من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لك الله يامصر (8)
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ مع رغبة مصر الدائمة فى البقاء على استقرار السودان ومنع تفتيته وتجزئته إلى أقاليم فرعية، أو حتى إضعافه، كما ترغب فى ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن هنا يمكن فهم الرؤية المصرية للتعامل مع كل أزمات السودان سواء تلك المتعلقة بأزمة الجنوب أو الغرب، أو حتى الشرق، هذه الرؤية المصرية التى تقوم على اساس إبقاء السودان موحدا، مع إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل متساو، ومن هنا فقد تكون الأحداث الأخيرة نقطة انطلاق قوية لمصر لجمع الفرقاء السودانيين، بشتى طوائفهم الفكرية وانتماءاتهم الإقليمية، على مائدة حوار وطنى واحد لإيجاد تسوية شاملة للأزمة، حتى لا يتحول السودان إلى لبنان أو حتى عراق آخر لا تستعر بنيرانه قوى الداخل فحسب، وإنما دول الجوار أيضا.
مع اتساع رقعة الحرب فى السودان، تزداد الجهود الإقليمية والمبادرات لإنهاء الصراع الدامى بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ووصلت الجهود المتسارعة عزيزى القارئ إلى أكثر من 9 مبادرات، أبرزها الوساطة «السعودية- الأمريكية» فى منبر جدة ودول جوار السودان، لكن كل هذه المبادرات تشهد جمودًا كبيرًا فى عملية الوساطة، مما دفع الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بشأن السودان، إلى الدعوة إلى حوار «سوداني- سوداني» فى منتصف يوليو الماضى، هذه الدعوة تزامنت مع إعلان مصر استضافة مؤتمر يجمع كافة القوى السياسية السودانية فى نهاية يونيو الماضى بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، بهدف التوصل إلى توافق بشـأن سبل بناء السلام الشامل والدائم فى السودان، والحوار يجب أن يكون شاملًا يشمل جميع الأطراف والقوى السياسية والمدنية والمجتمعية الفاعلة، والمتضررين من الحرب ممن نهبت ممتلكاتهم وشردوا وقتلوا وتعرضوا للانتهاكات، فمصر لديها أفضلية فى حل النزاع السودانى لجهة معرفتها بالملف بكل تعقيداته، خاصة أن القضية السودانية تمثل قضية أمن قومى باعتبار أن القاهرة المتضرر الرئيسى من الصراع فى الخرطوم.
تعدد المبادرات المطروحة لحل أزمة الحرب المندلعة فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لن يفيد أو يسهم فى إنهاء الصراع، كل ما تقوم به هذه الجهات من جهود لحل الأزمة خاضع لأجندتها أولًا، وأجندة الدول التى تقف من خلفها، فالمبادرات المطروحة خلال الفترة الماضية عبارة عن كونها «بازارات سياسية»، «تقوم على مصالح ضيقة لا تراعى مصالح الشعب السوداني»، فيجب على الدول أن تجمّع الفرقاء السياسيين والعسكريين على مائدة مستديرة تنهى أسباب الخلاف دون إملاءات للتوصل إلى صيغة تراضى وطنى بعيدًا عن أى أجندات.
