ثمة عناصر أربعة في قراءتنا لأبعاد ورسائل عملية اغتيال أمين عام حزب الله وسوف نتناولها عنصرا بعد عنصر في السطور التالية:

1- تمكن الكيان الصهيوني ونجاح جهازه الاستخباراتي في الرصد والتتبع والوصول إلى شخصية هامة بحجم حسن نصر الله، بعد النجاح في الوصول إلى بعض الشخصيات القيادية الهامة في الحزب مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل ومؤخرا علي كركي.

. إلخ، لا يعني بالضرورة انتصار الاحتلال وتحقيقه لأهدافه المعلنة في صراعه مع الحزب. وللتفصيل في هذه الجزئية نحتاج إلى بيان التالي:

- إسرائيل لم تقم بتلك العملية الهامة في الوصول إلى الأمين العام وحدها، بل تم ذلك بمشاركة أجهزة استخبارات غربية وغير غربية! تلك الأجهزة التي قدمت المساعدة للكيان من خلال تواجدها في بيروت وانطلاقاتها من مقراتها الدبلوماسية (السفارات) تحت مسميات مختلفة! وقيامها بالإمداد اللوجيستي والمعلوماتي للموساد، فيما يشبه غرفة العمليات المنعقدة لخدمة دولة الاحتلال..

- عدم صحة قياس طبوغرافيا قطاع غزة على الأراضي اللبنانية، وهنا نشير إلى أن مأساة الحصار المضروب على غزة كان له وجهه الحسن في السيطرة على كامل القطاع ونجاح الأجهزة المعنية في مسح كل شبر في غزة وقيامها بقطع دابر الجواسيس التي لم يعد لها مكان في تلك المحرقة! وهنا نتذكر الدور الكبير لرئيس المكتب السياسي الحالي يحيى السنوار، الذي ترأس ساعتها الخلية المعنية باصطياد الجواسيس! والأمر يختلف في لبنان البلد المفتوح على مصراعيه، علاوة على التركيبة المتباينة للشعب اللبناني وتعدد طوائفه، بخلاف وحدة سكان غزة..

2- النجاح الاستخباراتي للكيان الصهيوني لا يعدو كونه عملية قتل يمكن أن تقوم بها أي من عصابات المافيا التي تحترف مثل تلك الأعمال، كما حدث في روسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأشهرها كولومبيا، وإن تلك العمليات لا تمت إلى الحروب بصلة ولا علاقة لها بالأهداف المعلنة لدولة الاحتلال، وهي كالتالي:

أ- قطع الارتباط والإسناد من حزب الله عن قطاع، غزة وإنهاء ما يعرف بوحدة الساحات بين فصائل المقاومة بالمنطقة العربية..

ب- إعادة المستوطنين اليهود المهجّرين إلى مستوطناتهم وكيبوتساتهم في جنوب الأرض المحتلة بمحاذاة الجنوب اللبناني..

ج- إعادة حزب الله وإرجاعه قسرا من الحدود مع الأرض المحتلة إلى الخلف لمسافة 10 كيلومترات، أي خلف نهر الليطاني..

وبالتالي، فحالة النشوة التي طفحت على قادة الاحتلال ليست إلا جرعة تخدير للشارع الإسرائيلي، الذي لن يلبث أن يعود للانفجار كما كان وأكثر حينما سيفاجأ بضراوة ردود الأفعال القادمة من محاور المقاومة بخلاف الرد الإيراني -وقع بالفعل- مع رفع سقف الانتقام لدى حزب الله والحوثي في اليمن خاصة بعد تعرضه للاعتداءات الأخيرة، إضافة إلى مشاركة "المقاومة الإسلامية" في العراق بمسيراتها الهجومية. لاحظ أنني لم أتكلم عن الأسرى الإسرائيليين في أيدي المقاومة الفلسطينية؛ ممن طفح الكيل بأسرهم من تراخي ومراوغة حكومة نتانياهو في عقد صفقات تبادل للإفراج عن ذويهم في قبضة المقاومة الفلسطينية..

