الآثار السلبية على العرب من إضعاف المقاومة
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
د. إسماعيل بن صالح الأغبري
إسرائيل ومن خلفها العالم الغربي بأقماره الصناعية واستخباراته العابرة لقارته وأسلحته الفتاكة وبضغوطه السياسية على الدول العربية من أجل عدم اعتراض ما تقذفه إسرائيل من عدوان يكاد يكون شبه يقيني على إيران، وضغطها على دول عربية من أجل اعتراض ما تقوم به إيران ضد إسرائيل.
العالم الغربي سخَّر منظوماته السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والعسكرية ويشارك إسرائيل في وضع الخطط في مهاجمة المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان.
ويرى هؤلاء أنه لن تكون فرصة لتنفيذ ذلك أفضل مما عليه الآن، فقد اجتمع من التأييد لإسرائيل ما لم يكن لها حتى خلال حروبها السابقة 1948 و1967 و1973 وغيرها من الأعوام، وأن العالم قد اعتاد على مشاهد الإبادة الجماعية وقصف كل ثابت متحرك؛ بما في ذلك المعامل والمشافي ومنابع المياه وخزاناتها ومراكز الإيواء؛ بل والمخابز، واعتاد العالم على رؤية الإبعاد والتهجير والطرد والتشريد كما أن الطفولة البريئة لم تعد تشكل هاجسًا في مراكز صنع القرار.
ما حل بفلسطين- وتحديدًا غزة- وخلال عام كامل لم يكن مُتخيلًا ولا مُتوقعًا، من حيث التدمير المُمَنهَج، إلّا أن غير الُمتصوَّر هو تقبل العالم الُمتحضِّر ذلك الحدث؛ أي أنه لو وقع قبيل أعوام لاهتز العالم ربما وتحرك، وبذلك نحن في زمن تتراجع فيه قيم الإنسانية إلى الوراء، وتتجدد فيه حياة الهمجية والذئاب المفترسة.
ما يجري الآن في لبنان هو عينه ما جرى ويجري في غزة، من حيث انتهاج إسرائيل الإبادة الجماعية، واتباع ما يُعرف بسياسة "الأرض المحروقة" أو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بإهلاك الحرث والنسل "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة: 205).
بل إنَّ سياسة من مضى على خُطى فرعون كانت ألطف من سياسة فراعنة اليوم، ذلك أن سياسة من مضى من فراعنة الأمس كانت تعتمد فقط قتل الأطفال "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ" (البقرة: 49). أما سياسة فراعنة اليوم فتعتمد قتل كل ما دبَّ على الأرض مع الحصار والتجويع والتعطيش، أي مع التلذذ بالقتل، وتلك ساديّة تنُم عن حقد دفين مُتراكم مع تلبُّس بنصوص تلمودية (مُحرَّفة) في النظرة إلى من تصفهم بالأغراب وخاصة المسلمين.
قادة من المقاومة الإسلامية في غزة قد استُشهِدوا، إضافة إلى ما يقرب من 42 ألفًا من الناس العُزَّل، مع تدمير كامل للبيئة وكل ما يرمز للحياة. أما لبنان فمع حداثة المواجهة المباشرة بين إسرائيل والمقاومة الإسلامية في لبنان إلا أن العمود الفقري لها قد مسته البأساء والضراء، واغتالت إسرائيل أرقامًا صعبة فاعلة مؤثرة وبأعداد كبيرة وكثيرة ذات ثُقل ووزن في وقت قياسي ما يعني أن قيام إسرائيل بذلك ليست منفردة، بل استخبارات العالم وعدد من استخبارات دول عربية ناقمة على مقاومات فلسطين ولبنان وغيرهما، ومن المحال المكابرة بأن البنية التحتية للمقاومات لم تمس، فالضربات على المقاومة في فلسطين ولبنان كانت عنيفة شديدة تؤثر على العمود الفقري.
