العلوي لـ"الرؤية": 4 مبادرات لجذب الاستثمار الأجنبي في مجالات الاقتصاد الرقمي.. والذكاء الاصطناعي ركيزة التحوُّل
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
◄ البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي يُعزز التنويع الاقتصادي والتنافسية
◄ توطين الذكاء الاصطناعي عبر تنمية المواهب وتنمية البحث والتطوير ودعم الشركات الناشية
◄ مساعٍ لتطبيق الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور
◄ تأهيل الكفاءات الوطنية في مجالات علوم البيانات والذكاء الاصطناعي
◄ البرنامج يدعم رقمنة القطاعات الرئيسية وزيادة "الصادرات الرقمية"
الرؤية- سارة العبرية
أكد حمدان بن محمد العلوي مدير دائرة تطوير برنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أن البرنامج يُساهم بشكل فعّال في تعزيز التحول الرقمي للاقتصاد العُماني، من خلال تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية والتنموية.
وقال العلوي- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن البرنامج يهدف إلى زيادة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية والكفاءة في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الصناعة، الصحة، والتعليم، كما يشجع المؤسسات على تطبيق الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية لتحقيق تحول رقمي أكثر كفاءة".
وتتبنّى سلطنة عُمان استراتيجيةً تُركِّز على تعزيز البحث العلمي وتطوير الحلول التقنية المبتكرة التي تُلبي احتياجات السوق المحلية والدولية، وفي هذا الإطار، يعملُ البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، على تعزيز التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع رواد الأعمال والمشاريع الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
وأضاف العلوي أن هذا البرنامج يأتي جزءًا من الجهود الوطنية لتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية مثل النفط، وتحقيق تنافسية السلطنة على المستوى العالمي في مجالات التكنولوجيا الحديثة". وأوضح أن توطين الذكاء الاصطناعي يجري من خلال بناء قاعدة محلية لتطوير وتوظيف التقنيات عبر دعم الشركات الناشئة، وتعزيز البحث والتطوير، وتوفير بيئة مُمَكِّنة لاستخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، ويشمل ذلك تطوير المواهب المحلية وتعزيز ريادة الأعمال التقنية.
وتابع أن البرنامج يُركِّز على وضع إطار تنظيمي وحوكمة فعّالة لتبني التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي؛ بما يضمن الاستخدام الآمن والعادل للتقنيات المتقدمة، مع مراعاة الخصوصية وأمن البيانات، وبالتالي، يسهم في دعم الابتكار الرقمي وزيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق التحول الرقمي الشامل.
التحول الرقمي
وأشار العلوي إلى أن البرنامج الوطني في السلطنة يتبنى عدة خطوات لدعم التحول الرقمي في القطاعين الحكومي والخاص باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهي دعم المصانع العُمانية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، كما يشجع لتعزيز خطوط الإنتاج في المصانع الكبيرة والصغيرة تماشيًا مع الاستراتيجية الصناعية للسلطنة. وأوضح أنه يجري استخدام هذه التقنيات المتطورة في المباني الحكومية للاستهلاك الذكي للطاقة والمياه والخدمات الأخرى؛ مما يسهم في تحقيق الكفاءة والاستدامة.
وبيّن العلوي أن الذكاء الاصطناعي يمكن تقديمه كخدمة سحابية (AIaaS)؛ حيث إن البرنامج يوفر مبادرات لتقديم حوافز لشركات الحوسبة السحابية المحلية لتقديم خدمات أنظمة الذكاء الاصطناعي، كما يعمل البرنامج على إنشاء بوابة بيانات وطنية للبيانات المفتوحة تُتيح الوصول إلى البيانات المفتوحة لدعم رواد الأعمال والمستثمرين، لتمكين فرص الاستثمار وتطوير الحلول الرقمية.
وتابع أن البرنامج يسعى إلى تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية التي تتعامل مباشرة مع المواطنين والمقيمين والمستثمرين، لتحسين مستوى الخدمات وزيادة عدد المؤسسات الحكومية في المؤشرات المتقدمة للتحول الرقمي، إضافة إلى تأهيل الكفاءات الوطنية في مجالات علوم البيانات والذكاء الاصطناعي لقيادة المشاريع التقنية في القطاعات الحكومية والخاصة، لدعم القدرات التنافسية للسلطنة في هذا المجال.
