علي بن سالم كفيتان

تأتي ذكرى "السابع من أكتوبر 2023"، عندما عَبَر المجاهدون في صبيحة ذلك اليوم خطوط العدو على مشارف مدينة عسقلان، واجتاحوا المعسكرات والثكنات التي يتحصَّن فيها الصهاينة، ودخلوا الى القواعد التي نُصِبَت لحصار وتجويع الفلسطينيين وقتلهم؛ فكان هذا الفجر الأول الذي يُستعاد فيه جزءٌ من فلسطين المحتلة، حتى ولو لبضع ساعات، ويذوق فيه الأعداء بعض صنيعهم بشعبٍ أعزل، سلبوا أرضه ومقدساته، وأجبروه على اللجوء والشتات.

لقد كانت لحظات فارقة في تاريخ الشرق الأوسط وفي أدبيات الصراع العربي الصهيوني، إن جاز لنا تعريب الصراع، بعد كل الخيبات التي شهدناها طوال عام من الأنظمة المتخاذلة، وتلك القيادات الغربية المُجرمة. ولا شك أن الشعوب العربية كانوا سعداء بعمليات الأسر التي نفذتها المقاومة، وموت أعداد منهم في المواجهات الشجاعة مع أبطال كتائب القسام وبقية فصائل المقاومة. في ذلك اليوم قبل عام، قُتل الخوف من أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، ومُرِّغ أنفها في التراب.

كان المشهد آسرًا وغير مألوف، أن يتم اقتياد جنرالات العدو ونخب محاربيه إلى غزة على دراجات نارية وسيارات الجيب التي غنمها المجاهدون من معركة عسقلان، فتاه نتنياهو في شوارع تل أبيب، باحثًا عن بن غفير وسموتريش، طالبًا للثأر واستعادة شيء من هيلمان الكيان الصهيوني المتداعي، بينما غرّدت النساء وصفق الأطفال في كامل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فرحًا بالنصر، في الوقت الذي صمتت فيه أنظمة عربية وظلَّت تُراقِب الوضع، ولم تتخذ القرارات الجريئة التي تليق بالموقف، فأطبقوا الحصار على المجاهدين وعلى الشعب الأعزل في غزة، ونفذوا تعليمات العدو، وزادوا عليها، ليرضوا الغرب الذي تداعى إلى الكيان ليضمد جراحه، ويثبت نظامه المتهالك. سيذكر التاريخ ذلك، وسيكتب الأحرار على جدار الخذلان العربي بالدم الفلسطيني آهات النساء وبكاء الأطفال.. سيدونون كل لحظات الخوف والذعر التي تجرعوها على مرأى ومسمع من الجميع.

سيتذكَّر الصهاينة المستعمرون لسهول بيسان ومرج ابن عامر ونواحي فلسطين كلها، الطائرات الشراعية وهي تُحلِّق في سماء أرض الرباط، حاملةً آخر المجاهدين على هذا الكون، ومعهم آمال وطموحات شعبهم بالتحليق فوق أرض فلسطين المحتلة. وأكاد أُجزم أن اللحظة كانت تكفيهم، لكنهم لم يكتفوا بالتحليق الحر؛ بل نالوا من فلول الصهاينة الهاربين من الأرض التي نهبوها. في تلك اللحظة الفارقة، يُعرَف من هو صاحب الأرض، بين المُقبِل عليها مُقدِّمًا حياته لها، والفار منها تاركًا كل شيء خلفه. ربما هي دقائق، وربما ساعات استُعيد فيها جزء من فلسطين الغالية التي ضرجت للمرة الأولى بدماء المغتصِبين، لكنها كانت بكل تأكيد خطوة غير مسبوقة نحو التحرير، مهما كان بعدها من جبروت وطغيان وظلم الصهاينة والغرب. سيكتب التاريخ أن هذه المعركة هي الأولى التي هزّت كيان المُستعمِر وجعلته يُردِّد على الملأ أنهم يخوضون حربًا وجودية لأول مرة منذ 78 عامًا من الاستعمار والتمكين الغربي. لقد انهار هذا الكيان في ساعات، ولولا تسابُق أمريكا وأوروبا وأنظمة عربية مُتخاذلة؛ لهَرَبَ الصهاينة إلى البحر وعادوا على نفس المراكب التي قدموا عليها قبل أكثر من سبعة عقود، ولتحرَّرت فلسطين.

