الجزيرة:
2024-10-06@07:32:17 GMT

الانتخابات التي لم تعرف لها تونس مثيلًا

تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT

الانتخابات التي لم تعرف لها تونس مثيلًا

يتوجّه التونسيون اليوم الأحد السادس من أكتوبر/تشرين الأول إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في ثالث انتخابات رئاسية منذ ثورة الحرية والكرامة (2011)؛ لاختيار رئيسهم القادم من بين ثلاثة مترشحين؛ أحدهم قيس سعيد، الرئيس المنتهية ولايته، وزهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب الداعمة لقيس سعيد، والعياشي زمال الذي يقضي أحكامًا بالسجن؛ بسبب "مخالفات انتخابية".

من المتوقع فوز قيس سعيد بولاية ثانية في انتخابات لم تعرف لها تونس مثيلًا حتى زمن استبداد الرئيسين الأسبقين: بورقيبة، وبن علي. فعل قيس سعيد وأذرعه المختلفة كل شيء من أجل ضمان إعادة انتخابه.

تجاوزت هيئة الانتخابات المعيّنة من قيس سعيد صلاحياتها، مما أدّى إلى إقصاء العديد من المترشحين، ومنهم الجدّيون، ورفض الهيئة تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، الجهة المخوّلة بالبتّ في النزاع الانتخابي، بإعادة ثلاثة مترشحين من بين من أقصتهم إلى السباق الانتخابي.

من جهته، صادق مجلس نواب الشعب (المنتخب بـ 8% فقط من أصوات الناخبين في 2023) على تعديل القانون الانتخابي، بأيّام قليلة قبل يوم الاقتراع، تمّ بمقتضاه سحب اختصاص المحكمة الإدارية في النظر والبت في النزاعات الانتخابية، وتحويله إلى القضاء العدلي.

هذا إضافة إلى التضييق على حرية التعبير للمترشحين ولنشطاء الفضاءَين: السياسي والمدني، ولعموم التونسيين بفعل المرسوم 54 الذي يقبع بسببه ما لا يقل عن ألف وسبعمائة تونسية وتونسي في السجن.

كل هذه الإجراءات والخروقات وغيرها التي شابت المسار الانتخابي، جعلت من هذه الانتخابات، من منظور المتابعين ومعارضي قيس سعيد، فاقدة للحدّ الأدنى من شروط النزاهة والتعدّدية والشفافية بما جعلها أقرب إلى بيعة أو تزكية "قسرية" للرئيس المنتهية ولايته أكثر من كونها انتخاباتٍ حرّةً.

انتخابات صامتة

على خلاف كل الانتخابات السابقة التي انتظمت في عشرية الانتقال الديمقراطي (2011-2021)، لم تشهد الفترة المخصصة للحملات الانتخابية للمترشحين في هذه "الانتخابات"، حركية إعلامية وميدانية وتواصلية تعكس قيمة الاستحقاق الانتخابي ورهاناته. من أسباب ذلك:

قلّة المترشحين المتنافسين، حيث لم يتجاوز عددهم الثلاثة، يقبع أحدُهم بالسجن، على خلاف انتخابات 2019 التي تنافس فيها ستة وعشرون مترشحًا يمثلون كل العائلات السياسية، إضافةً للعديد من المستقلين. تأتي قلّة المتنافسين من الإجراءات الإقصائية التي اعتمدتها هيئة الانتخابات، ومن أجواء الخوف التي فرضتها سلطة قيس سعيد على المترشحين، وعلى الناخبين على حدّ سواء. ضعف حجم الإنفاق الانتخابي الذي حدّد سقفه بطريقة أحادية المترشح قيس سعيد، بصفته الرئيس المنتهية ولايته، بمائة وخمسين ألف دينار في الدور الأول، وبمائة ألف دينار في الدور الثاني، وهي مبالغ ضعيفة لا تسمح بتنظيم حملات دعائية وتحركات ميدانية في مستوى الاستحقاق. ضعف التغطية الإعلامية؛ نتيجة وضع المؤسسات الإعلامية تحت ضغط المتابعات القضائية، والخطايا المالية بعد أن اغتصبت هيئة الانتخابات اختصاص الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) في تحديد القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع، استنادًا إلى أن لها (هيئة الانتخابات) الولاية العامة على الانتخابات وكل ما يتصل بها.

