اللاجئون .. انكشاف زيف الأقنعة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
مع تصاعد الأزمات الدولية وتنامي حدة الاستقطاب العالمي لم يعد ممكنا أو صعبا، إخفاء حالة النفاق الدولي والسياسي سواء على مستوى حكومات الدول أو على مستوى المؤسسات والمنظمات الدولية، كما لم تعد عبارات الإعراب عن القلق فعالة في تغطية وجه النفاق البشع. كان لافتا حين أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه «قلق جدًا» بشأن ظروف اعتقال رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، مستنكرا أنه محتجز في ظروف معيشة بائسة.
وغير بعيد عن النيجر هناك على الحدود التونسية الليبية تدور مأساة إنسانية تتفطر لها القلوب السليمة، لكن الأمم المتحدة وأمينها العام رأت في ظروف احتجاز بازوم أمرا أكثر أهمية وإلحاحا. هناك على الحدود المقفرة مات 21 طالب لجوء أفريقي بينهم أطفال ونساء جوعا في صحراء متوحشة وإن كانت أقل توحشا من قلوب بعض البشر. وذلك بعدما ألقي بهم في الصحراء وكأنهم نفايات أو مجموعة من الصراصير تحت مرأى وسمع العالم وبالضرورة بعلم غوتيرش والاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيكواس المشغولين بالأجندة الفرنسية وإعادة بازوم بأي ثمن ولو كان إبادة شعب النيجر بكامله، فوجوده مهم لتثبيت المصالح الاستعمارية كما أن قيام بعض الدول بدور البواب لصالح أوروبا المنزعجة من موجات اللجوء كذلك يخدم مصالح المستعمر السابق والجديد في آن واحد. وتقول منظمة «المرصد التونسي لحقوق الإنسان» وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش إن طالبي اللجوء الأفارقة حُصروا في منطقة عسكرية عازلة بين حدود تونس وليبيا، وارتُكِبت تجاههم انتهاكات خطيرة. وطالبت المنظمتان بضمان احترام حقوق الإنسان والقضاء على التمييز العرقي. وطالبتا الاتحاد الأوروبي بتعليق تمويل مراقبة الهجرة الموجه إلى قوات الأمن، ووضع شروط حقوقية للحصول على دعم إضافي. في إشارة إلى مذكرة تفاهم الشهر الماضي بين «الاتحاد الأوروبي» وتونس بشأن «شراكة إستراتيجية» تضمنت حزمة تمويل بقيمة مليار يورو.
ليس صدفة تزامن العنف القائم على الكراهية والعنصرية تجاه اللاجئين على بوابات وتخوم القارة الأفريقية مع ما يجري تجاههم في بريطانيا وفرنسا بل كان ذلك تشجيعا وضوءًا أخضر لدول أخرى صغيرة. لقد تعرضت سياسة الحكومة البريطانية تجاه اللاجئين للسخط والاشمئزاز ورمت إلى ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء قسرا إلى رواندا حتى يتم البتّ النهائي في أوضاعهم. بل تطورت للتعامل الخشن مع مرتادي القوارب في بحر المانش الذي يفصل بين بريطانيا وفرنسا. ولأول مرة منذ العام 2018 اجتمعت بريطانيا مع فرنسا بعد جفوة وسنوات من التوتر لأجل إقرار سياسة جديدة و«شراكة وثيقة» تهدف إلى مكافحة عنيفة للاجئين.
اليوم تصوّر الدول اللاجئين والمهاجرين كما يصوّر الغول الخرافي في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية؛ فهو مخلوق بشع مخيف يستحق ضرب غرائب الإبل. وصمتت الأمم المتحدة صمتا تاما ولم تتكرم على هؤلاء اللاجئين حتى بعبارة «الإعراب عن القلق». لقد قفزت مشكلة اللجوء إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات العشر الأخيرة، وضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة. ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار «إنسانية» العالم المتحضر، وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا، وسموه ثالثاً ونكبوه بالحروب والأزمات السياسية وسرقة ثرواته.
