لجريدة عمان:
2025-03-18@17:41:49 GMT

طغيان شركات التكنولوجيا الكبرى

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

ترجمة: نهى مصطفى -

في 30 أغسطس، حظرت المحكمة العليا البرازيلية منصة التواصل الاجتماعي «X»، من الإنترنت في البلاد. كان الحظر تتويجًا لصراع دام شهورًا بين إيلون ماسك، مالك المنصة وأغنى رجل في العالم، وألكسندر دي مورايس، أحد قضاة المحكمة.

تم تكليف مورايس بالتحقيق في دور المعلومات المضللة عبر الإنترنت في محاولات إبقاء الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو في السلطة، على الرغم من خسارته للانتخابات.

أمر مورايس موقع X بحذف مئات الحسابات التي تنشر معلومات مضللة. وردًا على ذلك، اتهمت المنصة العدالة البرازيلية بالرقابة. وسحب ماسك الموظفين المطلوبين قانونًا للعمل X في البرازيل، والذي أدى في نهاية الأمر بالعدالة إلى منع البرازيليين من الوصول إلى المنصة تمامًا.

لم يتقبل ماسك هذا القرار بلطف، حيث وصف مورايس بـ«الطاغية الشرير». ولم يحصر غضبه في الإدانات القاسية فقط، فوفقًا لتقارير صحيفة نيويورك تايمز، فقد قام أولا، شجع ماسك البرازيليين على استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) لتجنب حالة المنع. استمرت شبكته الفضائية ستارلينك، التي توفر خدمة الإنترنت للمشتركين مباشرة من الفضاء، في توفير الوصول إلى الموقع. وأخيرًا، أعادت شركة X توجيه حركة الدخول على الإنترنت من خلال خوادم جديدة، مما سمح لها بالتحايل على ضوابط الاتصالات في البرازيل تمامًا.

وتحت ضغط متزايد من السلطات في بلد به عدد كبير من مستخدمي X، وافقت الشركة في النهاية على حظر حسابات المعلومات المضللة وسداد غراماتها. لكن الوقاحة التي تمكن بها قطب التكنولوجيا من تحدي قرار دولة ما تجعل الحقيقة الصارخة والمخيفة ملموسة للغاية: لقد فقدت الحكومات الديمقراطية أسبقيتها في العالم الرقمي، مع تزايد دور ونفوذ الشركات ومديريها التنفيذيين. وهذا التحول في السلطة هو مجموع اعتماد المجتمع على شركات التكنولوجيا، والمناطق القانونية الرمادية التي تعمل فيها، والخصائص الفريدة للتكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، ونتاج لكيفية تجريد المؤسسات العامة من معرفتها التكنولوجية، وفاعليتها، ومساءلتها. إنها حقيقة سمح بها أجيال من السياسيين من مختلف الأحزاب بالظهور.

إذا كان للديمقراطية أن تستمر، فيتعين على القادة أن يحاربوا هذا الانقلاب وجهًا لوجه، إنهم بحاجة إلى تقليص اعتمادهم المفرط على شركات التكنولوجيا القوية. ويجب عليهم تمكين تكنولوجيا المصلحة العامة لتحقيق التوازن. يحتاجون إلى إعادة بناء خبراتهم التقنية الخاصة. والأهم من ذلك كله، أن عليهم بناء أنظمة تنظيمية فعّالة ومبتكرة قادرة على مساءلة شركات التكنولوجيا (والحكومات التي تستخدم التكنولوجيا). والقيام بذلك ضروري للحفاظ على المجتمعات الرقمية المفتوحة والحرة والحيوية القائمة على سيادة القانون. تذكرنا الحالة البرازيلية بأن الأوان لم يفت بعد، ويمكن للسلطات الديمقراطية أن تستعيد سيادتها وتؤكد نفسها بفعالية في مجال التكنولوجيا، إذا اختارت استخدام عضلاتها.