كما ساهم اعتقال عدد من الإعلاميين وإحالة عدد آخر منهم على القضاء بتهم مختلفة تتراوح بين التآمر على الأمن الداخلي والخارجي للدولة وبين مخالفة المرسوم 54 المقيّد لحرية التعبير، في إشاعة حالة من الحذر تصل إلى الخوف في أوساط القائمين على الإعلام العمومي، خاصة بعد أن تمّ تحويله تحت حكم قيس سعيد إلى إعلام رئاسي لا مكان فيه للمعارضة والرأي الآخر، وفي أوساط أصحاب المؤسسات الإعلامية الخاصة التي تمّ "تدجين" خطها التحريري، وإلغاء البرامج الحوارية السياسية، وطرد بعض الإعلاميين "المشاكسين".

عزوف عموم الناخبين عن هذه الانتخابات هو جزء من عزوفهم عن الاهتمام بالشأن العام، عزوف يعكس حالة الإحباط التي يعيشها التونسيون بعد أن خاب أملهم في قيس سعيد الذي أخلف معهم كل وعوده، وفشل حتى في أن يضمن لهم مستوى عيشهم الذي كانوا عليه خلال عشرية الانتقال الديمقراطي.

الأرجح أن يؤثّر هذا العزوف في الاهتمام بالمسار الانتخابي الرئاسي على نسبة الاقتراع اليوم، لتكون مرة أخرى ضعيفة جدًّا، مثلما كانت في كلّ الانتخابات التي نظّمها قيس سعيد منذ انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021، خاصة مع إيهام الناخبين بأن إعادة انتخاب قيس سعيد ستكون مضمونة من الدور الأول، حسب ما يروّجه أتباعه.

غياب العروض السياسية الجادة من طرف المترشحين باستثناء ما قدّمه المترشح السجين العياشي زمال في وثيقته السياسية "الميثاق" من روح إيجابية ومقاربات جريئة وصريحة بعيدًا عن التخوين والترذيل والوصم والإقصاء والتقسيم التي تطفح بها خطابات المترشحَين الآخرين: المغزاوي، وسعيد خاصة.

فقد نجح المترشح زمال في تقديم معادلة يحتاجها مستقبل تونس، طرفها الأول البناء على مكاسب المراحل السابقة، وطرفها الثاني اجتراح الحلول للمشاكل والمخاطر التي تواجهها تونس، وَفق ترتيب معيّن للأولويات ومقاربات واقعية قابلة للتنزيل، وتغيير الواقع في أفق زمن محدّد.

كما نجح زمال في أن يتحرّر من التاريخ السياسي القريب والبعيد بكل أثقاله وعاهاته، وأن ينخرط في مقابل ذلك في المستقبل، وهو ما عبّر عنه في شعار برنامجه الانتخابي "نقلبو الصفحة"، بما يعني أن نفتح صفحة جديدة لا أن نمزق الكتاب.

نهاية صورة

يمكن تكثيف كل ما يتعلق بهذه الانتخابات من مقدّماتها إلى أطوارها وحصائلها وصولًا إلى نتيجتها المتوقعة بأنها ستمثل منعرجًا في المشهد السياسي التونسي، ولحظة فاصلة بين زمنَين: زمن بدا فيه قيس سعيد رئيسًا شعبيًا جمع حوله حاضنة شعبية وسياسية واسعة جدًا وأيقونة للإصلاح ومقاومة الفساد وتحقيق ما يريده الشعب وهو جملة استحقاقات الثورة، ومنها خاصة الاقتصادية والاجتماعية، وزمن أصبح فيه قيس سعيد مستبدًا معزولًا بدون حزام سياسي، خصيمًا للثورة وهادمًا لمكاسب الانتقال الديمقراطي، وتهديدًا للسلم الاجتماعي والأمن القومي، ليستحيل في الأخير إلى عبء على الدولة والمجتمع، ومجرد ظاهرة صوتية لم تغيّر ولن تغيّر من واقع التونسيين شيئًا إلا نحو الأسوأ.

بداية حراك

في جانب آخر، مثّلت الانتخابات فرصة لإطلاق حراك مواطني وسياسي ومدني هامّ ومؤثر ساهم في جرّ قيس سعيد إلى مربع الانفعال وردّ الفعل، مما دفعه لارتكاب العديد من الأخطاء والتجاوزات والخطايا بميزان القانون والعقل والمزاج العام، وإظهاره في جلباب المستبد المستميت في التمسك بالكرسي والمتعدي على القانون والأخلاق والمغتصب لحق التونسيين في انتخابات حرة، تعددية، نزيهة وشفافة.

كما كان المسار الانتخابي الرئاسي الراهن كفيلًا بأن يُخرج العديد من نشطاء المجتمعَين: السياسي والمدني وشرائح غير قليلة من المواطنين، وخاصة من الشباب، من المنطقة الرمادية إلى حالة من اليقين في أن ما قام به قيس سعيد ليلة 25 يوليو/ تموز 2021 هو انقلاب كامل الأركان تجب مقاومته وإنهاؤه حتى لا يذهب أبعد مما ذهب في تغيير هيئة الدولة، وتمرير مشروعه الشخصيّ، وتقويض مكاسب التونسيين، وخاصة الحقوق والحريات.

حقّقت ديناميكية الانتخابات مكاسب هامّة في المشهد السياسيّ العام، لم تنجح العملية السياسيّة بمختلف أطرافها في تحقيقها على الأقل بنفس القدر طيلة ثلاثية الانقلاب (2021-2024). فقد توسّع الحزام المعارض لنظام سعيد الذي قادته طيلة سنتين تقريبًا جبهةُ الخلاص الوطني (النهضة وحلفاؤها) إلى ما هو أوسع من السياسي بإعلان تكوين الشبكة التونسية للحقوق والحريات: (الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، وعدد من منظمات المجتمع المدني). المكسب الثاني الذي تحقق ضمن ديناميكية الانتخابات، هو مزيد اختراق حاجز الخوف بعد أن ظن قيس سعيد أنه نجح في فرضه على التونسيين. يبدو هذا الاختراق واضحًا في تعدّد التحركات الاحتجاجية وفي التطور النوعي، أولًا في الشعارات المرفوعة، ومنها شعار: "ارحل" الشهير، وثانيًا في رمزية أماكن الاحتجاج، مثل ساحة باردو المقابلة لمقر مجلس نواب الشعب يوم انعقاد الجلسة "الفضيحة" التي تمّ فيها تعديل القانون الانتخابي بتجريد المحكمة الإدارية من اختصاصها بالبتّ في النزاع الانتخابي، وإحالته إلى القضاء العدلي، بأيّام قليلة قبل يوم الاقتراع.

وجاءت خاتمة هذه التحركات الشعبية الهامّة يوم الجمعة 4 أكتوبر/تشرين الأول، عشية يوم الصمت الانتخابي بمظاهرة جابت أهمّ شوارع العاصمة تونس، شارك فيها الآلاف حسب بعض التقديرات، من مختلف الطيف السياسي والمدني، حيث رُفعت شعارات قويّة ضد قيس سعيد، منها: "الشعب يريد إسقاط النظام" و"حريات حريات لا رئاسة مدى الحياة" و"لا خوف لا رعب الشارع ملك الشعب".