محاولات القاهرة الرسمية وجهودها الدبلوماسية والإنسانية لحل معضلة الأزمة فى السودان، تطرح الأسئلة حول أسباب «تعثر» التحرك المصرى فى إحداث نتائج على الأرض حتى اللحظة، أمام التبعات غير المسبوقة على المستوى الإنسانى والاجتماعى والأمنى الذى خلفته الحرب وتجاوز بتأثيره حدود الجغرافيا السودانية، مما يضع السودان وما يمثله من امتداد جيواستراتيجى وعمق حيوى للأمن القومى المصرى «على المحك»، أعاد مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنية السودانية الذى عقد نهاية شهر يونيو الماضى وهدف إلى تقديم رؤى لإنهاء الحرب المستمرة فى السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، الدور المصرى إلى الواجهة فى الأزمة المستعرة منذ أكثر من 18 شهرًا ومدى قدرته على لعب «وساطة فاعلة وقوية» لحل الأوضاع، نحو الوصول إلى حل «سياسى شامل» وإمكانية وضع خريطة طريق تمهد لاستعادة الأمن والاستقرار بالجارة الجنوبية، إلا أن ما شهده المؤتمر من عدم حضور ممثلين لطرفى الصراع واختتام فعالياته قبل الموعد المقرر مسبقًا فضلًا عن رفض قوى مشاركة التوقيع على البيان الختامي، فتح النقاش مجددًا فى شأن «حدود الدور المصري» وخيارات القاهرة «المعقدة» فى الأزمة، التى تجاوزت بتداعياتها الإنسانية والأمنية الجغرافيا السودانية واستدعى الموقف بعض من الأسئلة الحائرة فى شأن قدرة مصر على استعادة تأثيرها «الغائب» فى السودان «الجريح» بعد أعوام من «الارتباك وتراجع للدور»، نتيجة ما بدا أنه «انحياز للمكون العسكرى خصوصًا قائد الجيش عبدالفتاح البرهان والجماعات الداعمة له على حساب الأطراف المدنية منذ إطاحة نظام الرئيس السودانى السابق عمر البشير عام 2019»، بحسب ما يقول بعض المراقبين من هنا وهناك. وللحديث بقية..
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من الإخوان الإرهابية إلى السودان لك الله يامصر 8 الإخوان الإرهابية السودان لك الله يامصر ع رغبة مصر فى السودان
إقرأ أيضاً:
سراب التحليل الطبقي في الحرب السودانية وشياطين أخري
كشفت هذه الحرب عن حالة خرف كامل لعقل شرائح واسعة من المثقفين الليبراليين (تجاوزا) واليساريين. من أهم تجليات هذا الخرف الهذيان بان المنافحين عن مؤسسات الدولة بما فيها الجيش دافعهم هو حماية إمتيازاتهم الطبقية وممتلكاتهم أو أنهم عنصريون أو جهويون من أهل الشمال والوسط. ولكن هذا التشخيص هراء ما بعده هراء كما سنري.
هل كل أو جل أو حتي نصف من يقف مع الدولة ضد همجية الغزاة الجنجويد هو إنسان صاحب إمتيازات وممتلكات يسعي لحمايتها؟ هذا كلام فارغ ووسواس أيديلوجى لا يختبر مقولاته في سحاحة الواقع.
من الواضح لأي إنسان يري الواقع كما هو، لا كما يوسوس به شيطانه الأيديلوجي، أن جل أعداء الجنجويد والمساندين لجيش الدولة هم فقراء المدن والريف ألذين نكل بهم الجنجويد مباشرة وبسبب تداعيات الحرب علي حياتهم وقصف بنيتهم التحتية الحيوية بما فيها مصادر الماء والكهرباء.
وغالبية هؤلاء فقراء لا يملكون قوت اسبوعهم قبل الحرب وبعدها. إن رفض جنجويد شردوا أكثر من أثني عشر مليون مواطنا من دورهم إلي منازح الذل والمسغبة لا يحتاج إلي إمتيازات طبقية لا توجد إلا في تدليس سردية يسارية مخيفة السطحية، عميقة التدليس. ولا أدري ضرورة حزلقة طبقية أو جهوية لتفسير كراهية إمراة إنتهكها الجنجويد في الهلالية أو رجل قتلوه في تمبول ليفسر كراهيتهم للجنجويد ووقوفهم مع دولة تكف عنهم مثل هذا الأذي.
أيضا، اتهام الرافضين بحزم للغزو الجنجويدي بالتحيز الجهوي أو العرقي مدعاة للرثاء لان الإتهام يذهل عن حقيقة أن مدن مثل الخرطوم ومدني والجزيرة يقطنها ملايين من غرب السودان وفي بعض نواحيها أهل الغرب وجبال النوبة والسودانيين من خارج الشمال والوسط هم في الحقيقة أغلبية، وهي أغلبية رافضة لللجنجويد بمثل رفض أهل الشمال والوسط وربما أشد رفضا.
