عائشة بنت أحمد البلوشية
ألا تلاحظون معي أن الأشهر الإثنى العشرة الماضية كانت مليئة بالأحداث التي كانت ضمن خانة المستحيل، أو ربما اللامعقول؟ فالمتأمل يرى أن هذه الأحداث لم تقتصر على المستويات الشخصية؛ بل اتسعت دوائرها إلى المحلية والإقليمية وتعدتها إلى العالمية!
لستُ بالمُنظِّرة هنا أو المُتنبِئة أو الراصدة لحركة النجوم والمجرات والكواكب، ولكنها ملاحظات لأحداث تتشارك كلها في حدث واحد يدور محوره حول الانفصال أو الفصل أو الفسخ أو التخارج أو فض الشراكات، إلى آخرها من هذه الانقسامات الإيجابية منها والسلبية، وللمتمعن بعين المتفكر يجدها كلها تصحيحية، رغم إنها إذا جاءت على المستوى الشخصي تكون طلاقًا أو انفصالًا، الذي قد يجده الكثير منا -رغم مشروعيته حال استحالة العشرة- كارثيًا، أو صداقات وروابط قديمة انتهت واضمحلت وكأنها لم تكن، وكانت هذه العلاقات تصنف بالمثالية التي لا تنحل عقدتها، أما على صعيد الشراكات التجارية والصناعية والسياسية وغيرها تصلنا الأخبار عن فضها أو انفصالها، رأينا وما زلنا اتجاها كونيا للتصحيح ووضوح الرؤية في أمور ظنناها مُستحيلة التغيير.
"ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ" (الروم: 41).. نعم فقد ظهر الفساد وعم واستشرى وانتشر في الأرض، فقد رأينا الإصرار على جعل الشاذ والخارج عن الفطرة السليمة مفروضا على واقعنا، فالشذوذ الذي أصبح يسمى تلطيفا بالمثلية، أصبح اليوم قسرا حرية شخصية، وله منظماته الحقوقية في العالم الغربي، فللشخص الحرية الكاملة ليصبح ما يريد لنفسه من قائمة (LGBTQ)، التي أصبحت تزداد حرفًا هجائيًا كل فترة، وربما قد نجد يومًا أن الحرف (A) المعبرة عن الحيوان (Animal) قد أضيف إليها، أي أن الإنسان الذي كرَّمه الله وخلقه في أحسن تقويم سيطالب بأن يعامل معاملة أي نوع يختاره من الحيوان، وبالطبع فإن الذكر والأنثى ليست من هذه القائمة، ومن يدري فقد يصبح (m/f) -ذكر/أنثى- من الشواذ في يوم ما، وأصبح الإزدراء بالأديان أمرا عاديا -إلا ديانة واحدة مزجت بكثير وكثير وكثير من الصهيونية-، من تحدث بما في توراتها وما يؤمنون به نعتوه بمعاداة السامية فورًا.
"وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ" (الأعراف: 80)، ولشدة جرم الفاحشة التي أتى بها قوم لوط عليه السلام، أرسل الله تعالى الروح الأمين جبريل عليه السلام واثنين من الملائكة ليُنفذوا فيهم أمر الله تعالى، وكلنا يعرف العقوبة التي أوقعها بهم، فهي ليست بأي جريمة، وليست بأي فاحشة؛ بل وصموا أنفسهم بالسبق في إتيانها، لذا وحتى لا يأتيها أي من الأمم من بعدهم، كان الدرس بالوعيد بغليظ العقوبة، وها نحن نراهم اليوم قد خرجوا إلينا بدواعي حقوق الإنسان بحرية الاختيار، رغم اتفاق جميع الملل والأديان على حرمة هذا الجرم.
"وَلَأُضِلَّنَّهُمۡ وَلَأُمَنِّیَنَّهُمۡ وَلَـَٔامُرَنَّهُمۡ فَلَیُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ وَلَـَٔامُرَنَّهُمۡ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ وَمَن یَتَّخِذِ ٱلشَّیۡطَـٰنَ وَلِیࣰّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدۡ خَسِرَ خُسۡرَانࣰا مُّبِینࣰا" (النساء: 119). ولأن القرآن الكريم جاء معجزة خالدة ينطبق على جميع العصور لهذا ظهر فساد جديد في هذا العصر، حيث أن المرء منهم له مطلق الحرية أن يحول خلقة الله من ذكر إلى أنثى أو العكس، والآية القرآنية أعلاه توضح ذلك بجلاء منقطع النظير، فالشيطان -نسأل الله العافية- هو الذي يحمل الشعلة ويضيء لهم طريق الضلال.