تحفيز الابتكار الاقتصادي
ويرى حمدان العلوي أن إنترنت الأشياء (IoT) يُعتمد لتعزيز الربط بين الأجهزة وجمع البيانات وتحليلها؛ مما يُحسِّن كفاءة العمليات الصناعية والخدمية، والطائرات المسيّرة والمركبات ذاتية القيادة، من خلال استخدام حلول ذكية في القطاعات اللوجستية والزراعية وغيرها، من أجل زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف، إلى جانب الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تُستغل في التصنيع المحلي لتطوير منتجات مخصصة وتحسين سلاسل التوريد، علاوة على استخدام الروبوتات لتحسين الإنتاجية في المصانع، وخاصة في الخطوط الإنتاجية الكبيرة والصغيرة، فضلًا عن الواقع الافتراضي والمُعزَّز لتطوير تجارب تفاعلية وتعليمية متقدمة لتحسين من بيئات التدريب والتعليم.
وحول تحسين البنية التحتية الرقمية في عُمان لخلق اقتصاد أكثر ذكاءً ومرونةً، قال مدير برنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة إنه يمكن تجويد الاستثمار في شبكات الاتصالات المتقدمة من خلال شبكات الجيل الخامس (G5) والألياف البصرية؛ ما يؤدي إلى زيادة سرعة الاتصال وكفاءة نقل البيانات، مؤكدًا أن هذا عامل مُهم في تحسين أداء الأنظمة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وإدارة البيانات بشكل فعّال، بما يضمن توفير بيئة مُناسبة لتحفيز تطوير خوارزميات تعلم الآلة والتعلُّم العميق، من خلال توفير منصة للبيانات المفتوحة، فيُتيح تحسين اتخاذ القرارات المبنية على البيانات وتحسين جودة الخدمات.
وبيّن العلوي أن تعزيز البحث والتطوير في مجال التقنيات المتقدمة يشمل: تحفيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات موجهة لدعم الباحثين وتشجيع مشاريع التخرج للطلبة، مثل مبادرة "صنَّاع الذكاء الاصطناعي" التي أُطلقت بالتعاون مع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، إضافة إلى استخدام الحوسبة السحابية، فيتم تشجيع الشركات المحلية على تقديم خدمات متطورة في هذا المجال، ويسهم في توفير البنية التحتية الرقمية الضرورية التي تحتاجها المؤسسات لتعزيز قدراتها الرقمية والانتقال بشكل أوسع نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
فوائد اقتصادية متوقعة
ولفت حمدان العلوي إلى أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الصناعات التقليدية في السلطنة يُقدِّم العديد من الفوائد الاقتصادية المُهمة؛ من بينها: تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف؛ حيث تُساعِد تقنيات الذكاء الاصطناعي على أتمتة العمليات الصناعية؛ بما يسهم في زيادة الكفاءة وتقليل النفقات. وضرب مثالًا على استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة خطوط الإنتاج والصيانة الوقائية؛ حيث إنه يُقلِّل من الأعطال والوقت الضائع، كما يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة المنتجات من خلال مراقبة العمليات بشكل مستمر وإجراء التحسينات الفورية حتى يقلل من الأخطاء البشرية. وأضاف أن دمج الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة تتطلب مهارات تقنية متقدمة في مجالات مثل: تحليل البيانات وتطوير الخوارزميات؛ مما يُشجِّع على تأهيل القوى العاملة المحلية، علاوة على أن الذكاء الاصطناعي يُعزز الابتكار من خلال تمكين الشركات من تحليل البيانات وفهم احتياجات السوق بشكل أفضل، ويساهم في تطوير منتجات جديدة تلبي متطلبات المستهلكين بشكل دقيق.
تعزيز التنافسية
وأشار العلوي إلى أن التنافسية الاقتصادية لعُمان على الصعيد العالمي تُحفِّز الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي؛ مما يساعد على تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، موضحًا أن البرنامج يدعم تأسيس وتطوير الشركات الناشئة التي تعمل في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، كما يُركِّز البرنامج على تعزيز المهارات الوطنية عبر تأهيل الكفاءات المحلية؛ لتصبح قادرةً على قيادة المشاريع المتقدمة، فيزيد من التنافسية المحلية والدولية.
وفي سياق التصدير الرقمي، بيَّن العلوي أن البرنامج يدعم رقمنة القطاعات الرئيسية؛ حيث يرفع مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي، ويُعزز من مكانة عُمان في تصدير الخدمات الرقمية، كذلك يشجع البرنامج التحول الرقمي في القطاعين الحكومي والخاص لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف وتقديم خدمات ذات جودة عالية.