وفي هذه الذكرى، نرفع القُبعة للقائد يحيى السنوار ومحمد الضيف ورفاقهم، المرابطين في أرض فلسطين منذ عام، في صمود أسطوري أذهل العالم الحُر؛ فالبندقية ما تزال تُطلق رصاصها المستمد من الأرض، والثوار ما يزالوا في غزة يحاربون الصهاينة. وفي كل يوم نسمع عن استهداف عددٍ منهم في مختلف أنحاء القطاع؛ بل وفي كامل فلسطين المُحتلة. والمعركة وإن طالت إلّا أنها تأكل من الجسد الظالم كل يوم، وسيرضخ يومًا ويعترف بالهزيمة المُنكرة التي تلقَّاها، وسيُفاوِض وهو صاغر، كما فعل الفرنسيون في الجزائر والأمريكيون في فيتنام وأفغانستان.

إنَّنا نرفع القبعة كذلك في هذه المناسبة إلى الجمهورية الاسلامية الإيرانية وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن، الذين ساندوا المقاومة، وعظَّموا من خسائر العدو عسكريًا واقتصاديًا، ودفعوا في سبيل ذلك قادةً وشهداء، وتعرضوا لظلم الحصار، من أجل نصرة المجاهدين في فلسطين. لقد بات مألوفًا أن يُقصف الصهاينة من طهران ومن صنعاء ومن سهل البقاع، وأن يتم ترويع قطعان المستوطنين الناهبين لأرض فلسطين، وأن يُصبحوا لاجئين على أطراف تل أبيب وداخل سراديبها طيلة عام، وتتعطل الدراسة ويتدهور الاقتصاد ويَفِر عشرات الآلاف دون رجعة..

كُل هذا يجعلنا نُحيِّي كل من دعَّم المقاومة وساند المجاهدين، بغض النظر عن مذهبه أو توجهاته السياسية أو الدينية؛ فالجميع باتوا في خندق واحد إلا بعض العرب الذين تنكّروا لما كُنَّا نُردِّدُه يومًا: "فلسطين داري ودرب انتصاري".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يوسع عمليته البرية في رفح .. و«هدنة العيد» تصطدم بتعنت صهيوني

 

