الفجر تنشر قصة البطل محمود عبد الستار قائد معركة الدبابات الأسطورية في الثغرة وتفاصيل ملاحم الحرب والمقاومة
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
على مدار عقود من الزمن، ظل أبطال حرب أكتوبر المجيدة يروون قصصًا أسطورية عن النصر العظيم الذي حققته القوات المسلحة المصرية في مواجهة العدو الإسرائيلي واليوم نلتقي مع البطل المصري محمود عبد الستار، أحد قادة معركة الدبابات في الدفرسوار، ليكشف لنا عن أسرار تلك الملحمة التي ما زالت تُدرَّس في الأكاديميات العسكرية حول العالم هذا اللقاء يفتح نافذة على الشجاعة والتفاني، اللذين أثبتا أن الجندي المصري كان وسيظل رمزًا للصمود والإرادة الصلبة.
بداية الطريق نحو الحرب
تعود قصة محمود عبد الستار إلى مرحلة شبابه، حيث كان مفعمًا بروح الوطنية والشغف لخدمة بلاده وحصل على الثانوية العامة وقرر التقدم لاختبارات الكلية الحربية والشرطة، ونجح فيهما معًا ورغم ما كانت تشهده المنطقة العربية من توترات سياسية وحروب متكررة، اختار عبد الستار الانضمام إلى الكلية الحربية ليكون جزءًا من القوات المسلحة التي لطالما حلم بخدمتها.
يحكي عبد الستار قائلًا: "تلقينا التعليمات والتدريبات العسكرية، حتى جاء اليوم الذي تم فيه استدعاؤنا وتخريجنا قبل الموعد المحدد بسبب التوترات السياسية التي أحاطت بالبلاد وكنت جزءًا من كتيبة عبد المنعم واصل، وهي إحدى الكتائب التي لقّنت العدو الإسرائيلي درسًا قاسيًا خلال حرب الاستنزاف."
هنا، تجسدت الأهمية الاستراتيجية لأبطال الجيش المصري في الحرب، إذ لم يكن فقط التدريب العسكري هو العامل الحاسم، بل كانت الروح الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه الأرض والبلاد.
الاستعدادات القاسية التي سبقت المعركة
يشير عبد الستار إلى أن السنوات التي سبقت حرب أكتوبر كانت مليئة بالتحديات، قائلًا: "على مدار ستة أعوام، كنا نخضع لتدريبات قاسية ومستمرّة ولم نكن نحصل على إجازات سوى يوم واحد في الشهر، وكانت بقية الأيام مليئة بالمناورات والدروس العسكرية والهدف كان أن نكون مستعدين لأي لحظة، لأننا كنا ندرك أن لحظة العبور قد تأتي في أي وقت."
ويضيف: "كنا نتدرب على العبور في منطقة أبو رواش، حيث كنا نحاكي كافة التفاصيل المتعلقة بالعبور الحقيقي لقناة السويس، هذه التدريبات كانت تُعدّنا نفسيًا وجسديًا لمواجهة العدو بأفضل الطرق الممكنة."
وتوضح هذه التفاصيل كيف كانت القوات المسلحة المصرية تضع نصب أعينها الاستعداد التام لمواجهة العدو، وكيف كانت الروح الجماعية تلعب دورًا محوريًا في إعداد الجنود نفسيًا وجسديًا.
المعركة الكبرى في الدفرسوار
لم تكن معركة الدفرسوار معركة عادية، بل كانت واحدة من أكبر وأشرس معارك الدبابات في تاريخ الشرق الأوسط بعد الاستعدادات المكثفة التي استمرت سنوات، جاء اليوم المنشود ويقول عبد الستار: "تلقيت أوامر بأن أكون قائدًا لسرية دبابات مكلفة بمهاجمة منطقة الدفرسوار وعبرنا القناة بعد الضربة الجوية والمدفعية المصرية، وتقدمنا إلى الضفة الشرقية، حيث دارت معركة دبابات ضارية مع القوات الإسرائيلية."
ويواصل عبد الستار روايته عن تفاصيل هذه المعركة: "كان العدو يمتلك عددًا أكبر من الدبابات والمدرعات، لكننا لم نكن نخشى مواجهة تلك القوة وحطمنا العديد من دباباتهم، ومع ذلك، أصيبت مدرعتي في نهاية المطاف وخرجت منها مع جنودي وبدأنا نستخدم الأسلحة الخفيفة حتى نفدت ذخيرتنا واضطررنا إلى الانسحاب على الأقدام نحو القناة وسط مخاطر العدو والصحراء."
يضيف عبد الستار: "عندما كنت على الأرض بعد إصابتي، كنت أشعر بفخر لا يوصف ولقد تمكنت مع جنودي من تكبيد العدو خسائر فادحة."
الإصابة والعودة إلى القتال
تعرض عبد الستار لإصابة بالغة خلال المعركة بعد أن أصابته طلقة في قدمه، ما أدى إلى فقدانه القدرة على الحركة لكن رغم جراحه، رفض أن يتراجع أو يستسلم ويتحدث عن تلك اللحظة قائلًا: "أخرجني جنودي من الدبابة وسط النيران وجعلوا المدرعة ساترًا لي وطلبت منهم مواصلة القتال وعدم القلق بشأن حالتي، واستمروا في المهمة حتى دمروا بقية دبابات العدو."
بعد إصابته، خضع لعدة عمليات جراحية وعاد بعدها إلى الخدمة في إدارة سيادية رغم أن إصاباته تجاوزت الخمسين في المائة من جسده، إلا أنه لم يتردد في مواصلة خدمة وطنه حتى النهاية.
