مرضى السرطان بغزة بين داء ينهش أجسادهم وحرب تحرمهم العلاج
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
غزة- خرج نزار المسلمي نازحا بأسرته من شمال قطاع غزة إلى جنوبه بكامل صحته لا يعاني أي مرض ولا يتناول أي أدوية، في حين أنه يغرق اليوم بغيبوبة تامة بمجمع ناصر الطبي لا يشعر بمرافقيه ولا يدرك ما يدور من حوله.
كان المسلمي (65 عاما) يعيش وأسرته (9 أفراد) في منزل ببلدة بيت لاهيا، وأُجبروا بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على النزوح المتكرر حتى وصلوا إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع والتي غادروها على وقع اجتياح إسرائيلي بري في مايو/أيار الماضي.
يقول محمد الابن البكر للمسلمي إن والده كان يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أي أمراض مزمنة، وقد أصيب بانتكاسة صحية مفاجئة ومتسارعة، وإنهم يعتقدون أنها نتيجة هذه الحرب ورحلة النزوح والمعاناة من خيمة إلى أخرى.
"بعد فترة وجيزة من النزوح الأخير من مواصي رفح إلى مواصي خان يونس المجاورة، اشتكى والدي من آلام مفاجئة واعتقدنا أنها نتيجة الإرهاق ومعاناة النزوح المتكرر، لكن صدمتنا كانت كبيرة بتشخيص إصابة والدي بسرطان الدماغ"، يضيف محمد للجزيرة نت.
بعد أسبوع واحد خضع لعملية استئصال الورم في المستشفى الأوروبي بخان يونس، وقبل أن يستعيد عافيته تماما وتكتمل فترة تماثله للشفاء، يقول محمد إن الأطباء قرروا خروج والده من المستشفى على وقع إنذارات إسرائيلية بإخلاء المنطقة التي تقع المستشفى في نطاقها.
يومان فقط بعد خروج المسلمي من المستشفى بعد أن اضطرت إدارته إلى إخلائه في الأول من يوليو/تموز الماضي، فُقدت عينة الورم التي كان من المقرر إخضاعها للفحص لمعرفة إن كان حميدا أم خبيثا.
يقول محمد إن والده شعر بتحسن ملحوظ بعد إجراء العملية، غير أن هذه الحالة لم تدم طويلا، وبعد خروجه إلى الخيمة أصيب بشلل نصفي، وتبين بالتصوير الطبقي أن الورم أصاب دماغه مجددا. ويعتقد أن ضياع عينة الورم وعدم إخضاعها للفحص الدقيق بالوقت المناسب، هو سبب تدهور وضع والده الصحي ووصوله إلى هذه الحالة.
لنحو أسبوع مكث هذا المريض في غيبوبة تامة داخل خيمة متواضعة لا تتوفر بها أي مقومات الرعاية والاهتمام، وقرر الأطباء دخوله المستشفى إثر إصابته بضيق شديد بالتنفس، ووفقا لمحمد -الذي لا يفارق والده بالمستشفى منذ 5 أيام- فإنه لا يتلقى أي علاج ويعيش على أجهزة التنفس الصناعي.
قبل نقله إلى المستشفى، يقول محمد إن حالة أبيه الصحية تدهورت على نحو متسارع، وفقد النطق والقدرة على ابتلاع الطعام، ولا يتوفر العلاج لمثل هذه الحالة بسبب تداعيات الحرب وإغلاق المعابر، وتتعلق آمال أسرته بحصوله على تحويلة طبية للعلاج بالخارج.
ويحول إغلاق معبر رفح البري مع مصر والتعقيدات الإسرائيلية المفروضة على سفر أعداد محدودة من المرضى عبر معبر إسرائيلي بالتنسيق مع هيئات دولية، دون حصول آلاف الجرحى والمرضى على حقهم في السفر بغية العلاج.
ووسط تحذيرات وزارة الصحة بانهيار وشيك لمجمع ناصر إذا توقف عمل المولدات الكهربائية، يشعر محمد بقلق متزايد على والده الذي تتعلق حياته بأجهزة التنفس الصناعي، ويقول إن المريض في غزة لا يعاني من المرض وحسب وإنما من تحديات كثيرة تتعلق بعدم توفر العلاج والمياه النظيفة للشرب والطعام المناسب.
