الضربة الإسرائيلية.. ما بين حتمية الرد وواقعية الهدف
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
جغرافيا الصراع.. كيف تُشكل النظام الدولي اليوم؟
بلغ اليوم عامًا على بدء معركة "طوفان الأقصى" في ظل عالم متغير مليء بالتوترات الجيوسياسية، حيث تفاقمت حدة الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران ضمن معركة متعددة الجبهات، إلا انه تظل العلاقة بين إسرائيل وإيران واحدة من أكثر التفاعلات تعقيدًا، لكن تصاعد التوترات الحالية قد يؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة، خاصة مع بروز معالم مقاربة جديدة لإدارة الصراعات الدولية والإقليمية الحالية.
تتباين استراتيجية إسرائيل في جبهات صراعها داخل الإقليم؛ حيث تنتهج إسرائيل إزاء حزب الله استراتيجية شبيهة بما يطلق عليها (خطة ثعبان أناكوندا) التي تم وضعها من قبل الجنرال وينفيلد سكوت في الحرب الأهلية الأميركية عام 1861، والتي تم استخدامها لمحاصرة ولايات الجنوب حينها لتطويقها كونها تتضمن حصاراً للموانئ الرئيسية وتطويقها لإضعاف الاقتصاد وإشاعة الانقسام.
أما عن خطتها العسكرية تجاه إيران، فقد تتمحور حول استراتيجية (ثعبان الكُبرى) التي تستهدف القضاء علي العدو بشكل استباقي ومفاجئ وسريع وقوي في أهم مصادر القوة لديه سواء السياسية أو الاقتصادية أو المدنية.
لذلك، فهناك تكهنات متنامية لدي الأوساط الاكاديمية والبحثية بشأن حتمية الضربة الإسرائيلية رداً علي هجمات إيران الصاروخية مطلع الأسبوع المنقض تحديدا في 30 سبتمبر 2024، وبالتالي فالضربة الإسرائيلية إزاء إيران حتمية لا محال، ولكن تختلف هنا القراءات حول ترقب آلية الرد المتوقع من قبل القوات الإسرائيلية لتحقيق أهدافها التكتيكية وذلك خلال إسباقية الأهداف ومنهج تحليل الكلفة والتأثير.
إذن يركز المقال علي الإجابة عن تساؤلين مفصلين بشأن التوقيت المتوقع وأيضا طبيعة الهدف، فمن المتوقع أن يتم الرد خلال الساعات المقبلة وذلك في ظل بروز 3 مؤشرات، يتمثل الأول في وصول قائد القيادة الوسطي في الجيش الأمريكي مايكل كوريلا إلي إسرائيل لبحث الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني أما المؤشر الثاني يتبلور في بدء تعليق العديد من الرحلات فى مطار بن غوريون بداية من السبت 5 أكتوبر 2024 ، وذلك إلي جانب الإشارات القوية في الاعلام الإسرائيلي بشأن التأهب للرد علي الضربات الإيرانية من خلال استهداف واسع المدي
ومن ثم، ما هي خيارات إسرائيل الحالية للرد على الضربات الإيرانية؟
تتعدد السيناريوهات المحتملة التي قد تتبناها إسرائيل في ردها على الهجوم الإيراني الصاروخي بحيث يتوقع (5) سيناريوهات أساسية:
السيناريو الأول، يتمثل في عمليات تخريبية في الداخل الإيراني خلال ضربات نيرانية مكثفة علي مراكز القيادة والسيطرة والاتصال، وتبدو ايران مستعدة لهذا النوع من العمليات حيث أعلنت عن حدوث اشتباكات في جنوب شرق ايران وقتل 3 ينتمون إلي جيش العدل المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة.
السيناريو الثاني هو تنفيذ ضربات جوية استباقية تستهدف المواقع العسكرية والمدن الصاروخية الإيرانية ، وهو سيناريو غير مرجح بسبب انتشار المدن الصاروخية في انحاء إيران.