إسرائيل توعدت بأنها ستتفرغ لأنصار الله في اليمن، وهذا يعني أنها ستصب حممها لاحقًا على الجمهورية اليمنية، وستكون تلك الضربات على منشآت حيوية كالموانئ والمطارات والنفط وغيرها، ولو فعلت غير إسرائيل ذلك لاندلعت ألسنة الغرب ومنظماته تنديدًا ومدعية بأنه لا يجوز التعرُّض للأهداف المدنية!
المقاومة الإسلامية في العراق ليست بمنأى عمّا تم اتخاذه من قرار إسرائيلي غربي، لذا إسرائيل ستوجه تلك الحرب الجائرة لتلك المقاومة حتى تتأكد أن العالم الإسلامي خلا من أي شكل من أشكال المقاومة!
الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمثل العمود الفقري لجميع أشكال المقاومة المشار إليها آنفًا؛ تمويلًا وتسليحًا وتخطيطًا، وقادة من الحرس الثوري إضافة إلى خبراء ومستشارين قد شاركوا في التخطيط، كما إن عددًا منهم قد تعرض للاغتيال في غارات وضربات جوية.
يبدو أن الأيام- إن لم تكن الساعات المقبلة- قد تشهد قصفَ إسرائيل لمفاصل حيوية في إيران، وهذا بتنسيق مع دول غربية على أمل قطع الرأس المدبر لجبهات المقاومة وشريان حياتها.
وهناك دول إقليمية لها حسابات مع إيران راغبة في إضعافها؛ بل تذهب إلى أبعد من إضعافها، وبعضها لم تزل لديها عقدة من نوع النظام الحاكم في إيران، كما إن لديها عقدة من كل المقاومات خاصة التي تحمل بُعدًا دينيًا.
الدول الغربية وإسرائيل ودول عربية تترقب وجود عالم عربي خالٍ من كل أشكال المقاومة ضد إسرائيل، لأنها الحائل من انطلاقة التطبيع، والمعرقل من انسيابية العلاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل، والمؤجج لمشاعر العداء ضد إسرائيل، والمُحرِّض الأساس للشعوب لعدم الاعتراف بإسرائيل، إلّا أن الدول العربية خاصة المناوئة للمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق والمناوئة لإيران ينبغي عليها قبل أن تأخذها نشوة الفرح بما يحل بالمقاومة ومن يدعمها أن تأخذ في الاعتبار بأنه كان ينبغي لها أن تعتبر أشكال المقاومة رصيدًا لها لا عليها، بغض النظر عن موقفها مما يُسمى بـ"الإسلام السياسي"؛ ذلك أن بقاء هذه المقاومات يُخفف عنها ضغط الغرب عليها من أجل التماهي مع إسرائيل، وهي وسيلتها في دفع الضغط على اعتبار أنها لا تستطيع التماهي بسبب وجود حركات المقاومة، فغياب المقاومة يعني غياب مبرر التردد في عدم انسيابية العلاقات مع إسرائيل.
إن الدول العربية التي تأخذها نشوة مهاجمة إسرائيل لإيران وإنهاك المقاومة تقود نفسها إلى ما يشبه الانتحار؛ فهي تحرق أوراق قوتها وأدوات ضغطها وتفرط في وسيلة تخلصها من ضغط القوى الكبرى. وكان ينبغي للدول العربية الوقوف ولو بطرف خفي، مع هذه المقاومات ومع إيران؛ لأنها لو انكمشت أو تلاشت سيجعل من الدول العربية مكشوفة مع إسرائيل غير قادرة على تبرير عدم إقامة علاقات مع إسرائيل أو انسيابية العلاقات.
العقل السياسي يقتضي مساندة المقاومة؛ سواء أكانت هذه المقاومات من منطلقات وطنية أو قومية أو إسلامية، أو كانت يسارية أو إسلامية أو حتى شيوعية ماركسية، ما دام يرفع الضغوط عن الدول العربية، ويوجِد لها المبررات في المماطلة بعدم التطبيع.