كل تلك القوة: تنتج الشركات الخاصة باستمرار اختراعات تكنولوجية جديدة، لكن صناع السياسات فشلوا في مواكبة هذه الوتيرة. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تم إقرار اثنين من القواعد التنظيمية الرئيسية المتعلقة بالتكنولوجيا، قانون آداب الاتصالات وقانون الألفية الجديدة لحقوق طبع ونشر المواد الرقمية، منذ عقود من الزمن ــ في عامي 1996 و1998 على التوالي ــ قبل وقت طويل من تفكير ستيف جوبز في جهاز الآيفون. وفي السنوات التي تلت ذلك، تقدمت شركات التكنولوجيا من تطوير المنتجات إلى تشغيل أنظمة كاملة تؤثر على المجالات التي كانت تحكمها الدول حصريًا في السابق، مثل البنية التحتية الرقمية وضماناتها الأمنية. ومن خلال إطلاق العنان لأدواتها وخدماتها القوية في عالم يفتقر إلى حواجز الحماية المناسبة، أصبحت شركات التكنولوجيا هي الحاكم الفعلي للتكنولوجيات ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى، بما في ذلك أنظمة التعرف على الوجه، واتصالات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، وبعض جوانب جمع المعلومات الاستخبارية.

مع نمو سلطتهم، أصبح الرؤساء التنفيذيون في مجال التكنولوجيا شخصيات أكبر من الحياة. ولعل ماسك هو المثال الأكثر وضوحا؛ نظرًا لهجماته المباشرة على زعماء العالم وتورطه في السياسة. وقد تم استدعاء مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي لشركة ميتا بشكل روتيني أمام الكونجرس، والذي قال إن عمله هام بالنسبة للولايات المتحدة للمنافسة مع الصين (وبالتالي لا ينبغي المساس بها).

نتيجة لذلك، تمارس شركات التكنولوجيا الكبيرة والصغيرة الآن سلطة غير مسبوقة، حتى على البنية التحتية الأكثر أهمية. على سبيل المثال، فهي تهيمن على كابلات البيانات الموجودة تحت سطح البحر، والتي تعمل كنظام نقل لكل حركة الإنترنت على مستوى العالم تقريبًا. وينتقل من خلالها ما يقرب من 99 % من بيانات العالم، بما في ذلك 10 تريليونات دولار من المعاملات المالية اليومية والمعلومات الحكومية شديدة الحساسية. بدون الكابلات، ستصبح جميع أنواع الأنشطة الأساسية مستحيلة. والمفترض أن يخضع التحكم بها وتأمينها من قبل الدول أو الهيئات الحكومية الدولية، ولكن بدلًا من ذلك، تقوم الشركات ببنائها واستخدامها والمحافظة عليها بينما يقف صناع السياسات على الهامش.

أسلحة الحرب: تم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل مثير للجدل لتحديد أعداد هائلة من الأهداف في غزة. وتستخدم أوكرانيا شركات الأقمار الصناعية للحصول على المعلومات الاستخبارية والتواصل. وقد أعطى هذا الاعتماد على شركات التكنولوجيا نفوذًا ملحوظًا على كيفية تعامل الدول مع دفاعها. إحدى الشركات التي تعتمد عليها أوكرانيا، على سبيل المثال، هي شركة ستارلينك، التي شجعت ماسك على إبداء رأيه في مسار الصراع، حيث دعا إلى مفاوضات السلام بالتوافق مع أهداف الكرملين، الأمر الذي أثار غضب كييف وأنصارها.

في حالات أخرى، أصبحت شركات التكنولوجيا فعليًا أطرافًا مباشرة في الصراعات، فالمواجهات تحدث على نحو متزايد في الفضاء الإلكتروني، وبالتالي تعتمد الدول بشكل متزايد على الشركات الخاصة للدفاع. لنأخذ بعين الاعتبار ما حدث عندما تعرضت شبكات شركة كولونيال بايب لاين لهجوم وطلبت فدية في عام 2021. تعد الشركة واحدة من أكبر موردي الطاقة في الولايات المتحدة، وبالتالي أوقف الهجوم تدفق النفط عبر معظم أنحاء الساحل الشرقي بالولايات المتحدة. أعلنت العديد من الولايات حالة الطوارئ، حيث تشكلت طوابير عند محطات الوقود، وكان لا بد من إعادة توجيه الرحلات الجوية.