السيناريو الثالث ، استهداف القيادات العسكرية والسياسية بعمليات نوعية وتتحسب السلطات الديرانية لهذا السيناريو، وهو ما ظهر جليًا عند توجه الرئيس الايراني إلي القطر، برز 3 مقاتلات عسكرية وبرصد العمليات الإسرائيلية في ايران ومناطق نفوذها لإيران واذرعها في المنطقة، وبمراجعة السوابق التاريخية لسلسة الاغتيالات الإسرائيلية يتبين انه في فبراير 2008 تمكنت اسرائيل من اغتيال عماد مغني في دمشق وهو المؤسس الفعلي للجناح العسكري لحزب الله وهو من ابرز ازرع ايران ، وفي يناير ٢٠١٠ قتل مسعود محمدي اكاديمي متخصص في الفيزياء النووي، فضلا عن ذلك ، ففي نوفمبر ٢٠١١ تم اغتيال ما لا يقل عن ٣٦ بينهم حسن طهراني نتيجة انفجار بمستودع ذخيرة تابع للحرس الثوري ، وفي مايو ٢٠١٢ نفذت اسرائيل عملية قرصنة موسعة استهدفت جرائها برنامج ايران النووي. وقد توقفت حينها سلسلة الاغتيالات المشار اليها علي هامش المفاوضات الجارية وقتئذن بين ايران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي.
السيناريو الرابع، وهو السيناريو الأصعب والمتعلق باستهداف المنشآت الحيوية النووية الإيرانية، لعل من المفيد في هذا الاطار استعراض المنشآت الإيرانية النووية والتي تشتمل علي 4 أقسام، الأول مراكز الأبحاث المتضمن جابر بن حيان، جورغان، درمند للفيزياء، ثانيا، مواقع التخصيب الذي يتضمن رامانده ، نطنز، اردكان، لشكر آباد، في حين أن القسم الثالث هو مفاعلات نووية رئيسة علي غرار، بوشهر، أصفهان، أراك فوردو، اما القسم الأخير، فيتمثل في مناجم اليورانيوم ، كمنجم سغند ، وأيضا زاريغان.
إلا انه تعد إيران مستعدة ومحصنة أمام هذا السيناريو حيث ترجع التقارير ذلك إلى أن الإيرانيين قد تعلموا جيدا من الدرس العراقي واستهداف مفاعل أوزيراك، ولم يضعوا كل أسرارهم النووية في سلة واحدة، وتواجدت تلك المنشآت بمنطقة جبلية حصينة في اكثر من مدينة علي امتداد المساحات الشاسعة؛ وبالتالي فهناك حاجة إلي دخول المقاتلات الإسرائيلية إلى العمق الإيراني، يستبعد هذا السيناريو نتيجة عدم موافقة الإدارة الامريكية الحالية عن ضرب مواقع نووية لرؤيتها بأن التعاطي مع هذا الملف لابد وان يكون علي طاولة المفاوضات.
السيناريو الخامس، شن هجوم إسرائيلي علي المنشآت الاقتصادية والبني التحتية والمصافي النفطية والتي تتمثل في منشآت بترولية أو محطات توليد الكهرباء وهذا السيناريو له تبعات اقتصادية علي طهران نظراً لان النفط هو الدخل الإيراني الوحيد إلي جانب افتقارها للتقنيات التكنولوجية نتيجة العقوبات المفروضة عليها، وتشير عدد من التقديرات أن إيران قد قامت بالفعل يوم 4 أكتوبر بإخلاء اكبر محطة شحن للنفط في جزيرة خَرج الإيرانية تحسباً للهجوم الانتقامي المتوقع، إلا انه قد يواجه هذا السيناريو عدة محددات أهمها الرفض الأمريكي نتيجة تنامي المخاوف من ارتفاع أسعار النفط العالمي بسبب انخفاض حجم الإنتاج وفقد السوق نحو مليون و 888 ألف برميل يومياً وهو حجم ما تصدره إيران ، وبالتالي سوف تتضاعف التبعات علي الداخل الأمريكي وهو ما يؤثر علي مجريات الانتخابات سلباً بالنسبة للديمقراطيين.
ففي تصوري وتقديري سوف يتم ترجيح السيناريو الخاص بضرب مواقع نفطية كضربة موجعة للاقتصاد الإيراني تتناسب مع الفعل والهجوم الذي أطلقته إيران من جهة، وبالتالي فهو هجوم سوف يضمن لها رمزية الرد، ويضمن مراعاة تفضيلات الولايات المتحدة والحفاظ علي مصالحها من جهة اخري.
ختاما، تظل السيناريوهات المحتملة للرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الصاروخي متعددة ومعقدة. من الواضح أن أي رد فعل لن يكون مجرد رد سريع، بل سيتطلب تخطيطًا استراتيجيًا دقيقًا يأخذ بعين الاعتبار العواقب الإقليمية والدولية ويضمن التوافق الامريكي الاسرائيلي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: طوفان الأقصى إسرائيل إيران حزب الله الرئيس الإيراني الاغتيالات الإسرائيلية هذا السیناریو
إقرأ أيضاً:
التايمز: إيران "المكشوفة" تخشى الانتقام من إسرائيل
عندما نفذت إسرائيل غارتها الجوية الثانية على إيران الشهر الماضي، رداً على هجوم صاروخي إيراني، قللت طهران من أهمية الغارات الجوية التي استهدفت العاصمة ووصفتها بأنها "محدودة".