الحية: وافقنا على مقترح جديد من الوسطاء وسلاح المقاومة خط أحمر

الثورة / غزة /وكالات

تستقبل غزة عيد الفطر بمزيد من المجازر وحرب الإبادة الجماعية من قبل الاحتلال الصهيوني الإجرامي، الذي أعلن عشية العيد توسيع العملية البرية في جنوب قطاع غزة، حيث استشهد وأصيب العشرات من الفلسطينيين امس إثر قصف طائرات العدو الصهيوني ، على مدينتي غزة وخان يونس.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية، بأن طائرات العدو قصفت عربة يجرها حيوان، في مدينة خان يونس، ما أدى إلى استشهاد أربعة مواطنين عرف من بينهم: مالك عبد الله دهليز، وأنور حمدي حجازي، وعمران الحمران، وشهيدة لم تعرف هويتها.
وأوضحت أن طائرات العدو استهدفت خيمة للنازحين في منطقة المواصي جنوب خان يونس، ما أسفر عن استشهاد المواطن مصطفى الغول.
كما استشهد مواطنان، وأصيب آخرون بجروح بين متوسطة وخطيرة، إثر قصف العدو الصهيوني تكية خيرية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
يأتي ذلك فيما أكد برنامج الأغذية العالمي، امس «الحاجة الماسة إلى وصول مساعدات لقطاع غزة عاجلا، مع تضاؤل مخزونات الغذاء»، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر في إطار سياسة التجويع التي ينتهجها ضمن إبادته الجماعية للفلسطينيين.
وحذّر البرنامج الأممي مجدداً من أن «مئات آلاف الفلسطينيين في غزة يتعرضون لخطر الجوع الشديد وسوء التغذية مع تضاؤل مخزونات الغذاء، ومواصلة إسرائيل إغلاق المعابر».
سياسيا .. قال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خليل الحية إن الحركة تلقت مقترحا جديدا من الوسطاء قبل يومين، وإنها وافقت عليه، مؤكدا أن سلاح المقاومة خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وأضاف الحية -في كلمة مصورة- أن الحركة «خاضت مع بقية الفصائل والوسطاء مفاوضات مع العدو، ووضعت نصب عينيها وقف الحرب ورفع الحصار وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين»، مؤكدا أن الاحتلال مارس المراوغة والمماطلة من أجل مواصلة الحرب.
وأكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ماطل من أجل الحفاظ على حكومته والتنصل من الانسحاب الكامل من قطاع غزة، مشيرا إلى أن المقاومة تمكنت في النهاية من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال الحية: إن المقاومة التزمت بكل ما اتفقت عليه رغم عدم التزام الاحتلال، وإنها طلبت من الوسطاء إلزام الجانب الإسرائيلي بالاتفاق، لكنه رفض الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وعاود الحرب وأغلق المعابر ومنع دخول المساعدات.
وأشار الحية إلى تعامل حماس بإيجابية مع كل المقترحات التي تلقتها، بما في ذلك موافقتها على مقترح قدمه الوسطاء في مصر وقطر قبل يومين، وقال: إن الحركة تأمل ألا يعطله الاحتلال وألا يُفشل جهود الوسطاء.
وتابع «وقّعنا اتفاقا مثّل إجماع كافة القوى الوطنية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، ثم استجبنا لاحقا لمقترح مصري بتشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة قطاع غزة وتحمّل مسؤوليته كاملة في كل المجالات».
وأضاف «تم الاتفاق على أن تتكون هذه اللجنة من شخصيات مستقلة تتسلم عملها فور التوقيع على الاتفاق لنقطع الطريق على العدو، وقدّمنا للأشقاء المصريين مجموعة أسماء تكون نواة هذه اللجنة، ونحن نأمل من الأشقاء في مصر من الإسراع في تشكيلها بعدما أخذوا تفويضا ودعما عربيا وإسلاميا لها».
وقال الحية «نقول لمن يراهن على أن حماس وبقية الفصائل يمكنها أن تتخلى عن مسؤولياتها وأن تسلم شعبها لمصير مجهول يتحكم فيه الاحتلال وفق ما يريد: أنتم واهمون، فلا ترحيل ولا تهجير».
وأضاف «أما سلاح المقاومة فهو خط أحمر، وهو مرتبط بوجود الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فإذا زال الاحتلال يبقى سلاحا للشعب والدولة يحمي مقدراتهما وحقوقهما».
وأكد أن الشعب قدّم قادته وأبناءه من أجل الحرية والعودة والدولة المستقلة والمسجد الأقصى، مضيفا «سنواصل هذا الطريق حتى تحقيق أهداف شعبنا كاملة بوقف الحرب والعدوان وتحقيق وحدة شعبنا ومصالحه وصولا إلى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتحقيق وحدة شعبنا ومقدساته».
يأتي ذلك فيما تتواصل المحادثات في العاصمة القطرية الدوحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط تفاؤل حذر في القاهرة بشأن إمكانية تحقيق تقدم في الساعات المقبلة، خاصة مع اقتراب عيد الفطر، الذي يسعى الوسطاء قبله إلى التوصل إلى «هدنة» تمهيداً لاتفاق أوسع.
ونقل عن مصادر مطلعة، أن وفوداً من مصر وقطر تجري محادثات للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة خلال عيد الفطر.
وأشارت التقارير إلى أن الوفدين التقيا عدة مرات مع وفد حماس في الدوحة لبحث المقترح الجديد الذي ينص على إطلاق سراح خمسة اسرى إسرائيليين مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين وهدنة لمدة 50 يوما. وبحسب المصادر فإن الموقف الإسرائيلي هو العائق الرئيسي أمام تقدم المحادثات، إذ يحول دون التوصل إلى هدنة إنسانية تسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة. لكن ورغم الجمود، هناك تفاؤل حذر في القاهرة بشأن إمكانية تحقيق تقدم في الساعات المقبلة.
وتؤكد المصادر أن القاهرة تعمل على تسريع عملية التفاوض عبر طرح «مقترحات واقعية تحظى بدعم أمريكي وقطري»، وتسعى إلى «تجاوز العقبات» التي تضعها إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بآلية إدخال المساعدات الإنسانية والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. وتشير المصادر إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواصل المناورة عبر وضع شروط غير واقعية تؤخر التوصل إلى اتفاق.
وبحسب مصادر مطلعة على عملية التفاوض، فإن الاقتراح المصري يتضمن «وقفا مؤقتا لإطلاق النار لمدة نحو 50 يوما، مقابل إطلاق سراح خمسة أسرى إسرائيليين، وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، وتفعيل آلية لإدخال المساعدات بكميات كافية، بما في ذلك الغذاء والدواء والمعدات الأساسية الضرورية لمساعدة المدنيين».

مقالات مشابهة

  • لجان المقاومة: العدوان الإسرائيلي وأوامر الإخلاء برفح وخانيونس جريمة حرب جديدة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • اليمن وغزة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني
  • حماس تدين مصادقة العدو الإسرائيلي على مشروع استيطاني جديد
  • الاحتلال يوسع عمليته البرية في رفح .. و«هدنة العيد» تصطدم بتعنت صهيوني
  • خليل الحية: وافقنا على مقترح الوسطاء ونأمل ألّا يعطله العدو الصهيوني
  • الشيخ نعيم قاسم: المقاومة حق مشروع ونحن على العهد يا قدس
  • هيئة علماء فلسطين: تجريد المقاومة من سلاحها خيانة لله ورسوله
  • 69 عملاً مقاوماً في الضفة والقدس خلال الأسبوع الماضي
  • يديعوت أحرونوت: هناك خطط إسرائيلية لاغتيال السنوار والضيف قبل السابع من أكتوبر