في اجتماع مع الرؤساء التنفيذيين للتكنولوجيا في أعقاب الهجوم، اعترف الرئيس جو بايدن بأن «الحقيقة هي أن معظم بنيتنا التحتية الحيوية يملكها ويديرها القطاع الخاص». وتابع: «لا تستطيع الحكومة الفيدرالية مواجهة هذا التحدي بمفردها». كان اعترافًا نادرًا وصريحًا بأن الحكومة فقدت السلطة عندما يتعلق الأمر بحماية البلاد في المجال الرقمي.

في خضم كل هذا الغموض القانوني والسياسي، أصبحت الشركات أكثر راحة في العمل كمرتزقة. تقوم شركات برامج التجسس بتأجير وبيع أدوات استخباراتية متطورة للأنظمة الديكتاتورية والديمقراطية على حد سواء.

المصفوفة موجودة في كل مكان: في كثير من الأحيان، تعمل الدول في ظل عجز في المعلومات عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا. باستثناءات قليلة، تفتقر الدول إلى القدرة على الوصول إلى المعلومات فضلاً عن الخبرة اللازمة لفهم (ناهيك عن تنظيم) الخوارزميات والاختراعات الجديدة. ولأن المعرفة قوة، فإن هذه الندرة تترك صناع السياسات في موقف تفاوضي ضعيف في مواجهة شركات التكنولوجيا القوية، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الاستعانة بمصادر خارجية.

تعمل شركات التكنولوجيا أيضًا على تعزيز قوتها من خلال محافظها المالية. تتمتع أكبر شركات التكنولوجيا بثروة استثنائية: تبلغ القيمة السوقية لشركة مايكروسوفت 3.2 تريليون دولار، أي أكثر من إجمالي الناتج المحلي لفرنسا، سابع أكبر اقتصاد في العالم. ونتيجة لذلك، فإن هذه الشركات ليس لديها مشكلة في إنفاق مئات الملايين من الدولارات على ممارسة الضغط، ولأن الساسة وغيرهم من المسؤولين لا يتمتعون إلا بالقليل من الخبرة التقنية، يستطيع ممثلو الشركات صياغة تفكيرهم بسهولة. استخدمت شركات التكنولوجيا أموالها لتأطير الفهم الجماعي العالمي لصناعتها من خلال الاستثمار في مؤسسات الفكر والرأي، والمؤتمرات، والمؤسسات الأكاديمية.

أحد الإطارات التي حققت شركات التكنولوجيا نجاحًا كبيرًا في الترويج لها هو أن «التنظيم يخنق الابتكار»، على حد تعبير فيسبوك عندما حاول منع الهيئات التنظيمية الأوروبية عن تنفيذ توجيهات حماية البيانات في الاتحاد الأوروبي في عام 2012.

الحقيقة أن التنظيم ديناميكي، وليس ثابتًا، ويتكيف كما تفعل الصناعات، وفي العديد من الحالات، أدت حواجز الحماية المسؤولة إلى تحفيز الابتكار. فالشركات، على سبيل المثال، اخترعت المزيد من المنتجات الصديقة للبيئة أو المستدامة بعد دخول قوانين حماية البيئة الأكثر صرامة حيز التنفيذ. ومن الناحية الفلسفية، فإن الابتكار ليس أكثر أهمية من سيادة القانون أو حماية المستهلك أو عدم التمييز أو أي من القيم الديمقراطية.

اكتسبت شركات التكنولوجيا المزيد من القوة من خلال رفض شرح كيفية عمل منتجاتها. ونتيجة لذلك، لا يستطيع الأكاديميون البحث بشكل مستقل في الأعمال الداخلية للخوارزميات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي. تقوم شركات التكنولوجيا بالخداع الصريح أيضًا. أخذت شركة أوبر في ممارسة التشويش باستخدام تطبيق جريبول، وفقًا لتقارير صحيفة نيويورك تايمز، حددت أوبر ضباط إنفاذ القانون في الولايات القضائية التي لم يُسمح للشركة فيها بالعمل بعد. وعندما يفتحون التطبيق، يواجهون صعوبة في تحديد ما إذا كانت خدمة أوبر متاحة بالفعل في مناطقهم. وبهذه الطريقة، تمكنت الشركة من العمل مع تجنب الكشف. وباستثناء الغرامات المتفرقة، لم تفعل الحكومات ما يكفي لكبح جماح هذه الممارسات، والمطالبة بالشفافية، ومحاسبة الشركات.

حتى الآن، تبدو الحكومات الديمقراطية غير مهتمة على نحو صادم بالقوة المتزايدة التي تتمتع بها شركات التكنولوجيا. لقد أطلق النشطاء والصحفيون ناقوس الخطر بشأن هذه الصناعة، لكن الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة متساهلة بشكل متعمد عندما يتعلق الأمر بالقطاع.

كان الاتحاد الأوروبي أكثر نشاطا، ولكن عددًا قليلًا جدًا من قوانينه تهدف إلى إنهاء الاستيلاء على السلطة. تحتاج الديمقراطيات إلى رؤية واضحة لكيفية إدارة التكنولوجيا بشكل شامل. وفي مجتمع تتمتع فيه شركات التكنولوجيا بسلطة اتخاذ القرار الحاسم، ينبغي للحكومة أن تتخذ إجراءات أكثر فعالية.

هناك العديد من الطرق التي يمكن للحكومات الديمقراطية أن تحقق ذلك، وتنطوي على تعريف صناع السياسات بطرق عمل المنتجات التقنية ومن ثم كبح جماح الشركات بشكل فعال. ويمكن للحكومات أن تبدأ بتعديل تدابير حماية السرية التجارية بما يتناسب مع عصر الخوارزميات. وينبغي لها أن تشترط أن يكون لدى الباحثين إمكانية الوصول إلى البيانات وأن الأنظمة التقنية المستخدمة باسم الحكومات يمكن الوصول إليها، على سبيل المثال، من خلال طلبات قانون حرية المعلومات. القيام بذلك من شأنه أن يسمح للجمهور بمعرفة كيفية عمل هذه الأنظمة، مما يسهل إجراء مناقشة تنظيمية مستنيرة.

وعلى الجانب الآخر، ينبغي للشركات أن تلتزم بمعايير شفافية أقوى عندما يتعلق الأمر بالمزايدة على عقود الأراضي والطاقة لمراكز البيانات أو الكشف عن مستثمريها. إذا كانت الشركة غير راغبة في تحديد من يمولها، فهي غير مؤهلة للقيام بأعمال تجارية في السوق المفتوحة.

يتعين على الحكومات أن تحول التركيز من تمرير القوانين إلى تنفيذها بطريقة سريعة. ويتعين عليها ترسيخ القوانين في المبادئ الأساسية للعدالة، والمساواة، وعدم التمييز، والمسؤولية مع مضاعفة التركيز على آليات التنفيذ الملموسة القادرة على تحمل التقدم التكنولوجي الحتمي.

يجب حظر شركات التكنولوجيا من بيع تقنياتها المناهضة للديمقراطية. في عام 2021، أضافت وزارة التجارة الأمريكية مجموعة إن إس أو «NSO»، الشركة الإسرائيلية التي تنتج برامج التجسس سيئة السمعة «Pegasus»، إلى قائمة الحظر التجاري، مما يحد من سهولة تداولها. هذا التصنيف مستحق تمامًا: فبرنامج بيجاسوس عبارة عن أداة تجسس شائعة لدى الحكومات القمعية التي تتطلع إلى مراقبة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين.

لم يفت الأوان لوقف الانقلاب والطغيان التكنولوجي، ولكن يتعين على الحكومات أن تسن إصلاحات نظامية حقيقية حتى تتمكن من استعادة سلطتها وتكريس سيادة القانون.

ماريتشي شاكي سياسية نيذرلاندية وناشطة فـي مجال حقوق الإنسان وحرية الإنترنت. كانت عضوة في البرلمان الأوروبي من 2009 إلى 2019، وركزت على قضايا التكنولوجيا، وحقوق الإنسان، والسياسة الرقمية.

