بوابة الوفد:
2024-10-06@18:29:37 GMT

من يمتلك القصيدة: الشاعر أم القارئ؟

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

فى الفيلم الإيطالى الشهير Il Postino «ساعى البريد» (1994)، يقوم ساعى البريد فى قرية إيطالية صغيرة بإهداء فتاة يحبها قصيدة يدّعى أنها من تأليفه، بينما هى فى الواقع من إبداع الشاعر التشيلى المنفى بابلو نيرودا. عندما وبّخه نيرودا على هذا الفعل، رد الشاب قائلًا: «فقط لأنك كتبت القصيدة، لا يعنى أنها ملكك.

الشعر ينتمى إلى أولئك الذين يحتاجون إليه»

قد يدهشنا هذا الرد فى عصرنا الذى يحمى حقوق الملكية الفكرية بقوانين صارمة، ولكن كلمات ساعى البريد تفتح بابًا للتأمل فى مسألة ملكية الشعر. فمن يملك القصيدة حقًا؟ هل يملكها الشاعر الذى أبدعها؟ أم القارئ الذى يتفاعل معها، ويجعلها جزءًا من حياته، ورمزًا لتجاربه وأحلامه؟ لمن تنتمى رائحة الوردة؟ هل هى للشجرة التى تطرحها، أم للعابر الذى يتنفس عبيرها ويسعد به؟

فى كتابه «الكتابة والتناسخ»، يستشهد الناقد المغربى عبدالفتاح كيليطو بحادثة طريفة عن الموسيقار الشهير وولفغانغ أماديوس موزارت، الذى تنازل طوعًا عن بعضٍ من أعظم أعماله لصديق مبتدئ. هذا الفعل يعكس فكرة أن الإبداع قد يتجاوز مسألة الملكية الشخصية، ليصبح مشاعًا بين الناس.

فى التراث العربى، تناول النقاد هذا السؤال منذ قرون. ابن رشيق (ت. 1070 1071)، أحد أبرز نقاد الأدب فى العصر العباسى، أشار فى كتابه «العمدة» إلى أنواع مختلفة من السرقات الادبية، منها الاصطراف، ويتفرع إلى اجتلاب أو استلحاق، وإلى انتحال، ثم الإغارة، فالغصب، فالمرافدة. وفى هذه الأنواع جميعاً، يكون النص المسروق حاضرا بعينه لفظا ومعنى فى منتوج الشاعر. وأضاف أن الشاعر قد يتنازل عن بيت شعرى لشاعر آخر بمحض إرادته. هذا التصرف يعكس فهمًا أكثر تعمقًا للعلاقة بين الإبداع والملكية الأدبية، حيث لا يُنظر إلى القصيدة على أنها ملكية خاصة بل حساب مشترك فى بنك الابداع، إرث جماعى تتناوبه الاجيال.

لم تكن الحدود التى تفصل بين الاقتباس المشروع والسرقة مجرد مسألة قانونية فحسب فقد أثارت تساؤلات حول مدى اعتماد الشاعر على أعمال غيره، وأين يكمن «تعالق النصوص» ومتى يبدأ الإبداع الفردى.

فى السياق الغربى، قدّم الناقد الأدبى هارولد بلوم مفهوم «الانحراف» (clinamen) لفهم هذه العلاقات الشعرية. مستندًا إلى الفيلسوف الرومانى لوكريتيوس (ت. 51 ق.م.)، الذى يشير إلى انحراف الذرة عن مسار الاخرى وهذا الانحراف هو الذى يجعل التغيير فى الكون ممكنًا. طبّق بلوم هذا المفهوم على الشعر، مشيرًا إلى أن الشاعر ينحرف عن مسار سابقه المبدع ليصنع تصحيحًا أو تغييرًا فى اتجاه قصيدة جديدة. وهذا «الانحراف» هو ما يجعل الإبداع الشعرى مميزًا وأصيلًا، ويشكل فى نفس الوقت استجابة إبداعية للقصائد السابقة.

وكما أنّ الشعر قد يصبح ملكًا لمن يحتاج إليه، كذلك يمكن للشاعر أن ينحرف عن أسلافه ليبدع شيئًا جديدًا ينتمى إلى زمنه وتجربته.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: من يمتلك القصيدة الشاعر أم القارئ

إقرأ أيضاً:

خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»

البلاد – الرياض

تمثل معارض الكتاب ودور النشر خط الدفاع الرئيس، والحامية الفعلية لـ “الكتاب الورقي” من خطر الاندثار والفناء، والمحافظة على مكانته التاريخية، إذ باتت التقنية والتكنولوجيا الرقمية أحد أكبر المهددات له، نظير انتشارها وسهولة استخدامها وتوظيفها لتقدم خدمات ثقافية لمستخدميها، على غرار “الكتاب الرقمي” و”المكتبات الإلكترونية”.

وعن هذه التحديات التي تواجه “الكتاب الورقي شبّه أحد المشاركين بالمعرض وفعالياته من القائمين على دار الوفاق الحديثة للنشر والتوزيع بجمهورية مصر العربية خلال مشاركتها بجناح خاص في معرض “الرياض تقرأ” الدكتور إيهاب عبدالسلام، “الكتاب الورقي” بالثمرة، ودور النشر بالغصن الذي يحملها، فيما معارض الكتاب تمثل تلك الشجرة المثمرة، لذا فمعارض الكتاب الدولية، التي تحظى باهتمام جمهور القراء من كل شرائح المجتمع، هي المكان الذي يشكّل مركزًا تجتمع فيه دور النشرٍ من مختلف بلدان العالم، والتي تضم في أجنحتها عددًا العناوين والمؤلفات بمختلف التخصصات والمجالات، التي من شأنها أن تمنح القارئ تجربة للشعور بالإحساس الأصيل الذي يتميز به “الكتاب الورقي”، عندما ينفرد بقدرته على خلق حالة حسية ووجدانية مع القارئ، مؤكدًا أن تلك التجربة ثمينة جدًا يلمسها العاملين والعارضين في دور النشر في ردود أفعال القراء، لاسيما من الجيل الجديد منهم الذين يتعاملون مع التقنية والتكنولوجيا بصورة أكثر من غيرهم.


ولفت الدكتور إيهاب الانتباه إلى خصوصية يتميز بها “الكتاب الورقي” عن غيره بوصفه مصدرًا للمعلومات، تتمثل بضمانه لرسوخ المعلومة في الذاكرة وفهمها وحفظها، نظير حالة التواصل الحسي التي يمتاز بها، إلى جانب يسر أرشفته وحفظه في مكتبة القارئ الخاصة، التي يملك رفاهية ترتيبها كيفما شاء، دون الحاجة إلى عناء تعقيدات التكنولوجيا والتقنية للقيام بذات المهام.
من جانبه عدّ العارض بجناح مركز البحوث والدراسات الكويتية عبدالعزيز الخطيب معارض الكتاب خط دفاعٍ مهم تجاه “الكتاب الورقي”، الذي يتميز بمنح القارئ فرصة تدوين الهوامش الخاصة به في صفحات الكتاب، أو التواصل الحسي الذي يخلق حالة حميمية يعيشها القارئ مع كتابه الذي يحمله بين يديه ويتواصل معه بصريًا، مستشهدًا بعدد من المواقف التي شهدها مع القراء الذين زاروا جناح المركز من مختلف الفئات العمرية، والذين أبدوا ارتياحهم وتفضيلهم للكتاب الورقي على غيره من مصادر المعلومات الرقمية، إذ اتفقوا على مرونة كبيرة عند التعامل مع هوامشه التي بإمكانهم تدوينها على ذات صفحات الكتاب.


بدوره نوه مالك دار الكاتب للنشر والتوزيع بالرياض مازن بن مليّح بالدور الكبير لمعارض الكتاب ودور النشر في المحافظة على مكانة “الكتاب الورقي” الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لعديد المميزات والخصال التي يتمتع بها، التي تحظى بتقدير فئات عمرية وأجيال عايشت عصوره الذهبية ولازالت وفيةً له، لافتاً النظر إلى عدد من المبادرات الذكية والأفكار الإبداعية التي عمدت إليها بعض دور النشر للحفاظ على مكانة “الكتاب الورقي”، فيما بالمقابل هناك دور نشر رأت أن تمنح “الكتاب الرقمي” جانبًا من اهتمامها، منتقدًا تلك التي تحولت بالكامل للتعامل والاهتمام بالكتاب الورقي وغيره من مصادر المعلومات المعتمدة على التكنولوجيا، لأنها بحسب رأيه تخلت عن دورها الرئيس المتمثل في العناية بالكتب الورقية.


واتفق مع رأي الأغلبية العارض بدار نشرٍ سويدية مشاركة في كتاب الرياض هذا العام جوزيف تيامسون الذي قال: “أجزم بأن معارض الكتاب ذات دور رئيس في المحافظة على “الكتاب الورقي” من الاندثار، لاسيما مع الطفرة التقنية التي يعيشها العالم في الوقت الحالي”، مشدّدًا على أن هذا الدور لمعارض الكتاب يتطلب المساندة من الأجيال السابقة التي عايشت الكتب والصحف الورقية، أي الآباء والأمهات الذين يجب أن يضطلعوا بدورهم حيال هذا الأمر، وذلك بتحفيز أولادهم على التعامل مع الكتاب الورقي عبر المكافأة نظير إنجاز مهمة في هذا الخصوص، مشيرًا إلى أنه لمس هذا الأمر من أولياء الأمور خلال مشاركته الحالية في معرض “الرياض تقرأ”.

مقالات مشابهة

  • حسن عبدالوارث: “نصف عمود” يصنع حياة كاملة
  • طارق إمام: القارئ العنصر الأرقى في صناعة الكتاب وترويجه
  • احتفالًا بالذكري 51 لانتصارات أكتوبر.. وزارة الثقافة تنظم أمسية شعرية بعنوان " القصيدة بين نصر أكتوبر ونصر المقاومة "
  • ضمن المحذوفات.. الدوري المدرسي
  • خط دفاع من الاندثار والفناء.. مهتمون وناشرون: معارض الكتاب تحافظ على ديمومة «الورقي»
  • الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير: يجب على الغرب الاستماع إلى صوت الاحتجاج
  • كاتب صحفي: ضرب الهوية الوطنية يصنع تاريخا موازيا لتفتيت المجتمع
  • صدور العدد 62 من مجلة “الحيرة من الشارقة”