كما لا يهم هذه السردية تفسير الصمود الأسطوري لفاشرالسلطان ومعسكر زمزم ضد بربرية الجنجويد، وحسب علمي أهل هذه المناطق لا هم من شريط النيل ولا من الوسط ولا هم من أصحاب الإمتيازات الطبقية أو التاريخية. أضف إلي ذلك أن مجموعة هامة من داخل قبيلة الرزيقات – محاميد موسي هلال -ترفض المشروع الجنجويدي بشدة ومستعدة لمقارعته بالسلاح. كما أن الزغاوة حاربوا الجنجويد بالسلاح وكان لهم سهم معلي في التصدي لهم. ولم يحتاج رجل أو إمراة من دار مساليت لإمتيازات طبقية أو جهوية لكراهية جنجويد أبادوه. ولكن خطاب التدليس المتلبس بلبوس يسارية مبتذلة لا تهمه هذه الحقائق ولا يهمه تفنيد دلالاتها ونفيها لتشخيصه اليرقاني.
ولا يهتم هذا الخطاب بفحص المصالح الطبقية والانحياز الجهوي للذين إنضموا لقافلة الجنجويد من بليونيرات ذهب وبرجوازية صغيرة تحلم بالمال والسلطة علي سنابك الجنجويد ورشاوي الإستعمار حتي لو دفعت ثمنها أعراض النساء المنتهكة .
كما ينسي خطاب الإمتيازات تناول قضية الدور الإستعماري في الحرب السودانية. ولا أدري كيف يقفز “تحليل طبقي” فوق حقائق الإستعمار بما أن اليسار يعرف منذ لينين – صاحب كتاب الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية – ، وحتي في بذور ماركس، يعرف مركزية البعد الإستعماري في أي تحليل للتمدد الراسمالي والصراع الطبقي. فهذا يسار نسى أهم نصوصه واخترع أوهام تساعده علي تبني مواقف مريحة. ولن نلوم الليبرال – تجاوزا – فهم متطفلون علي موائد اليسار الفكرية في الوجبات السريعة التي تناسبهم. وإذا كان اليسار للدف ضاربا فلا تلم الليبرال علي الرقص المتهتك.
وينسي مختزلو خصومهم في كستبانات جهة أو إمتيازات مستوهمة أن يطبقوا معاييرهم علي أنفسهم ليتبينوا كيف أثرت انتماءاتهم الطبقية أو الجهوية أو أماكن وجودهم الحالي علي تحليلاتهم ربما لانهم يؤمنون بأن نزاهتهم مثالية لا تشوبها طبقية ولا تجربة حياتية خاصة بكل فرصها وخيباتها. فهم ثوريون موضوعيون ما يخروش المية وما تبقي منا بورجوازيون، أنانيون، عنصريون، ذكوريون أو جندريات خن القضية فتم جلدهن حتي أعلن التوبة وطلبن الصفح من بابوات التقدمية وماماتها.
مما سهل بيع خطاب الإبتزاز البائس هذا هو ضعف فهم المنهج وعمي الإيبيستومولجي. لا شك في وجود خطوط إنقسام طبقي وإقتصادي ومناطقي في سودان الحرب وما قبلها. ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال إمكانية إختزال موقف أي فرد أو مجموعة من الحرب والدولة بالركون إلي أي من هذه التباينات التي لا يخلو منها مجتمع. ولا أدري أين المشكلة في أن يرفض ملياردير عندو تاني دور جنجويدا انتهكوا عرضه وروعوا نساء بيته ولا أدري لماذا عليه أن يشعر بالذنب ويلتزم الحياد تجاه مغتصبي عرضه لانه ملياردير، جعلي، أصفر، أمو بت عم ابوهو.
