مفاجأة علمية.. النمل عرف الزراعة قبل البشر بأكثر من 66 مليون سنة
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
قبل أكثر من 66 مليون سنة (في نهاية العصر الطباشيري) تعرضت الأرض لضربة نيزكية كبيرة حين اصطدم كويكب "تشيكشولوب" بشبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، وهو الحدث الخطير الذي تسبب في انقراض الديناصورات بعد ملايين السنين من سيادة الأرض. لكن هذا الحدث المهم كانت له تأثيرات مفيدة لكائنات أخرى أصغر بكثير من الديناصورات، مثل النمل.
في دراسة جديدة نشرت يوم الخميس في مجلة "ساينس" قال باحثون إن الكائنات الحية التي سكنت الأرض قبل وجود البشر تتولى ما يمكن تسميته زراعة أو رعاية طعامها من النباتات، بما في ذلك النمل الذي كان يزرع مستعمراته الخاصة من الفطريات.
ومن المعروف سابقا أن بعض أنواع النمل (مثل النمل قاطع الأوراق)، تقطع الأوراق وتنقلها إلى مكان في مستعمرتها، ثم ينمو الفطر على قطع الأوراق كغذاء ليرقات المستعمرة.
لكن قاطعات الأوراق ليست النمل الزراعي الوحيد، فالنمل النابت للفطريات يزرع الطعام أيضا، ولكن بطريقة مختلفة، حيث يجهز مكان لنمو الفطريات ويجلب إليه البذور أو فضلات الحشرات أو الحطام الذي يجده، ويضع كل ذلك على الفطر ليساعده في النمو.
شراكة متينةبعد الارتطام، أصبحت الظروف البيئية أكثر مثالية لازدهار الفطريات وبالتالي توسع مستعمرات النمل، مما أدى إلى إنشاء شراكة تطورية أصبحت متشابكة بشكل أوثق منذ ملايين السنين وتستمر حتى يومنا هذا. تشير الدراسة إلى أن قرابة 250 نوعا مختلفا من النمل في الأميركيتين ومنطقة البحر الكاريبي تزرع الفطريات.
ينظم الباحثون هذا النمل في 4 أنظمة زراعية بناء على إستراتيجيات الزراعة الخاصة بها. ويعد النمل قاطع الأوراق من بين تلك الأنواع التي تمارس الإستراتيجية الأكثر تقدما، والمعروفة باسم الزراعة العليا.
وتحصد هذه النملة قطعا من النباتات الطازجة لتوفير الغذاء لفطرياتها، التي بدورها تزرع طعاما للنمل يسمى "جونجيليديا"، وهي عبارة عن كتل خيطية من الفطريات تزرعها أجناس عالية الألفة من النمل الذي ينمي الفطريات، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة "سميثسونيان".
يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "تيد شولتز" الباحث في علم الحشرات وأمين متحف غشائيات الأجنحة في مؤسسة سميثسونيان، في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أن الدراسة تؤكد ما اشتبه فيه العلماء من قبل، من أن النمل عرف الزراعة قبل أن يوجد الإنسان على الأرض بملايين السنين.
ويوضح الباحث أن كثيرا من أنواع النمل التي تزرع الفطريات تنقل أوراق الشجر إلى أعشاشها ثم تقوم بمضغها واستخدامها كسماد لتخصيب التربة من أجل نمو الفطر. يساعد هذا الطعام في تغذية مستعمرات معقدة من النمل قاطع الأوراق يمكن أن يصل عددها إلى الملايين.
بتحليل البيانات الجينية من مئات الأنواع من الفطريات والنمل لصياغة أشجار تطورية مفصلة، سمحت مقارنة هذه الأشجار للباحثين بإنشاء جدول زمني تطوري لزراعة النمل وتحديد متى بدأ النمل في زراعة الفطريات لأول مرة.
والشجرة التطورية هي رسم تخطيطي يمثل العلاقات التكيفية بين الكائنات الحية بناء على التركيب الجيني، يتم بناء هذه الشجرة باستخدام المعلومات الجينية مثل الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي أو حتى تسلسلات البروتينات، مما يساعد العلماء في تتبع كيفية تفرع الأنواع الحية مع الزمن.
