تحيي الكنيسة الكاثوليكية، اليوم السبت، ذكرى وفاة القديس يان (يوحنا) برخمانز الإكليريكي
وُلِدَ "يان برخمانز" في 13 مارس 1599م، بمدينة ديست، والتي تتبع حاليًا مقاطعة فلامز برابنت، شرقي مملكة بلچيكا حيث الجزء الناطق بالهولندية، لأبوين هما "يان شارلز برخمانز" و"إليزبيث برخمانز". كان والده صانع أحذية أما الوالدة فربة منزل.


"يان" هو الإبن الأكبر من أصل خمسة أطفال، وقد اعتمد بسم "يان" (أي يوحنا بالهولندية) تيَمُنًا بالقديس يوحنا المعمدان.


كانت نشأته معاصرة لفترة الفوضى السياسية والحروب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك، والتي كانت تعيش ذروتها في المدن الفقيرة كمدينة ديست مسقط رأسه.


فيما لم يُكمل "يان" عامه التاسع كانت والدته قد أصيبت بمرض خطير عضال، طرحها على فراش المرض لمدة طويلة، فكان يقضي الطفل "يان" معظم وقته جالسًا إلى جوار فراشها يُصلّي معها.
عن تعليمه فقد تلقى يان تعليمًا جيدًا لقواعد اللغة بمدرسة في ديست، كما اضطر للعمل كخادم بمنزل أحد أثرياء مدينة مِخلى المجاورة لديست، ليتمكن من استكمال تعليمه.


كان خلال فترة المجئ والعودة يقوم بعمل حج روحي محدود للمزار المريمي الشهير، بازليك السيدة العذراء بمدينة سخرپنهرفل، والذي يبعد بضعة أميال عن ديست.


عام 1615م، افتتحت الرهبنة اليسوعية كلية بمدينة مِخلىِ، فبادر الشاب يان إلى الالتحاق بها، وبمجرد قبوله التحق أيضًا بجمعية خيرية حديثة التأسيس تتبع الرهبنة اليسوعية وهي "جمعية العذراء المباركة".


في أول مراسلاته مع والده، كتب إليه يعبر عن فرحته بقبوله بالرهبنة اليسوعية، وبدون سببٍ واضح، كان رد فعل والده إلى أن أسرع للقائه في مِخلىِ، وحاول بقوة إثنائه عن عزمه، وألحاقه بديرٍ فرنسيسكاني في مدينة ديست. كان أحد أقربائه راهبًا بهذا الدير، وحاول كثيرًا إقناعه بإستكمال مشواره التكريسي مع الفرنسيسكان، إلا أن يان رفض الفكرة تمامًا، فكان تهديد والده الأخير له هو أن يمنع عنه الدعم المادي إن أصرّ على العودة إلى الرهبنة اليسوعية.

 أُرجِع ذلك لخوف الوالد على مصير ابنه من النشاط التبشيري الذي تبنته الرهبنة اليسوعية في تلك الفترة وأدى لاستشهاد رهبان كثيرين في أراضٍ غريبة وبأبشع الصور.


برغم ذلك كان قرار الشاب يان أن يعود إلى مِخلِىِ حيث الكلية اليسوعية الجديدة، والتحق بدير الإبتداء في سبتمبر 1616م.
 

اتصف يان بالوِدّ والطيبة الشديدة، كان مُنفتِح على الآخرين ومحبوب. كان خادمًا تقيًا في مذبح الرب، يمتاز بعُمق تقواه وحماسه للنمو الروحي. كان يود بعد استكمال دراسته ورسامته الكهنوتية أن يصير كاهنًا للجنود في الجيش، وأن يكون قريبًا ممن يعانون الحياة القاسية والمخاطر ليشدد عزيمتهم وربما يموت شهيدًا أثناء خدمة الأسرار المقدسة.
في سبتمبر 1618، أي بعد عامين من التحاقه بدير الابتداء، قدم يان نذوره الأول، وانتقل ليعيش بمدينة أنتڤيرپه شمال بلچيكا لدراسة الفلسفة.

 إلا أنه تم تعديل القرار وبعد أسابيع قليلة سافر لروما لدراسة الفلسفة بها بدلًا من أنتڤيرپه. فقرر الطالب يان أن تكون رحلة حج روحي سيرًا على الأقدام من بلچيكا إلى إيطاليا، حاملًا أغراضه على ظهره. ولدى وصوله إلى كلية القديس أغناطيوس دي لويولا اليسوعية بروما، درس بها الفلسفة مدة ثلاث سنوات. 

كان تفوقه الملحوظ بالفلسفة قد رشحه للمشاركة في مناقشة فلسفية بالكلية اليونانية، والتي كانت تحت إدارة الرهبنة الدومنيكانية في ذلك الوقت.


كانت مناقشة ناجحة للطالب برخمانز، افتتحها بمنتهى الوضوح والعمق في نفس الوقت، إلا أنه لدى عودته لسكنه الطلابي شعر بأعراض الحُمّىَ الرومانية.

صارت رئتيه تعاني إلتهابًا شديدًا، وتسببت في هدم قواه وتدهور صحته بسرعة كبيرة، إلى أن رقد في الرب يوم 13 أغسطس 1621م قبل أن يُكمل عامه الثالث والعشرين.


بسبب شهرة تقواه ووفاته المؤثرة في ريعان شبابه، إلتف حول جثمانه زملائه وكثير من العارفين بقداسة قلبه لإلقاء النظرة الأخيرة وطلب صلاته.


تم دفن الجثمان بكنيسة القديس أغناطيوس دي لويولا بضاحية كامبو ماريسو في روما. وفي نفس عام وفاته أرسل فيليپي شارلز دوق أرشخوت البلچيكية، إلتماس لفتح دعوى تطويب لبرخمانز.
كانت حياة الإكليريكي اليسوعي يان برخمانز، وكأنها إعادة إنتاج لحياة طالب إكليركي يسوعي آخر من إيطاليا هو القديس لويچي (ألوسيوس) دي جونزاجا، الذي دخل الرهبنة اليسوعية على عكس رغبة أبيه في ان يكون كاهنًا إيبارشيًا غير مُلزم بالتخلّي عن ثروته، كذلك فقد توفّيَ قبل أن يُتِم دراسته اللاهوتية أو يُرسم كاهنًا بسبب حُمّىَ الطاعون بعمر الثالثة والعشرين. 

واستكمالًا لهذا التشابه الطريف نلاحظ قُرب الفترة الزمنية، إذ أن الطالب لويچي دي جونزاجا توفّيَ قبل ميلاد الطالب يان برخمانز بحوالي ثماني سنوات، وكأن جونزاجا عاش حياته مرة أخرى بكينونة برخمانز!


ويُذكَر أن القديس يان برخمانز كان مأسورًا بقصة حياة القديس دي جونزاجا التي كانت منتشرة في أوساط الرهبنة اليسوعية بصفته إكليركي يسوعي، والذي تم إعلانه طوباويًا فقط عام 1605م.
 

كذلك كان قلبه يميل بقوة لقصص الشهداء من الكهنة اليسوعيين في إنجلترا، حيث كان معاصرًا لأخبار إعدام ملوك إنجلترا لكهنة من الرهبنة اليسوعية كانوا يصلون القداسات سرًّا في منازل العلمانيين الكاثوليك بعد أن أُغلِقت الكنائس الكاثوليكية.


زخائره المباركة محفوظة في روما، أما قلبه غير المنحلّ فقد عاد إلى بلده الأصلي، حيث يوجد محفوظًا بإكرام على مذبح جانبي بكنيسة بمدينة لوفان، كذلك توجد كنائس وكليات يسوعية كثيرة داخل بلچيكا وخارجها تحمل اسمه.
 

تم إعلانه طوباويًا عن يد الطوباوي البابا "پيوس التاسع"، في 9 مايو عام 1865م.
 

وكانت المعجزة التي تمت ودفعت إلى إعلان قداسته قد سُجلَت في أكاديمية القلب الأقدس بولاية لوزيانا الأمريكية، في العام التالي لتطويبه، وبعد مرور عام على الحرب الأهلية الأمريكية، حيث كانت راهبة مُبتدئة تُدعى "ماري ولسن" تعاني من تدهور صحتها، فاصطحبها والدها في إجازة بلوزيانا الجنوبية لما تتمتع به من مناخ ألطف قد يساعد على تحسين صحتها. 