البرجوازيون موجودون في أوساط معسكر الدولة وايضا يوجدون في معسكر الجنجويد (دقلو الذهبي، والبرير الراسمالي، واللواء برمة وود الميرغني وزير البشير وأبناء الأرستقراطية القبلية). وكذلك الطبقات الدنيا والبرولوتاريا الرثة (ذلك المصطلح المؤسف) يوجدون في كل المعسكرات. كما يوجد غربيون ونيليون ونوبة في كلا المعسكرين. وكذلك توجد نساء هنا وهناك وتوجد جندريات هنا وهناك.
لذلك فان تخصيص أنصار الدولة بالإختزال الطبقي والجهوي لا يجوز فهو إما تدليس متعمد بائن بينونة كبرى أو وسواس أيديلوجى قهري لم يهضم أصحابه الفلسفة السياسية وصاروا علي حافة الجنون التحليلي. كل من سمع بأبجديات المنهج يفهم ضرورة التمييز بين الإرتباط والسببية ولكن هذا التخليط في المشهد السوداني أدني من السقف الفكري للتمييز بين الارتباط الذي لا يدل علي سببية.
إن خطاب التدليس هذا يمارس إبتزاز عملي باتهام كل مخالف بانه إنسان أناني، نرجسي، مصلحي لمجرد وقوفه ضد ميليشيا إبادة عرقية وعبودية جنسية. وبلغت الجرأة علي الحق أن يتهم هذا الخطاب النساء ضد الجنجويد بخيانة الأمانة النسوية الفيمنيستىية التي لا يؤرق منامها العنف الجنسي الواسع الذي مارسه الجنجويد ضد المرأة السودانية.
إن كل هذا الإبتزاز بافتراض إمتيازات أو تحيز عرقي يتم إختزال الموقف من الدولة فيه ما هو إلا دليل علي التبعية الفكرية المطلقة للإنتلجنسيا السودانية لانه في حقيقته مستلف من خطاب الهويات الغربي في مرحلة الوووك الذي يقمع الحوار ويكمم المخالف بان يختزل أي خلاف سياسي في هوية الخصم العرقية أو الطبقية أو الجندرية. وهذا ما دمر اليسار الغربي وخصب التربة لصعود اليمين المتطرف في أمريكا واوروبا بقيادة ترمب وأوربان وماري لو بين وغيرهم. وهكذا فان اليمين الديني في السودان لا يحتاج لبذل أي مجهود سوي أن يجلس في برش صلاته ويستمتع بمنظر اليسار والليبرال يحرزون هدفا تلو آخر في مرماهم ومرمى الشعب.
ولكن كما في غالب الأحيان لا بد أن يكون للمثقف شيئا ما في ألحكوة . في هكذا سردية، فجأة بقدرة الساحر يتحول مثقف مغلوب علي أمره، هامشي إلا في الأسافير، ومشرد علي حافة ألياس إلي صاحب أمتياز وكأنه ليبرالي أوروبي، ابيض، مصاب بعقدة الذنب جراء تعاليه علي الملونين ولكن من نبله قرر أن ينزل من البرج العالي وينصر المساكين بركل إمتيازاته العرقية والطبقية . ولا يكتفي الأبيض الرمزي بالتواضع الزائف فيشهر وهمه سوطا لجلد الآخرين وتصدير الإحساس بالذنب لمن قرروا أن الدفاع عن مدنهم وأجسادهم من استباحة جنجويد همج. وربما ساعد هذا التحول السحري إلي صاحب إمتياز علي التأقلم مع شدة هامشية الوجود التي لا تطاق ظروف الحياة في مهاجر ظالمة.
ولا داعي للإساءة لذكاء القارئ بالتذكير بمن هو المستفيد من كل هذا التخذيل عن التصدي للجنجويد.
كما قلنا، دخلت السياسة السودانية مرحلة الحوجة إلي طبيب نفسي، قبل المحلل الإجتماعي.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب