أحمد بن موسى البلوشي
الفكر يمثل البنية الأساسية لتكوين الوعي البشري والقدرة على الفهم والتحليل واتخاذ القرارات، ويتأثر هذا الفكر بجوانب متعددة من البيئة المحيطة، مثل القيم الثقافية والاجتماعية، وكذلك الخلفية العلمية والدينية التي تشكل الشخصية والهوية الفردية.
وبفضل الابتكار والنقد والإبداع، يتميز الفكر بمرونته وقدرته على التجدد ومواكبة التطورات المستمرة، ومع دخولنا عصر التكنولوجيا الرقمية والعولمة، أصبح الفكر عرضة لتأثيرات خارجية عديدة، قد تهدد هويته واستقلاليته، مما يجعل من الحفاظ على الفكر الوطني وحمايته تحديًا كبيرًا تواجهه المجتمعات اليوم.
في ظل العولمة وثورة المعلومات، أصبح من السهل نقل الأفكار والآراء عبر الحدود الجغرافية والثقافية، مما يؤدي إلى تزايد تأثير الثقافات والأيديولوجيات الخارجية على المجتمعات. هذا التدفق الحر للمعلومات، على الرغم من فوائده في تعزيز التبادل الثقافي والعلمي، قد يحمل في طياته أخطارًا على استقرار الفكر الوطني والهوية الثقافية، خاصة عندما تتسلل أفكار مغلوطة أو متطرفة.
إن الحفاظ على الفكر الوطني وتعزيزه لا يقتصر على الحكومة فحسب، بل يتطلب أيضًا تعاونًا وثيقًا بين مختلف مؤسسات المجتمع والأسرة، لضمان أن الفكر الفردي يبقى متماسكًا ومستقلًا، ويعبر عن هوية المجتمع وقيمه. فالحكومة تلعب دورًا محوريًا في حماية الفكر الوطني وتعزيزه، وهذا الدور يتجلى من خلال حماية الفكر ومراقبة المحتوى الذي يتم تداوله في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للتأكد من أنه لا يتعارض مع القيم الوطنية أو يعزز التدخلات الخارجية، وكذلك يجب على الحكومة سن قوانين تحمي الفكر الوطني من التأثيرات السلبية، مثل قوانين حماية البيانات، ومنع نشر المحتويات التحريضية أو الداعمة للعنف أو التطرف الفكري. تمثل المناهج الدراسية وسيلة قوية لتعزيز الهوية الوطنية وحماية الفكر من الغزو الثقافي الخارجي، ولذلك يجب أن تعمل الحكومات على تطوير المناهج بحيث تحتوي على قيم ومبادئ تدعم الفكر الوطني.
ويجب على الحكومة تنظيم حملات توعوية لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على الهوية الفكرية وعدم الانسياق وراء الأفكار الهدامة، ويجب على الحكومة كذلك توفير بيئات آمنة على الإنترنت من خلال إنشاء منصات محلية وفرض قوانين تحمي الخصوصية وتحافظ على الهوية الفكرية.
وإلى جانب دور الحكومة في حماية الفكر، يلعب الوالدان دورًا أساسيًا في تشكيل وحماية الفكر لدى أبنائهم. فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتعرض لها الطفل، وهي المنبع الأساسي الذي يستقي منه قيمه ومبادئه. لهذا.. فإن دور الوالدين محوريٌ في بناء الفكر السليم والحفاظ عليه. فيجب على الوالدين أن يغرسوا في أبنائهم حب الوطن والولاء له، وتعليمهم أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية، ويتم ذلك من خلال تعليم الأبناء تاريخ البلاد، وإنجازاتها، وقيمها الثقافية، والاجتماعية. في عصر التكنولوجيا الرقمية، يتعرض الأطفال بشكل يومي لمصادر متعددة من المعلومات التي قد تؤثر على تفكيرهم، لذلك يجب على الوالدين مراقبة استخدام أبنائهم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتوجيههم نحو المحتوى الذي يتماشى مع القيم العائلية والوطنية. كما يمكنهم تفعيل أدوات الرقابة الأبوية لحماية الأبناء من المحتويات الضارة.