وكشفت النتائج أن حسابات العلماء ترجح أن الأمر استغرق ما يقرب من 40 مليون عام حتى يطور النمل قدرات الزراعة العليا، إذ تتبع الفريق البحثي أصل هذه الممارسة المتقدمة إلى حوالي 27 مليون عام مضت. في ذلك الوقت، أدى المناخ البارد بسرعة إلى تغيير البيئات في جميع أنحاء العالم. وفي أميركا الجنوبية، تسببت الموائل الأكثر جفافا مثل السافانا الخشبية والأراضي العشبية في تفتيت مساحات كبيرة من الغابات الاستوائية الرطبة.
عندما أخرج النمل الفطريات من الغابات الرطبة إلى مناطق أكثر جفافا، عزل الفطريات عن أسلافها البرية، ومن ثم أصبحت الفطريات المعزولة تعتمد بشكل كامل على النمل للبقاء على قيد الحياة في الظروف القاحلة، مما مهد الطريق لنظام الزراعة العليا الذي يمارسه النمل قاطع الأوراق اليوم.
"يمكن أن تكون أحداث الانقراض كوارث ضخمة لمعظم الكائنات الحية، لكنها في الواقع يمكن أن تكون إيجابية للآخرين. في نهاية العصر الطباشيري، لم تكن الديناصورات في حالة جيدة جدا، لكن الفطريات شهدت ذروة ازدهارها" وفق شولتز، ويضيف في ختام تصريحه لـ "الجزيرة نت": "لقد قام النمل بتدجين هذه الفطريات بالطريقة نفسها التي قام بها البشر بتدجين المحاصيل. والأمر المذهل الآن هو أننا نستطيع تحديد متى قام النمل في الأصل بزراعة الفطريات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النمل فی
إقرأ أيضاً:
الطلب على الشوكولا يهدد حشرة مميزة
يقود حب البشر للشوكولا، إلى أزمة غير متوقعة، حيث قد يؤدي لنهاية خنفساء عملاقة، هي الأكبر من نوعها على وجه الأرض، ما يضر بشكل كبير بالبيئة وينعكس على المحاصيل وغيرها من حلقات الطبيعة التي تزيد الأمر سوءاً لبني البشر.
وخنفساء "غالوت"، وهي حشرة معروفة بحجمها الهائل وقشرتها قزحية اللون، كانت تزدهر في الغابات المطيرة الكثيفة، والتي تتدمر الآن لمزارع الكاكاو المترامية الأطراف، وفق "إنترستينغ إنجينيرينغ".
ويقول لوكا لويزيلي، عالم البيئة الذي لديه عقود من الخبرة في التنوع البيولوجي في غرب إفريقيا، إن 80 % من هذه الحشرة Goliathus cacicus موجودة في كوت ديفوار انخفضت بسبب تدمير الموائل، وفي الوقت نفسه، عانت Goliathus regius بنسبة 40 % في موطنها الطبيعي.
وهذه الخنفساء يمكن أن تنمو حتى 110 ملم، وتلعب دورا حاسماً في الطبيعة، وهناك 5 أنواع مختلفة، الذكور لها قرون على شكل حرف Y، والإناث بلا قرون. وتتغذى يرقاتها على نفايات النباتات وأحياناً على اللحوم، وبذلك، تساعد في تحليل المواد الميتة، ما يحسن صحة التربة ويدعم أشكال الحياة الأخرى، وتعتمد الخنافس البالغة على نسغ الأشجار في الغابات المطيرة الاستوائية، ويمكن رصدها في دول مثل سيراليون، وليبيريا، وكوت ديفوار، وغانا، ونيجيريا، والكاميرون.
ويعتبر العلماء أيضًا هذه الخنفساء العملاقة مؤشراً بيئياً جيداً، ويقولون إن انخفاض أعدادها غالبا ما يشير إلى أن النظام البيئي تحت الضغط.
ولطالما كانت غرب إفريقيا مركز صناعة الكاكاو العالمية، حيث ساهمت بأكثر من 70% من إمدادات الشوكولا في العالم، غير أنها تدمر هذه الحشرة المذهلة.
كما ساهم افتتان البشر بجمع الحشرات النادرة بشكل كبير في تضاؤل أعدادها، وبسبب ندرة هذه الخنفساء ومظهرها المميز جدا، غالباً ما يصطادها جامعو الحشرات أو يقتلونها لجمعها أو بيعها في الأسواق الدولية أو الأسواق مثل eBay، وFacebook. وبينما لا تزال أنواع أخرى من الخنافس العملاقة، بما في ذلك Goliathus goliatus، شائعة، يخشى الخبراء أن تؤدي مثل هذه الأنشطة البشرية إلى تأجيج أزمة انخفاض أعدادها عموماً.