لو افترضنا أن العدوان الإسرائيلي على إيران أضعف قدراتها، وأن ضرباته على المقاومة في تلك البلدان أدى إلى اختفائها فمن الذي سيوقف إسرائيل عن فرض الحل الذي تريده من الدول العربية؟ ومن من الدول العربية سيجرؤ على التقليل من الطموحات والأطماع الإسرائيلية؟ ثم إن إسرائيل والغرب يريدون دولا عربية في قادم العقود من الزمن وفق مواصفاتهم فالدول العربية لا بد أن تكون بمثابة حديقة ومنتزه لإسرائيل، مستودع لنفايات إسرائيلية وغربية، وتكون مكانا لتسويق كل منتج وبضاعة إسرائيلية ما يعني بوار المنتجات المحلية لكل دولة عربية من غير قدرة على وضع شروط ومواصفات تتعلق بما يرد إليها من إسرائيل.
إسرائيل بعد التطبيع معها لن تتعامل مع الدول المُطبِّعة على أنها دول ذات سيادة ندٌ لها وكفء؛ بل ستنظر إلى هذه الدول بعلوٍ وفوقية؛ لأن قادتها لا ينفكون عن نصوص التلمود وما حوت.
العقل السياسي الناضج كان يُحتم على الدول العربية الوقوف مع إيران ودعم المقاومات ولو اختلفت الآيدلوجيات؛ لأن اضمحلال المقاومة يعني سيادة إسرائيلية مُطلقة على الدول العربية، فإسرائيل لها ظهر وعمود فقري وهو الغرب فمن ظهر الدول العربية؟ وما عمودها الفقري، وقد كسرت عمودها بذاتها بسبب حسابات ضيقة.
إن ما صرحت به إسرائيل من أنها راغبة في شرق أوسط حسب مقتضياتها يؤذن بتعالي إسرائيل على الدول العربية، ولا يستبعد أن تسعتين بدول عربية على دول عربية، مغرية لها ببعض الخدمات التقنية والمزايا التفضيلية الآنية؛ ما يعني إدخال إسرائيل الدول العربية في حروب بينية، وكل دولة عربية سوف تسعى للتشبث بإسرائيل لحمايتها من دولة عربية أخرى، أو لتزويدها بما يضر بالدولة العربية الأخرى.
إن إسرائيل سوف تجعل من كافة الدول العربية في حالة قلق من بعضها ما يعني سعي الجميع نحو إسرائيل لعلها تلجم أو تكبح جماح الدولة العربية الأخرى وهو عين ما يقع حاليا عندما تستغيث دول عربية بأمريكا الداعم الأكبر لإسرائيل!
وختامًا أكرر القول إن مقتضيات العقل السياسي الناضج تدعو الدول العربية لدعم الدول المقاومة لإسرائيل ودعم أشكال المقاومة، ولو من طرف خفي؛ سواء أكانت هذه المقاومات منطلقاتها إسلامية أو قومية أو حتى ماركسية شيوعية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبيران: إسرائيل تريد استسلام العرب وهذا المطلوب لوقف تمددها
تواصل إسرائيل مجازرها الدموية بحق سكان قطاع غزة، منذ استئنافها الحرب فجر الـ18 من الشهر الجاري، وسط تساؤلات بشأن المطلوب عربيا وإسلاميا لوقف خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوسعية في المنطقة.
وحسب الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، فإن إسرائيل تريد فرض الاستسلام على العرب، في حين أن الأمن القومي العربي مهدد بقوة في ظل أطماع نتنياهو.
ولكن المرزوقي أبدى قناعته، خلال حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"، بأن لدى الزعماء العرب -في حال اتحدوا- القدرة على وقف إسرائيل ولجم تغولها على الدم الفلسطيني، مرجحا أن "تطول الحرب ما لم تستيقظ الشعوب ويتحرك القادة العرب في ظل مرحلة تاريخية".
