لجريدة عمان:
2025-04-17@10:54:15 GMT

هذا دفترٌ انقضى من كتفكِ الأيسر

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

(1)

التفَّاحة الوحيدة السَّليمة فـي المركب لا تغفر لبقية المدينة، ولا تسامح أي أحد.

(2)

مقاربةٌ مُقارَنَةٌ، ليست شقيَّة تماما وإن كان، ليست علميَّة على الإطلاق حتى وإن كان العكس صحيحا، ولا مقصودة بالضبط، فـي توارد الخواطر، وحضور المسافات، والتَّدقيق فـي الجزافـيَّات، وحكمة اللِّسان وزلَّاته:

«إن الأفكار التي نملكها، تملكنا» (إدغَر موران).

«أنا أقدر أملك الدولة، والدولة تملكني» (أبو فـيصل، المرحوم عبدالله بن زاهر).

(3)

أتَعَرَّضُ بسبب الموت لسوء فهم الأموات والأحياء معا، من البشر والقواقع كافَّة.

(4)

ذاكرة تنبعث (وطائر العنقاء نائم فـي الرَّماد إلا فـي فـيلم ألفرد هتشكك «سايكو»).

(5)

مطلوبٌ الانتباه للفعل المضارع (خاصة حين يكون بعضهم نَحْوًا للمستقبل).

(6)

كم من الخطايا، أيتها العذراء، كي أجترح الإثم والغفران؟

(7)

أتطاولُ سعفةً فـي الليل (ولا أسافر).

(8)

عليك أن تسرد الحكاية من موقع المستمع/ المُشاهد/ القارئ، وليس الراوي (ليس دومًا).

(9)

أخشاكِ يا آخر الياسمين عند الغروب.

(10)

ضائعون حتى قبل اختراع الغبار.

(11)

أحمد يجيء فـي الولادات، وأحمد يمضي فـي المصائر، ويضيء أحمد فـي كل الأوقات.

(12)

حين يصير الحرير ماء، وتذوب الرَّسائل فـي البحر، ولدى عودة المهاجرين من البحرين والكويت.

(13)

لا رائحةً بحريَّة على هذه الهديَّة المفاجئة، ولا قواقع تحت صدى خطواتكِ المتعجِّلة فـي الانصراف. إلى أين سأمضي، وأين سأهلك، إذاً؟

(14)

أدوات التَّشبيه أخبثُ، وأسوأ، وأضعفُ اختراعات اللغة (والتَّماهي أسوأ).

«أنا آخر» (آرثر رامبو).

(15)

فـي المعمعة، وفـي التَّبَطُّل، الذين جباههم ضئيلة.

(16)

لا مخمل، ولا حرير، ولا عورة، ولا عودة، ولا درَّاجة هوائيَّة فـي آخر مكان فـي مجز الصُّغرى، قبيل الوادي الجاف الذي فـيه ماء عذب.

هكذا ينبغي أن يكون شيء واحد على الأقل فـي هذا الهلاك.

(17)

الحب فطرة وغريزة، والإنسان تطوُّرٌ ارتقائي (وأنا سأكفُّ عن التَّدريبات).

(18)

لم يغادر الأعداء بيتنا مُذْ مهد الأب، وصدر الأم، وبقيَّة الأهل، والطريق إلى أقصى الحجرات: الحجرة الشَّماليَّة التي فـيها الكتب والرُّعب.

(19)

ما من عبدٍ إلا ويفقه هذا: السؤال مذلَّة، والجواب إهانة أكبر.

(20)

الكلمة لا تُسعِف، الموت لا يقدِر، والحياة تكفُّ عن الاستعارات.

(21)

الذين يتذكرون لا يستطيعون أن ينسوا. أما الذين نسوا فلا مشكلة لديهم مع النسيان.

(22)

يحتاج الإنسان إلى أوبئة أخرى أشد فتكا مما حاق بنا كي يعيد التفكر فـي أنه ليس وحده هنا.

فلنرحل من هنا بأقصى سرعة ممكنة.

(23)

يأتي على الدَّهر حينٌ من المرء: كلا، لا أريد المزيد من التجارب والحِكم. أريد أن أموت (ببساطة، فقط).

(24)

أيها المطر الذي أغرق البلاد: من أي لحدٍ من لحودك جاءت هذه السُّيول؟

(25)

أحبُّكِ فـي العين مرسومة على حقائب الرِّحلات التي على الظَّهر.

(26)

حبٌّ عظيمٌ فـي التباس ظَنِّ الابتسامة (وليس فـي حسن أو سوء النَّتائج العِبر).

(27)

انتبه لقلبك: لم يعد ذلك العصفور يقول شيئا فـي التآكل.

(28)

احذر: قتلُك بالكاد ابتدأ.

(29)

ليس كل من يبكي وينوح طيرًا (سيتصرَّف الليل وأشجان السِّنين بالشُّعراء).

(30)

الكتابة توثيقٌ باهتٌ، ومشبوهٌ، وضعيفٌ، ومسكينٌ (وإن لم تُصَدِّق هذا فعليك بالمزيد من الكتابة والكوابيس).

(31)

لم يعودوا قادرين إلا على الموت (موتهم، فحسب).

(32)

يرشده أبوه إلى الهاوية، ولا تستقيل أمُّه من النُّخْط (وهو هنا، وهو هناك).

(33)

لا خير يُرجى من موت لا يوصَل إليه إلا بعد تَخَفُّفٍ منهجيٍّ صارم، وعنيد، وطويل.

ولهذا أنا خائف جدًا من الموت (بسبب كل ذلك التقصير، فـي هذه الليلة تحديدًا).

(34)

أكتب فـي كل يوم كلمة واحدة فقط (وأَقطع حبل سر القمر فـي كل ليلة).

(35)

ليس الزَّمن، وليس المقدور، وليس الخبز، ولا اللُّعاب، ولا الزَّبيب.

(36)

لم يعد قاسيًا أن ليس له أُم. القسوة الأكبر هي أن للأم بناتًا وأبناء آخرين.

(37)

لا أستطيع أن أموت هنا، بل سأُنْحَرُ هناك (كلُّهم ماتوا هنا بسبب اكتظاظٍ شديد، وترَدُّدٍ هائل، وعجزٍ فـي الوفرة).

(38)

فـي صالات الضيوف، والموائد فـي ارتكابات الغداء وحماقات العشاء، وبروتوكولات الغيبة والنَّميمة فـي مجالس العزاء، فـيما هو أصغر بكثير من الرَّذيلة والإنسان.

(39)

يقول السَّائح: بلادهم جميلة ومُطَرَّزةٌ بالحصون، والقلاع، وأبراج المراقبة، والأسوار.

يقول التَّاريخ: كلّها استُخدِم فـي صدِّ هجمات بعضهم على بعضهم الآخر.

(40)

اقتصدتم فـي تقدير حجم اللَّحد (تزجُّون الهالك زجًّا وجُرْمُه أطولُ من الحفرة التي اقترحتم)، فبالِغوا فـي رشِّ الماء على وجوهكم وقلوبكم بعد غبار الدَّفن، وقبل أن يرحل القبرُ إلى قبرٍ آخر.

(41)

أتفتقدون الحنان؟

لا، أنا لا أفتقده (ولهذا أواظب على القبور، وتواظب القبور -- فرديَّة وجماعيَّة، معلومة ومجهولة -- عليَّ).

(42)

كلما راحت القافلة بالنَّظرات (أيتها الظَّاعنة الأبديَّة).

(43)

يُقَتِّرُ بيت المال على التَّاريخ، ويبخل التَّاريخ على المؤمنين.

(44)

لا أساويكِ بالجوهر، ولا أقرنكِ بالجرح، وأثق بك أكثر فـي المِلح.

(45)

يُحْرَجُ القاتل، ولا يتحرَّج الشُّهود.

(46)

يا مريم: فـي كل ليلة ألتقي بأسوأ ما فـي الحليب.

(47)

ما من عِلَّة أكبر من الحدس، وما من مَلَكَةٍ أعظم من الحدس.

(48)

سأموت (غالبًا، بسبب الخديعة والإخلاص معا).

(49)

نحن أيضا نمضي فـي هذا الطريق حتى وإن لم نَدْرِ شيئا عن العالم أو عنَّا (كمن يشاهد فـيلم «سحر البورجوازيَّة الخَفِي» للويس بونويل).

(50)

هذا دفترٌ انقضى من كتفكِ الأيسر.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی کل

إقرأ أيضاً:

خيام الموت في المواصي .. أحلام تحت الرماد وقبور مؤقتة

غزة "عُمان" بهاء طباسي: كانت السماء رمادية فوق خيام النازحين في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، حين حلَّ المساء الأخير في حياة الطفل أركان النجار. لم يكن يدري أن رحلته الصغيرة لشراء الفلافل ستكون موعده الأخير مع الحياة، ولا أن الجوع الذي أيقظه من نومه سيكون الجسر الذي يعبر عليه إلى الشهادة. أركان، ابن التاسعة، كان يظن أن الفلافل ستكون مكافأته بعد يوم طويل من التشرد والعطش، لكنه تلقى بدلاً منها قذيفة حولت جسده الغض إلى أشلاء.