وأوضح العلوي أن البرنامج يتضمن 4 مُبادرات رئيسية تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال الاقتصاد الرقمي؛ حيث يسعى البرنامج إلى تهيئة البيئة الاستثمارية والقانونية والفنية لجذب مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إلى سلطنة عُمان، من خلال بناء بنية تحتية قوية يعتمد عليها المستثمرون الأجانب لدعم عملياتهم، كما يقدم حوافز للشركات المحلية والدولية العاملة في مجال الحوسبة السحابية لتقديم خدمات أنظمة الذكاء الاصطناعي كخدمة (AIaaS)؛ إذ يُشجِّع دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق العُمانية، إضافة إلى تحفيز الاستثمارات في مشاريع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة، من خلال خلق بيئة مواتية تسرّع التحول الرقمي في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ورابعًا: يدعم البرنامج الشركات الناشئة من خلال إنشاء استوديو للذكاء الاصطناعي، والذي يعمل كمركز يجمع المتخصصين والشركات لتطوير حلول مبتكرة وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
يُشار إلى أن البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي يعكس التزام سلطنة عُمان بتبني أحدث التقنيات الرقمية لتعزيز اقتصادها الوطني وتحقيق رؤيتها المستقبلية "عُمان 2040"، ومن المتوقع أن تسهم مبادرات- مثل مبادرة دعم الشركات التقنية الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي ومبادرة تحفيز الاستثمارات لإنشاء مراكز بيانات جديدة متخصصة في الذكاء الاصطناعي ومبادرة دعم المصانع بتقنيات حديثة- في زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان لتصل إلى 10% بحلول عام 2040، مقارنة بنسبة 2% في العام 2021.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإعلام والذكاء الاصطناعي.. تغطية الأزمات وثورة الخوارزميات
(2-1)
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
في هذا التحقيق، تستقصي «الاتحاد» جوانب من فرص زيادة فاعلية ورفع مهنية وتأثير وانتشار واستدامة رسالة الإعلام، من خلال توظيف استخدامات الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الإنسانية، بتوفير البيانات الضرورية واستقاء المعلومات من المصادر الرئيسة، بغرض إثراء وإغناء التغطيات الخبرية للأزمات الإنسانية. وإنجاز مادة الرسالة الإعلامية والقصة الخبرية بمصداقية وموثوقية، وكشف جوانب التزييف وعدم الدقة الخبرية -إن وُجدت- في بعض الروايات أو البيانات، حيث يبرز هنا استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة كمصدر لا ينضب لتعزيز جودة وفرص انتشار التحقيقات الصحفية، وتحفيز دورها وحضورها الإيجابي خلال مواكبتها للكوارث والأزمات الإنسانية.
لعل من أبرز تطلعات اللحظة المهنية الإعلامية الجديدة اليوم، وخاصة أثناء تغطية أخبار الأزمات والكوارث والتدخلات الإنسانية الناجمة عنها، ما برز مؤخراً من تطلع متنامٍ لدى كثير من الإعلاميين لتوظيف الممكنات الفنية والمهنية الجديدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي في تحقيقات العمل الإنساني بشكل خاص، وذلك لما يتيحه من فرص غير محدودة لجمع المعلومات وتحليل البيانات الضخمة، وقراءة واستشراف المشكلات المستقبلية في تحقيقات العمل الإنساني، وهو ما من شأنه رفع أداء التغطية الصحفية، وتسريع التطور وتحسين استدامة النشر الإعلامي، وصولاً إلى مزيدٍ من الارتقاء بوعي الجمهور ومستويات تلقيه لرسالة التحقيقات الإعلامية الإنسانية.
وقد أبرز كل هذا أهمية تعزيز استدامة وانتشار رسائل الإعلام، وجعل الذكاء الاصطناعي رافعة تقنية فنية جديدة لها، وخاصة ما يتعلق منها بإنجاز التحقيقات الإنسانية، حيث يمكن توظيف مختلف أدوات الذكاء الاصطناعي (AI)، لتعزيز الإسهامات الإعلامية المستدامة، وزيادة التأثير والفعالية في هذا النوع بالذات من القصص الخبرية ذات الأهمية البالغة لبُعدها الإنساني من جهة، ولصعوبة إنجاز الرسالة الإعلامية فيها عادة لاعتبارات ومصاعب وظروف لوجستية صرف من جهة أخرى.
وهي ظروف ومصاعب يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز قدرة الإعلام على احتوائها وتجاوزها ومن ثمّ أداء دوره المهني، وإيصال رسالته الإنسانية، بفاعلية، في مختلف الظروف وفي مختلف أنحاء العالم.
ومن هذا المنظور يبرز الذكاء الاصطناعي كمصدر لا ينضب لإثراء التحقيقات الصحفية، ومعالجة المعلومات، وتحليل البيانات الكبيرة بطريقة سريعة ومن مصادر كثيرة، مع إمكانية التقصي والتحري والتحقق من صحة البيانات، والأحداث على الـ«مباشر»، لحظة وقوعها و«في الوقت الحقيقي» (IRT).
وهو ما من شأنه تعزيز فرص تقديم التقارير الدقيقة والقصص الخبرية الحية والمحيّنة مع تواتر وسيلان الأحداث خاصةً خلال فترات وتحديات الأزمات الإنسانية.
ولا شك أن توظيف الإعلام لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الإنسانية يزيد فرص إمكانية اكتشاف واستشراف وقوع المشكلات الإنسانية، من الأساس، باستخدام تحليلات الخوارزميات التنبئية لكشف أنماط الأزمات المحتملة مثل المجاعات، أو النزاعات المسلحة، قبل وقوعها.
كما أتاحت لوسائل الإعلام أيضاً طيفاً واسعاً من الفرص لنشر الوعي أثناء التدخلات الإنسانية السريعة، وذلك عن طريق بث رسائل وإرشادات المحتوى الإعلامي الموجّه، بالاستخدام الأمثل لتقنيات أتمتة تحرير النصوص الإعلامية والإرشادات الإعلانية، والترجمة الفورية، والدفع بالروبوتات كإيقونات إعلامية جذابة لتقديم التقارير الإعلامية ونشر الإرشادات بشكل أكثر سرعة واستدامة.
ومن شأن كل هذا زيادة القدرة الفائقة لوسائل الإعلام على تغطية القضايا والحالات الإنسانية، وتعزيز توجيه المحتوى الذي يستقطب اهتمام الجمهور المستهدف في الوقت المناسب.
وساعدت خوارزميات الذكاء الاصطناعي أيضاً في تخصيص رسائل التوعية والتحقيقات الإنسانية بناء على نوعية الجمهور والمواقع الجغرافية المستهدفة، لضمان توصيل المعلومات لمن يحتاجون إليها في الوقت المناسب.
ولا شك في أن كل هذه الفرص التقنية والمهنية التي يتيحها ويفتح آفاقها الذكاء الاصطناعي تمثل إضافة حقيقية لرفع مستويات جودة القصص الخبرية، خلال تغطيات الأزمات الإنسانية، وهذا يوفر الكثير من الجهد والتكلفة على المؤسسات الإعلامية.
وبالقدر نفسه تتيح هذه الممكنات الفنية والمهنية أيضاً فرص مساعدة فعالة للمتضررين من الكوارث والأزمات والحالات الإنسانية الاستثنائية، وذلك لما أتاحته لصناعة المحتوى الإعلامي من سعة اطلاع دائم على الأحداث، وانتشار سريع، وتوفير لحظي للتقارير الدقيقة والموثوقة مع ما يترتب على ذلك من سرعة استجابة المجتمع الدولي بمد يد المساعدة والإغاثة للمتضررين، فضلاً عما لكل ذلك من أهمية بالغة في تمكين المجتمعات المعنية نفسها من اتخاذ القرارات المدروسة والاستجابة للأزمات الإنسانية، وتقليل التكاليف المادية والأوعية الزمنية للاستجابة الفعالة.
تحديات مهنية وأخلاقية
ولكن مع كل هذه الفوائد العظيمة المعززة لفعالية الرسالة الإعلامية، بشكل عام، من خلال استخدامات الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الإنسانية، إلا أنه تلزم أيضاً الإشارة إلى وجود تحديات مهنية وأخلاقية في استخدامه في التحقيقات الإنسانية، بشكل خاص، لعل من أبرزها وأظهرها مشكلات احتمال التعدي على خصوصية الأفراد، وإمكانية إساءة الاستخدام لتمرير روايات قد لا تخلو من التضليل والتزييف، وكذلك إمكان استغلال التكنولوجيا لترسيخ صور نمطية أو تحيُّزات معينة، وعدم الوعي بأهمية تحقيق التوازن بين الاستخدام الفعال للتكنولوجيا والحفاظ على الأخلاقيات المهنية بصفة عامة، وهذا أمر حيوي وجوهري في الرسالة الإعلامية لضمان الالتزام بمعايير الموثوقية والمصداقية.