دور البطل في استرداد الأراضي المصرية
لم تتوقف خدمة محمود عبد الستار عند ساحة المعركة فقط، بل امتدت إلى المفاوضات التي قادت إلى استرداد الأراضي المصرية المحتلة يقول: "بعد استرداد جزء كبير من الأراضي المصرية، تم إرسالي إلى إسرائيل في مهمة استرداد الأراضي المحتلة، وكنت جزءًا من المفاوضات التي أدت إلى استعادة طابا."
كانت هذه المفاوضات جزءًا من جهود طويلة ومضنية لإعادة الأراضي المصرية كاملة، وهو ما أثبت قدرة الدولة المصرية على تحقيق انتصارات دبلوماسية جنبًا إلى جنب مع الانتصارات العسكرية.
إن قصة البطل محمود عبد الستار ليست فقط قصة ضابط واجه الموت في سبيل وطنه، لكنها أيضًا قصة رجل كانت لديه إرادة صلبة وتصميم لا يتزعزع سطّر ببطولاته وتضحياته ملحمة خالدة في تاريخ مصر، ليظل اسمه محفورًا في الذاكرة كأحد أبطال النصر العظيم في حرب أكتوبر، هذه القصة تمثل جزءًا من الإرث البطولي الذي يشكل أساسًا من أسس الهوية المصرية الحديثة والروح القتالية العالية التي تميز بها الجندي المصري في مواجهة التحديات والصعوبات وتظل هذه الروح ملهمة للأجيال الحالية والمستقبلية، وهي دليل حي على أن النصر يُصنع بالإرادة والعزيمة، مهما كانت الظروف الصعبة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أكتوبر المجيد الاكاديميات العسكرية التدريبات العسكرية الجيش المصري الجندي المصري محمود عبد الستار الأراضی المصریة جزء ا من
إقرأ أيضاً:
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (37)
تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [وَيَكْثُرُ بِظَفَارِ دَاءُ الْفِيْلِ؛ وَهُوَ وَرَمٌ وَاِنْتِفَاخٌ -عَافَانَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ- وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ تشبيهًا للرِجْلِ المُصَابَةِ بِالْوَرَمِ بِرِجْلِ الْفِيْلِ؛ وسَبَبُهُ مَوَادُّ رَطْبَةٌ. وَمِنْ عَادَاتِهِمْ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَقَاتِلَيْنِ، إَذَا أَرَادَا صُلْحًا يُحْضِرَانِ سَيْفًا مُصْلَتًا، وَشُهُوْدًا مِنَ أَعْيَانِ النَّاسِ فَيُمْسِكُ أَحَدُهُمَا طَرَفَ السَّيْفِ، وَيُمْسِكُ الْآخَرُ الطَّرَفَ الثَّانِي، وَيَقُوْلَانِ: (مَنْ خَانَ نَكَثَ فَهُوَ عَائِبٌ حَتَّى يَفْنَى التُّرَابُ، وَيَشِيْبُ الْغُرَابُ، وَيَكْتُبُونَ بِتَارِيْخِ الْحَلِفِ صَكًّا وَيُوْدُعُوْنَهُ أَعّزَّ رَجُلٍ، فَمَنْ نَقَضَ هَذَا الْحِلْفَ؛ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَهُمْ لَا يُؤَاكِلُوْنَه، وَلَا يُجَالِسُوْنَهُ، وَلَا يُبَايعُوْنَهُ. وَطَهَارَتُه عِنْدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ أَضْعَافَ مَا أَخَذَ، وَإِنْ قَتَلَ نْفْسًا؛ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدًا مِنْ أَعَزِّ أَهْلِهِ، وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ تَسْلِيْمُ دِيَّتَيْنِ. وَمِنْ جُمْلَةِ أَسْلِحَتِهِمْ الْمِغْفِيْرِ وَهُوَ عَصَا مُحَدَّدَةِ الطَّرْفَيْنِ مَبْرِيَّةٌ كَالسَّهْمِ يَحْمِلُوْنَهَا مَعَ السَّيْفِ، وَأَسْيَافُهُمْ مُصْلَتَةٌ لَا أَجْفَانَ لَهَا، وَعِنْدَهُمْ أَتْرَاسٌ مَنْ خَيْزُورٍ عَلَيْهَا غُلَافٌ مِنْ جِلْدٍ تُشْبِهُ أَتْرَاسَ بِلَادِنَا إِلَّا أَنَّهَا أَكْبَرُ حَجْمًا مِنْهَا وَإِذَا أَرَادُوْاَ مُحَادَثَةَ أَحَدٍ جَلَسُوا عَلَيْهَا فَهِيَ تُشْبِهُ الْكُرْسِيّ عِنْدَهُمْ، فَتَرَى الْأَعْرَابِيَّ مِنْهُمْ قَاعِدًا عَلَى تُرْسِهِ، والْعَصَا بِيَدِهِ مُرْتَدِيًا أَثْوَابَهُ النِّيْلِيَّةَ يُدْهِشُ النَّاظِرَ. وَلِكُلِ قَوْمٍ عَادَةٌ وَزِيٌّ وِلِبَاسٌ].
***
داء الفيل في ظَفار وأسبابُه
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَيَكْثُرُ بِظَفَارِ دَاءُ الْفِيْلِ؛ وَهُوَ وَرَمٌ وَاِنْتِفَاخٌ -عَافَانَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ- وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ تشبيهًا للرِجْلِ المُصَابَةِ بِالْوَرَمِ بِرِجْلِ الْفِيْلِ؛ وسَبَبُهُ مَوَادُّ رَطْبَةٌ].