إلا أن تلك الخطوة لم تعطي أي أثر إيجابي على حالتها الصحية، بل على العكس فقد ازدادت صحتها تدهورًا إلى أنها أصبحت لمدة 40 يوم لا تقوى سوى على تناول السوائل فقط، ولا تستطيع تناول أي أطعمة.


تقول ماري أنها أصبحت حتى لا تقوى على الحديث، فكانت تهمس في قلبها: "إني أقبل معاناتي إن كانت لمجدك ولخلاص نفسي، لكني أطلب إن أمكن وبشفاعة الطوباوي يان برخمانز أن تعطيني قليلًا من الراحة والصحة، وأن تمنحني الصبر والصمود بإيمان حتى النهاية".
تقول أن الطوباوي يان برخمانز ظهر لها حاملًا المناولة المقدسة، وأنها من تلك اللحظة شُفيَت تمامًا.
وقد تم افتتاح مدرسة تتبع أكاديمية القلب الأقدس بلوزيانا وتحمل اسم القديس يان برخمانز بمناسبة هذه المعجزة.

وتم إعلان قداسته عن يد البابا "لاون الثالث عشر" في 15 يناير عام 1888م
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط الكنيسة الكاثوليكية إلا أن

إقرأ أيضاً:

البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحتفل بعيد القديس مار أفرام السرياني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهد مساء امس السبت 8 مارس 2025، ترأس البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط، القداس الإلهي الحبري الرسمي بمناسبة عيد القديس مار أفرام السرياني، شفيع الكنيسة السريانية وملفان الكنيسة الجامعة. أقيم القداس في كاتدرائية مار جرجس التاريخية في الخندق الغميق – الباشورة، بيروت

عاون البطريرك في القداس  المطارنة مار غريغوريوس بطرس ملكي، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة، بحضور الآباء الخوارنة والكهنة من الدائرة البطريركية وأبرشية بيروت البطريركية ودير الشرفة، والشمامسة والرهبان الأفراميين والراهبات الأفراميات والإكليريكيين طلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية.

كما حضر القداس  البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وقداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، والبطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، والمطران باولو بورجيا، السفير البابوي في لبنان، وعدد من الأساقفة والممثلين عن الكنائس الأخرى في لبنان، بالإضافة إلى جمع غفير من المؤمنين.

وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، تحدث البطريرك عن دعوة الرب لنا بأن نُقبل إليه ونسلم ذواتنا بين يديه. وأكد على أن الاتحاد بالرب هو مصدر الإرواء لجوعنا وعطشنا الروحي، لافتًا إلى أن قديسنا مار أفرام السرياني هو مثال حيّ على كيفية نهل الإنسان من “الماء الحيّ” الذي يقدمه الله بغزارة، ليعطي ثماره للآخرين من خلال حياة الصلاة والصوم والعمل والخدمة في سبيل نشر ملكوت الله.

مقالات مشابهة

  • كنيسة العذراء ومار يوحنا بالخصوص تنظم لقاء روحي للخدام بوادي النطرون
  • ذكرى وفاة السيدة خديجة بنت خويلد.. تعرف على أهم ملامح سيرتها العطرة
  • غدا.. الكنيسة تتذكر استشهاد القديس مكراوي الأسقف
  • البطريرك يوحنا العاشر يتلقى اتصالًا هاتفيًّا من وزير خارجية اليونان
  • الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بذكرى وجود رأس القديس يوحنا المعمدان
  • البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحتفل بعيد القديس مار أفرام السرياني
  • عظة الصوم الكبير.. البطريرك يوحنا العاشر: لا مكان للعنف والطائفية في سوريا الجديدة
  • 5 رهبان جُدد بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون في الذكرى الخامسة للمتنيح الأنبا صرابامون|صور
  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تُحيي تذكار القديس بوليكاربوس
  • رسامة 5 رهبان بدير وادي النطرون