المتحدة تشريعا يسمح بتجميد شحنات الأسلحة للدول التي تمنع وصول المعونات المدعومة من أمريكا. لكن بلينكن رفض هذه التقييمات، وأجازت حكومة الولايات المتحدة حزمة مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 8.7 مليار دولار للدولة التي انتهت وكالات أمريكية إلى أنها تتعمد تجويع أهل غزة.

والآن خذوا أنفسكم إلى عالم آخر، عالم النخبة السياسية البريطانية. إذ اقترح مرشحان لقيادة حزب المحافظين جعل الولاء لإسرائيل سمة أساسية للهوية البريطانية. فأعلن المرشح الأوفر حظا روبرت جينريك، أنه يجب وضع نجمة داود عند كل مدخل إلى بريطانيا لإظهار «أننا نقف مع إسرائيل». أعلنت كيمي بادينوتش أنها مندهشة «من عدد المهاجرين الجدد إلى المملكة المتحدة الذين يكرهون إسرائيل»، مضيفة أن «هذا الشعور ليس له مكان هنا». في الوقت نفسه، بعد الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني ـ الذي لم ترد أخبار عن تسببه في وقوع إصابات إسرائيلية - أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بحماس في خطاب رسمي في داونينج ستريت قائلا «إننا نقف مع إسرائيل»، فهذا الرجل لم يبدِ ولو ذرة ضئيلة من تلك المشاعر تجاه عشرات آلاف العرب الذين ذبحتهم إسرائيل، من فلسطين إلى لبنان. فأي كلمة ترى يمكن أن تصف هذا التباين في الرد غير العنصرية؟

من حسن الطالع أن هذين العالمين ليسا بالعالمين اللذين يسكن فيهما الشعب البريطاني. فثلثا الناخبين الآن يتبنون وجهة نظر غير محابية لإسرائيل، مقارنة بـ17% يحابونها، وهو رقم ضئيل. سبعة من كل عشرة يعتقدون أنه من المحتمل أن تكون إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب (8% فقط يرفضون)، في حين يعتقد 54% أنه يجب إصدار مذكرة اعتقال لبنيامين نتنياهو بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها (ويعترض على ذلك 15%).

ولكن تفاني حكامنا هذا من أجل إسرائيل لم تزعزعه الأعمال الوحشية الرهيبة والرأي العام الذي يزداد نفورا. في عالم منطقي، كان لمناصرة التحالف المخلص مع دولة متورطة في مثل هذه الفوضى القاتلة أن تؤدي إلى استبعاد صاحبها من الحياة العامة مكللا بالعار، ولكنها هي الرأي السائد، والموقف المحترم، أما المعارضون فتتم شيطنتهم واعتبارهم متطرفين ناقمين.

ما الذي يفترض بالضبط أن تفعله إسرائيل ليتزعزع هذا الوضع؟ لقد ارتكبت أسوأ مجزرة للأطفال في عصرنا، برصاص قناصة موجهة لرؤوس الرضع إلى ذبح أسر مذعورة داخل سياراتها، ويتضح الآن أنها تعمدت تجويع شعب كامل. وهي متهمة باغتصاب المعتقلين من الذكور والإناث على السواء، بينما تدين منظمة «أنقذوا الأطفال» جنودا إسرائيليين لانتهاكهم جنسيا أطفالا فلسطينيين في السجون. وقتلت ما لا يقل عن 885 من العاملين في الرعاية الصحية، وتركت نساء يخضعن لولادات قيصرية وأطفالا يخضعون لجراحات بتر دونما تخدير. وجنودها يرمون جثث الفلسطينيين من أسطح البنايات في مشاهد تذكرنا بتنظيم داعش. في الوقت نفسه، يتبارى وزراء وساسة وضباط جيش وجنود وصحفيون إسرائيليون في خطاب قتل وإبادة جماعية مروع.

لو أن دولة معادية للغرب كانت مذنبة بارتكاب فظائع على هذا القدر من البشاعة، لكان هناك إجماع واسع النطاق على أنها واحدة من الجرائم الكبرى في عصرنا. ولكن كما تقول المحامية الفلسطينية ديانا بوتو إن «العالم يقول لنا إنه لا شيء يمكن أن يبرر السابع من أكتوبر، ومع ذلك فإن كل ما فعلته إسرائيل يمكن تبريره بالسابع من أكتوبر». من السهل التركيز على أشد مشجعي أفعال إسرائيل جنونا، ولكن هناك أيضا العديد من المعلقين والشخصيات العامة الذين لزموا الصمت أو أبدوا أسفهم على ما حدث، على الرغم من تورط بلادهم في حمام الدم الذي لا ينتهي هذا، وخاصة من خلال استمرار مبيعات الأسلحة. ويجب أن نتذكر أن أهوال ماضينا أيضا ما كانت لتحدث لولا الصمت.

إنني أتساءل جادا: ما الذي يستوجبه الأمر؟ ما الفظائع التي يمكن أن ترتكبها إسرائيل قبل أن يصبح الدفاع عن تحالفنا معها مسألة عار عام؟ هل ثمة من عتبة أصلا؟ وما الحصاد الرهيب الذي سوف يحصده الغرب بقوله للعالم بشكل سافر إنه لا يقيم وزنا لهذه الأرواح العربية التي محيت من الوجود؟

أوين جونز من كتاب أعمدة الرأي في جارديان

عن صحيفة الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تقرير: إسرائيل تجبر طائرة يشتبه أنها تحمل أسلحة لحزب الله على التراجع

انعطفت طائرة إيرانية تابعة لشركة قشم الجوية كانت قادمة من طهران، ومتجهة إلى لبنان أو سوريا فوق المجال الجوي العراقي، السبت، وفقا لبيانات من مواقع تتبع الرحلات الجوية. 

 ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" أن الطائرة يعتقد أنها كانت تحمل أسلحة إلى حزب الله، وبالتالي، عمل الجيش الإسرائيلي على تحذيرها. 

ويقول الجيش الإسرائيلي إن "حصاره العسكري" على لبنان سيستمر، على الأرجح لفترة طويلة.

كجزء من الحصار، الذي يهدف إلى منع تسليم الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، ضرب الجيش الإسرائيلي جميع المعابر "العسكرية" بين لبنان وسوريا، بما في ذلك نفق، وأصاب أيضا معبرا مدنيا بعد أن بدأ حزب الله باستخدامه. 

Iran's Fars Air Qeshm freighter B747-281F EP-FAB #731822 as QFZ9950 left Tehran for an as-yet-unknown destination. @Dinlas3 @LebanonJets @sipjack1776 pic.twitter.com/Z5S1DHw8zD

— Johnny Gemini (@Borrowed7Time) October 5, 2024

وقصف الجيش الإسرائيلي عدة مستودعات في سوريا في الأيام الأخيرة، يعتقد الجيش أنها استخدمت لتخزين أسلحة إيرانية كان من المقرر تسليمها إلى حزب الله، وفق الصحيفة.

والأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيحبط محاولات إيران إيصال أسلحة إلى حزب الله عبر مطار بيروت الدولي، مؤكدا أن طائرات حربية إسرائيلية تقوم بدوريات حول مطار بيروت.

وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري "لن نسمح بنقل أسلحة إلى منظمة حزب الله الإرهابية بأي طريقة من الطرق. نعلم بشحنات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله وسنحبطها. طائرات تابعة لسلاح الجو تقوم بدوريات حول مطار بيروت" راهنا.

والسبت، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات جديدة على لبنان وخصوصا في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله الذي أفاد من جهته عن اشتباكات مع القوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية وإطلاق صواريخ على قاعدة جوية في شمال إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • جنرال أميركي بارز يصل إسرائيل وسط تحضيرات للرد على إيران
  • جنرال أميركي بارز يصل إسرائيل مع التحضيرات للرد على إيران
  • تقرير: إسرائيل تجبر طائرة يشتبه أنها تحمل أسلحة لحزب الله على التراجع
  • غارديان: انتصارات إسرائيل التكتيكية قد يثبت أنها خسائر إستراتيجية
  • الجارديان: متى تنتهي الفظائع الإسرائيلية رغم مرور عام على طوفان الأقصى؟
  • أول رئيسة لأيرلندا: “إسرائيل” تتحرك دون عقاب في الشرق الأوسط
  • مقال لبلينكن حول الإستراتيجية الأميركية من أجل عالم جديد
  • باحث سياسي: بايدن يرسل آلاف الجنود الإضافيين للدفاع عن إسرائيل
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