أشار ابن بطوطة إلى (داء الفيل) في رحلته التي مرَّ فيها بإقليم (ظَفَار)؛ بقوله: "والغالب على أهلها رجالًا ونساءً المرض المعروف بداء الفيل، وهو انتفاخ القدمين. وأكثر رجالهم مُبْتَلُون بالأدر (الأدر: انتفاخ الخصيتين) والعياذ بالله"(01)، ويُشخَّص هذا المرض طِبّيًا بـ(داء الفيلاريات اللمفي Lymphatic Filariasis)، المعروف باسم داء الفيل، وهو مرضٌ مؤلمٌ ويسبب تشوهًا شديدًا. و(ينتقل داء الفيلاريات اللمفيّ إلى البشر عندما يلدغ البعوضُ المُصاب شخصًا، ويَضَع يرقات الديدان تحت جلده، ثم تسير اليرقات إلى الجِهَاز اللِّمفِي؛ حيث تنضج هناك، وتكون الديدانُ البالغة بطول 4 إلى 10 سنتيمترات، ثم تُنتج الديدان البالغة ملايين اليرقات، المسماة بـ(المكروفيلاريات)، والتي تنتشر في مجرى الدم والجهاز اللمفاويّ، ثم تنتقل العدوى عندما يلدغ البعوضُ شخصًا مصابًا، ثم يذهب ليلدغ شخصًا آخر. وينجمُ هذا المرضُ عن ثلاثة أنواع من الديدان الممسودة الشبيهة بالخيوط، وتُعرف باسم الفيلاريات، وهي: (الفُوخرِيَّة البَانْكرُوفْتِيَّة)، و(البروجِيَّةُ المَلَاوِيَّة) و(البروجِيَّةُ التِّيمورِيَّة). وتُسبِّب عدوى الفيلاريا مجموعةً متنوعة من المظاهر السريريّة، التي تشتمل على الوذمة اللمفاوية في الأطراف، والمرض التناسليّ (قِيلَة مائية)، و(قِيلَة كَيلوسِيَّة)، و(تورُّم كيس الصفن) و(انتفاخ القضيب)، مقرونة بنوبات حادة متكررة ومؤلمة للغاية ومصحوبة بحمى)(02).
الصُّلْحُ ومُعَاقَبَةُ خَائِنِ الْعَهْدِ
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَمِنْ عَادَاتِهِمْ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَقَاتِلَيْنِ، إَذَا أَرَادَا صُلْحًا يُحْضِرَانِ سَيْفًا مُصْلَتًا، وَشُهُوْدًا مِنَ أَعْيَانِ النَّاسِ فَيُمْسِكُ أَحَدُهُمَا طَرْفَ السَّيْفِ، وَيُمْسِكُ الْآخَرُ الطَّرَفَ الثَّانِي، وَيَقُوْلَانِ: (مَنْ خَانَ نَكَثَ فَهُوَ عَائِبٌ حَتَّى يَفْنَى التُّرَابُ، وَيَشِيْبُ الْغُرَابُ، وَيَكْتُبُونَ بِتَارِيْخِ الْحَلِفِ صَكًّا وَيُوْدُعُوْنَهُ أَعّزَّ رَجُلٍ، فَمَنْ نَقَضَ هَذَا الْحَلِفَ؛ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَهُمْ لَا يُؤَاكِلُوْنَه، وَلَا يُجَالِسُوْنَهُ، وَلَا يُبَايعُوْنَهُ. وَطَهَارَتُه عِنْدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ أَضْعَافَ مَا أَخَذَ].
[أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَقَاتِلَيْنِ] مُثنى وصفة مشبهة، ومعناه: (المُجادلين المتنازعين) وأحدُّهما يدّعي حقًّا على غيره، يطلبه عند الحاكم. والمفرد (خَصْم)، والجمع: (خُصُوم، خِصَام، خَصْم)، وهو مصطلح فقهيّ. ودَلَّ على معناه قول الله تعالى: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُواْ لَا تَخَفْ ۖ (خَصْمَانِ) بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍۢ فَٱحْكُم بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ}(03). [إَذَا أَرَادَا صُلْحًا] رَغِبَا الخصمان في ذَهَاب العَدَاوة، والركون إلى الصُلْح والوفاق. دَلَّ على معناه قول مهلهل بن ربيعة التغلبيّ: [ذَهَبَ الصُّلْحُ، أَوْ تَرُدُّوا كُلَيْبًا/ أَوْ تَحُلُّوا عَلَى الْحُكُوْمَةِ حَلَّا(04)]. [يُحْضِرَانِ سَيْفًا مُصْلَتًا] (السيف المُصلت): المسلول المجرّد من غِمده. دلَّ على معناه قول الشنفرى الأزديّ يصف شجاعة تأبّط شرَا الفهميّ في القتال وحمله السيوف الصَّقيلة: [تَرَاهَا أَمَامَ الْحَيّ حِيْنَ تَشَايَحُوا/ لَدَى مَنْكَبَيْهَا كُلُّ أَبْيَضَ (مُصْلَتُ)(05)] [وَشُهُوْدًا] (شُهُود، أَشْهاد، شُهَّد، شُهّاد، شَواهِد) كلها جموع للمفرد (شاهد)، ومعناه من سِّياق الكلام، الذي يؤدي الشهادة أمام القاضي. دلّ على معناه الحديث النبويّ:(كَانَتْ بَيْنِي وبيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ في بئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلى رَسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ: شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ، قُلتُ: إنَّه إذًا يَحْلِفُ ولَا يُبَالِي، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم):مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بهَا مَالًا