لا شك أن محطة الانتخابات الرئاسية مثّلت لمعارضي قيس سعيد لحظة فارقة ساهمت في تجلية الكثير من الغموض حول حقيقة المشروع السياسي التسلطي لسعيد ومخاطره على تونس والتونسيين، كما ساهمت في تأكيد الحاجة إلى تصليب مقاومته بالنضال السياسي السلمي والمدني، خاصة أن شعبيته، حسب العديد من استطلاعات الرأي غير المنشورة، قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها، وأن حظوظه في تدارك ذلك تبدو معدومةً؛ لما أظهره من عدم كفاءة في إدارة الشأن العام، وخاصة أمام تعاظم التحديات والمخاطر.

ستكون الولاية الثانية لقيس سعيد مختلفة تمامًا عن الأولى. بينما جاءت الأولى من رحم بيئة ديمقراطيّة وانتخابات حرة ونزيهة وشفافة، جاءت الثانية من رحم بيئة انتخابية فاقدة لكل معايير الانتخابات الديمقراطية.

كان سعيد في الأولى في نظر التونسيين أيقونةً للإصلاح، وهو في الثانية مستبدٌ فاشلٌ وخطر على الدولة والمجتمع. كان سعيد في الأولى محلَّ إجماع التونسيين بمختلف توجهاتهم، وهو في الثانية معزولٌ سياسيًا ومرفوضٌ شعبيًا.

في مقابل تهافت صورة قيس سعيد ودخوله في ديناميكية سلبية، دخلت الساحة السياسية في ديناميكية إيجابية مع بداية تشكل حراك سياسي ومدني مهمّ نجح في تحقيق خطوات مهمّة، وبقي أمامه استكمالها بأخرى حتى تنضج حالة سياسية معارضة لقيس سعيد، قادرة على تعبئة الشارع، وتحقيق التغيير المطلوب.

بقي أمام هذا الحراك، بمختلف أطرافه السياسية والمدنية والمواطنية، بناء ثقافة سياسية بديلة عبر كسر كل الأقفاص والحلقات المفرغة التي انحبست فيها العملية السياسية في عشرية الانتقال الديمقراطي وبعدها، من ذلك المواقف الصفرية والإقصاء والتعفين والاحتراب الأيديولوجي.

بدا واضحًا أن تونس تحتاج عرضًا سياسيًا جديدًا بديلًا عن مشروع قيس سعيد ومتطوّرًا عما قبل 25 يوليو/ تموز 2021، يقوم على ثقافة سياسية جديدة أساسُها الديمقراطية، والاعتراف المتبادل بين الجميع، ويزاوج بين التنمية والديمقراطية.

سيكون حراك المعارضة هو الرابح، وإن نجح قيس سعيد في اختطاف ولاية ثانية، وسيكون قيس سعيد رئيسًا ضعيفًا منزوع الشرعية والمشروعية سياسيًا وأخلاقيًا وبدون أفق، ما سيدفعه إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء والخطايا، وبالتالي إلى مزيدٍ من الفشل حتى ينفد رصيده بالكامل. أمام المعارضة أفق واسع وفرصة تاريخية لتحقيق التغيير المطلوب عبر البناء على ما تحقق من مكاسب خلال العملية الانتخابية وقبلها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتقال الدیمقراطی هیئة الانتخابات العدید من قیس سعید سیاسی ا بعد أن

إقرأ أيضاً:

الانتخابات ورؤيا من خارج السرب

"الشيخ راشد الغنوشي" فرج الله كربه ورفع شأنه، سألني بعد تكوين جبهة الخلاص عن رأيي في المشاركة في الانتخابات الرئاسية، فكان ردّي واضحا وقاطعا، أنْ ليس من مصلحة الإسلاميين المشاركة فيها سواءً كانت المشاركة فعلية أو بالوكالة، فتلك جولةٌ وصَوْلةٌ لا مصلحة للإسلاميين فيها، بل ولا خير فيها لتونس، فنظام قام على انقلاب يجابه بالصبر والتفكر وتوعية الشعب ليأخذ حقه بيده فينتصر لمبادئه، وحقَّ للشعب أن يتطلع للتغيير مجتمعا، وإن أبى الشعبُ غير ذلك فهنيئا لهم بما استخفّهم به فرعونُهم.

والانقلاب آلية التداول التعسفي على السلطة بينما الانتخابات آلية التداول السلمي عليها. والضدّان لا يجتمعان.

ولذا فالمشاركة في انتخابات ينظمُها المنقلبُ اعترافٌ ضمنيٌّ بالانقلاب ذاته، وليصبح الانقلاب حلا طبيعيا ومقبولا لبعض الحوادث عند الأزمات، وما هو إلا استعلاء فرعونَ "وما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، فالمشاركة إنْ هي الّا تدنيس لعقود من المقاومة، وتشريع لمباركة المنقلبين، وهي كمثل من يأخذ من جسمك إصبعا ليستعبدك بعد حين..

فإن كان المبدأ لا يمكن تجزئته، فالسياسة ليست إدارة للمبادئ بل هي إدارة للمصالح داخل قواعد دنيا مبدئية "فالحرة لا تأكل من ثديها" و"النار ولا العار" "لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه"، فقد دعيت إلى ندوات تدعو إلى المشاركة لتوحيد الصف والبحث عن مرشح مشترك لدخول الانتخابات فلم أشارك وبقيت من الرافضين لأسباب سأذكرها لاحقا.

ويمكن تقسيم تلك الدعوات  إلى فترتين:

الفترة الاولى ما قبل السماح بالترشحات للانتخابات الرئاسية وكانت ميزة الأسماء المطروحة فيها أنّ معظمهم لهم موقف رافض للانقلاب غالبا، والفترة الثانية أي بعد ان سمح النظام الانقلابي بفتح باب الترشحات للانتخابات الرئاسية ظهرت اسماء أخرى مختلفة التوجهات وذات المواقف المتباينة من الانقلاب.

ـ المشاركة اعتراف ضمني بالمنقلب وتمشيه وتشريع هجين على أنّ الانقلابَ حلٌّ في عقد اجتماعي يرمي إلى احترام إرادة الشعب وخياراته في حالة الأزمات، وهذا مبدئ مرفوض ولو كان سياسيا.أما موقفي الرافض فثابتٌ لأسباب أهمها سبعة:

1 ـ القرار السياسي تأتي نتيجتُه بعد زمن ليس بالهين، فقد تمر أجيال واجيال عدة ولكن نتيجته حتمية. فارتطام القلم بالأرض بعد فتح الأصابع سنة حتمية، الفارق، المسافة التي تلقيه منه، أما صراخك أو تصفيقك فلن يزيد أو يقصر لا في الوقت ولا في المسافة الضرورية للسقوط ولا يلغي حدث الارتطام.

ناهيك أنّه انقلاب على خيار شعب من مخادع حلف على القرآن فاخلف، ومن مجهول جاهل في عالم السياسة لا يرى نفسه الا نبيا، فهو فوق المحاسبة، استخف بمقاصد الحرية والديمقراطية بعد دكتاتورية عاتية.

انقلاب جاء واقتصاد البلد يزداد انهيارا يوما بعد يوم، كل ذلك في عالم لا تخفى فيه معلومة إلا وكشفت. وعليه فحتمية سقوط الانقلاب مسألة وقت ولن تتأخر لا محالة.

2 ـ المشاركة اعتراف ضمني بالمنقلب وتمشيه وتشريع هجين على أنّ الانقلابَ حلٌّ في عقد اجتماعي يرمي إلى احترام إرادة الشعب وخياراته في حالة الأزمات، وهذا مبدئ مرفوض ولو كان سياسيا.

3 ـ المشاركة في هذه الانتخابات وهو خيار اليأس واليأس توأم الوهم، فهي تدنيس لعقود من المقاومة والصبر والشهداء، فان نجح المنقلِب فسيثبّت طريقه ويحتج على المشارك فيها بالقبول به كقائد وبقانون لعبته، وان لم ينجح فقد خرج بانتخاب بلا حساب ولا عقاب، وبالتالي قبول "تحت الطاولة" بالانقلاب على انه عمل اصلاحي، ونبذ لعشر سنين من محاولة التعايش السلمي التونسي.

4 ـ أقول لمن يتكلمون عن الشفافية في الانتخابات، إنّها لا تهمّ إلا طائفة من الناخبين، تلك التي لن تقرر إلا في الدقيقة الأخيرة من تنتخب؟ فعادة الشفافية في الانتخابات سلاحُ الحاكم إذ بيده أدوات الدولة والاتصال فتزيد في شعبيته إن احسن إدارتها، ولا مجال لذكر الأمثلة هنا فهي عديدة.

5 ـ لقد سبق لي وان أكدت سنة 2012، أنّ الخروجَ عن التوافقات السياسية بين العاملين بها تعني أنّ المصالحة بين مؤسسات الدولة والشعب وممثليهم ستفقِد تونس ما اكتسبته بعد ثورتها، وستنتهي إلى فوضى في البلد ضرورة، فوضى تؤدي حتما إلى تقاتل غير منظم.. قلت يومها "لن يعلم القاتِلُ لِمَ قَتَل ولا المقتولُ لِمَ قُتِل".

فالوضع اليوم يزداد في اتجاه الأزمة في علاقة بيانية معقدة تحت مفعول الحالة الاقتصادية والأمنية، فعجلة الإنتاج متوقفة وعليه فالأداءات تنقص وهيبة السلطة تضعف، حتى ينهار الأمنُ الاجتماعي في ظل انتشار الخوف والجوع وغياب الخدمات من صحة ومثلها، وكل ذلك يدفع لزيادة في الجريمة، ونمو الإجرام إضعافٌ للدولة، وباب لفتح الدفاع عن النفس بالمقاومة الغير المنظّمة، ولقارئ للتاريخ أن يستقرأ تاريخ تونس وغيره.

6 ـ التغييرات السياسية الكبرى سواء العالمية منها أو الإقليمية والأطماع التي تحوم حول تونس لاهميتها كموقع جيوسياسي استراتيجي لا يمكّن من العاملين فيه ومن حوله التعامل مع المنقلِب إلا بحذر شديد إذ أنه غير محسوب. فالغرب وإن كان حليفا، فمصالحه أهم من تونس، فالحرب الاوكرانية قد أثرت على اقتصاده وانهكته، أضف ما تؤثر فيه الحرب في غزة ولبنان ودخول ايران على الخط والتهديد الروسي، وأن أمن اسرائيل أصبح مهددا، كل هذا وأكثر لا يجعل لتونس حظا كبيرا كما كان، وإذا ما أضفنا الحلف الصيني الروسي والصراع الخفي حول ليبيا وأمن الجزائر، فذلك كلّه يجعل من استحالة إفراز سياسة خارجية تونسية تستجلب التمويل الذي قد يعيد اقتصاد البلد فيكفيها التداين ويجعلها تعمل في اكتفاء ذاتي دنيوي. ولن يبق غير التهريب سلعا للحياة والتهريب يقوم على الإجرام الذي ستزداد سطوته في علاقة بضعف السلطة فتتفكك الدولة.

المشاركة في هذه الانتخابات وهو خيار اليأس واليأس توأم الوهم، فهي تدنيس لعقود من المقاومة والصبر والشهداء، فان نجح المنقلِب فسيثبّت طريقه ويحتج على المشارك فيها بالقبول به كقائد وبقانون لعبته، وان لم ينجح فقد خرج بانتخاب بلا حساب ولا عقاب، وبالتالي قبول "تحت الطاولة" بالانقلاب على انه عمل اصلاحي، ونبذ لعشر سنين من محاولة التعايش السلمي التونسي.7 ـ البنية التحتية للبلد، واهتمام الشباب بالهجرة وخاصة ذوي الشهادات العليا لا تعطي أملا لمستقبل قريب، لأنه بحاجة إلى أموال طائلة لاستعادة الطريق في عمل مشترك وزمن ليس بالقصير.