وتعتاش أسرة المسلمي على راتبه التقاعدي من السلطة الفلسطينية الذي لا يكفي لتوفير الاحتياجات الأساسية لأسرته، ومتطلباته كمريض، في ظل ارتفاع هائل بالأسعار.
وبينما يحتفي العالم بأكتوبر كشهر التوعية من سرطان الثدي بتنظيم فعاليات تتخذ من اللون الوردي شعارا لحث النساء على الفحص الدوري والمبكر، ينهش المرض جسد سناء أبو العيش، التي وجدت نفسها في مواجهة مع السرطان ومعاناة النزوح والتشرد.
سناء (58 عاما) هي أرملة شهيد منذ 21 عاما وتعيل -بمساعدة مالية شهرية (حوالي 200 دولار)- أسرة كبيرة، وفقدت أحد أبنائها شهيدا خلال الحرب، وترعى أرملته وأطفالهما الخمسة، واضطرت للنزوح بهم من مدينة رفح عشية الهجوم البري الإسرائيلي، وتقيم في قاعة شبه مدمرة في الملعب البلدي بمدينة خان يونس.
تصف وضعها الصحي والمعيشي بالبائس، وتقول للجزيرة نت إن معاناتها مع السرطان تفاقمت جراء نزوحها 7 مرات، أصيبت خلالها بحساسية شديدة بالصدر جراء استنشاق غبار ومخلفات ذخيرة الاحتلال.
اكتشفت سناء إصابتها بالمرض عام 2019، وكانت تراجع بشكل دوري في مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني، وتقول "طوال الوقت نعاني من شح الأدوية والعلاجات، فما بالكم في ظل الحرب والحصار؟".
ولم تتلق أي علاجات خلال عام الحرب، وأظهرت صورة مقطعية إصابتها بحصى في الكلى، وتخشى ابنتها زينب على حياة والدتها مع ظهور ورم جديد بالصدر لا تتوفر الإمكانيات لفحصه، وتأمل أن تتمكن من السفر للعلاج.
ولا يسمح لها وضعها المادي أن تتناول الفواكه والأغذية الصحية غير المتوفرة باستمرار في الأسواق، وأسعارها باهظة، وتقول "نحنا الغلابة لنا الله"، وتوضح زينب أن تناول المعلبات أثر على والدتها بشكل سلبي للغاية.
وازدادت معاناة مرضى السرطان مع خروج مستشفى الصداقة الوحيد المتخصص بالسرطان والأورام عن الخدمة، جراء استهدافه المباشر من قبل الاحتلال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويقول مدير عام المستشفى الدكتور صبحي سكيك للجزيرة نت إن المرضى خسروا هذا المستشفى وعصفت بهم الحرب وتشتتوا في الخيام ومراكز الإيواء، في ظل أوضاع متردية وغير ملائمة.
واستنادا لنتيجة فحوص سنوات سابقة، يقدر سكيك أنه خلال "سنة من حرب الإبادة الجماعية هناك من 2000 إلى 2500 حالة إصابة جديدة بالسرطان، تضاف إلى أكثر من 10 آلاف آخرين يراجعون المستشفى قبل اندلاع الحرب".
وهؤلاء المصابون الجدد من النساء والرجال والأطفال لم يتم تشخيصهم ولم يتلقوا علاجا بالمطلق، ووفقا لسكيك، فإن قلة منهم لا تزيد عن 1500 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع خلال سنة العدوان، فيما أكثر من 11 ألف مريضة ومريض بالسرطان محاصرون فيه وبحاجة ماسة للعلاج بالخارج.
وإضافة إلى حالات الإصابة العامة بأنواع السرطانات المختلفة، يتم تشخيص زهاء 360 مريضة جديدة سنويا بسرطان الثدي، وبمعدل حالة مصابة يوميا، حسب المتحدث نفسه.
ويصف سكيك الوضع الدوائي في غزة بالكارثي بالنسبة لمرضى السرطان بسبب خروج المستشفى الوحيد عن الخدمة، ويقول إن هناك مكانين فقط في جنوب القطاع يقدمان "ما تيسر من أدوية السرطان لمريضاتنا ومرضانا في العيادات الخارجية بمجمع ناصر بخان يونس ومستوصف الرازي في المنطقة الوسطى".