ونأتي إلى أبشع جريمة في هذا العصر؛ حيث يحاصر شعب غزة ويجوع ويحرم من أبسط الحقوق الإنسانية منذ ثمانية عشر عامًا، ولكن منذ السابع من أكتوبر 2023 ونحن نرى شقلبة صحيحة في موازين الكون، يثور المظلوم على الظالم، وتبدأ الفئة القليلة تُلقن الفئة الكثيرة دروسا في استرداد الحقوق، شعب القرآن وخاصته، شعب استعملهم الله، والعالم كله شهود على ما يتكبدونه من ويلات الجوع والعطش والتهجير والقتل، ولسان حالهم يلهج: اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى، دفاعًا عن مسرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.. استبسلوا في ميادين الشرف والعزة، ونال أكثر من واحد وأربعين ألفا منهم وسام الشهادة، منهم ما يقارب من نصف العدد من أطفال أبرياء ونساء عزل، والعالم اليوم والكون شاهد بين فريقين لا ثالث لهما، فريق الحق وفريق الباطل، والمشهد لا يحتاج إلى شرح، فالظالم المغتصب واضح، وصاحب الحق المظلوم واضح، وبقي الاختيار علينا أين نصنف أنفسنا، وقبل كل هذا وذاك هل أعددنا الإجابة عندما تنشر الصحف وتقام الموازين حين نسأل: أين كنتم عندما استصرخكم إخوتكم في الدين!؟ ما الذي سنقوله لرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم؟!
----------------------------------
توقيع:
دارت أفلاك الكون وحانت لحظة إحقاق الحق، لذا فإمّا أن نكون ممن استعملهم الله أو يا ويل حالنا إن كنا ممن استبدلنا.. نحن من نختار!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف يناقش تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الشباب الماليزي
عقد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، جلسة تباحث علمية مع القيادات الدينية وأمناء الفتوى وأعضاء مجلس التراث الإسلامي بولاية سلانغور الماليزية، وذلك في إطار تفعيل مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في نوفمبر 2024 بالقاهرة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، والسيد أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا.
تناولت الجلسة سبل تعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية في البلدين، خاصة فيما يتعلق بتدريب الأئمة والدعاة، وتبادل البحوث العلمية في مجال الشريعة الإسلامية، إضافة إلى مناقشة آليات الحفاظ على التراث الإسلامي وتعزيز الوعي الديني. وأكد وزير الأوقاف في بداية حديثه أن هذه الزيارة تمثل خطوة فعلية نحو تفعيل مذكرة التفاهم بين البلدين، التي تم توقيعها في نوفمبر الماضي بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم.
وفي كلمته خلال الجلسة، ركز الدكتور أسامة الأزهري على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الشباب الماليزي، موضحًا القيم الحقيقية والصورة الصحيحة للإسلام.
تزكية النفس هي حائط الصد الأول ضد الإرهابوأوضح أن التصوف ليس مجرد مسألة تتعلق بكرامات الأولياء أو الرؤى المنامية الصالحة، ولا يتوقف عند حدود المسائل الفقهية المشهورة في هذا الباب، بل يتجاوز ذلك ليشمل بُعدًا أعمق، حيث معبر عن جوهر الدين في تزكية النفس وبناء الأخلاق والقيم الرفيعة ومن ثم بناء الإنسان، وتطهير الإنسان من كل معاني الحقد والكبر والأنانية التي هي مفاتيح صناعة عقلية الإرهاب، فتزكية النفس هي حائط الصد الأول ضد الإرهاب، والبداية الحقيقية لبناء الإنسان على قيم الذوق والآداب الرفيعة والانتماء الصادق للأوطان والبر بها.
الفهم العميق للتصوفوأكد الوزير أن هذا الفهم العميق للتصوف يعزز توازن الإنسان الداخلي، ويجعله أكثر وعيًا بمسئولياته تجاه نفسه ومجتمعه، مشددًا على أهمية العودة إلى جوهر التصوف الحقيقي القائم على تزكية النفس وترقية الروح، بما يتفق مع منهج الأزهر الشريف في الدعوة إلى الاعتدال والتسامح.