"عبرنا الهزيمة" عنوان مقال للكاتب الكبير توفيق الحكيم، ترجم الى أغنية كتبها الشاعر عبد الرحيم منصور ولحنها الموسيقار بليغ حمدى وغنتها المطربة الكبيرة شادية، الكلمات التى ترددت على الأسماع لخصت الأمر كله، فرحة النصر بعد مرارة الهزيمة، لحظات عاشها الشعب المصري كانت كفيلة بنقل مشاعره من حال الى حال، فقد تحول الإحباط الى تفاؤل وأمل فى المستقبل وثقة فى النفس بأنه قادر على صنع المعجزات.
لم يكن نصر السادس من أكتوبرعام 1973الذى مرت أمس الذكري الـ51 للاحتفال به، الا موعدا مع حالة من الفخر والاعتزاز بقدرات جنودنا الأبطال الذين استبسلوا فى الدفاع عن أرضهم، فعبروا قناة السويس بكباري مطاطية صممها سلاح المهندسين، وحطموا خط بارليف المنيع بخراطيم مياه ابتكرها أحد ظباط القوات المسلحة، كان ارتفاع خط بارليف يتراوح ما بين 20إلى 22 متراً، ويضم 22 نقطة حصينة، وحول كل نقطة حقول ألغام، وخنادق، وأسلاك شائكة، وعشرات الغرف المحصنة تحت الأرض، وأنشأت قوات العدو، أنابيب لضخ الوقود تحت مياه القناة، لإحداث مجموعات من اللهب تحرق أي قوة عسكرية تفكر في عبور قناة السويس وتحاول اجتياز خط بارليف..
الضابط باقي زكي يوسف اقتبس فكرة الخراطيم خلال عمله في إنشاء السد العالي، وتتركز حول استخدام مضخات المياه فائقة الدفع، حيث لاحظ خلال عمله في مشروع السد، تجريف عدة جبال من الأتربة والرمال بمضخات المياه، واقترحها أثناء حرب الاستنزاف في سبتمبر عام 1969.
وصلت الفكرة لقادة الجيش المصري، والذين قرروا على الفور تنفيذها، واتجه الرأي لتصنيع هذه المدافع المائية عن طريق شركة ألمانية بعد أن أقنعتها الحكومة المصرية أن هذه المدافع سيتم استخدامها في إطفاء الحرائق.
اختار قادة الحرب يوم السبت السادس من أكتوبر ليوافق احتفالات العدو بيوم "كيبور"وكانت الساعة الثانية ظهرا يوم العاشر من رمضان موعدا لبداية الحرب، كان وقتها الجنود صائمين وكانت السنتهم تلهج بصيحات"الله اكبر" فاستمدوا الحماسة والبسالة وتقدموا الى أن رفعوا علم مصر على أرض سيناء الحبيبة، وكان الجندى مقاتل محمد عبد السلام العباسى ابن مدينة القرين محافظة الشرقية، هو أول من رفع العلم المصرى على أرض سيناء يوم النصر 6 أكتوبر.
كتبت صحيفة الديلي ميل البريطانية، عقب انتصار حرب اكتوبر: "لقد محت هذه الحرب شعور الهوان عند العرب وجرحت كبرياء إسرائيل".
فى كتاب "حياتى" لــ جولدا مائير رئيس الوزراء السابق فى زمن الحرب، قالت: "كان التفوق علينا ساحقًا من الناحية العددية سواء من الأسلحة، أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال.. كنا نقاسي من انهيار نفسي عميق".
فى خطابه عقب النصر قال الرئيس السادات: "لقد استعاد سلاح الطيران المصري بهذه الضربة الأولى كل ما فقدناه في حرب 1956 و1967 ومهد الطريق أمام قواتنا المسلحة بعد ذلك لتحقيق ذلك النصر الذي أعاد لقواتنا المسلحة ولشعبنا ولأمتنا العربية الثقة الكاملة في نفسها، وثقة العالم بنا"
لقد حقق نصر أكتوبر حلما قهر أسطورة "الجيش الذى لايقهر" التى كان يرددها قادة الجيش الإسرائيلي على انفسهم. وفى ذكرى النصر تحية لكل أبطالنا البواسل ولتضحياتهم على مر السنين وحتى يومنا هذا..
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
في ذكرى الثورة.. الخرطوم بين طورين
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
تجلت عبقرية الكاتب الروائي تشارلز ديكنز في إفتتاحية روايته (قصة مدينتين) إذ بدأها بمقدمة لازالت تعتبر من أعظم افتتاحيات الأعمال الروائية... فقد حشدها بجمل تحكي الحالات المتناقضة لبني البشر في أطوارهم الخيرة والشريرة ، بين سموهم وانحطاطهم. بين آمالهم و آلامهم. فالاتفتتاحية تكاد تحكي قصة مدينة الخرطوم في طورين. واحد على أيام الثورة. عندما حفزت أهل السودان على إبراز أنبل مافيهم. وواحد أيام الحرب بعد ان أجبرتهم على أن يروا أسؤ ما فيهم... وكأنما كان الكاتب يتأمل حال الخرطوم بين طورين من أطوار التاريخ، طور الأمل وطور اليأس. طور الطموحات النبيلة، وطور الحقد والغل. طور الحرية وطور الاستعباد. طور الانعتاق وطور الاستغلال. طور السمو والرفعة وطور الغرائز المنفلتة.
وهاي هي الآن تقلب كفيها على مآل الحال، مع إتستشراف ذكرى الثورة وتردد بوجع غير مسبوق مع كاتب العهد الفكتوري افتتاحيته الخالدة.
"كانت أفضل الأوقات،
كانت أسوأ الأوقات،
كانت عصر الحكمة،
كانت عصر الحماقة،
كانت فترة الإيمان،
كانت فترة الشك،
كانت فصل النور،
كانت فصل الظلام،
كانت ربيع الأمل،
كانت شتاء اليأس."
هكذا سيأتي يوم ليروي أحدهم قصة مدينة الخرطوم في طورين. طور عندما كادت نعانق الأمل وطور اليأس عندما صار يعتصرها الألم.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com