يحتل الصقر مكانة مرموقة في التراث العربي، حيث يُعتبر رمزًا للشموخ والقوة والجسارة. لهذا السبب، يظهر الصقر بقوة في القصص والأغاني التراثية. ومن بين الأمثلة البارزة، الأبيات الشعرية التي كتبها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث شبّه فيها جنود الوطن بالصقور المخلصين، والتي أداها الفنان حسين الجسمي في افتتاح معرض إكسبو 2020:

مــرحبــا يــا هـــلا حــي بالشـهـــامــــة

**

مــرحبــا بالـصـقـــــور الـمـخـلـصــيــن

ضامنين الــوطـن صـــانوا احـتـــرامــــه  

**

قـــدرهم عــــنــــدنـا عـــــالي وثـمـيـــن

الصقر في الأمثال الشعبية الإماراتية: 

كذلك نجد الصقر حاضرًا في الأمثال الشعبية، حيث يُعبّر عن قيمته العالية ومعرفته في المثل الإماراتي المشهور القائل: "اللي ما يعرف الصقر يشويه"، حيث تقول القصة أن رجلًا كان يعتمد على صقره في صيد طائر الحبارى، الذي يُعد من الطرائد المفضلة للصقارين.

وفي يوم غائم، أطلق الرجل صقره للصيد، لكنه تأخر في العودة. وبينما كان يبحث عنه، التقى راعي غنم، فسأله إن كان قد رأى صقره؟ فأجابه الراعي ببساطة أنه ذبح طيرين كانا يتقاتلان وأعدهما للشواء، ولعل أحدهما كان الصقر. صُدم الرجل عندما أدرك أن أحد الطيور كان صقره. وبغضب شديد، قال للراعي: "الصقور لا تُشوى!" فرد الراعي ببرود: "صقر أو غيره، كلها طيور." وهكذا، وُلِدَ المثل "اللي ما يعرف الصقر يشويه"، ليُعبر عن أن من لا يعرف قيمة الشيء الثمين قد
 يضيعه بجهله. 

الإقامة الذهبية في الإمارات وتقدير المواهب: 

تحمل هذه القصة عبرة عميقة: أن عدم تقدير قيمة الأفراد والأشياء يمكن أن يؤدي إلى فقدانها أو استغلالها بشكل غير صحيح. وكما حدث مع الصقر، قد نجد في حياتنا اليومية من لا يقدّرون قيمة المواهب والقدرات الاستثنائية. هؤلاء الأفراد قد يكون لديهم تأثير كبير إذا تم اكتشافهم وتقديرهم بشكل صحيح. 

في المقابل، نرى في الإمارات اهتمامًا خاصًا بتقدير الكفاءات والمواهب من خلال مبادرات متنوعة، من أبرزها "الإقامة الذهبية". تُمنح هذه الإقامة المتميزة للأفراد المبدعين  والمتميزين والمبتكرين والمستثمرين، وتوفر لهم امتيازات كبيرة، حيث  تعكس هذه المبادرة إدراكًا عميقًا لقيمة هؤلاء الأفراد وإسهاماتهم المحتملة في المجتمع وفي نهضته، فهم كالصقور مكانة في التراث العربي والإماراتي. هنا كأني اسمع المثل الشعبي الإماراتي بطريقة أخرى يقول "اللي ما يعرف الصقر يشويه واللي يعرفه يعطيه الإقامة الذهبية". فرسالة شكر وتقدير لحكومة الإمارات التي ترعى المواهب والموهوبين والمتميزين.