طهران حذرة من الرد بينما دفاعاتها الجوية معطلة
ومع ذلك، فقد توعدت طهران بالرد، وقالت هذا الأسبوع إن الانتقام سيكون "حاسماً".
وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية إن هذا التهديد قد لا يتحقق في ظل تفكير إيران في موقفها الهش، فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) جميع بطاريات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز إس 300، والعديد من منشآت الرادار على طول ممر يترك البلاد تحت رحمة إسرائيل، وفقاً لمسؤول غربي مطلع على الأضرار.
وقال: "ستستغرق إعادة بناء الدفاعات الجوية عاماً كاملاً. وهذا سيجعلهم يفكرون مرتين قبل ضرب إسرائيل".
Tehran is wary of retaliation while its air defences are crippled — and unrest is growing among a population weary of hardline Islamist rulehttps://t.co/bJOjewhhJA
— The Times and The Sunday Times (@thetimes) November 21, 2024
وجاءت الغارات الجوية ردا على إطلاق إيران عدة مئات من الصواريخ الباليستية على منشآت عسكرية في إسرائيل، في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى جانب مسؤول عسكري إيراني كبير. وتسببت هذه الاغتيالات، أثناء الهجوم الإسرائيلي الذي دمر الميليشيا المدعومة من إيران، في إحراج طهران بشدة، التي انتقدها أنصارها لعدم تدخلها.
ولكن إيران تدرك أن التفاوت لم يكن قط أكثر وضوحاً بين قوة مثل إسرائيل، وجيشها ضعيف التسليح ودفاعاته الجوية المتقادمة والميليشيات المتحالفة معها. ففي موجة واحدة من الغارات الجوية، نجحت إسرائيل في شل الدفاعات الجوية الإيرانية وعرقلة برنامج تصنيع الصواريخ لديها.
Systemic Failure of Israel’s Air Defense systems. Hebrew media had a black out on casualties right now.
In case of a response, Iran has vowed to send 1000 more… pic.twitter.com/lUnjSSeQIH
ولكن إيران تخشى أن تكون الضربة التالية أكثر تجرؤاً. فقد أشارت إسرائيل إلى أنها قد تضرب المنشآت النووية الإيرانية. وقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، هذا الأسبوع إن أحد الأهداف في الضربات التي شنت في أكتوبر (تشرين الأول) أصاب "مكوناً" في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى منشأة بارشين. وقد نفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تكون المنشأة نووية.
وتلفت الصحيفة إلى أن مخاوف إيران تمتد إلى ما هو أبعد من برنامجها النووي الضعيف. ففي خطابين مسجلين بالفيديو موجهين إلى الشعب الإيراني، شجع نتانياهو الإيرانيين على الانتفاضة ضد النظام غير الشعبي الذي يقوده المرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، والذي ينشغل بمسألة خلافته.
ويفضل المرشد ابنه مجتبى لهذا المنصب بعد وفاة المرشح الآخر، الرئيس إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحية في وقت سابق من هذا العام. وأدى الصراع مع إسرائيل في خضم الاستعدادات الجارية للخلافة إلى مزيد من التوتر.
أدرك النظام الإيراني دائماً يدرك أنه يقاتل على جبهتين: جبهتان خارجيتان، في الأساس ضد إسرائيل من خلال وكلائها الضعفاء الآن، وحرب داخلية ضد غالبية مواطنيه، الذين يعارضون حكمه الإسلامي المتشدد.
اضطرابات اجتماعية
وسادت موجة من الاضطرابات الاجتماعية في البلاد في أعقاب وفاة مهسا أميني في عام 2022، التي توفيت في مركز احتجاز للشرطة بعد أن ألقت الشرطة الأخلاقية القبض عليها بزعم عدم ارتدائها الحجاب.
وفي الوقت نفسه، أجبرت إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018 الحكومة على زيادة الضرائب على شعبها وإدارة عجز ميزانية متضخم، مما أبقى التضخم السنوي قريبًا من 40 في المائة. وسجلت انتخابات البرلمان والرئاسة هذا العام رقماً قياسياً في انخفاض نسبة المشاركة حيث دعت المعارضة إلى المقاطعة.