وفي الأزمة السودانية تصر الأمم المتحدة على فرض رئيس بعثتها في الخرطوم فولكر بيرتس رغم رفضها له لأسباب ترى أنها موضوعية، وحتى إن لم تكن موضوعية فلا سبيل لفرض هذه الشخصية، إذ إن مهمة البعثة وقد جاءت عبر إجراءات ملتبسة، المساعدة في عبور آمن للفترة الانتقالية وتنتهي بانتخابات شفافة ونزيهة، وهذا يتطلب حدا أدنى من القبول لرئيس البعثة من جانب الأطراف الفاعلة فضلا عن حياده المشكوك فيه. ففي آخر جلسة لمجلس الأمن الأسبوع الماضي اضطر فولكر أن يتخلى عن تقديم إحاطة بعد أن أصرت الخرطوم على رفضه. وقالت المبعوثة الأمريكية في المجلس ممتعضة إنهم تلقوا ما مفاده أن فولكر سيقدم إحاطة إلى المجلس لكن اسمه سحب صباح الجلسة من جدول الأعمال، وهذا حدث للمرة الأولى منذ تعيينه. ولو أن الأمم المتحدة تحترم رغبات كل الأعضاء على حد سواء دون تحيز لتجنبت هذا الموقف المحرج. وعلقت الخرطوم على الحدث بأن ذلك كان ممارسة لحقها المشروع في قبول من ترى أنه يخدم السودان وشعبه ويرفض من يعمل ضده.
اليوم تبدو الأمم المتحدة بأذرعها المختلفة مثل مجلس الأمن الدولي كقصر مشيد وبئر معطلة، فرغم إنشائها منذ أكتوبر 1945 إلا أن حصيلة نجاحاتها متواضعة ولا تتناسب مع حجم الأموال المنفقة ولا مع حجم الزخم الإعلامي المصاحب لأنشطتها. فلم تكن إلا مطية للقوى الكبرى وآلية لصياغة المبررات واجتراح المسوغات لتحقيق أطماع هذه القوى وسيطرتها على الدول الضعيفة وفرض رؤاها السياسية عليها. الخلاصة أن الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة المتفرعة منها تحتاج لإصلاح شامل لكي يكون أداؤها فاعلا. بيد أنه في أحسن الأحوال لن يكون هناك إصلاح إلا محدودا وشكليا، في ظل غياب إرادة سياسية للإصلاح، لأن الدول الكبرى مستفيدة ومستثمرة في هذه الاختلال المطلوب في حد ذاته من جانبها.
د. ياسر محجوب الحسين
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل انتهت الأمم المتحدة؟
كانت «عصبة الأمم المتحدة» هي المؤسسة الدولية التي ولدت بعد الحرب العالمية الأولى، كما كانت «منظمة الأمم المتحدة» بعد الحرب العالمية الثانية.
مضى على عصبة الأمم أكثر من قرن بقليل، وعلى «منظمة الأمم» أقل من قرن بقليل، كلتاهما كانت نتاج توافق بين القوى العظمى المنتصرة في تلك الحروب المهولة التي لم تمر على البشرية مثلها، خصوصاً البشرية الغربية التي تقول إنها تقود الحضارة الإنسانية!
كانت عصبة الأمم (1920-1946) المنظمة الحكومية الدولية الأولى التي أُنشئت «لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلم والأمن الدوليين»، حسب تأكيد صفحة الأمم المتحدة الرسمية، مع أن فكرة إيجاد نظام عالمي يحفظ السلام ويعزز الازدهار، موجودة من قبل لدى بعض النخب الأوروبية، ويعدّ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط من أشهرهم.