رسالتي لبلدي الحبيب مصر، وأنا أعرف التقارب والأخوة العميقة بين مصر والإمارات، وجزء مهم من كتاباتي أن أنقل التجارب الإيجابية المشتركة بين البلدين لتعم الفائدة بما فيه رفعة مجتمعاتنا، أن نسعى لتطبيق مبادرات مشابهة لتلك التي نشهدها في الإمارات والدول المتقدمة لجذب المستثمرين في القطاعات المختلفة من استثمار وعقار وتعليم، وكذلك اكتشاف أصحاب المواهب والأفكار الإبداعية الابتكارية كل في مجاله. فالابتكار هو السبيل الوحيد للتقدم والخروج من الأزمات. ودعونا نأخذ مثالًا عن مدى أثر الأفكار الابتكارية على الاقتصادات العالمية من خلال شركة "أبل الأمريكية"، التي بدأت بفكرة ابتكارية ثم تطورت بفضل الإدارة الابتكارية التي تسعى دائمًا لاستقطاب العقول المتميزة حتى وصلت ميزانيتها إلى أرقام خيالية تصل لثلاثة تريليونات دولار. مثل هذه المبادرات ستمكن مصر من استقطاب العقول المبدعة وتطويرها، مما سيُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد.

رسالة للمؤسسات والشركات  حول العالم: 

والسؤال هنا يعود لكل دول العالم وهو: هل سيتمكن جميع المتميزين من الحصول على الإقامة الذهبية؟ بالطبع لا، فالشروط قد لا تنطبق على الجميع رغم تميز البعض. لذلك، يجب أن تلعب للمؤسسات والشركات دورًا رئيسيا في اكتشاف وتقدير تلك المواهب وتنميتها. وبهذا ستكون حركة الإنتاج والإبداع والفكر لا مركزية تبدأ من قاعدة الهرم "الشركات" وصولًا لأعلى القطاعات في الوزارات. يجب على المؤسسات الخاصة والعامة أن تواصل خلق بيئة عمل تعزز الإبداع والنمو. التقدير لا يقتصر على المكافآت المالية فقط، بل يشمل بناء بيئة آمنة تشجع على الابتكار وتدعم التطوير المستمر. على المؤسسات أن تلعب دورًا رئيسيًا في اكتشاف وتقدير المواهب الخفية وتوفير الدعم اللازم لها.

ختامًا أهمس في أذن كل مجتمع ومؤسسة، أن هناك صقورًا بشرية تنتظر من يكتشف قيمتها. هؤلاء سيحدثون الفارق في مجتمعاتهم وشركاتهم ومن قبل في نهضة أوطانهم. فهل سنعرفهم في الوقت المناسب، أم نخسرهم كما خسر الراعي صقره؟ 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: التراث العربي الصقر اقتصادات العالم الفنان حسين الجسمي مبادرات الإقامة الذهبیة

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | مجدي أحمد علي.. عينٌ على المدينة وقدمٌ في الحلم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ليس من السهل أن تقف في منتصف الحكاية، أن تتأمل النهر دون أن تغرق فيه أو تبتعد عنه. مجدي أحمد علي، المخرج الذي لم يأتِ من الحكاية، بل جاء من أطرافها، من شوارع ضيّقة في مدينة تعج بالمفارقات، ومن أصوات النساء اللواتي يُخفين وجوههن في الأحياء الشعبية، ومن عيون الرجال الذين فقدوا البوصلة في زمن مشوَّه. في كل فيلم يوقعه مجدي، تشعر أنه لا يخرج من العدم، بل ينبعث من طبقات دفينة في الوعي الجمعي، ومن أرشيف روحي لا تزال فيه الجراح تنزف.

 

ولد مجدي في صخب القاهرة، وعاش على تخوم الحلم القومي والسقوط الاجتماعي. درس الصيدلة أولًا، وكأن القدر شاء أن يجعله يعرف معنى المداواة قبل أن يجرحه الفن، لكنه ما لبث أن انحاز إلى المعهد العالي للسينما، متّبعًا صوتًا داخليًا لا يمكن إسكاتُه. وهناك، بدأ في شق طريقه ببطء وصدق، بعيدًا عن بهرجة الضوء، قريبًا من قلب الواقع.