وهو فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذلكَ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هذِه الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}، إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77](06) [مِنَ أَعْيَانِ النَّاسِ] (أَعْيان، أَعْيُن، عُيُون) جموع مفردها (عَيْن)، ومعناها من سِّياق الكلام: (أشراف الناس وساداتهم). دَلّ على معناها قول مارية بنت الدَّيان الحارثيّة: [قُلْ لِلْفَوَارِسِ لَاتَئِلْ (أَعْيَانُهُمْ)/ مِنْ شَرِّ مَا حَذِرُوا، وَمَا لَمْ يُحْذَرِ(07)]. [فَيُمْسِكُ أَحَدُهُمَا طَرَفَ السَّيْفِ، وَيُمْسِكُ الْآخَرُ الطَّرَفَ الثَّانِي]، في العبارة مشهد تصويريّ يوحي بالنديّة والمساواة بين الخصمين المتنازعين، وصورة السيف رمز للقوة والدلالة على سُلطة الحياة والموت في آنٍ واحد. و(طَرَف السيف) مُنتهاه، وجمعه: (أطراف). دلَّ على معناه من السياق بيتٌ منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ: [فَيَا عَجَبًا لِمَنْ رَبَّيْتُ طِفْلًا/ أُلَقِمُهُ بِـ(أَطْرَافِ) الْبَنَانِ(08)]. ([وَيَقُوْلَانِ: (مَنْ خَانَ نَكَثَ فَهُوَ عَائِبٌ حَتَّى يَفْنَى التُّرَابُ، وَيَشِيْبُ الْغُرَابُ)]. (خان) (غَدَرَ) وهو فعلٌ متعدٍّ. دَلَّ على معناه من سياق الكلام قول جِعال بن عبد بن ربيعة الهَمْدانيّ: [وَ(يَخُوْنَهُ) وَيَمَلُّهُ/ أَهْلُ الْبِطَانَةِ وَالدَّخَلَّهْ(09)]. [(نَكَثَ)]، فعلٌ مُتعدٍّ. و(نكث العقد وغيره) نَقَضَه بعد إحكامه. دَلَّ عليه من السياق ما نقرأه في وثيقة حِلْف خزاعة وعبد المطلب بن هاشم:(وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا أَوْكَدَ عَهْدٍ، وَأَوْثَقَ عَقْدٍ، لَا يُنْقَضُ، وَلَا يُنْكَثُ(10)). وقولهم: [عَائِبٌ] اشْتُهرت بصيغة (فاعل) ولكنها بمعنى (مفعول)، وهي مفرد وجمعه:(عُيَّب)و(عُيَّاب) أي:(المذموم المَشين). دَلَّ على معناها من السياق قول معاوية بن أبي سفيان: [يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَمَّا مَضَى/ وَعِلْمِ هَذَا الزَّمَنِ (الْعَائِبِ)(11)] [حَتَّى يَفْنَى التُّرَابُ، وَيَشِيْبُ الْغُرَابُ]؛ ففي قولهم: (يفنى التراب) تعبيرٌ عن لحوق عار نُّكْث العهد بصاحبه، وملازمته له بعد موته؛ حتى وإن تحلَّل جسده وصار تُرابا في قبره. وفي العبارة إشارة تستدعي الحديث النبويّ من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {كلُّ ابنِ آدمَ تَأْكُلُ الأرضُ إِلَّا عَجْبُ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقُ وَعَلَيِهِ يُرَكَّب}(12). أمّا قولهم: (يَشِيْبُ الْغُرَابُ) فهو تعبيرٌ منقولٌ عن المَثَلٍ العربيٍّ السائر: (لا يكونُ ذلك حتّى يشيبَ الغُراب)(13)، ومن معناه أنشد ساعدة بن جؤيّة الهُذَلي على بحرالكامل: [شَابَ الْغُرَابُ وَلَا فُؤادُكَ تَارِكٌ/ عَهْدَ الغضوبِ وَلَاعِتَابُكَ يعتب(14)]. [وَيَكْتُبُونَ بِتَارِيْخِ الْحَلِفِ صَكًّا] (يكتبون) يَخُطُّون ويرسمون بالمِدَاد وثيقَةَ المُصالحة. دَلَّ على معناه من السياق قول عنترة: [وَقَفْتُ بِهِ وَالشَّوْقُ (يَكْتُبُ) أَسْطُرًا/ بِأَقْلَامِ دَمْعِي فِي رُسُوْمِ جَنَانِي(15)]. [صَكًّا] مفردٌ والجمع (صُكُوك)، وهو لفظٌ فارسيٌّ مُعَرّب ومعناه: (الميثاق المكتوب) الذي يتعاهدُ فيه الطرفان على الإيفاء بشروط الصُّلح والإقرار بالحقوق. دَلَّ على معناه قول زيد بن ثابت الخزرجي الأنصاريّ:(هَذِهِ (الصُّكُوكُ) تَبَايَعَهَا النَّاسُ، ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوفُوهَا)(16) [وَيُوْدُعُوْنَهُ أَعّزَّ رَجُلٍ] (يُوْدُعُوْنَهُ) فعل مضارع من الماضي المُتعدّي (أودع) للدلالة على أنّه سُنَّة اجتماعية وعُرفٌ سائد، أي: (يستحفظونه أمانةً) عند رجل منهم عزيز الشأنِ ثِقَة. دلَّ على معناه الحديث النبويّ: {مَن أُودِعَ وَديعةً، فليس عليه ضَمانٌ}(17) [أَعّزَّ رَجُلٍ]، (أعزُّ) اسم تفضيل، ومعناه: رجل قويٌّ منيع رفيع القدر يهابُه الطرفان. والصفة المشبهة منه (عزيز)، والجمع منها: (أَعِزَّة، أَعِزَّاء، عِزَاز، عُزَّان). دلّ على معناها قول البسوس بنت منقذ التميمية: [وَسِرْ نَحْوَ جُرْمٍ، إِنَّ جُرْمًا (أَعِزَّةٌ)/ وَلَا تَكُ فِيْهِمْ لَاهِيًا بَيْنَ نِسْوَاتِ(18)].
المقاطعة عقاب ناكث العهد
[فَمَنْ نَقَضَ هَذَا الْحَلِفَ؛ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَهُمْ] نَقَضَ عَقْدَ الصُّلح المُبْرَم من أحد المتخاصمين: نَكَثَهُ وحَلَّ فَتْلَه. دلَّ على معناه قول عامر بن وهب المحاربيّ: [فَمَا يَسْتَطِيْعُ النَّاسُ عَقْدًا نَشُدُّه/ وَ(نَنْقُضُهُ) مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُبْرَمَا(19)] [الْحَلِفَ]، بفتح الحاء وكسر اللام، وفي لغة بعض العرب (حِلْف) بكسر الحاء وسكون اللام، مصدر وجمعه (حُلُوف)، ومعناه: القَسَمُ على الوفاء بالعهد والميثاق وعدم النُّكث فيه. دلَّ على معناه قول ذؤيب بن كعب التميميّ: [إِنِّي (حَلَفْتُ) فَلَسْتُ كَاذِبَهُ/ (حَلْفَ) الْمُلَبِّدِ شَفَّهُ النَّحْبُ(20)] [نَجِسٌ] خبيث مُدنّس، والمقصود هنا (الرِّجْس) أي: (النجاسة المعنويّة) وقد أجمع العلماء على أنّ النجاسة المعنوية ثلاثة أنواع: (أ) (نجاسة الشِّرْك)، وفيها قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(21). (ب) (نجاسة النِّفَاق)، وفيها قال الله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ}(22). (ج) (نجاسة المعاصي)، وفيها قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(23) [لَا يُؤَاكِلُوْنَه، وَلَا يُجَالِسُوْنَهُ، وَلَا يُبَايعُوْنَهُ]، أي: (يقاطعونه)؛ لِفسقه وخروجه على القواعد الثابتة ومفارقته ما تعاقدت عليه الجماعة من أعراف وتقاليد، حارسة لنظام المجتمع ومخالفته شعيرةً إسلامية وهي أمرٌ معلوم من الدِّين بالضرورة. وفيها قال ابن الجوزي -رحمه الله-: إن نقض العهد من صفات الفاسقين؛ لأنه تحقَّق فيه قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) من حديث أنس ابن مالك: (ما خَطَبَنَا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) إلَّا قالَ: لا إِيْمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِيْنَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَه)(24) [وَطَهَارَتُه عِنْدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ أَضْعَافَ مَا أَخَذَ] (يُسَلِّمَ) فعل متعدٍ بمعنى (يَدْفع). دَلَّ على معناه قول جِعال بن عبد بن ربيعة الهَمْدانيّ: [بِأَكْلُبِهَا، (سَلَّمْتُهَا) وَرُعَاِتهَا/ وَذَلِكَ مِنْ كُلٍّ بِمَرْأَى وَمَسْمَعِ(25)] [(أَضْعَافَ) مَا أَخَذَ] من مالٍ أو أرضٍ أو أنعامٍ أو سلعةٍ متداولة، حَكَمَ بها القضاة العُرْفيون. (أَضْعَافَ) جمع ومفرده (ضِعْف)، وضِعْفُ الشَّيء: ما كان مِثْلَ أصله، أو أكثر. دلَّ على معناه قول الحارث بن عُباد البَكْريّ: [فَأَصَبْنَا الَّذِي أَرَدْنَا وَ زِدْنَا فَوْقَ (أَضْعَافِ) مَا أَرَدْنَا فُضُولا(26)].
الثأر والدّيَة قديمًا في ظفار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَإِنْ قَتَلَ نْفْسًا؛ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدًا مِنْ أَعَزِّ أَهْلِهِ، وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ تَسْلِيْمُ دِيَّتَيْنِ].