ولذلك فسقوط السقف حتمي مهما كانت هوية القائد، فالأولى أن يسقط السقف على المنقلب ومن يسانده، حتى تجد المعارضة قاعدة مشتركة للتخفيف بعدها من ردة فعل السقوط.

ولمن يخالفني وجهة نظري وجدلا أني مخطئ في تقديري، وتواصلا مع ما يراه غيري من أن الانتخابات قد تعيد الحرية فالديمقراطية وبكل أمن وأمان..

أقول

1 ـ من لم يندد يوم الانقلاب بالانقلاب، فأما بارك فيه أو سكت عنه فحلول الانقلاب ساكنة فيه، فمن يضمن تعهده، وتنازله عن السلطة ان لزم الأمر، ومن يضمن عدم إداته للعبة بشكل آخر،  وبيده دستور أعتى من دستور المشير محمد باي الذي سبق محمد الصادق باي صاحب أول دستور تونسي سنة 1861. من يلزمه وهو حسب دستور الانقلاب الوحيد المشرع والدولة كلها وظيفيّة بين يديه لهواه؟.

2 ـ ما هو برنامج المرشح حتى لا يقع سقف حتميّةِ ما أنتجه الانقلاب من دمار على رأسه فينجو منه المنقلب وقد يعود كمصلح ومخلص، وفي التاريخ أمثلة كثيرة.

3 ـ قطعا من يحسب أن قيسا سيترك الحكم له، أن انتخب، فسيفتح أبواب حرية الصحافة وحرية القول السياسي وسيفتح السجون، وهذا سيجعل من الشعب الذي خنع للسكوت فمسك صفا لساعات من أجل الحليب أن يرفض الصف مرة أخرى ويطالب بكل رفاهية، ما سيدفع الدول المتآمرة على تونس لتحريك ما حُرِّك من قبل، لإرباك وضعها فكيف له ان يجابه كل ذلك؟

4 ـ ما جعل الإنقلاب يبقى لحد الساعة هو عدم وجود حاضنة جدية وصلبة داخل النخبة السياسية والثقافية فضلا على الاقتصادية والنقابية وهو ما يجعل أي تغيبر معرضا للفشل منذ خطواته الأولى. وما لم تنجح النخب في إيجاد حاضنة في حدها الأدنى رغم الوضع الكارثي في البلاد فالخطر كبير يحيط بالوطن وأهله.

5 ـ إن كانت الدول لا تطمئن إلى عهود قيس لأنها تقوم عن النبوة، أما من سيخلفه فهو في حاجة شديدة إلى المال، ولذا فإن بيع تونس والاعتراف بالكيان أمران لا مر منهما، وعليه فإن جانب الحريات وإن فُتح سيغلق في أسرع وقت.

6 ـ مازال قسط من الشعب التونسي وأكثر الفاعلين السياسيين يعتقدون انه على الإسلاميين الابتعاد عن الشأن العام، ويوجهون لهم النقد فيما يحصل في البلاد في العشرية الأخيرة ولم يتساءلوا أبدا لماذا سقط نظام بن علي وما قدمه المشاركون في العشر سنوات. إنّ ما ينتظره الفرقاء السياسيين من الإسلاميين المشاركة احملهم لسدة الحكم ثم العودة لبيوتهم.

7 ـ حسب ما قمت به من حسابات مستعجلة فان استتباب الأمن لبداية جدية نحو النمو في حاجة إلى ميزانية تونس أخرى حالاّ حتى يعاد بناء اقتصادها، فالبلد بحتاج إلى ترميم، والترميم يحتاج إلى وقت، وشعب يجهل الحرية وابعادها ومتطلباتها لن يكون مستعدا لإعطاء الوقت والصبر في التفاني لنهوض تونس.