 

لكن مجدي ليس مخرجًا فقط، بل هو ناسك سينمائي؛ يكتب ويخرج وكأنه يفتح أبواب بيت قديم يسكنه الحنين والغضب. في فيلمه الأول "يا دنيا يا غرامي"، لا يستعرض المجد بقدر ما يستعرض المأساة اليومية للمرأة المصرية التي تُجلد في صمت. تلك النبرة، النابعة من تعاطف حقيقي، ظلت ترافقه في أفلامه التالية، كـ"خلطة فوزية" و"أسرار البنات"، حيث الكاميرا ليست عينًا عُليا تحكم، بل رفيق درب يحاول أن يفهم.

 

يملك مجدي قدرة فريدة على الإنصات. أفلامه لا تصرخ، بل تهمس. وفي الهمس، غالبًا ما يُقال كل شيء. خذ مثلًا "عصافير النيل"، المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان، ستجد فيه تأملًا طويلًا في الإنسان الذي يعيش على حافة الانطفاء. لا بطولة هنا، بل هشاشة. لا صراع خارجي، بل داخل روح باردة تبحث عن شيء يشبه الحياة.

 

أما فيلم "مولانا"، فكان بمثابة منعطف. ليس لأنه يقترب من موضوعات شائكة كالدين والسياسة فحسب، بل لأنه يعلن بوضوح عن شجاعة مجدي في اقتحام المسكوت عنه، دون أن يفقد رهافته. الشيخ في الفيلم ليس مجرد رمز، بل هو رجل ممزق بين الميكروفون والمحراب، بين الإيمان واللعبة الكبرى.

 

وفي "2 طلعت حرب"، يصل مجدي إلى ذروة رمزيته، إذ تتحول الشقة المطلة على الميدان إلى مسرح مغلق لتاريخ وطن بحاله. أربعة مشاهد، أربعة أزمنة، أربعة وجوه للخذلان. هنا، لم تعد السينما مرآة للواقع، بل صدى لما لم يُقَل بعد. الحكايات ليست متجاورة فحسب، بل متورطة في بعضها، كما هو حال التاريخ عندما يُعاد تدويره في غرف مغلقة.

 

لكن ما يُميز مجدي أحمد علي، بعيدًا عن مُنجزه السينمائي، هو حضوره الخافت والمستمر في المشهد الثقافي. لا يُكثر من الظهور، لكنه حين يتكلم، يضع إصبعه على الجرح دون تردد. لا يسعى إلى النجومية، بل إلى بناء أرشيف سينمائي مقاوم للنسيان، أرشيف يحاول فيه كل فيلم أن يستبقي لحظة ما من الصدق قبل أن تبتلعها الموجة.

 

أخيرًا، لا يمكن الحديث عن مجدي دون التوقف عند ابنه أحمد مجدي، الذي ورث الفن بروحه لا بألقه. من السهل أن ترى بين الاثنين جسرًا غير مرئي، مبنيًا على احترام الحكاية والانحياز إلى الإنسان العادي، إلى الذين لا يملكون أصواتًا ولكنهم يملكون وجوهًا لا تُنسى.

 

في زمن السينما التي تحاول أن تُرضي الجميع، يظل مجدي أحمد علي مخرجًا لا يهمّه أن يُرضي أحدًا سوى وعيه وضميره. ولذلك تحديدًا، تظل أفلامه شاهدة على عصر، لا بوقًا له.

مقالات مشابهة

  • «محدش عاش اللي عشناه».. ملك زاهر توجه رسالة بعد زفاف شقيقتها
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: سبعون سنة يتيهون في الأرض
  • سامح قاسم يكتب | مجدي أحمد علي.. عينٌ على المدينة وقدمٌ في الحلم
  • سامح قاسم يكتب | رنا التونسي.. شاعرة الحافة التي تنزف جمالًا
  • مسؤول هندي: تجربة الإمارات في الذكاء الاصطناعي نموذج عالمي يحتذى
  • نسيمة سهيم… نموذج المرأة المناضلة التي وضعت الإنسانية فوق كل اعتبار
  • أحمد عبدالله محمود عن فيلم "المدرسة": ملحمة رعب وغموض
  • طيران الإمارات توسع نطاق برنامج «تجربة السفر» لذوي التوحد
  • ورشة تستعرض تجربة الدولة في إدارة الطوارئ