من يمتلك القصيدة: الشاعر أم القارئ؟
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
فى الفيلم الإيطالى الشهير Il Postino «ساعى البريد» (1994)، يقوم ساعى البريد فى قرية إيطالية صغيرة بإهداء فتاة يحبها قصيدة يدّعى أنها من تأليفه، بينما هى فى الواقع من إبداع الشاعر التشيلى المنفى بابلو نيرودا. عندما وبّخه نيرودا على هذا الفعل، رد الشاب قائلًا: «فقط لأنك كتبت القصيدة، لا يعنى أنها ملكك.
قد يدهشنا هذا الرد فى عصرنا الذى يحمى حقوق الملكية الفكرية بقوانين صارمة، ولكن كلمات ساعى البريد تفتح بابًا للتأمل فى مسألة ملكية الشعر. فمن يملك القصيدة حقًا؟ هل يملكها الشاعر الذى أبدعها؟ أم القارئ الذى يتفاعل معها، ويجعلها جزءًا من حياته، ورمزًا لتجاربه وأحلامه؟ لمن تنتمى رائحة الوردة؟ هل هى للشجرة التى تطرحها، أم للعابر الذى يتنفس عبيرها ويسعد به؟
فى كتابه «الكتابة والتناسخ»، يستشهد الناقد المغربى عبدالفتاح كيليطو بحادثة طريفة عن الموسيقار الشهير وولفغانغ أماديوس موزارت، الذى تنازل طوعًا عن بعضٍ من أعظم أعماله لصديق مبتدئ. هذا الفعل يعكس فكرة أن الإبداع قد يتجاوز مسألة الملكية الشخصية، ليصبح مشاعًا بين الناس.
فى التراث العربى، تناول النقاد هذا السؤال منذ قرون. ابن رشيق (ت. 1070 1071)، أحد أبرز نقاد الأدب فى العصر العباسى، أشار فى كتابه «العمدة» إلى أنواع مختلفة من السرقات الادبية، منها الاصطراف، ويتفرع إلى اجتلاب أو استلحاق، وإلى انتحال، ثم الإغارة، فالغصب، فالمرافدة. وفى هذه الأنواع جميعاً، يكون النص المسروق حاضرا بعينه لفظا ومعنى فى منتوج الشاعر. وأضاف أن الشاعر قد يتنازل عن بيت شعرى لشاعر آخر بمحض إرادته. هذا التصرف يعكس فهمًا أكثر تعمقًا للعلاقة بين الإبداع والملكية الأدبية، حيث لا يُنظر إلى القصيدة على أنها ملكية خاصة بل حساب مشترك فى بنك الابداع، إرث جماعى تتناوبه الاجيال.
لم تكن الحدود التى تفصل بين الاقتباس المشروع والسرقة مجرد مسألة قانونية فحسب فقد أثارت تساؤلات حول مدى اعتماد الشاعر على أعمال غيره، وأين يكمن «تعالق النصوص» ومتى يبدأ الإبداع الفردى.
فى السياق الغربى، قدّم الناقد الأدبى هارولد بلوم مفهوم «الانحراف» (clinamen) لفهم هذه العلاقات الشعرية. مستندًا إلى الفيلسوف الرومانى لوكريتيوس (ت. 51 ق.م.)، الذى يشير إلى انحراف الذرة عن مسار الاخرى وهذا الانحراف هو الذى يجعل التغيير فى الكون ممكنًا. طبّق بلوم هذا المفهوم على الشعر، مشيرًا إلى أن الشاعر ينحرف عن مسار سابقه المبدع ليصنع تصحيحًا أو تغييرًا فى اتجاه قصيدة جديدة. وهذا «الانحراف» هو ما يجعل الإبداع الشعرى مميزًا وأصيلًا، ويشكل فى نفس الوقت استجابة إبداعية للقصائد السابقة.
وكما أنّ الشعر قد يصبح ملكًا لمن يحتاج إليه، كذلك يمكن للشاعر أن ينحرف عن أسلافه ليبدع شيئًا جديدًا ينتمى إلى زمنه وتجربته.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من يمتلك القصيدة الشاعر أم القارئ
إقرأ أيضاً:
قصور الثقافة تختتم ليالي الإبداع الرمضانية بالدقهلية وسط أجواء مبهجة.. صور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أسدلت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، الستار على فعاليات ليالي رمضان الثقافية والفنية التي قدمها فرع ثقافة الدقهلية باستاد المنصورة، ضمن احتفالات وزارة الثقافة بالشهر الفضيل.
نفذت الفعاليات تحت إشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، من خلال إقليم شرق الدلتا الثقافي بإشراف الكاتب أحمد سامي خاطر، وشهد الحفل الختامي حضور د. عاطف خاطر، مدير عام ثقافة الدقهلية، د. تامر البسنديلي، رئيس مجلس إدارة استاد المنصورة، حيث أكد "خاطر" أن هذه الفعاليات تعكس دور الثقافة في تعزيز قيم المواطنة والانتماء، ودعم الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية في جميع المحافظات.
وانطلقت الفعاليات بلقاء شعري قدمه الشاعر علي عبد العزيز، ألقى خلاله مجموعة من قصائده، منها "لا جدي غازي أجنبي"، "طول عمري شاطر في النشيد"، "بيحصل كل يوم"، "القاهرة"، و"موالي الأخضر بكأ".
تلاه عرض فني لفرقة موهوبين قصر ثقافة المنصورة، حيث أبدع الأطفال في رسم شخصيات تاريخية بارزة من أعلام الدقهلية مباشرة أمام الجمهور. كما قدم مسرح عرائس "الحلاتية" بقيادة الفنان محمد قطامش عروضًا ممتعة تضمنت شخصيات "بسنت وديسطي"، "البالون"، وسط تفاعل كبير من الأطفال.
وعلى وقع الأناشيد الروحانية، اختتمت فرقة تمي الأمديد للإنشاد الديني بقيادة المايسترو عادل الفقي الأمسية، حيث قدمت مجموعة من الابتهالات، منها "امدح المكمل"، "ميلاد طه"، "يا مواكب النور"، "لأجل النبي"، "عليك سلام الله"، "يا صلاة الزين".
كما أبدعت مواهب مدرسة السيدة خديجة في تقديم فقرات غنائية، منها "أما براوة"، "غني لي شوي". ولم يخلُ الختام من لمسات فنية إبداعية، حيث شارك الفنان محمد حسني بورشة رسم على الوجوه للأطفال، مما أضفى أجواء احتفالية مميزة على الليلة الأخيرة.
وفي ختام الاحتفالية، كرم مدير فرع ثقافة الدقهلية رئيس وأعضاء مجلس إدارة استاد المنصورة، وفريق العمل المنفذ للفعاليات، تقديرا لجهودهم في إنجاح البرنامج الثقافي والفني الرمضاني.
وضمن فعاليات إقليم شرق الدلتا الثقافي، أقيمت ندوة توعوية بمدرسة الشيخ شعيب الابتدائية تناولت "تعزيز القيم الإيجابية". تحدث خلالها الشيخ طاهر الخولي عن أهمية الصدق والأمانة في تماسك المجتمع، ودور المؤسسات في غرس القيم الإيجابية لدى الأجيال الجديدة.