خرج جائعًا فعاد أشلاء

في مساء ذلك اليوم خرج أركان مع جدته من خيمتهم المهترئة في منطقة المواصي القريبة من شاطئ بحر خانيونس. حمل قطعة نقدية صغيرة في كفه الطري، يلوّح بها فرحًا وهو يردد لأمه قبل أن يغادر: «بدي أجيب فلافل أمي، وبعدين بنام». كانت أمه تبتسم، رغم الحزن المتجذر في ملامحها، وهي تتابع ابنها يغادر صوب العشاء الأخير.

لكن الصاروخ الإسرائيلي لم ينتظر طويلاً. سقط على الخيمة القريبة بينما أركان وجدته كانا يعبران الطريق نحو بائع الفلافل. انطلقت الصرخات، وغمرت الأتربة وجوه المارة، وسرعان ما تحولت الأرض إلى لون الدم. تم نقل الجدة إلى العناية المركزة، فيما لم يُعثر على أركان حيًا. كان جسده الصغير قد وصل المستشفى الميداني، بلا نبض، بلا عشاء.

خال الطفل، معاذ النجار، كان لا يزال يبكي بحرقة حين تحدث قائلاً لـ«عُمان»: «الاستهداف صار وأنا قاعد في الخيمة، طلعنا نجري، وجدت أمي ملقاه على الأرض، والولد كان معها. فقدت الولد. روحت على المستشفى الميداني ووجدته شهيدا، راح يأكل مع أمي. راح يجيب فلافل لكي يأكل. ما لحق يأكل. طفل جبعان. مات جبعان».

أمام قبره، كان وداع الأم لأركان مؤلمًا أكثر من أي كلمات. كانت تنوح وتصرخ في وجه التراب: «قلت لك يا خالي دير بالك عليه. والله قلت لك. هذا كان الغالي عندي». وبينما كانت الجموع تهيل التراب على الجسد الصغير، كان الوجع يسكن في كل العيون، وفي كل كف ترتفع بالدعاء.

لم يكن أركان سوى واحد من مئات الأطفال الذين ودّعهم أهل غزة دون أن ينالوا حتى وجبة عشاء أو قبلة وداع. لكن قصته، بما فيها من جوع وبرد وخوف، تختصر الحكاية الكبرى: حكاية من يُقتلون في أمكنة ادعى الاحتلال أنها آمنة، في خيام نزوح تحولت إلى مقابر جماعية.

حين تصبح المنطقة الآمنة مصيدة للنازحين

منذ أسابيع، وخاصة ليلة وصباح اليوم، يكثف الاحتلال الإسرائيلي غاراته على خيام النازحين، مستهدفًا مناطق مثل المواصي غرب رفح وخان يونس وغزة، والتي سبق أن أعلنها مناطق «آمنة» للمدنيين. لكن الواقع يقول غير ذلك. فالقصف هناك لا يفرّق بين طفل وشيخ، ولا بين خيمة ومخبز.

كل قذيفة تسقط على تلك الخيام لا تدمر القماش والخشب فقط، بل تمزق ما تبقى من ثقة الأهالي بأي وعود دولية أو إنسانية. لقد باتت «المنطقة الآمنة» مرادفًا للمصيدة، حيث يُساق النازحون إلى المجهول، ويُتركون فريسة سهلة لطائرات لا ترحم.

حسناء تُسائل العالم

تقول حسناء سالم، وهي تودع زوجها الشهيد الذي سقط داخل خيمته في المواصي: «الاحتلال يدعي أن منطقة المواصي آمنة لكن في الحقيقة هي الأكثر خطورة في قطاع غزة كله. قام بتجميع كل سكان غزة حتى يتم استهدافهم بشكل سريع».

وتضيف لـ«عُمان»: «زوجي كان نائمًا في الخيمة، لماذا يتم استهدافه بهذه الطريقة؟. تلقيت خبر استشهاد زوجي بالصبر والثبات الحمد لله. وهذا مصير الشعب الفلسطيني. نحن متوقعون لأي خبر. أي إنسان بريء ليس له علاقة بالحرب، متوقعين إنه يستشهد».

كانت حسناء تمسك بيد طفلتها الصغيرة وهي تتكلم، وعيناها الزجاجيتان لا ترفان: «رسالتي للعالم: يوقفوا الحرب فورًا. بيكفي شلال الدماء اللي صار، الدم الذي نزفته غزة يملأ العالم كله، والعالم العربي كله ساكت. الاحتلال حرم أطفال غزة من أبسط حقوقهم، صار فيه تجويع والتعليم راح على مدار عامين من الحرب. وبردو العالم بيتفرج علينا. وبعدين! نتمنى الحرب تقف».

أم محمد: «خذني يا رب وخلي أحفادي»

في خان يونس، كانت أم محمد الرنتيسي أولادها الثلاثة. في صباح ذلك اليوم، انتشرت رائحة الموت بين الخيام، بينما كانت أصوات النواح ترتفع من كل جهة. كانت تحمل صورة ابنها هيثم، الذي لم يتجاوز السابعة عشرة، وقد استشهد وهو في الثانوية العامة. إلى جواره صورة محمد (33 عامًا)، الذي سقط، وشقيقه محمود (30 عامًا).

«يا رب أموت مثلك يا أم ياسر، متعذبش في الدنيا دون أولادي. لي ثلاثة شهداء أولاد، غير اللي راحوا من العائلة، أولاد أختي وغيرهم الكثيرين. أنا مش متحملة»، تقول أم محمد لـ«عُمان» بصوت نائح ومبحوح من الألم.

«الله أعلم الدور على مين جاي، كل صباح خبطة. الله يستر على أولاد محمد، ما يروحوا. أنا مش قادرة أتكلم. ماذا أقول؟!.. يا رب. خذني أنا يا رب وخلي أحفادي. خذ أمانتك يا رب عندك»، وتغرق بعدها في صمت ثقيل، يقطعه صوت بكاء طفلة تمسك بطرف ثوبها.

كان مشهد الوداع جنائزيًا وصامتًا. حتى الأطفال توقفوا عن البكاء، كأنهم تعلموا أن الحزن صار هوية لا يمكن التخلص منها.

لا ينام أحد دون وداع

على أطراف المواصي، كان الأهالي يرفعون الشهداء على أكتافهم بينما تتناثر من حولهم الأشلاء المحترقة لخيام تحولت إلى ركام. عامر اصليح رجل أربعيني يقول لـ«عُمان» وهو يغطي طفلة شهيدة بكوفيته: «يا ابني إحنا صرنا ننام نودع بعض قبل النوم، لأنه ما بنعرف مين يصحى ومين يروح. الخيمة ما بتحمينا، هي قبر مؤجل بس».

وأضاف وهو يشيّع الجنازة: «ما في مكان آمن، لا بيت، لا مدرسة، لا مستشفى، ولا حتى خيمة. الاحتلال بيضرب وين ما بده، وبيقتلنا بالعشرات، كأننا مش بشر».

«الحماية الدولية»

في بيان صدر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أكدت فيه أنه «بين 18 مارس و9 أبريل 2025، أصابت 224 غارة إسرائيلية تقريباً مباني سكنية وخياماً للنازحين»، مضيفة أن «الضحايا في 36 غارة تم التحقق منها حتى الآن كانوا من النساء والأطفال فقط».

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن عدد الشهداء منذ بدء العدوان قد تجاوز 51 ألفًا، فيما سقط أكثر من 1563 فلسطينيًا خلال الفترة بين 18 مارس و9 أبريل فقط، وأصيب أكثر من أربعة آلاف.

الإحصاءات ليست مجرد أرقام. كل رقم منها يحمل قصة، وطفلًا، وأمًا، وذكرى لا تموت. كل رقم هو بيت مهدّم، وأحلام أُطفئت، وصوت بكاء ما زال يتردد في زوايا الخيام المحترقة.

تستمر الحرب، ويستمر أقران أركان النجار في الموت، واحدًا تلو الآخر. بعضهم جائع، بعضهم نائم، بعضهم ذاهب لشراء العشاء. وكأن روح أركان تتكرر في وجوه كل طفل يُقتل ببراءة في غزة. والمجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة، فيما غزة تنزف كل يوم قصة جديدة، ووداعًا آخر.

مقالات مشابهة

  • القبض على والدين قاما بتعذيب ابنتهما حتى الموت
  • حصار الموت.. الاحتلال الإسرائيلي يمنع المساعدات عن غزة بعد 51 ألف شهيد
  • أحمد عز يعود إلى “فرقة الموت”.. وينافس نفسه في الصيف
  • أحمد عز يستأنف تصوير فيلم "فرقة الموت" لطرحه بالصيف
  • بغداد .. تعذيب طفلة حتى الموت من قبل والدها وزوجته
  • خيام الموت في المواصي .. أحلام تحت الرماد وقبور مؤقتة
  • جاك الموت
  • أضرار مشروبات الطاقة.. ابعدوا الموت عن أطفالكم فورًا
  • الإعدام شنقاً حتى الموت لمتعاون مع المليشيا بمدني
  • هل موت الفجأة من علامات سوء الخاتمة؟.. علي جمعة يجيب