3- الموقف الإيراني قبل الضربة الأخيرة والمرونة لدى صُنّاع القرار في إيران إزاء الأحداث الأخيرة، حرصا من إيران على تحقيق مصالحها ومآربها في إكمال برنامجها النووي وإعادتها إلى الساحة الدولية وإنهاء الحصار المضروب عليها ورفع الحظر عن أرصدتها لدى البنوك الدولية وعودة صادراتها إلى الأسواق الخارجية.. إلخ، أصابها بالتراخي والتبلد حتى في حالات الاعتداء عليها وعلى هيبتها وكرامتها؛ بدءا باغتيال شخصية كبيرة مثل إسماعيل هنية داخل أراضيها، وانتهاء بقتل رجلها القوي؛ الأمين العام لحزب الله..

هذه المرونة والبطء في رد فعل طهران قد وضعها على المحك أمام حلفائها وأذرعها، بل ونال من احترامها وتقديرها أمام عمقها في العالم الإسلامي، بل وكاد أن يهدم كل ما بنته من سمعة في الارتباط بالقدس وبالنصرة لحركات المقاومة، فكان لا بد من الضربة الأخيرة -حتمية الفعل- بالصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة (كروز) والمسيرات الموجهة..

4- اغتيال حسن نصر الله وقبله عدد من أهم قيادات الحزب وضع حدا لبعض السخافات التي يرددها البعض باتهام الحزب بالخيانة والعمالة، وفي الإنكار على قادة المقاومة الفلسطينية بالشراكة الاستراتيجية مع الحزب، ربما للخلفية العقائدية للحزب، وربما لدور الحزب في مساندة النظام السوري.

ولست أدري ردة فعل هؤلاء بعد التطورات الأخيرة من قصف الضاحية الجنوبية وعمليات الاغتيال التي طالت رؤوس الحزب عقابا لهم على الخيار الاستراتيجي في تبني المساندة والدعم للمقاومة في غزة، ربما يراجعون أنفسهم ويعترفون بخطأ تشنجهم وتناولهم الأمور الاستراتيجية والعلاقات الدولية بعقلية العقائد والأيديولوجيات!

ولو صدقوا، فلماذا لم يعلنوا براءتهم من السكوت والصمت الذي أصابهم -صمت القبور- على التحالفات التي أبرمتها حكوماتهم مع الكيان الصهيوني ومع دول تدين بالوثنية الصريحة والتي غالبا ما تضررت منها دول وطوائف مسلمة، وليس بعيدا عنا ما جرى من تحالفات وعلاقات حميمية بين دول خليجية وبين الهند والصين مع ما تفعله الأولى في كشمير المسلمة وتقوم به الثانية من جرائم في حق سكان تركستان الشرقية أو مسلمي طائفة الإيجور.. فلماذا الكيل بمكيالين إذا؟!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله حسن نصر الله الاحتلال غزة المقاومة الإيراني الفلسطينية إيران فلسطين غزة حزب الله الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله

إقرأ أيضاً:

أبرز الأدوار التي لعبتها دول الطوق منذ طوفان الأقصى.. هل طوقت الاحتلال أم المقاومة؟

عام على اندلاع معركة طوفان الأقصى الذي دعا فيه رئيس هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف الأمة العربية والإسلامية والجبهات المحيطة لكنس الاحتلال، ودعا فيه الشعوب العربية والإسلامية للزحف نحو فلسطين.

في المقابل لم تكن الصورة على الأرض كما تمناها ودعا إليها الضيف، كما لم تلعب الدول العربية خصوصا دول الطوق دورا في المعركة ولا حتى دورا في إيقافها.

ودول الطوق العربي هو مصطلح أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في ستينيات القرن العشرين على الدول العربية التي تحيط بفلسطين المحتلة وهي كل من لبنان وسوريا والأردن و مصر.



التقرير التالي يوضح مواقف الدول الطوق: الأردن ومصر ولبنان وسوريا من معركة طوفان الأقصى خلال الاثني عشر شهرا الماضية.

الأردن: اشتباك سياسي وتعاون اقتصادي
يملك الأردن أطول حدود مع فلسطين المحتلة، حيث يجاورها من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها، كما أن العلاقات بين الأردن وفلسطين علاقات متداخلة جدا؛ تاريخيا وجغرافيا وديمغرافيا، حيث أصول العشائر الأردنية والفلسطينية واحد، ناهيك عن وجود نسبة كبيرة من الأردنيين من أصل فلسطيني، اكتسبوا هذه الجنسية من خلال وحدة الضفتين التي وقعت عام 1950 وانتهت رسميا عام 1988.

تفاجأ الأردن في الهجوم الذي أطلقته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وندد في البداية بقتل وأسر المدنيين الإسرائيليين، لكن الموقف بدأ يتغير مع بدء العدوان الإسرائيلي الواسع على القطاع وسقوط المزيد من الضحايا.

في المقابل كان الموقف الشعبي متقدما على الموقف الرسمي، حيث انطلقت المظاهرات المساندة لمعركة طوفان الأقصى بعد ساعات من اندلاعها، وشهدت عدة مدن أردنية خصوصا العاصمة تظاهرات حاشدة، فيما كانت هناك دعوات للتوجه للحدود.



بعد مجزرة مستشفى المعمداني في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، اتجه الموقف الأردني نحو التصعيد السياسي، وفي الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر أعلنت عمّان استدعاء سفيرها من تل أبيب، وطلبت من تل أبيب عدم إعادة السفير الإسرائيلي الذي غادر المملكة سابقا.


أصبح موقف الأردن أكثر وضوحا، فهو يندد بالهجوم الإسرائيلي على القطاع، ويطالب بوقف العدوان وإيصال المساعدات، ويحذر من تفاقم الأوضاع واندلاع حرب شاملة.

وبعد حرب التجويع التي فرضها الاحتلال على شمال قطاع غزة، بادر الأردن بإنزال المساعدات الغذائية عبر الجو، وهي المبادرة التي تبعتها فيها دول كثيرة، كما دخلت مئات الشاحنات من المساعدات عن طريق الأردن إلى شمال القطاع.

وكان واضحا الاهتمام الأردني بالحرب على قطاع غزة على أعلى المستويات، حيث اقتصر الجهد الدبلوماسي للملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي طيلة الفترة الماضية على الوضع في غزة.

وكان الموقف الأردني حازما تجاه مسألة تهجير أهالي قطاع غزة معلنا أن ذلك خطا أحمر، وتجاه مسألة تواجد قوات أردنية أو عربية في القطاع، معلنا رفضه لتلك التوجهات على لسان وزير الخارجية في حزيران/ يونيو الماضي التي قال فيها: "لن ننظف وراء نتنياهو ولن نرسل قوات إلى قطاع غزة لتكون بديلا عن قوات الاحتلال الإسرائيلي".

في المقابل فقد ظل الموقف الأردني من حركة حماس على ما هو، حيث لم يجر أي اتصال سياسي مع الحركة، كما كان الموقف الأمني حازما تجاه أي محاولات لدعم المقاومة الفلسطينية وإيصال السلاح إليها. ويشار هنا إلى محاكمة عدد من الشباب في محكمة أمن الدولة بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية".

كما أشارت تقارير عبرية إلى أن التعاون الأمني بين الأردن والاحتلال لم يتأثر طيلة تلك الفترة، كما أن الجيش الأردني ظل حريصا على استقرار وهدوء الحدود.

ورغم تساهل السلطات مع التظاهرات الشعبية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، فإنها كانت تمنع، وأحيانا باستخدام القوة والعنف، التوجه إلى الحدود، والوصول إلى السفارة الإسرائيلية وسط العاصمة.

وبحسب مراقبين فإن الموقف الأردني الذي اتسم بالاشتباك السياسي المتصاعد مع حكومة نتنياهو، لم يذهب بعيدا في الإجراءات الفعلية على الأرض، واكتفى باستدعاء سفيره من تل أبيب، لكنه لم يقطع العلاقات مع "إسرائيل" ويطرد سفيرها كما فعلت دول في أمريكا اللاتينية.