وفي مجمل القول، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح الآن آفاقَ طفرةٍ متقدمة وثورة قائمة جديدة في آليات عمل وسائل الإعلام، ومستويات إنتاجية الجسم الصحفي، وصولاً إلى تحقيق استدامة نجاح الإعلام في أداء رسالته الإنسانية، بنشر الوعي، خاصة خلال التحقيقات الإنسانية.
هذا فضلاً عما يتيحه من فعالية وسرعة في تعزيز القدرة الفائقة لوسائل الإعلام على التفاعل السريع مع الأخبار والأحداث والأزمات الإنسانية، ومواكبتها في وقتها الحقيقي، مما يسهم بالتالي في نشر التوعية وحشد الجهود للتعامل مع الأزمات بسرعة ودقة فائقة.
وتكاد آراء خبراء الإعلام والمختصين في مجال الذكاء الاصطناعي، تتفق على أن ثورة الخوارزميات تفتح آفاق عصر إعلامي جديد بإمكانات واعدة وصاعدة، وتزداد فعاليةً وجودة ومهنية مع شروق شمس كل يوم جديد.
وتستحق آراء خبراء الإعلام والمختصين في مجال الذكاء الاصطناعي أن نتحول إليها، لأن لديهم ما يقولونه، في هذا المقام.
تعزيز مهارات الابتكار
بداية، تدعو الدكتورة ابتسام المزروعي، رئيسة مجلس إدارة مبادرة الأمم المتحدة «الذكاء الاصطناعي من أجل التأثير الإيجابي»، مستشارة للذكاء الاصطناعي في الاتحاد الدولي للاتصالات- سويسرا، إلى ضرورة إطلاق مبادرات في العالم لتعزيز مهارات الابتكار لدى الشباب، بحيث يكون ابتكاراً مسؤولاً، يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي في تعزيز جودة الحياة، وزيادة فرص التنمية والازدهار، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً هائلة في مجال رفع الجودة والابتكار، ولكنه قد يأتي معه أيضاً بتحديات ومسؤوليات تتطلب تعاوناً وتنسيقاً دولياً لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول ومستدام.
وفي هذا السياق، أُطلقت مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العامة» في عام 2024، بهدف تطوير شبكة عالمية من الداعمين الملتزمين بتمويل وتوفير الموارد لأنشطة الذكاء الاصطناعي حول العالم، مع التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة.
مستقبل العمل الإعلامي
وبدوره، تحدث الدكتور سعيد الظاهري، مدير مركز الدراسات المستقبلية- جامعة دبي، مؤكداً أن مسارات التغيير نتيجة حتمية لطفرة الذكاء الاصطناعي، وخاصة فيما يتعلق بتعريف مستقبل العمل الإعلامي، لافتاً إلى أن الذكاء الاصطناعي «لن يغير فقط ما نفعله، بل سيغير أيضاً الطريقة التي نتعامل بها مع ما نفعله».
وأشار الظاهري إلى أن من أهم النتائج الإيجابية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي تسريع التحول الرقمي عبر تكثيف الاعتماد على البيانات، وتغيير طبيعة الوظائف، وخاصة مع ظهور وظائف جديدة واختفاء وظائف تقليدية. ومن المتوقع أيضاً أن يدعم الذكاء الاصطناعي عملية صنع القرار، من خلال توفير تحليلات للبيانات أكثر عمقاً ودقة.
وأشار الظاهري إلى بعض المخاوف التي قد يطرحها الذكاء الاصطناعي، كخطر زيادة الفجوة الرقمية بين الدول، وتفاقم التحيُّزات والمعلومات المغلوطة والتزييف العميق، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وكذلك بعض التحديات المتعلقة بالاستدامة، في ظل استهلاك مراكز البيانات لكميات هائلة من الطاقة والمياه، ما يدفع باتجاه زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل مراكز البيانات، مختتماً، بضرورة حوكمة الذكاء الاصطناعي، من أجل ضمان استخدامه بطريقة مسؤولة وشفافة، ما يستوجب تعاوناً دولياً لوضع معايير وتشريعات لضمان حوكمة الذكاء الاصطناعي، ووضع معايير عالمية تضمن حقوق الإنسان، وتتجنب التحيُّزات التقنية.