تضافرت عقول قانونية وسياسية وفكرية وإدارية لبناء منظمة الأمم المتحدة التي كانت أوسع إطاراً وأشمل أهدافاً من سابقتها (عصبة الأمم)، وظلت هذه المؤسسة منذ أربعينات القرن الماضي ناظمة وحاضنة ومنتجة للتعاون الدولي، وتفرعت عنها مؤسسات أممية كبرى في مجالات الصحة والزراعة والثقافة والتمويل… إلخ.
اليوم تنسحب الولايات المتحدة بعهد الرئيس دونالد ترمب من بعض مؤسسات هذه المنظمة، مثل الصحة، وتعلن الحقبة الترمبية عدم رضاها عن فلسفة وطريقة وقيادات هذه المؤسسات.
الواقع يقول أيضاً إن الهدف الجوهري لمنظمة الأمم المتحدة، وهو منع الحروب وتكريس الدبلوماسية وسيلة لحل النزاعات، لم يتحقق في كثير من النزاعات الكبرى، ومن أبرز هذه المشكلات العظمى، حرب روسيا مع الغرب في أوكرانيا… وإخفاق ساطع لهذه المنظمة وأمينها العام، سكرتير القلق الدولي كأسلافه!
اليوم، بعد الاختراق السياسي والإنجاز الدبلوماسي الكبير للسعودية في جمع الروس مع الأميركيين في قلب العاصمة السعودية، صار الحديث عن حاجة العالم إلى نظام ومنظمات وتنظيمات دولية جديدة تنسجم مع تحديات المرحلة.
المؤسسات ليست أصناماً مقدسة، بل وسائل لتحقيق أهداف محددة، وإذا شاخت أو ترهلت وعجزت هذه المؤسسات، فلا بأس… تتغير!
الظروف الاستثنائية والأزمات الحادة والمعضلات الوجودية هي التي تنتج حلولاً جديدة وكيانات مناسبة وصالحة للتعامل مع طبيعة المشكلات الجديدة.
ربما لا يحدث ما نقوله هنا، وربما انتفضت منظمة الأمم المتحدة وجددت نفسها، لكن هذا مستعبد حالياً، ناهيك من أن الصورة التي هي عليها التقطت قبل نحو 80 عاماً، وتجمدت هذه اللقطة، بما فيها قانون «الفيتو» الذي حرم دولاً كبرى مثل الهند والسعودية (صوت العرب والمسلمين) من الحصول على هذه الميزة في نادي الكبار.
بكل حال، لا شك أننا أمام عالم جديد… لكن مؤسساته الدولية قديمة عقيمة.
أخيراً أترك لكم هذا التعليق في آخر جلسة لعصبة الأمم المتحدة، قبل ذوبانها لصالح منظمة الأمم المتحدة، الموجودة معنا إلى اليوم.
التعليق هو: «لم تكن العصبة هي التي فشلت. لم تكن مبادئها هي التي وجدت ناقصة. كانت الدول هي التي أهملتها. كانت الحكومات هي التي تخلت عنها».
جوزيف بول بونكور، مندوب فرنسا، خلال الدورة الأخيرة للجمعية في أبريل (نيسان) 1946.
ولكن التهديد تراجع بفضل زيادة الدوريات البحرية الدولية، وتعزيز الحكومة المركزية في مقديشو، عاصمة الصومال، وجهود أخرى.
ولكن هجمات القراصنة الصوماليين استؤنفت بوتيرة أكبر خلال العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى انعدام الأمن الناجم عن قيام المتمردين الحوثيين في اليمن بشن هجماتهم في ممر البحر الأحمر بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
وفي عام 2024، تم الإبلاغ عن سبع حوادث قبالة الصومال، وفقا لمكتب الملاحة البحرية الدولي.
*نشرت أولاً في صحيفة “الشرق الأوسط”
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفضرب مبرح او لا اسمه عنف و في اوقات تقولون يعني الاضراب سئمنا...
ذهب غالي جدا...
نعم يؤثر...
ان لله وان اليه راجعون...
اخي عمره ٢٠ عاما كان بنفس اليوم الذي تم فيه المنشور ومختي من...