وتؤوي هاتان المنطقتان نحو مليوني فلسطيني من سكانها والنازحين إليها، ويقول سكيك إن أعدادا كبيرة من المرضى تراجعهم بشكل مستمر، ويلجؤون إلى تنويم بعض المرضى بنسبة بسيطة لعدم توفر الأماكن والإمكانيات. أما في شمال القطاع فلا يوجد طواقم طبية، ولا علاج للسرطان بالمطلق إلا القليل في مستشفى خاص يقدم بعض العلاجات الكيميائية، وليست بروتوكول علاج متكامل.
ومع استمرار الحرب تزداد معاناة مرضى السرطان -بحسب سكيك- جراء عدم توفر المياه الصالحة للشرب، واستخدام الاحتلال سلاح التجويع ضد الغزيين وعدم توفر الغذاء الصحي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مرضى السرطان یقول محمد
إقرأ أيضاً:
جنرال إسرائيلي يحذر من تداعيات استئناف القتال بغزة.. 3 خيارات و7 أسئلة
حذر رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند، من تبعات استئناف الحرب على قطاع غزة، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال تقف أمام ثلاثة خيارات حاسمة تتطلب اتخاذ "قرارات مدروسة".
وأوضح آيلاند، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن الخيار الأول يتمثل في إبرام صفقة تبادل أسرى كاملة فورا، وهو ما يعني إنهاء الحرب وسحب قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع.
أما الخيار الثاني، حسب آيلاند وهو مهندس خطة "الجنرالات" الإسرائيلية لتهجير شمال غزة، فهو استئناف القتال، لكنه شدد على ضرورة أن يجيب صانعو القرار عن سبعة أسئلة رئيسية قبل اتخاذ هذه الخطوة، وهي: ما الجديد الذي يمكن تحقيقه عسكريًا بعد 15 شهرًا من القتال؟ وكم من الوقت ستستغرق الحرب إذا استؤنفت؟.
وتابع الكاتب الإسرائيلي في سرد أسئلته، متسائلا كيف سيؤثر استئناف العمليات على مصير المخطوفين؟ وهل التكاليف المتوقعة، بشريًا وعسكريًا، تبرر الاستمرار في القتال؟ وكيف سيؤثر توجيه قوات كبيرة إلى غزة على الجبهات الأخرى، خاصة الضفة الغربية واليمن؟.
كما تساءل عن انعكاسات الحرب على العلاقات مع الدول العربية التي تسعى إلى إيجاد حل طويل الأمد لغزة؟ بالإضافة إلى تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة على عودة الرحلات الجوية الأجنبية إلى إسرائيل.
وأشار آيلاند إلى أن اتخاذ قرار بهذا المستوى يتطلب "حوارا شفافا بين القيادة السياسية والجيش"، وانتقد الفصل بين تحديد الأهداف العسكرية وكيفية تحقيقها، مؤكدا أن “العديد من الإخفاقات الكبرى في التاريخ نشأت من عدم التوافق بين الأهداف والوسائل المتاحة لتحقيقها".
أما الخيار الثالث، وفقا للجنرال الإسرائيلي، فهو تمديد المرحلة الأولى من الهدنة لمدة شهرين، ما يتيح الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، لكنه حذر من أن "هذا التأجيل قد يؤدي إلى وفاة 14 مخطوفا إضافيا نتيجة التأخير".
وأوضح آيلاند أنه يؤيد الخيار الأول، المتمثل في إتمام صفقة تبادل الأسرى، موضحا أن هذه الخطوة ستفتح المجال أمام طرق غير عسكرية لإضعاف حركة حماس، ما يعيق عملها على "إعادة الإعمار أو تلقي أموال من الخارج".
وأضاف أن دولة الاحتلال يمكنها الاستجابة للخطة المصرية بشأن إعادة إعمار قطاع غزة بشرطين رئيسيين: الأول، نزع السلاح الكامل للقطاع، والثاني نقل المسؤولية الكاملة عن غزة إلى مصر ودول عربية أخرى، مع إنهاء أي ارتباط بين إسرائيل والقطاع، بما في ذلك وقف إمدادات الكهرباء والمياه وهدم المعابر بين غزة وإسرائيل نهائيا.
وختم آيلاند مقاله بالتشديد على أن إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين يجب أن "تكون الأولوية القصوى قبل أي خطوة أخرى"، على حد قوله.