رؤى واستراتيجيات
من جانبه، أوضح حمد المطيري، باحث في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، أن من المهم أن تكون ثمة علاقة قوية بين المعنيين في مجال الإعلام والعاملين والخبراء في الذكاء الاصطناعي، بحيث يكون هناك توافق كبير بين الرؤى والاستراتيجيات والخطط التنفيذية التي تسهم في تطبيق وتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، لكي يكون أكثر فاعلية وإيجابية وحيوية بما يتماشى مع القضايا الإنسانية الراهنة.
ويضيف: بلاشك يوجد جانبان للذكاء الاصطناعي في الإعلام، جانب مظلم وآخر إيجابي مُشرق، فالمظلم أن هناك الكثير من الإشكاليات التي بدأت تظهر حالياً على الساحة في مجال تزييف البيانات والمعلومات المغلوطة، ما يجعل من الصعوبة بمكان تتبعها خلال تصفحك المجال الرقمي، فبالإضافة إلى كثرة وجود التقنيات المختلفة التي يمكن أن تساهم في تزييف الحقائق، مما يسبب ضرراً بالغاً في الجانب المهني الإعلامي، هذا مع صعوبة التحقق من مدى صحة المعلومة وحقيقتها، فكل هذا بحاجة إلى قوانين وتشريعات وتفاصيل دقيقة تقنّن وتؤطّر وجوده وانتشاره. وبعد ذلك تأتي مسألة التنفيذ والتطبيق.
وفي الجانب الآخر، يقول المطيري، إنه مع استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة من خلال الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات، فقد بدأت تظهر لنا حقائق ربما كان الإنسان لا يستطيع إظهارها بالتحليل «العادي»، ولكن عمليات التحليل المعقدة التي تتم على الوسائط السمعية والبصرية والمواد الإعلامية توضح الكثير من الحقائق التي قد تساعد متخذي القرار على توظيف الأرقام والبيانات والإحصاءات التي تسهم في بناء الكثير من الأفكار البناءة والتصورات الإعلامية التي تخدم الفكرة والرسالة.
وتابع المطيري: لقد أصبح دور الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام محسوساً في تعزيز المحتويات وإظهارها بالشكل الصحيح والمناسب، بالإضافة إلى الاستباقية من الناحية الإيجابية، كون السبق الإعلامي من أهم مؤشرات الإعلام الناجح والمتمكن في الوصول لأكبر عدد ممكن من الجمهور.
واختتم المطيري: علينا التركيز على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكننا التأثير عليه لإنتاج مواد إعلامية ذات جودة عالية، وبحيث نتحكم فيها وفي توجهها ونتائجها. وهنالك كثير من الأمور التي يمكن أن نناقشها في هذا الجانب، سواء منها التحديات أو الإشكاليات أو كيفية إيجاد الفرص، ومن ثم تحويلها إلى حلول ممكنة، تساعدنا في الارتقاء بمستويات أداء المنظومة الإعلامية، من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي.
التزييف العميق!
من جهة، يقول جمال يوسف الصوالحي، أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية، بجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: باستخدام التكنولوجيا يمكن التحقق من المعلومات بشكل مفصل وواسع، إذ من خلالها أصبح الوصول إلى المعلومة ممكناً بشكل أدق وأسهل.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للباحث في القضايا الإنسانية نقد المعلومة والتثبت من صدقيتها وموثوقيتها بطرق فنية ومهنية عدة، ولكن من المهم أيضاً هنا التنبيه على ضرورة عدم أخذ المعلومات من برامج الذكاء الاصطناعي عرَضاً، من دون تدقيق، وبشكل أعمى، إذ لابد من تحليلها وعرضها على طرق التثبت والنقد، قبل الوثوق فيها أو استخدامها.
وأضاف الصوالحي: الحال أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة وواسعة من ناحية استخدامه في سياق إنتاج القصص الخبرية والتحقيقات الإنسانية، ومع مرور الزمن أتوقع أن يكون سقف استخداماته مرتفعاً، وربما مفتوحاً، لا يحده سوى قدرة الإنسان على التخيل. وبناء على هذا، فمن المهم جداً أن تضع الجهات المسؤولة التشريعات المناسبة لتنظيم استخدامه، وتقليل مخاطر استخدام هذه الأنظمة بطريقة مضرة أو غير مفيدة للفرد والمجتمع.
وفيما يخص الإعلام، من المهم حالياً الوعي بالتحديات المتعلقة بهذا الجانب، وفي مقدمتها كيفية منع ما يعرف بالتزييف العميق، إذ بإمكان هذه الأنظمة تقمص شكل وصوت شخصية مهمة مثلاً والتكلم بلسانها، مما قد يخلق أزمة كبيرة قد تصل حتى إلى المستوى الدولي.