[وَإِنْ قَتَلَ نْفْسًا] أي عَمْدًا مع سبق الإصرار والتّرصد، لا عن خطأ [فَطَهَارَتُهُ] خَلَاصُه، وإعفاؤه، ورفع الجُرم عنه [أَنْ يُقْتَلَ أَحَدًا مِنْ أَعَزِّ أَهْلِهِ]، وهنا إشارة إلى عادة (الأخذ بالثأر)، وهو عُرفٌ قَبَليٌّ قديمٌ وعادةٌ جاهليةٌ متوارثة؛ حيث كانوا (يزعمون أنّ روح القتيل الذي لم يُؤخذ بثأره تصير هَامَّة فتقف عند قبره وتقول: (اسقوني، اسقوني من دَمِ قاتلي؛ فإذا أُخِذَ بثأره طارت)(27)، و(كانت اليهود تزعم أن روح المقتول تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب)(28) [تَسْلِيْمُ دِيَّتَيْنِ] (دِيَّتَيْنِ) مُثنى والجمع (دِيَات)، والمفرد (دِيَة) وهَاؤُها عِوَض من فَاء الكلمة، وهي مأخوذة من (الوَدي) وهو دفعُ الدِّية. ويُقال: (وديت القتيل أديه وديًا). والأصل في (الدية) قبل الإِجماع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطًَا ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92](29). وذهب الدكتور مصطفى الزرقا إلى تقدير (الدِّية) في عصرنا الحاضر بثلاث مسالك كان أعدلها وأدقها في نظره: أن تكون الدِّية مُقَدَّرةً بما يكفي إطعام عشرة آلاف شخص يومًا واحدًا بناءً على تقدير الرسول (صلى الله عليه وسلم) عددَ المشركين في غزوة بدر؛ إذ قدَّرَ لكل مِائةٍ بَعِيرًا واحدًا، وبناءً على تخصيص عُمر(رضي الله عنه) بَعيرًا واحدًا طعامًا يوميًا لكل مائة رجل في بعض الجيوش. وقال الزرقا: ويُتخَذُ هذا مقياسا لتقدير (الدِّية) ثابتا من حيث المبدأ ومختلفًا في تقديره بالعُملات باختلاف الأزمنة والأمكنة، ففي كل بضع سنوات مثلا يُجدَّدُ التقدير بالعُملة المحليّة)(30)
الأسلحةُ التقليديّةُ في ظَفَار
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَمِنْ جُمْلَةِ أَسْلِحَتِهِمْ الْمِغْفِيْرِ وَهُوَ عَصَا مُحَدَّدَةِ الطَّرْفَيْنِ مَبْرِيَّةٌ كَالسَّهْمِ يَحْمِلُوْنَهَا مَعَ السَّيْفِ، وَأَسْيَافُهُمْ مُصْلَتَةٌ لَا أَجْفَانَ لَهَا. وَعِنْدَهُمْ أَتْرَاسٌ مَنْ خَيْزُورٍ عَلَيْهَا غُلَافٌ مِنْ جِلْدٍ تُشْبِهُ أَتْرَاسَ بِلَادِنَا إِلَّا أَنَّهَا أَكْبَرُ حَجْمًا مِنْهَا وَإِذَا أَرَادُوْاَ مُحَادَثَةَ أَحَدٍ جَلَسُوا عَلَيْهَا فَهِيَ تُشْبِهُ الْكُرْسِيّ عِنْدَهُمْ].
(عَصَا الْمِغْفِيْرِ) مشتق اسمها من (الغَفَرُ) مادة صُنْعها، وهو شجرٌ ينبُت في سُّهول ورُّبَى (ظفار واليمن وسقطرى)؛ كأَنَّه (عصافير خُضْرٌ قِيام)، وتُصنَع منه (العِصِيَ). و(المغفر) زردٌ يُنسَجُ من الدِّروع على قدر الرَّأْس ويُلْبس تَحت القلنسوة وهو مفرد وجمعه (مغافر)، والاسم يُطلق أيضًا على صمغ حُلْو يسيل من (شجر العرفط) ويُؤْكَل أَو يوضع فِي ثوب ثمَّ يُنضحُ بِالْمَاءِ فيشرب (والجمع) (مَغَافِير)(31) [وَأَسْيَافُهُمْ مُصْلَتَةٌ لَا أَجْفَانَ لَهَا] (مُصْلَتَةٌ) أي: مُشْهرة لامعة (لَا أَجْفَانَ لَهَا) (أَجْفان، أَجْفُن، جُفُون، جفانين) جموع ومفردها (جَفْن). دلَّ على معناها في السِّياق قول قَبيصة بن نُعيم الأسديّ يَعرضُ فِداءً على امرئ القيس في مقتل أبيه: [فَكَان ذَلِكَ فِدَاءً رَجَعَتْ بِهِ الْقُضُبُ إِلَى (أَجْفَانِها)(32)] [(وَعِنْدَهُمْ أَتْرَاسٌ)] (أَتْرَاسٌ، أَتْرِسَة، تِرَسة، تِرَاس، تُرُوس) جموع وفردها (تُرْس)، وهو قطعة مُحَدّبة الظهر تُحْمَل باليد لاتقاء ضربات السلاح، وتُصنع من خشبٍ أو من خَيزران، ومعناها السِّتر الواقي. دلَّ على معناها قول أبي طالب: [كُونُوا، فِدًى لَكُمْ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ/ مِنْ دُوْنِ أَحْمَدَ، عِنْدَ الرَّوْعِ أَتْرَاسَا(33)] مَنْ (خَيْزُورٍ) في بعض لغات العرب، وفي لغة قبائل أخرى (الخَيْزُرانُ)، وهو لفظٌ فارسيٌّ مَعَرَّب، مأخوذٌ من القصب البالغ الليونة، ومنشأه هِندي. دَلَّ على معناه من السياق قول أبو زبيد الطائيّ يصف أسدًا: [كَأَنَّ اِهْتِزَامَ الرَّعْدِ خَالَطَ جَوْفَهُ/ إِذَا حَنَّ فِيْهِ (الْخَيْزُرَانُ) الْمُثجَّرُ(34)] [تُشْبِهُ أَتْرَاسَ بِلَادِنَا]، ويقصد الطائيّ بكلمة (بلادنا) (مسقط وما أحاطها من ولايات عُمانيّة في الساحل والداخل) [وَإِذَا أَرَادُوْاَ مُحَادَثَةَ أَحَدٍ جَلَسُوا عَلَيْهَا] (مُحَادَثَةَ أَحَدٍ)، أي: تداولوا الكلام فيما بينهم على