كما أن عمّان، وبحسب مراقبين، سهلت وصول البضائع لـ"إسرائيل" عبر "جسر بري" يبدأ بالإمارات مرورا بالسعودية، وظلت حدودها مفتوحة، بعد أن أثرت ضربات الحوثيين باليمن على عمليات النقل البحري للاحتلال عبر البحر الأحمر.


كما سهلت تصدير الخضار والفواكه إلى الاحتلال، الذي كان يعاني شحا كبيرا فيها جراء توقف الزراعة في شمال فلسطين المحتلة نتيجة ضربات حزب الله، وتوقف التصدير من تركيا.

ورغم نفي السلطات الأردنية لوجود ذلك الجسر، إلا أن تقارير مصورة كثيرة وشهود عيان أثبتت وجوده، فيما منعت السلطات بالقوة اقتراب محتجين من الوصول إلى المعبر ومحاولة عرقلة الشاحنات المحملة بالبضائع من الدخول.



مصر: معبر رفح يكشف مواقف النظام
في مداخلة له في صالون هزاع الثقافي، في كانون الأول/ ديسمبر، أكد اللواء ممدوح الإمام مساعد مدير المخابرات الحربية المصري السابق أن مصر لن تتعاطف سياسيا أبدا مع ما يجري في غزة، وإنما ستتعاطف إنسانيا فقط.

ويبدو أن الموقف المصري تجاه ما يجري في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يعكس تلك السياسة التي عبر عنها الإمام.

وبحسب مراقبين فقد عبرت مصر عن مواقف مختلفة وأحيانا متناقضة تجاه الأحداث في غزة، ففي حين أدانت العدوان الإسرائيلي وأدانت تجويع الفلسطينيين إلا أنها لم تفعل الكثير إزاء ذلك خصوصا وأنها تسيطر على معبر رفح.

بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك حين استغلت مأساة أهالي غزة الذين كانوا يضطرون إلى المغادرة، حيث عملت شركة يملكها رجل أعمال مقرب من السلطات المصرية على تأمين الخروج مقابل رسوم مالية باهظة.

وبحسب تقارير فقد دخلت خزينة شركة هلا حوالي 185 مليون دولار منذ بدء العدوان على غزة وحتى آذار/ مارس الماضي من خلال عبور 37 ألف فلسطيني لمعبر رفح.

ورغم إصرار الجانب المصري أن المعبر مفتوح من الجانب المصري إلا أن صور تكدس مئات شاحنات المساعدات على معبر رفح من الجانب المصري شاهدة على الموقف الرسمي من المعبر، حيث يرى أنه لا بد من التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لضمان أمان المساعدات.



واقتصر الدور المصري على استقبال الوفود الأجنبية والمشاركة في الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة، ووقف إطلاق النار.

وظلت العلاقة بين مصر وحركة حماس والمقاومة الفلسطينية على ما هي عليه خلال معركة طوفان الأقصى، حيث ظلت مجرد ملف أمني، كما كان للإجراءات السابقة بتهجير أهالي رفح المصرية وإنشاء عازل دورا في تقليص قدرة أهالي سيناء على مساعدة أشقائهم على الجانب الفلسطيني في القطاع، خصوصا وأن بعض العشائر مقسومة قسمين أحد أفرعها في مصر والآخر في غزة.


وزاد الجيش المصري من رقابته على الحدود لمنع أي تسلل أو تهريب للسلاح لداخل القطاع، وكذلك لمنع أي هجرة جماعية للفلسطينيين تجاه سيناء.

ورغم سقوط شهداء من الجيش المصري جراء عمليات جيش الاحتلال في منطقة رفح من بينهم الجندي عبدالله رمضان عشرى، إلا أن سياسة ضبط النفس ظلت هي السائدة في الجانب المصري.



ومع احتلال القوات الإسرائيلية لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا العازل بين مصر والقطاع بالكامل، انتقلت مصر إلى الداعين لانسحاب الاحتلال من هناك دون اتخاذ أي إجراءات عقابية برغم أن ذلك يعد خرقا لاتفاقية كامب ديفيد، بحسب مراقبين.

داخليا عملت السلطات المصرية على منع أي مظاهر للتعاطف والتضامن مع المقاومة الفلسطينية، وكان لافتا خلو مصر من أي تظاهرات تضامنية مع غزة طيلة الفترة الماضية، كما كان لافتا الهجوم الإعلامي بين فترة وأخرى من إعلاميين محسوبين على النظام المصري على المقاومة وحركة حماس، وذلك بالتزامن مع أي دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمصر لفتح معبر رفح لإدخال المساعدات.

سوريا: موقف بارد غامض
تفاعل النظام السوري بفتور مع الحرب في غزة؛ حيث اكتفى بعد عملية "طوفان الأقصى" بإصدار بيان، ربط فيه بين عملية "طوفان الأقصى" وحرب تشرين.

توقع كثيرون أن تكون الساحة السورية خصوصا القريبة من الجولان المحتل هي الساحة الأكثر تفاعلا مع معركة طوفان الأقصى، نظرا لقربها من المواقع الإسرائيلية ووجود الفصائل المقربة من إيران وحزب الله وكذلك بعض الفصائل الفلسطينية المدعومة من النظام السوري هناك.

إلا أن الواقع يشير إلى أن تلك الجبهة هي الأضعف إذا ما قورنت بجبهة جنوب لبنان واليمن وحتى العراق.

و بحسب تقرير لمركز جسور للدراسات (مقرب من المعارضة السورية)، فقد انتهج النظام سياسة التجاهُل على المستوى السياسي؛ حيث لم يَقُمْ بشار الأسد منذ ذلك الحين بأي ظهور إعلامي، وينطبق الأمر ذاته على وزير الخارجية، الذي لم يُجرِ سوى عدّة تصريحات ولقاءات منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر،

وبحسب التقرير فإنه على المستوى الإعلامي، اكتفى النظام بتغطية الحرب، والتركيز على ما تقوم به إسرائيل من فظائع هناك، مع تجاهُل تامّ لحركة حماس، التي تتصدّر المشهد السياسي الفلسطيني خلال الحرب بشكل مطلق، في هذا السياق يُلاحظ غياب اسم "حماس" في وكالة "سانا" للأنباء الرسمية منذ أعوام.


لكن التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام التابعة للنظام السوري تُميز بين حماس وكتائب القسام، حيث يتم ذكر اسم الكتائب، عبر وصفها بـ "كتائب القسام في المقاومة الفلسطينية" -مع أن "سانا" تتجنب ذكر الاسم ما أمكن- حيث لم يذكر منذ بداية كانون الثاني/ يناير 2024 -وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير- سوى مرة واحدة. وهو ما ينسجم مع موقف النظام الذي اعتمده منذ سنوات، والذي يقوم على التمييز بين ما يصفه بـ "الجناح المقاوم" و"الجناح الإخواني" في حركة حماس.

على المستوى الداخلي عمل النظام منذ بداية الحرب على فرض رقابة أمنية شديدة على المخيمات الفلسطينية لمنع خروج المظاهرات الرافضة للحرب، كما لم تشهد المدن السورية أي مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، والتي اعتاد النظام على تنظيمها في مثل هذه المناسبات.

عملياً يتعلّق موقف النظام من حرب غزة أساساً بالموقف من حماس، فالنظام لا يملك أصلاً القدرة على القيام بأي عمل عدائي من الناحية العسكرية تجاه "إسرائيل"، ولا حتى على وَقْف الأعمال العدائية الإسرائيلية على أراضيه، كما أنه لم يَقُمْ حتى باستخدام الهوامش المتسامَح فيها دولياً، والتي استخدمها كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، من السماح بالمظاهرات.

وبحسب الباحث في الشؤون الإيرانية محمود البازي في مقال له في "الجزيرة نت"، فإن موقف سوريا من طوفان الأقصى والذي يميل إلى السكون، يشكِّل امتدادًا لمفاوضاتها غير المباشرة مع "إسرائيل" من خلال الوساطة التركية، في أيار/ أيار 2008، ورغبتها آنذاك في استرجاع الجولان دون الخوض في مواجهات عسكرية. ومع تطور الظروف، يبدو صمت سوريا الحالي بمنزلة مقدمة إستراتيجية لموقف جديد، يأخذ بالاعتبار التفاوض مستقبلًا مع "إسرائيل".

لبنان: معادلة داخلية معقدة
برغم المعادلة الداخلية المعقدة، إلا أن لبنان كان الساحة الأكثر اشتباكا مع معركة طوفان الأقصى، حيث بدأ حزب الله بعد يوم واحد فقط من انطلاق المعركة في إطلاق القذائف الصاروخية تجاه مواقع إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية.

وقال حزب الله في بيان بأنّه "تضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر، قامت مجموعات الشهيد القائد عماد مغنية في المقاومة الإسلامية صباحاً بالهجوم على ثلاثة مواقع، هي موقع الرادار وزبدين ورويسات العلم، بأعداد كبيرة من القذائف المدفعية والصواريخ الموجّهة"، مدشنا بذلك ما قال إنه معركة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة.



لكن موقف حزب الله لا يظهر الصورة كاملة في لبنان، فبحسب الكاتب اللبناني قاسم قصير في مجلة "الأمان" فإنه "في حين تجمع معظم الأطراف اللبنانية على دعم الشعب الفلسطيني وإدانة المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق هذا الشعب، فإن بعض الأطراف وخصوصا حزب الله والجماعة الإسلامية وبعض الأطراف الوطنية تدعو للانخراط في هذه المعركة دفاعا عن لبنان وفلسطين مهما كانت التضحيات، وهناك أطراف أخرى تؤيد دعم المقاومة لكنها تحذر من تداعيات ذلك وخاصة الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، في حين أن أطرافا أخرى ( القوات اللبنانية والكتائب وقوى المعارضة) تحذر من جر لبنان إلى معركة كبرى وتدعو لتحييد لبنان عن الصراع".

ولم تقتصر جبهة إسناد جنوب لبنان على حزب الله فقد شاركت الجماعة الإسلامية اللبنانية وكذلك كتائب القسام في لبنان في المعركة، وبالطبع ما كان هذا ليكون لولا الضوء الأخضر من حزب الله.


ومع رفض الاحتلال ربط ما يجري بغزة بما يجري بلبنان، فقد صعد من عدوانه تجاه حزب الله في محاولة لفك الارتباط بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، ما أدى إلى اتساع المواجهة في المنطقة وصلت حد تنفيذ عمليات عدوانية واسعة ضد حزب الله فيما يعرف بتفجير أجهزة اتصال "البيجر" التي راح ضحيتها شهداء وآلاف الجرحى، وكذلك اغتيال قادة وحدة الرضوان عبر غارة عنيفة على عمارات سكنية في ضاحية بيروت أسفرت عن استشهاد أكثر من 50 شخصا بينهم نساء وأطفال، واغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ما حدا بحزب الله لتوسيع نطاق هجماته لتصل مدينة حيفا المحتلة، وفتح ما وصفه بمعركة "الحساب المفتوح".



مقالات مشابهة

  • أبرز الأدوار التي لعبتها دول الطوق منذ طوفان الأقصى.. هل طوقت الاحتلال أم المقاومة؟
  • أحمد لاشين: اغتيال نصر الله أثر على صورة إيران كداعم لمحور المقاومة
  • أستاذ دراسات إيرانية: طهران تكبدت خسائر كبيرة بعد اغتيال نصر الله
  • اسرائيل تتأكد من اغتيال هاشم صفي الدين.. وهؤلاء كانوا برفقته في مقر مخابرات الحزب
  • الساعات الأخيرة قبيل اغتيال نصرالله.. اتفاق وقف اطلاق النار كان جاهزا ولكن!
  • حشود جماهيرية في 73 ساحة بالحديدة دعما للمقاومة في غزة ولبنان
  • خامنئي: إسرائيل لن تنتصر أبدا على حماس وحزب الله ولا تراجع للمقاومة مهما اغتالوا من رجالاتها
  • أسرار تكشف للمرة الأُولى .. الوحدة 504 التي لعبت دورًا أساسيًا في اغتيال نصر الله
  • الدويري: رمزية مزدوجة ورسائل محلية وإقليمية بكمين القسام الجديد