وقال أيضا إن إسرائيل وحلفاءها الغربيين يريدون من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الانتحار والتي ترفض ذلك وتفضل القتال حتى آخر نفس على الاستسلام.
وجدد المرزوقي التأكيد على ضرورة أخذ موقف عربي موحد وصلب ومتين، مشددا على أن تحرك الشعوب العربية والإسلامية بعد صلوات الجمعة يعتبر "نقطة فارقة لوقف الحرب" ومن شأنه أن يوصل رسالة للغزيين بأن محيطهم العربي والإسلامي لن يتركهم وحيدين بمواجهة آلة الحرب الوحشية الإسرائيلية.
إعلانوفي سياق تعداده لما يمكن للعرب أن يقوموا به لنصرة غزة، طالب المرزوقي بطرد سفراء إسرائيل في الدول العربية والإسلامية وقطع العلاقات معها، إضافة إلى وضع الجيوش العربية في حالة استنفار، خاصة مع عزم نتنياهو الذهاب إلى ما هو أبعد من غزة والضفة الغربية.
وحسب آخر بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن عدد الشهداء منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجاوز حاجز 50 ألفا -ثلثهم من الأطفال- في حين تخطى عدد الإصابات 113 ألفا.
وأعرب المرزوقي عن قناعته بأن نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يعطيان أي قيمة للقمم العربية التي عقدت على مدار فترة الحرب، إذ أن "الشرعية في العالم حاليا للقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وأكد الرئيس التونسي السابق أن إسرائيل كشفت عن حقيقة نواياها تجاه المنطقة، وأنها لم تعد تخفي نيتها التوسعية في عدة دول عربية، مشددا على أن انضمام مزيد من الدول العربية لما يسمى اتفاقيات أبراهام "لن يحمي أي دولة عربية مما يخطط لها إسرائيليا وأميركيا على حساب سيادتها ووجودها واستقرارها".
"وضع مترهل"من جانبه، طالب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عبد الله الشايجي الدول العربية بتوجيه رسائل واضحة للبيت الأبيض تؤكد رفضها التام لـ"تصفية شعب وقضية عادلة، وتغيير ديمغرافيا سكانية عبر تطهير عرقي في غزة والضفة".
ووصف الشايجي اشتراط وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر وقف الحرب إذا أطلقت حماس سراح الأسرى وألقت سلاحها بأنه "هروب إلى الأمام" متسائلا عن اليوم التالي للحرب وعشرات الأسئلة التي تحتاج إجابة.
وأبدى أسفه لصمت العالم خاصة المسلمين والعرب، إزاء مشاهد أول حرب إبادة وتطهير عرقي على الهواء مباشرة، مؤكدا أن عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي للحرب لا مبرر لها، ولفت إلى عدم اهتمام نتنياهو وإدارتي بايدن وترامب لما خرج عن القمم العربية بشأن الحرب على غزة.
إعلانوقد دخل قطاع غزة -حسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة- مرحلة خطيرة نتيجة الحصار وإغلاق المعابر، خاصة مع تعمّد جيش الاحتلال منع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية وقطع الغيار للمولدات الكهربائية الخاصة بالمستشفيات، ومئات الجراحين والوفود الطبية.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال يُمعن في فرض سياسة التجويع القسري والتعطيش، مما تسبّب في انتشار سوء التغذية، خاصة بين الأطفال، وتدمير أكثر من 700 بئر.
وبينما أقر أن النظام العالمي لا يرتقي للمأساة في ظل ما سماه النفاق الأوروبي، قال الشايجي إن النظام العربي بوضع مترهل، مؤكدا أن ما يجري في غزة وما يخطط له القادة الإسرائيليون يهدد الأمن القومي المصري واللبناني والسوري.
وبشأن "طوفان الأقصى" قال الأكاديمي الكويتي إنه عطل أجندة التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، وكذلك نسف صورة الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة.