تجربة نورمان بورلوج: دروس في مواجهة الأزمات الاقتصادية
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
في عالم يُواجه تحديات اقتصادية مُتزايدة، تظل الزراعة واحدة من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة. ومن خلال دراسة تجارب الزراعة الناجحة، نجد أن الابتكارات الزراعية تلعب دورًا حاسمًا في التغلب على الأزمات الغذائية وتعزيز الأمن الغذائي. يُعد كتاب "Transforming Agriculture in Africa & Asia: A Success Story" من تأليف العالم الأمريكي نورمان بورلوج، الحائز على جائزة نوبل للسلام، مرجعًا مهمًا لفهم تجارب زراعية أسهمت في تجاوز الأزمات خلال الفترة ما بين 1960 و1990.
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، واجهت العديد من الدول النامية تحديات مثل نقص الغذاء وسوء التغذية والفقر المدقع. وخلال الستينيات، انطلقت ثورة خضراء بقيادة بورلوج، حيث عمل على تطوير أنواع جديدة من المحاصيل التي كانت أكثر مقاومة للأمراض والجفاف. ومن خلال تحسين سلالات القمح والأرز، استطاع بورلوج رفع إنتاجية المحاصيل بشكل كبير.
تعتبر الثورة الخضراء، التي بدأت في الهند في منتصف الستينيات، واحدة من أبرز الأمثلة على تأثير الابتكارات الزراعية في تجاوز الأزمات الاقتصادية. بدأت هذه التجربة عندما تم إدخال سلالات جديدة من القمح بساق أقصر، مما أدى إلى زيادة إنتاج الحبوب بشكل هائل. وامتدت هذه الجهود إلى باكستان ودول أخرى، حيث تم تحسين الإنتاج الزراعي من خلال تطبيق تقنيات الزراعة الحديثة.
وفي إفريقيا، عمل بورلوج على تطوير محاصيل مثل الذرة في دول مثل ملاوي وكينيا. في ملاوي، أدت الجهود المبذولة لتحسين إنتاج الذرة إلى زيادة الإنتاج المحلي، مما ساعد البلاد على مواجهة أزمات الغذاء. وفي كينيا، ساهمت الابتكارات الزراعية في رفع مستوى المعيشة للفلاحين وتحسين الأمن الغذائي. وبفضل التحسينات في تقنيات الزراعة، تمكن المزارعون من تحقيق عوائد أعلى وزيادة دخلهم، مما أدى إلى تحسين ظروف الحياة في المجتمعات الريفية.
تُظهر تجربة بورلوج أهمية التعاون الدولي في تحقيق النجاح في التنمية الزراعية. فقد ساهمت منظمات مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) والبنك الدولي في دعم الدول النامية من خلال تقديم التمويل والتدريب والخبرة اللازمة لتعزيز قدراتها الزراعية.
وُلد نورمان بورلوج بولاية آيوا الأمريكية في الخامس والعشرين من مارس عام 1914، ودرس الزراعة والعلوم الزراعية. وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1970 تقديرًا لجهوده في تحسين الإنتاج الزراعي وتطبيق تقنيات جديدة ساعدت على زيادة المحاصيل الغذائية. وقد توفي في الثاني عشر من سبتمبر عام 2009، وترك إرثًا ضخمًا من الابتكارات الزراعية التي ساهمت في تعزيز الأمن الغذائي في مختلف أنحاء العالم. كان من أهم إنجازاته تطوير أصناف قمح جديدة تتميز بمقاومتها للأمراض وزيادة إنتاجيتها. في الستينيات، ساهمت هذه الأصناف في رفع إنتاج القمح في الهند وباكستان، حيث أصبحت الدولتان قادرتين على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب.
أسهمت جهود بورلوج في الهند في رفع إنتاجية القمح بنسبة 50% خلال فترة قصيرة، مما ساعد على تجنب المجاعات التي كانت تهدد البلاد.كما لعبت هذه الجهود دورًا كبيرًا في تحسين الأمن الغذائي في باكستان ودول أخرى، وساهم أيضًا في نشر المعرفة الزراعية من خلال تعليم وتدريب المزارعين على تبني تقنيات زراعية جديدة لتحقيق الأمن الغذائي ومحاربة الجوع في العالم.
يُظهر كتاب "Transforming Agriculture in Africa & Asia" لنورمان بورلوج كيف أن الابتكارات الزراعية ليست مجرد حلول لتحديات الإنتاج، بل هي أدوات استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة والتغلب على الأزمات الاقتصادية. ويصبح تعزيز هذا القطاع من خلال البحث والتطوير والاستثمار هو مفتاح تحقيق الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي المستدام.
أكد نورمان بورلوج عددًا من المفاهيم والأفكار المهمة للاستفادة من الزراعة في تحقيق تنمية مستدامة، ودعا إلى إلغاء السياسات السعرية المعادية للزراعة، وقال: إن "الزراعة تبدأ في التقدم عندما تزيل الدول السياسات التي تعاقب القطاع الزراعي لكي تنجح التحولات الزراعية في العديد من الدول". كما أشار إلى أن الاستثمارات العامة في البحث الزراعي، وخدمات الإرشاد، والكهرباء، والري مهمة للغاية، لكن نوعية هذه الخدمات قد تكون أكثر أهمية من كميتها. وهذا يتطلب تحسين الجودة بدلاً من مجرد زيادة الكمية ويجب أن يكون هناك تنسيق دقيق بين الاستثمارات والسياسات الزراعية، وتحديد الاحتياجات التنموية بالنظر إلى كمية الأراضي الزراعية المتاحة، ومعدل النمو السكاني لتحديد احتياجاتها التنموية الخاصة.
ورغم النجاحات التي حققها بورلوج وغيره من العلماء والباحثين للاستفادة من الابتكارات الزراعية في تحقيق تنمية مستدامة ومواجهة الأزمات الاقتصادية، فإن التحديات لا تزال قائمة، ومنها التغير المناخي الذي يمثل تهديدًا كبيرًا للإنتاج الزراعي ويزيد من حدة الأزمات الغذائية، لذا، من الضروري الاستثمار في تقنيات جديدة مثل الزراعة المستدامة والزراعة العضوية، التي تحافظ على الموارد الطبيعية وتقلل من تأثير الزراعة على البيئة، ويجب أيضًا تعزيز برامج تعليم وتدريب المزارعين لتمكينهم من تبني تقنيات جديدة، مما يزيد من قدرتهم على مواجهة التحديات المستقبلية.
في النهاية، يُظهر تراث نورمان بورلوج كيف يمكن للإرادة والتعاون الدولي، جنبًا إلى جنب مع الابتكارات الزراعية، أن تسهم في التغلب على الأزمات الاقتصادية وتعزيز الأمن الغذائي العالمي وتبقى الدروس المستفادة من تجربته ليست مجرد نصائح نظرية، بل تجارب عملية ينبغي أن يستفيد منها صناع السياسات والباحثون والمزارعون في كل أنحاء العالم، لضمان مستقبل زراعي مستدام وآمن.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الأزمات الاقتصادیة الأمن الغذائی الزراعیة فی من خلال
إقرأ أيضاً:
طفرة غير مسبوقة.. 10 مليارات دولار قيمة الصادرات الزراعية لأول مرة
أعلن علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي قيمة الصادرات الزراعية التي حققتها مصر خلال العام الماضي والتي بلغت رقمًا غير مسبوق بقيمة تجاوزت 10.6 مليار دولار بزيادة اقتربت من 17% عن العام السابق، موجها التحية للمزارعين والمصدرين المصريين.
وأكّد وزير الزراعة خلال كلمة بمنتدى «توطين زراعة النباتات الطبية والعطرية بالوادي الجديد» أنَّ «التفتت الحيازي» من أهم التحديات التي تواجه الزراعة المصرية حيث تتجاوز حوالى 3,2 مليون مزارع، وبالتالي تمثل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد ونحاول التغلب عليه من خلال توسيع منظومة الزراعات التعاقدية وتوفير تمويل ميسر بنسبة 5% وبالتالي نستطيع تحقيق طفرة كبيرة في القطاع الزراعي.
«التفتت الحيازي» أكبر تحدي يوجه الزراعةوأضاف أنَّ الدولة المصرية في السنوات الأخيرة وبفضل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بذلت قصارى جهدها في استصلاح الأراضي الجديدة سواء في الدلتا الجديدة أو الصعيد وتوشكي والوادي، ولذلك نحن نشجع المزارعين على اتباع الأساليب الحديثة في الزراعة والري حتى تكون هناك فرصة لزيادة الإنتاجية وتحقيق عائد اقتصادي كبير من خلال أيضا التصدير.
وأضاف فاروق أنَّ الدولة المصرية من أولوياتها دعم صغار المزارعين والاهتمام بالقيمة المضافة وسلاسل الإمداد، مشيرًا إلى تطلعه في انضمام جميع صغار المزارعين إلى منظومة الزراعة التعاقدية وبالتالي نضمن زيادة مساحة الأراضي الزراعية لأكثر من 10% مهدرة في الحدود والترع والمصارف والطرق بين الحيازات الصغيرة المفتتة كما تضمن الزراعة التعاقدية عودة الدورة الزراعية اختياريا دون إجبار المزارعين عليها.
الزراعة التعاقدية تسهم في زيادة مساحة الأراضي الزراعيةوشدد وزير الزراعة على اهتمام الدولة بالممارسات الحديثة وكذلك الزراعات الأورجانيك، بما يضمن تكويد هذه المزارع والتصدير مباشرة دون الدخول في تعقيدات وإجراءات إدارية.
وقال إنَّ الحكومة حاليًا تعمل كلها مع بعضها بروح الفريق والمستثمر أصبح من أهم أولوياتها مشيرًا على دور مركز البحوث الزراعية في استنباط أصناف جديدة من التقاوي والبذور للمحاصيل الاستراتيجية عالية الجودة والإنتاجية، وكذلك دور الإرشاد الزراعي الذي يستعيد مكانته مرة أخرى في دعم المزارعين، مشيرًا إلى أنه يوميًا تصدر من الوزارة بيانات وتوصيات وارشادات بما يجرى على أرض الواقع والتواجد الميداني مع المزارعين في الحقول والمزارع.
جاء ذلك خلال كلمة وزير الزراعة في منتدى «توطين زراعة النباتات الطبية والعطرية العضوية في محافظة الوادي الجديد» والذى استضافته ونظمته جامعة هليوبوليس بحضور هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، واللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد، والدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، والدكتور حلمي أبو العيش رئيس مجلس أمناء جامعة هليوبوليس وبعض العلماء والخبراء والمتخصصين والمزارعين.