المقال نشر في «Foreign Affairs ».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شرکات التکنولوجیا عندما یتعلق الأمر على سبیل المثال التکنولوجیا ا صناع السیاسات الوصول إلى من خلال

إقرأ أيضاً:

الشركات الأمريكية وسيادة حُكْم القانون

حان الوقت لقادة الأعمال الأمريكيين كي يحددوا موقفهم تجاه حكم القانون مع تهديد إدارة ترامب برفض الامتثال للأحكام القضائية وتدخلها في سلطة الادعاء الخاصة بالحكومة الفيدرالية. هل يجهر هؤلاء القادة بوقوفهم الى جانب قوانين أكبر اقتصاد في العالم حين يتم التلاعب بها وتجنب الخضوع لها من أجل غايات سياسية وشخصية؟

تختار الشركات من كل أنحاء العالم التعامل مع الولايات المتحدة بالضبط بسبب سيادة حكم القانون. أي بالنظام المرتَّب بعناية والذي يضمن تنفيذ تعاقدات هذه الشركات والمقاضاة في نزاعاتها بحسن نية ودون رشاوى أو تدخل سياسي. لكن متخذ القرار الذي لا يردعه شيء عما ينوي فعله يمكنه تطويع القانون لخدمة أهدافه بطرائق عديدة من بينها تحويل الحكم بواسطة القوانين إلى حكم بواسطة الأفراد. ويبدو أن إدارة ترامب تمضي في هذا الدرب تماما.

فمثلا نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس جادل بأن «القضاة غير مسموح لهم بالسيطرة على السلطة الشرعية للجهاز التنفيذي». ومَثَّلَ لذلك بقضية «افتراضية» تحاول فيها المحكمة توجيه قائد عسكري بالطريقة التي ينفذ بها عملية عسكرية. هذا الزعم لا غبار عليه كحجة قانونية بشأن المجال النسبي للسلطة التنفيذية والقضائية. وفي الواقع أدركت المحاكم منذ أمد بعيد أن بعض المسائل التي تُرفع إليها ذات طبيعة سياسية وليست قضائية وبالتالي يجب البت فيها بواسطة الأجهزة السياسية.

المسألة هنا لا تتعلق بوجود حدود للسلطة القضائية أو التنفيذية أو التشريعية. المسألة هي أن على المحاكم تقرير هذه الحدود وعلى الفرعين الآخرين (التنفيذي والتشريعي) التقيد بأحكامها وفق الدستور. مع ذلك قال فانس علنا في مدوَّنة صوتية عام 2021 إن على الجهاز التنفيذي ببساطة رفض الامتثال للأحكام القضائية التي تحدّ من سلطته. وبدا أن الرئيس دونالد ترامب يمهِّد لِحُجَّة مماثلة. فقد كتب على منصَّة «أكس» وأيضا منصة «تروث سوشيال» أن «من ينقذ بلده لا ينتهك أي قانون».

دانييل ساسون، التي عيَّنها ترامب مدعية عامة بالإنابة للولايات المتحدة لمنطقة جنوب نيويورك ولا تشوب نزعتها المُحافِظة شائبة، استقالت في الشهر الماضي بعد توجيهها بإسقاط قضية فساد ضد عمدة نيويورك إريك آدمز. فعلت ذلك على أساس أن التوجيه الذي صدر لها من وزارة العدل ينتهك واجبها المهني «بعدم استخدام سلطة تطبيق القانون الجنائي للولايات المتحدة لغايات سياسية أو تحقيق أي أغراض أخرى غير سليمة» لذلك، لماذا لا يحتج قادة الأعمال على التهديدات التي تتعرض لها سيادة حكم القانون كما يفعل موظفو الخدمة العامة مثل ساسون؟

تبنى بعض الرؤساء التنفيذيين للشركات استراتيجية استباقية لاسترضاء ترامب بتغيير الأفراد والسياسات تماشيا مع قواعد حركة ماغا (أصحاب شعار لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى). ويتخلى آخرون عن برامج التنوع والمساواة والشمول الخاصة بشركاتهم. وعندما تحدثتُ إلى قادة الأعمال عن الفوضى التي ستترتب عن الرفض الرئاسي للتقيد بالأحكام القضائية كانت إحدى الإجابات التي سمعتها أن الأسواق في هذه الحال ستنهار على الفور وعندها سينتبه ترامب ويتراجع. في الواقع ستنهار الأسواق بالضبط لأن الولايات المتحدة ستتحول فجأة إلى بلد يقل كثيرا تفضيل رجال الأعمال له لممارسة أعمالهم.