ويُعد الحوار المفتوح مع الأبناء وسيلة فعالة لحماية الفكر، وعليه يجب على الوالدين أن يوفروا بيئة آمنة للنقاش، حيث يمكن للأبناء طرح آرائهم وأفكارهم بحرية، ويمكن للوالدين مناقشة مختلف المواضيع الفكرية والاجتماعية مع أبنائهم وتوجيههم بأسلوب يحفز النقد البناء والتفكير الإبداعي. الدين والقيم الأخلاقية يشكلان جزءًا مهمًا من هوية الفرد وفكره، وهنا يجب على الوالدين تعليم أبنائهم القيم الدينية المعتدلة التي تعزز التسامح والانفتاح على الآخرين، وتعليمهم تعليم أهمية الأخلاق والاحترام في تعاملاتهم اليومية يساعد على بناء فكر متوازن وقادر على التمييز بين الصواب والخطأ.
كما إن القراءة والمعرفة هما مفتاح نمو الفكر وتوسيع المدارك، فيجب على الوالدين تشجيع أبنائهم على القراءة وتنمية حب الاستطلاع والمعرفة، ويمكن للوالدين توفير كتب ومصادر تعليمية متنوعة تغطي موضوعات ثقافية وعلمية وأخلاقية تسهم في تعزيز الفكر السليم. من المهم جدًا أن يشجع الوالدان أبناءهم على التفكير المستقل، وتطوير قدراتهم على اتخاذ القرارات بناءً على معايير فكرية سليمة. تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على النقد الموضوعي يساعد على حماية الفكر من التأثر السلبي بالتدخلات الخارجية.
لا شك أن حماية الفكر من التدخلات الخارجية مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع، وتُمارس الحكومة دورًا رئيسيًا في وضع التشريعات وتنظيم وسائل الإعلام والتعليم، بينما يتحمل الوالدان مسؤولية التربية والتوجيه، وتحقيق التوازن بين تأثيرات العولمة وحماية الهوية الفكرية، يتطلب وعيًا جماعيًا وإجراءات فعالة من مختلف الأطراف المعنية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
برلماني: إشادة الإمارات بدور وزارة الأوقاف في نشر الفكر الوسطي نجاح كبير لمصر
اعتبر اللواء هشام الشعينى عضو مجلس النواب وعضو الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن اشادة الدكتور عمر حبتور الدرعي رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف والزكاة بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال استقباله للدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف بمقر الهيئة في العاصمة أبوظبي بدور وزارة الأوقاف المصرية فى نشر الفكر الإسلامي الوسطى بمثابة نجاح كبير لمصر ومؤسساتها الدينية وفى مقدمتها الأزهر الشريف بقيادة العالم الجليل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف.
رغم ممارسة الرياضة.. الجلوس لفترات طويلة يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب
وقال " الشعينى " فى بيان له أصدره اليوم : إن الدول العربية والإسلامية والأجنبية تتابع النجاحات الكبيرة التى حققها العالم المستنير الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى كل مايتعلق من ملفات خاصة بالدعوة الإسلامية وتجديد الخطاب الدينى ونشر مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف والسمح والحوار بين الأديان والتعايش بين شعوب العالم مؤكداً أن أكبر دليل على ذلك الأمر الاشادة الكبيرة والواضحة من الدكتور عمر حبتور الدرعي بالدور الفاعل لوزارة الأوقاف المصرية في نشر الفكر الوسطي، وبالمحاور الإستراتيجية الأربعة للوزارة في تجديد الخطاب الديني وإشادته جهوده وزارة الأوقاف في إرسال المبعوثين إلى مختلف دول العالم لنشر رسالة الإسلام القائمة على الاعتدال والسلام والتسامح.
كما أشاد اللواء هشام الشعينى بتأكيد الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف على أن اللقاء شمل جلسة عمل مشتركة في تناول أوجه التعاون في مختلف المجالات الدينية، وتبادل الخبرات والتجارب في البرامج الدعوية، وتنظيم المؤتمرات الدولية، وسبل الاستفادة من التكنولوجيا في تعزيز الخطاب الديني وتوسيع دائرة الوصول إلى الجمهور المستهدف، داعيا المولى سبحانه أن يحفظ البلدين الشقيقين والقيادتين الحكيمتين - السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يحفظهما الله معلناً اتفاقه التام مع تأكيد الجانبين أهمية استمرار التنسيق المشترك بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين، ويدعم الجهود المبذولة لتحقيق رسالة الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى السلام والمحبة والتسامح