د. سالم بن عبدالله العامري

في الساعات الأولى من فجر 7 أكتوبر 2023، دوَّى صوت المقاومة في سماء فلسطين، معلنًا عن ميلاد يوما لم يكن كسائر الأيام، يومًا استثنائيًا أعاد إحياء روح النضال في قلوب أمة أبت أن تُهزم، ورفضت أن تنحني تحت وطأة الظلم والقهر والاستبداد، يومٌ أضاء سماء فلسطين، وحمل اسمًا بات يُردَّد في كل أرجاء الأرض "طوفان الأقصى".

كان ذلك الطوفان صرخة في وجه العالم بأسره: "هنا فلسطين، وهنا الأقصى، وهنا شعب لا يركع!" كان أكثر من مجرد عملية عسكرية؛ كان نداءً للحرية، نداءً لكل ذرة رمل في فلسطين، لكل قطرة دم سالت دفاعًا عن الأرض والحق، كان صرخة حق في وجه الظلم، وانفجارًا للقوة الفلسطينية المكبوتة عبر عقود من الاحتلال والقهر كان تجسيدًا لعقود من الصمود والصبر حمل معه أمل الملايين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين في أن النصر قادم لا محالة. كان ضربة موجعة للاحتلال، ولكنه كان قبل ذلك ضربة لأوهام من يظن أن القضية الفلسطينية ستخفت أو ستُنسى.

في فجر ذلك اليوم النابض بروح الأمل والحياة، انطلقت عملية غيرت معادلات التاريخ، وأعادت إلى الأذهان حقيقة أن النضال من أجل الحرية لا يتوقف، وأن الشعب الفلسطيني لم ولن ينكسر مهما عظمت التحديات.. انطلقت شرارة الكفاح كالعاصفة التي لا تُرد ولا تُقاوم انطلقت كالسهم تخترق الأسوار وتكسر الحواجز والحدود، مستمدة قوتها من الإرث التاريخي الذي جعل من فلسطين رمزًا للصمود والعزة والإباء، استمدت جذورها من عقود طويلة من النضال ضد الاحتلال، ومن أجيال تربت على أنَّ الحرية ليست منحة بل حقٌ يُنتزع، تجلّت صور الشجاعة والتضحية رأينا فيها أبطالًا تحركهم عقيدتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم اختاروا أن يكتبوا بدمائهم الطاهرة فصلًا جديدًا من المقاومة.

كان الطوفان رسالةً صريحة للعالم بأسره: "لا ظلم يستمر، ولا قيدٌ يظل بلا كسر، ولا احتلال يدوم للأبد" وأن ما يؤخذ بالقوة، لا يُسترد إلا بالقوة، وأن الحق لا يموت مهما تكالبت عليه قوى الظلم.. هل يمكن لأحد أن يتخيل ما معنى أن تشن عملية بهذا الحجم من غزة، ذلك الشريط الضيق المحاصر منذ سنوات؟ غزة، التي لا تتجاوز مساحتها القليل، أصبحت عنوانًا كبيراً للقوة والعزة والكرامة. في هذا اليوم، كانت المقاومة ترسل رسالة واضحة: "نحن هنا لنبقى، نحن هنا لننتصر" "الكرامة الفلسطينية عصية على الانكسار".

إنَّ ذكرى 7 أكتوبر ليست مجرد ذكرى لمعركة؛ بل تذكيرٌ حيٌ بأنَّ النضال مستمر، وأنَّ الأقصى سيبقى قلب القضية، لن يهدأ للفلسطينيين والمسلمين بالٌ حتى يتحرر من قيوده.. هذه الذكرى تلهم الأحرار والشرفاء لمواصلة النضال وشحذ الهمم من أجل الحرية والكرامة، وأن الحق لا يموت، وأنَّ الشعوب الحية مهما تكالبت عليها الصعاب ستجد دائمًا السبيل لاستعادة كرامتها وحريتها. لم تكن عملية طوفان الأقصى فقط ضربة عسكرية، بل كانت انتفاضة جديدة للكرامة، وصحوة ضمير لشعوب الأرض، لتدرك أن هذا الاحتلال الذي طال أمده سيزول، وأن الشعب الفلسطيني سيستعيد حقوقه مهما طال به الزمن، لقد كانت عملية طوفان الأقصى تجسيدًا لإرادة شعب لا يقبل الانكسار، لقد أعادت هذه العملية رسم الخارطة السياسية والعسكرية للصراع، وأظهرت أن المعادلة التقليدية بين قوة الاحتلال وقوة المقاومة لم تعد قائمة بنفس الشروط السابقة.

ختامًا.. إنَّ السابع من أكتوبر ليس مجرد تاريخ يُضاف إلى كتب التاريخ، بل هو ملحمة حية تُذكرنا بأن الطوفان مستمر، وأن إرادة الشعوب أقوى من أي قوة، وأن العزيمة أقوى من السلاح، والحق أبلغ من الرصاص، وأن الطريق نحو الحرية قد يكون طويلاً، ولكنه لا يمكن أن يُقطع إلا بالوحدة والصمود. إنها دعوة لنا جميعًا لنقف مع الحق، وأن نكون جزءًا من هذا الطوفان الذي لن يتوقف، وهذا الصوت الذي لن ينقطع حتى تتحقق العدالة، فهل سنكون مستعدين للوقوف مع الأقصى وأهله؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عام على الطوفان

عام على طوفان الأقصى، وما بعد (7) أكتوبر 2023م، لم يعد كما قبله، فالطوفان غيّر كل المعادلات وكشف وهم منظومة الردع، وزيف مقولة الجيش الأقوى في المنطقة، وفضح كذبة الصدارة للقوة الأمريكية.

والطوفان فرز الغث من السمين على مستوى العقيدة وعلى مستوى الأخلاق والانتماء للنوع البشري، كما وبلور محور المقاومة، وعرّى نفاق الكيانات، أنظمة أو جماعات تجاه الشعب الفلسطيني، ثم الطوفان كشف أن الكيان وأمريكا والغرب، منظومة متكاملة في التآمر على العرب والمسلمين ولا يفهمون إلا لغة القوة، ومتى ما امتلكت الأمة عناصر القوة مادية ومعنوية أمكن لها أن توصل صوتها وموقفها للآخرين، هذا هو منطق هذا الزمان الذي شوهت أمريكا من قيمه ومبادئه وعاثت فيه فسادا وإفسادا، في الطبيعة البشرية ومفاهيم التعايش والتكامل.

عندما لجأ الكيان الصهيوني إلى استخدام القوة المفرطة تجاه الشعب الفلسطيني هل كان يعلم أنه بذلك إنما يدق آخر مسمار على نعش حلم الصهاينة في تسيُّد المنطقة وإخضاعها لإرادته؟ لا شك أن حساباته كانت تذهب إلى التصور بأن القتل والتدمير كفيل بإخلاء محيطه من أي فعل مقاوم أو مُهدِد، ولأنه انطلق في ذلك من عُقدة التفوق، لذلك جاء فعله طائشا، كاشفا عن عدم اتزان، واهتزاز لشخصيته بذلك الطيش والذهاب بالعربدة إلى أكثر من اتجاء لإعطاء الشعور بالتفوق فيما هو لم يكن أكثر من محاولة للّعب على الجانب النفسي لمستوطنيه يمنحهم بذلك، الانطباع بأن كل خيوط المعركة في قبضة متطرفيهم.

عدا ذلك فإن ما ظهر من قدرات محور المقاومة – أكان لجهة المقاتلين وارتفاع مستوى الحماس والمعنويات، أو الأسلحة – شكّل هو أيضا صفعة مدويّة فاجأت كل المنظومة الغربية الاستعمارية بزعامة أمريكا، الأمر الذي فرض على واشنطن أن تعيد حساباتها المرتبطة بإعادة رسم خارطة المنطقة والتمكين المفتوح للكيان في التحكم بواقع شعوبها، كما فرض هذا الظهور القوي المفاجئ لمحور المقاومة إعادة رسم قواعد الاشتباك في الصراع مع أعداء الأمة، وفق رؤية المقاومة.

وليس ذلك كل شيء، فالوضعية التي صار إليها الكيان – كما وأمريكا التي ترى فيه، عَصَب الحياة الذي لا بد من حمايته – لم تعد في المستوى الذي يمنحهما القوة لوضع شروطهما أو إحياء أي أوهام قديمة، سواء لظهورهما بذلك الضعف عن رد الهجمات عنهما، أو لظهورهما بتلك النزعة الحيوانية في القتل للنساء والأطفال والشيوخ والتدمير للأعيان المدنية، وقد شهد العالم أن حرب المقاومة إنما كانت مع قطّاع طرق وعصابة مسلحة اسمها في الأصل الهاجانا، ليُنبئ المشهد بتحولات جديدة للمنطقة تتصدرها قوى من تُربة هذه الجغرافيا.

في المتغير كتداعيات لطوفان الأقصى أيضا أنه هزّ بشكل قوي من ثقة المستوطنين الصهاينة في قدرة قادتهم على توفير الحماية لهم في المناطق المحتلة، وباتوا يشعرون فعليا بالخطر الوجودي، كيف لا وهي العبارة التي قالها نتنياهو نفسه يوم انقشع غبار الطوفان على كارثة هزيمة مدوية لجيش الغاصبين داخل الكيان.

وكيف لا وردّ الفعل جاء طائشا لا ينُمّ عن ثقة وقدرة بقدر ما أكد الضعف والقلق، أراد استعادة هيبة الردع بتحرك عدواني مفرط فأحدث سلوكه، فعلا عكسيا فضح السقوط الأخلاقي والإنساني لهؤلاء الشرذمة من البشر ولكل الغرب معهم، كما وتلاشت بذلك خطابات المظلومية الصهيونية الزائفة التي كان يروج لها كهنة اليهود والمتطرفين، بتصوير وقوع مجتمع المستوطنين في دائرة اضطهاد واستهداف العرب والمسلمين.

وربما ما هو أكثر قساوة على العدو الصهيوني وأمريكا والغرب، هو أن الطوفان ركل حلم الصهاينة بإنشاء كيانهم المزعوم، إلى خارج حلبة المتاحات، وحفّز أكثر لامتلاك السلاح فظهر اليمن بشكل أكثر اقتدارا وبأسلحة نوعية نجحت في نسف كذبة المنظومة الدفاعية للكيان وجعل تل أبيب تحت طائلة القصف.

مقالات مشابهة

  • هكذا علّق أبو عبيدة على عملية بئر السبع عشية ذكرى طوفان الأقصى
  • أكتوبر من الانتصار إلى الطوفان.. "الصحفيين" تنظم يوما تضامنيا مع فلسطين الثلاثاء المقبل
  • عام على الطوفان…
  • عام على الطوفان
  • في ذكرى "طوفان الأقصى".. الفصائل الفلسطينية تؤكد استمرار المقاومة حتى إقامة دولة فلسطين
  • "طوفان الأقصى".. الشرارة من غزة ولهيبها امتدّ للضفة
  • إنه الطوفان وإنه الأقصى
  • بدران يدعو جماهير الضفة للاستجابة الواسعة في جمعة رفع العدوان عن فلسطين ولبنان
  • اليمن يثبت حضوره في معركة تحرير فلسطين: طوفان الأقصى يكتب التاريخ