8 ـ إصرار المرشحين على المشاركة الانتخابية اظهر نية النظام الحالي المخفية والحقيقية أنه ضعيف خائف، ولكنه أظهر أيضا عدم تراجعه عن نيته الجامحة في الانتصار، ومن ظن أنه لن يزور الانتخابات قطعا إذا احتاج، فهو لم يستوعب المنقلب بعد، ومن ادعى أن تزويره ستصبح ورقة ضغط عليه في العالم الخارجي وأمام شعب أسبَغ الخوفُ عليه رداءه، فقد أكون أبلها.

وفي الآخر لمن دعا للمشاركة أن يدفع المشرحيْن ليتنازلا لتقل نسبة المشاركة وتنزل عن 11٪؜، ليبقى وحيدا.

ما جعل الإنقلاب يبقى لحد الساعة هو عدم وجود حاضنة جدية وصلبة داخل النخبة السياسية والثقافية فضلا على الاقتصادية والنقابية وهو ما يجعل أي تغيبر معرضا للفشل منذ خطواته الأولى. وما لم تنجح النخب في إيجاد حاضنة في حدها الأدنى رغم الوضع الكارثي في البلاد فالخطر كبير يحيط بالوطن وأهله.أما أنا فأبقى مع مقاطعة فكل مخرجات الانقلاب مرفوضة حتى إذا ما سقط، سقط معه حصنه وهو ساقط اعجل مما يظن البعض لكننا قوم نستعجل الحكم لا النصر.

إن الدوافع لعدم المشاركة لم أذكر منها إلا غيضا من فيض ولذا فإني أدعو إلى الصبر والتصابر، فالصبر طريق العارفين، وعدم الفعل أحيانا هو الفعل المطلوب، ولْنهتمّنّ بالشعب وتوعيته، فالسقف ساقط لا محالة، فلنستعد.

هذا النظام يبحث عن نسبة المشاركة لا عن من سيزاحمه، فهو قد فتح طريقه للملكية والأيام بيننا، ومن استفتح طريقه بالغدر فهيهات ان يغلقه بالعفّة والتوبة، ومن يعمره الله في الأرض لهوى في نفسه ينكسه في الخلق، إذ أنه على هدى فرعون وأن إلهه هواه بيده وينتصر لمبادئه.

سأقاطع حتى لا أكون شاهد زور على انتخابات غير شرعية ومزورة وإن لم تزور عينيا فهي مزورة حقيقة ومعنوية، ولن أشرعن باطله وسبله.

"فاصبر إن وعد الله حق.. فاصبر كما صبر العزم من الرسل ولا تستعجل لهم"

دعوه يحكم فلن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا، فالشعب الذي يريده لن يأذن الله في استخلافه إلى أن يغير ما بحاله، فالجزاء لا يكون إلا من جنس العمل.

مقالات مشابهة

  • تونس: الملايين ينتخبون رئيسا للبلاد وسط حالة القمع السياسي وخشية من العزوف عن مكاتب الاقتراع
  • ولاية قيس سعيد و5 سنوات من بورقيبة وبن علي والثورة
  • تونس تدخل مرحلة الصمت الانتخابي
  • تونس تبدأ اليوم مرحلة الصمت الانتخابي عشية انطلاق الانتخابات الرئاسية بالداخل
  • شلقم: يوم الأحد القادم تجري الانتخابات التونسية وتهانينا للرئيس قيس سعيد
  • مجزرة قيس سعيد القانونية في تونس.. هل من أمل في انتخابات الغد؟
  • بدء مرحلة الصمت الانتخابي في تونس استعدادًا للانتخابات الرئاسية
  • الانتخابات ورؤيا من خارج السرب
  • “مفوضية الانتخابات” تطلق ورشة تدريبية لتعزيز حماية المسار الانتخابي من المخاطر الرقمية