لنفترض أن الأسواق تنهار وترامب لا يأبه لذلك وأن الطريق مُغْرٍ جدا إلى السلطة المطلقة بتدمير نظام الكوابح والتوازنات بأكمله (نظام الكوابح والتوازنات يعني نظام الفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية - المترجم). ولنفترض أيضا أن إيلون ماسك أو رفيق آخر للرئيس يريد شراء شركات متنوعة بأثمان بخسة. حينها يمكن لمكتب الإيرادات الداخلية وأيضا الوزارات الحكومية الأخرى تقييد هذه الشركات بتدبير تحقيقاتٍ وفرضِ غرامات تخفِّض أسعار أسهمها. ويمكن أيضا مقاضاة الرؤساء التنفيذيين خصوصا أولئك الذين لا يؤيدون ترامب. ويمكن للقضاة الذين يُوَادُّون حركة «ماغا» ويستحسنونها النظر في قضايا تافهة مرفوعة ضد شخصيات وشركات بقصد استنزاف وقتها وأموالها على أتعاب المحاماة.

أو لنفترض أن الأسواق لم تشهد انهيارا. فعندما اقترح الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1933-1945) تعيين قضاة إضافيين في المحكمة العليا لكي يحكموا لصالحه تراجعت الأسواق. لم يكن تراجعها دراميا. لكن ما حدث كان فيضانا من الرسائل المعبرة عن الرأي العام والمعنونة إلى أعضاء الكونجرس الذين لم يكن باستطاعتهم قراءتها كلها لكثرتها إلى جانب اندلاع احتجاجات مختلفة في أرجاء الولايات المتحدة.

باختصار، قادة الأعمال يخاطرون كثيرا حين يلوذون بالصمت. اللحظة الراهنة هي الوقت المثالي للجهر بمناصرة حكم القانون خصوصا مع إلحاق المحكمة العليا أول هزيمة بإدارة ترامب. (أمر المحكمة الماضي بوقف إجراء تنفيذي اتخذه ترامب بتجميد نحو ملياري دولار من المساعدات الأجنبية - المترجم). سينضم قادة الأعمال بذلك إلى صف زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ جون ثون ورئيس لجنة القضاء تشاك جراسلي وعضوي مجلس الشيوخ جوش هاولي ومايك راوندز وكل هؤلاء من عتاة المحافظين الذين أصروا على وجوب امتثال الحكومة لقرارات المحاكم. أوضح جراسلي أنه تعلم «الفصل بين السلطات» بالمدرسة في مقرر التربية المدنية في الصف الثامن. ذلك صحيح. لذلك لا ينبغي أن تكون مناصرة الحرية تحت حكم القانون بمثل هذه الصعوبة.

آن ماري سلوتر الرئيسة التنفيذية لمركز الأبحاث نيوأمريكا (أمريكا الجديدة)

الترجمة عن الفاينانشال تايمز

مقالات مشابهة

  • مصر تسمح لـ 8 شركات باستخدام التكنولوجيا المالية في أنشطتها
  • الموافقة لـ 5 شركات غير مصرفية على تقديم خدماتها باستخدام مجالات التكنولوجيا المالية
  • عبد الباقي لـ سانا: شملت الإجراءات إلغاء عقود مُبرمة بشكل غير قانوني وثبت تورطها في فساد مالي، إلى جانب تخفيض أسعار مواد من متعهدين استغلوا العقوبات الاقتصادية التي جلبها النظام البائد لسوريا، وتسبب بفرض أسعار مُبالغ فيها على الجهات الحكومية
  • "الرقابة" توافق لـ3 شركات على مزاولة نشاط السمسرة بالأوراق المالية باستخدام التكنولوجيا
  • الرقابة المالية توافق لـ 5 شركات مالية غير مصرفية على تقديم خدماتها باستخدام مجالات التكنولوجيا المالية
  • الشركات الأمريكية وسيادة حُكْم القانون
  • مصر تفتح أبوابها أمام كبرى الشركات الهندية للاستثمار في التكنولوجيا والطاقة المتجددة
  • 12.3 تريليون دولار ديون الحكومات العالمية بنهاية 2025
  • وزير الإنتاج الحربي: نعمل على توطين التكنولوجيا والتكامل مع شركات القطاع الخاص
  • فك شيفرة الخوارزمية التي تستخدمها شركات الطيران لزيادة أسعار التذاكر