الطرقات وغيرها. دلَّ على معناها من سياق الكلام قول أبي بكر الصديق يخاطب يزيد بن أبي سفيان [وَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رُسُلُ عَدوّكَ فَأَكْرِمْهُمْ، وَامْنَعْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ (مُحَادَثَتِهِمْ)(35)] [جَلَسُوا عَلَيْهَا فَهِيَ تُشْبِهُ الْكُرْسِيّ] (جَلَسَ): استوى مُنتصب الظهر قاعدًا على الأرض ونحوها. دَلَّ على معناه قوله عامر بن الظَّرْب العدواني: [وَأَكْرَهُ شَيءٍ إِلَى مُهْجَتِي/ إِذَا مَا جَلَسْتُ أُرِيْدُ القِيَامَا(36)]. [فَهِيَ تُشْبِهُ الْكُرْسِيّ عِنْدَهُمْ] (الْكُرْسِيّ) مفرد والجمع (كَرَاسِيّ) وهو ما يُعْتَمَد عليه، ويُجْلَسُ فوقه من المتاع. دَلّ على معناه من السياق قول قيس بن رفاعة الواقفيّ الأوسيّ، يُفضِّلُ الحارث الغَسَّانيّ على النعمان اللخميّ: [وَكَيْفَ أُفَضِّلُهُ عَلَيْكَ -أَبَيْتَ الَّلعْنَ- فَوَاللهِ لَقَفَاكَ أَحْسَنُ مِنْ وَجْهِهِ... وَلَـ(كُرْسِيُّكَ) أَرْفَعُ مِنْ سَرِيْرِهِ(37)].
كَشْخَةُ الظَّفَاريّ المُدْهِشَة
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [فَتَرَى الْأَعْرَابِيَّ مِنْهُمْ قَاعِدًا عَلَى تُرْسِهِ، والْعَصَا بِيَدِهِ مُرْتَدِيًا أَثْوَابَهُ النِّيْلِيَّةَ يُدْهِشُ النَّاظِرَ. وَلِكُلِ قَوْمٍ عَادَةٌ وَزِيٌّ وِلِبَاسٌ].
[فَتَرَى الْأَعْرَابِيَّ مِنْهُمْ قَاعِدًا عَلَى تُرْسِهِ] (الْأَعْرَابِيَّ) اسمٌ منسوب، و(الْأَعْرَابِيَّ من الأشياء) المنسوب إلى الأعراب. وقَصَدَ به الشيخ عيسى الطائي في هذا المقام -كما هو واضح من سياق المخطوطة- قبائلَ أهل الجبل من ظَفار، ولفظة (الأعرابيّ) تُطلق في العربيّة على قاطني الجبال والصحارَى التي أثّرَتْ في أخلاقهم فتركتْ فيهم شجاعةً وحِدَّةً وحَمِيّةً. والشائع عن الذين يَتَقوَّتون من الطبيعةِ أنّهم لا يأبّهون بحياة الرَّفَاه وليونةِ العيش التي أورثتها المدن في ساكنيها. ودلَّ على معنى (الْأَعْرَابِيَّ) الحديثُ النبويّ: [شِفَاءُ عِرقِ النَّسَا، أَليةُ شَاةٍ أَعْرَابيَّةٍ تُذَابُ، ثُمَّ تُجزَّأُ ثَلاثةَ أجزاءٍ، ثمَّ يُشرَبُ عَلَى الرِّيقِ، في كُلِّ يَومٍ جزءٌ (38)] [(قَاعِدًا)]، اسم فاعل من (قَعَدَ)، و(قعد الشخص): جلس من قِيام. دلَّ على معناه قول هند بنت الخُسّ الإياديّة تصف أسوأ النساء: [التي تَقْعُدُ بِالفِنَاءِ، وَتَمْلَأُ الْإِنَاء، وَتَمْذِقُ مَا فِي السِّقَاء (39)] [عَلَى تُرْسِهِ] (عَلَى) حرف جرٍّ يفيد الالتصاق والاستعلاء. دلّ على معناه قول الله تعالى في وصف أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحِجْر:47) [والْعَصَا بِيَدِهِ مُرْتَدِيًا أَثْوَابَهُ النِّيْلِيَّةَ] (النِّيْلِيَّةَ) الزرقاء الزاهية. وهذه الأصباغ الزرقاء تُستخرَج من (نبات النّيلة) وهو من فصيلة البازلاء، المنتشر في شبه القارة الهندية والمناطق الاستوائيّة. وفي (العالم العربي، كانت (النيلة الزرقاء) مرتبطة بالحَظِّ الجيّد والنَّحس أيضًا، وكانت تُستخدم لصبغ الملابس ووَشْمِ الأجساد لدى قبائل شبه الجزيرة العربية، وبخاصة في الاحتفالات والأعراس. وقد كتبت (فريا ستارك) في قصصها عن رحلاتها في جنوب شبه الجزيرة العربية في ثلاثينيات القرن العشرين عن وجوه النساء المدهونة بالنيلةِ الزرقاء في منطقة حضرموت. وكانت النيلة تستخدم في المجتمعات العربية كدواء نظرًا لمكوناتها المُنْعِشَة المعروفة)(40)
المراجع والمصادر:
(01) تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار، محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله (ابن بطوطة) (ت ٧٧٩هـ)، الناشر: دار الشرق العربي، (د. ت)، ج1، ص: 200
(02) موقع منظمة الصحة العالمية، https:/ / www. emro. who. int/ ar/ health-topics/ filariasis/ index. html
(03) سورة ص، الآية: 22
(04) ديوان مهلهل بن ربيعة، تحقيق: أنطوان حسن القوال، بيروت، ط1، 1995م، ص: 63
(05) شعر الشنفرى الأزديّ، صنعة: محاسن الحلبي، تحقيق: خالد عبد الرؤوف الجبر، دار الينابيع، عمان، ط1، 2004م، ص: 101
(06) الراوي: عبدالله بن مسعود والأشعث بن قيس، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص: أو رقم: 2515، خلاصة حكم المحدث: صحيح، أخرجه مسلم (138) باختلاف يسير.
(07) شعراء مَذْحِج أخبارهم وأشعارهم في الجاهلية،
(08) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 200م، ص: 86
(09) شعر هَمْدان وأخبارها في الجاهلية، جمع وتحقيق: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 244
(10) أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذريَ (ت، 279هـ)، ج1، تحقيق: محمد حميد الله، معهد المخطوطات، دار المعارف، القاهرة، 1959م، 72/ 1
(11) البيان والتبيين، الجاحظ (ت، 255هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مطبعة المدنيّ، ط7، 1998م، 54/ 1
(12) شرح مشكل الآثار، أبو جعفر الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط [ت ١٤٣٨ هـ]، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط1، 1415هـ ج6، ص: 58، رقم الحديث: 2288
(13) المستقصى ٢/ ٥٩، وفصل المقال ٤٧٤، ٤٨٢، وجمهرة الأمثال ١/ ٣٦٣
(14) شرح أشعار الهذليين ١٠٩٨، واللسان والتاج (شيب، عتب، غضب) ، والعين ٤/ ٤١٣
(15) شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي (ت، 502هـ)، وضع هوامشه وفهارسه: مجيد طراد، دار الكتاب العربيّ، بيروت، ط1، 1992م، ص: 198
(16) الموطأ، مالك بن أنس الأصبحيّ الحميريّ (ت، 179هـ)، خرَّج أحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1985م، 641/ 2، رقم الحديث: 44
(17) الراوي: جد عمرو بن شعيب، المُحَدِّث: الرباعي، المصدر: فتح الغفار، ص أو رقم: 1273/ 3، خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف.
(18) شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمع وترتيب: بشير يموت، المكتبة الأهلية، المطبعة الوطنيّة، بيروت، ط1، 1934م، ص: 36
(19) المفضليات، المفضَّل الضبيّ (ت، 178هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط6، د. 321
(20) أمثال العرب، المفضَّل الضبيّ (ت، 178هـ)، قدّم له وعلّق عليه: إحسان عباس، دار الرائد العربيّ، بيروت، ط2، 1983م، ص: 80
(21) سورة التوبة، الآية: 28
(22) سورة التوبة، الآية: 95
(23) سورة الحج، الآية:30
(24) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: المنذري، المصدر: الترغيب والترهيب، ص أو رقم: 4/ 77، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما، أخرجه أحمد (12567)، والبزار (7196)، وأبو يعلى (2863)
(25) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 243
(26) ديوان الحارث بن عُباد، جمع وتحقيق: أنس عبد الهادي أبوهلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ط1، 2008م، 217-218
(27) منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 21)
(28) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (10/ 241)
(29) فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام، شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي الخزرجي (ت ٩٢٥ هـ) تحقيق: الشيخ علي محمد معوض، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود قدم له، قرظه: عبد الفتاح أبو سنة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط، ١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م، ص: 590
(30) الدية والعاقلة دراسة مقارنة بالقوانين الوضعية، إيمان يونس بطيخ عبد اللطيف، مجلة الدراسات الإسلامية والبحوث الأكاديمية، العدد 87، ص: 457
(31) المعجم الوسيط، ج2، ص: 156
(32) الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني (ت، 356هـ)، تحقيق: إحسان عباس وآخرين، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م، 77/ 9
(33) ديوان أبي طالب بن عبد المطلب، صنعة: أبي هفَّان المهزميّ (ت،257هـ)، علي بن حمزة البصريّ(ت،375هـ)، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2000م، ص: 246
(34) شعر أبو زبيد الطائيّ، جمع وتحقيق: نور حمودي القيسي، المجمع العلمي العراقيّ، مطبعة المعارف، بغداد، 1967م، ص:60
(35) جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1934م، 198/ 1
(36) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 191
(37) الأمالي، أبو علي القالي (ت، 356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعيّ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1976م، 307/ 1
(38) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: البوصيري، المصدر: مصباح الزجاجة، ص أو رقم: 4/ 60، خلاصة حكم المُحَدِّث: إسناده صحيح ورجاله ثقات، أخرجه ابن ماجه (3463) بلفظه، وأحمد (13295)، والبزار (6798)، والحاكم (7459) جميعا بنحوه.
(39) الأمالي، أبو علي القالي، 285/ 2
(40) تجارة النيلة بالخليج في القرن التاسع عشر، د. مارك هوبز، مكتبة قطر الرقمية، ومصادره: لندن، المكتبة البريطانية، '"المجلدات: (١٧٨/ 182/ 195) ١٨٥٢/ ١٨٥٣/ 1855، ساحل شبه الجزيرة العربية.
رابط مختصر